عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 2407 - 2008 / 9 / 17 - 05:45
المحور:
الادب والفن
الشعر هذا الغامض الحالم المليء بالأسرار , كل الذين حاولوا القبض على جوهر الشعر , قبضوا وَمْضَ الريح , فالشعر سرّ الكون فيه , ومن نواصيه تقدح آلاف الجنيات بواقد الذهن , كم أرّق الشعراءَ , وحوّل فرسانهم إلى محض مجانين , تذروهم أذرع الكلمات من البدء إلى البدء , أو من قال عشقاً , قال شعراً , لم يدر كيف ولا لماذا فعل ؟ هو كان منفعل بالعشق والهوى , فصادَتِ الكلمات في حواف قلبه , فأردف مع اللوعة شعراً , إن الذي يريد أن يُعِّرف الشعر , كالذي يحاول تحديد لون الشفق , إذ الحركة وفعل الديمومة وفيزياء الكون , والناظر والمنظور , ومركز الرؤية والرائي جميعاً , تُحاول أن تتماهى له كأنّه يرا , فكم كان عظيماً المتنبي – عندما قال : أنام ملءَ جُفوني عن شوارِدِها – وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاها وَيَخْتصِم ُ ) هكذا هو الشعر ففي غفلة من عين الرائي توقف الزمن فكان المتنبي , فمن أراد أن يعرّف الشعر عليه أن يكون مُتَنَبياً , إذ الشعر غابة مداها الكون , ومجاهيلها أكثر من معاليمها , أو لا كان 0كل الذي يُعَرف أو يعرّف , حسب اعتقادي ليس شعراً , وإن كان يشبه الشِّعر , أو يماثله ( على قلق ٍ كأن الريح تحتيٍ ) هو الشعر , الرائي لا يُحدد , لا أريد أن أدخل في تفاصيل هذه المسألة الشائكة – لأن الأديب الناقد – د – مصلح النجَّار – قد أوفى هذا – فهو رصد أحوال الشِّعريات في القصيدة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين , هذا هو كتاب الباحث والأديب الأردني – د – مصلح النجَّار – الذي يبدأ كتابه الذي هو دراسة شاملة – للشعرية وعنها – موثقاً كتابه ببصمات أهم الكتاب والشعراء العرب , ومستشهداً بآراء أدباء ونقاد هذه الحقبة الزمنية – وموضحاً أفكاره بأمثلة من القصائد وما تأخذ من أسلوبيات مختلفة , ومفاهيم في الشعر – والشعرية – ومدارسهما – أو التجريب الذي أدلى به كل كاتب , أو جماعة , أو شاعر – فيبدأ الكاتب اً – باستهلال , ثم مجموعة من الأبواب – 2 – الباب الأول – مظاهر الشعرية قَسّمـََهُ إلى بند شعرية أم شعريات – ثم الشعريات الكبرى - الشعريات الصغرى –بين الشعرية والجمالية – ثم الجماعات والمرجعيّة – والقوى المحركة 0 2 – الباب الثاني – الشعرية والحداثة : أفق التجاوزات وفضاء الإنجازات 0
* مساحات الحداثة وآفاق التجريب الحداثي * اتجاهات للتجريب الحداثي في موضوعات القصيدة العربية ومضامينها * اتجاهات التجريب الحداثي في الأسلوب الشعري 0
* الباب الثالث : نمنمات على حرير القصيدة :
* تكنيكات الحداثة / حمّالات الشعرية 0
الباب الرابع : الشعرية اللاوزن 0
ففي الاستشراف يؤكد الناقد على اهتمام دراسته ( تهتم هذه الدراسة ص / 7 /
هنا يتم كتابة مقاطع من المقدمة – لتوضيح ما يريده الكاتب ( يكتب كل كلام بين قوسين ( ص 9 / ص 11 / ص 12 ص 13 / ص14 / ص15 / 0
ثم يتساءل الكاتب عن الشعرية ( شعرية أم شعريات ) – ( أثمة شعرية واحدة أم شعريات متعددة في إطار حركة الشعر العربي الحديث – ويستعرض اصل الشعرية العربية الحديثة ويقسمها إلى :
1– المرحلة العقلانية – تجربة الرواد ( الأربعينيات والخمسينيات )
2 – المرحلة الرؤيوية – تجربة شعراء الستينات 0
3- مرحلة المصالحة بين العقلانية والرؤيوية : تجربة ما بعد الستينات 0
4 – مرحلة انهيار المركز – تجربة الثمانيات 0
5 – مرحلة التشتت وتراجع التطرفات – تجربة التسعينات والبداية المهمشة لقرن جديد , 1- فيكون الوعي الخاص بالذات – شعراء الأربعينات والخمسينيات2- العزلة شعراء الستينيات ومن ثم التناقضات والهزائم , ا - أما شعراء السبعينيات – فشعرهم شعر الهدوء مع اعتزاز بالتراث الشعري العربي الجديد – ب - أما شعراء الثمانينات فقد اقتربت أشعارهم من الطرح الفكري أكثر من سعيهم إلى أن يبدعوا شعراً – لقد أسس هؤلاء لنص شعري جديد . ج - أما شعراء التسعينات فغلب على شعرهم التجريد الذهني والشكلية الزخرفية والتكوين – ويؤكد المؤلف ( إن النظر في العقود الخمسة الأخيرة من القرن العشرين تظهر أنه تم حشر تجربة قرون ٍ من شعر الغرب في عقود ٍ من الشعر العربي ) 0
ويتحدث المؤلف عن الشعريات الكبرى ويقسمها إلى 1- شعرية كلاسيكية 2 – شعرية واقعية – واقعية اشتراكية 3 – شعرية ما بعد الواقعية 4 – شعرية اللاوزن – شعر منثور – نثر شعري – وينتقل المؤلف إلى الشعريات الصغرى فيقسمها إلى : ا – شعرية المهمش 2 – شعرية الثورة 3- شعرية الاضطهاد 4- شعرية الصراخ 5- شعرية المشروعية التراثية 6 – شعرية المرجعية 7 – شعرية البوح 8 – شعرية الرّوْغ ( المرواغة ) 9 – شعرية الزَيغ 10 – شعرية الطفرة ( شعرية الفوضى ) 11- شعرية الكثرة 12- شعرية القلة 13 – شعرية السائد 14 – شعرية المغاير 15 – شعرية الأنثوي 16 – شعرية الذكوري – ثم ينتقل الناقد إلى – الشعرية والجمالية – فيؤكد أن ( الجماليات هي عناصر الشعرية , فإن السياق يدفعنا إلى الحديث عن الجاذبية بوصفها مفهوماً مصاقبا ً للجمال 0 فالجمال سمة النص في هذا السياق والجاذبية أثر النص في المتلقي ) 0
ثم في فصل – الشعرية والحداثة – أفق التجاوزات وفضاء الانجازات ص ( 71) 0
ومن البداية نرى في هذا الفصل – رأي الأديب الناقد – مصلح النّجار – الأكثر عمقاً وتجذراً في المفاهيم الأكثر حرية , التي تعالج الموضوع بوعي كبير وتحليل عميق لظاهرة الحداثة , التي هي حركة جدلية , تستمد جلّ قيمها – ليس من حركة التاريخ وفهمه فقط بشكل تصاعدي , بل أيضاً لفهم الضرورة الحياتية جمالياً التي جوهر ارتكازها على قوائم المعرفة 0 التي جوهرها الحرية التي تحاول الإفلات من الماضي بصفتها ثورة لا على القيم الماضوية فقط , بل لتصنع لنفسها قيمها الجديدة التي تناسب مفاهيم وجماليات العصر المعاش حيث يقول الكاتب : ( تقوم حركة الحداثة على قول ما لم يُقل في هذا المجتمع , وعلى رؤية عوالم متحررة من جميع العوائق النظرية والعملية في حرية تخيل كاملة وحرية تعبير كاملة 0 وما لم يُقلْ بعد قد يكون أكثر تعقيداً , وغموضاً مما قيل , وربما اتسع ذلك المجهول , وازداد غموضاً وتعقداً , وبتعبير أدق , فهناك من يرى أن الحداثة هي صنعة التبدل الشعري الذي عرفناه منذ الأربعينات ) ويدرج الباحث – أي الشاعر يوسف الخال في محاضرة ألقيت عام 1956 في الندوة اللبنانية بعنوان مستقبل الشعر العربي في لبنان – ويعتبرها بمنزلة بيان أول للحداثة الشعرية العربية وأجمل فيها أي ( يوسف الخال ) الحداثة في عشرة بنود يمكن العودة إلى الكتاب ص ( 72 ) ويؤكد المؤلف على 1 – وهم ترجمات الشعر من اللغات الأخرى 2 – وهم الملحمية 3 – وهم تقصير القصيدة 4 – الوهم الأدونيسي 5 – الوهم الدرويشي ( أي تماثل أو تخطي – محمود درويش ) وهنا يطرح الكاتب مسألة في غاية الأهمية – وربما يكون سباقاً لطرحها بوصفها مشروعاً مهماً لجلّ المشروع الشعري – الثقافي العربي – حيث يؤكد ( ولعل المبدعين العرب , في بعض بيئاتهم , قد أخطأوا , منذ البداية , فهم حداثة الغرب , فلم ينظروا إليها على أنها ارتباط عضوي ّ بالحضارة الغربية وبأسسها العقلانية خصوصاً , وإنما نظروا إليها بوصفها أبنية وتشكيلات لغوية – وبالكيفية نفسها اخطأوا في فهم أطروحات أدونيس , ويوسف الخال , وأنسي الحاج , وسواهم من الذين تكلموا على الحداثة في الشعر فلم يأخذوا منها في تطبيقهم إلا الشطط , والمغالاة , والشكليات , أو المظاهر الفنية ) ونستمر في الرحلة الممتعة والشيقة والعميقة مع الكاتب – مصلح النّجار حيث نغوص معه وبمعيته – إلى مساحات الحداثة وآفاق التجريب الحداثي – ( شعر الحداثة موقف من الكون كلّه , لهذا كان موضوعه الوحيد وضع الإنسان في هذا الوجود , ولهذا كانت أداته الوحيدة هي الرؤيا – الشعر سؤال حول الشعر , بقدر ما هو سؤال حول الإنسان والأشياء والعالم , بيد أن شعر شعرائنا المحدثين يندرج في أفق الشعر الذي يمكن أن يسمى الشعر الوظيفي , إنه جزء من الحدث , شعر تابع للحدث , ذائب فيه ( ص 77 ) ويؤكد أن الشعر ( بوصفه التعبير الأسمى عن الإنسان ليس مجّرد علاقة بين الكلمة والكلمة , وإنما هو علاقة العالم بأشيائه 0 الكلام الشعري غائّي , بدئياً من حيث أنه إفصاح عن هذه العلاقة 0 وتفض هذه الغائية على الشاعر أن يكتب بأقصى ما يمكن من معرفة اللغة , ومعرفة الإنسان والعالم ,و بأعمق ما يمكن استشرافياً , وبأبهى ما يمكن جمالياً , وكما أن الحداثة غير موجودة في الحياة العربية , فإن الشعر غير موجود فيها أيضاً , بوصفه رؤية تأسيسية , وبوصفه فاعليّة معرفية كشفيّة قائمة بذاتها 0 وقد جاء حرمان الشعر من ذلك كله بسبب سيطرة الوحي السماوي الديني على كثير من هذه المهام , ( ويستمر الاستشهاد بالأديب الكبير – أدونيس – وما يفتأ أدونيس يحذّر من خطر , على حد تعبيره , يتهدد الشعر وهو أن يكون , من جديد , وسيلة لخدمة ما يسمى الحقيقة الدينية أو التقنية , أن يعود إديولوجيّا أو سياسياً أو اجتماعياً , لكن بلباس آخر , وفي هذا ما سيفرض على الشعر ألا يكون أكثر من تنويع على النصوص الأولى , تنويع تسيطر عليه خصائص التعليمية والعقلانية وسوف يوصف الشعر الذي لا تتمثل فيه هذه الخصائص بأنه هذيان وجنون ) ويرى المؤلف أن أهم , ما يكتنف أداء الحداثة الشعرية العربية تتلخص في :
أ- حشد أكبر قدر من السمات الفنية والموضوعية الحداثية في كل نص 0
2 – التخبط وكثرة الخلط في الأخذ عن المدارس , والاتجاهات والتيارات والتجمعات الغربية 0
3- الوقوع في دائرة النمطية في سياقات الحداثة وما بعد الحداثة 0
4- ضيق المدى الزمني الذي حشر الشعراء العرب فيه حداثتهم التي سعوا منها إلى محاكاة المنجز الحداثي الغربي قياساً بما قُدِّر للحداثة الغربية من مدى زمني ونستمر مع المؤلف في نمنماته على حرير القصيدة / تكتيكات الحداثة / حمّالات الشعريّة – حيث يؤكد المؤلف أنه ( ظهر في الشعر العربي الحديث ) منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين , عدد كبير من الظواهر الفنية والموضوعية الجديدة , وظواهر حدث فيها تطوُّر أو تجديد أوجز أهمها في الظواهر الآتية : الوزن – والقافية , والتكرار , والتدوير , وتضمين التراث , والرمز , والأسطورة , والأغنية الشعبية , والصورة الشعرية , ولغة الشعر , والبناء الدرامي , والوحدة العضوية , والغموض الخ 00 وهكذا يستمر المؤلف في طرح كل الأشكال الحداثوية التي استخدمت خلال النصف الأول من القرن العشرين , وذلك على مدى أكثر من ستين صفحة في الكتاب / أي فصل / نمنمات على حرير القصيدة – فيبدأ بكيف تم استخدام شكل الطباعة على الصفحة ! مروراً بالسطور المتساوية وغير المتساوية , أو التي تتوسط الصفحة أفقياً أو عامودياً أو تقسيمها إلى أعمدة ومن ثم – الأشكال , والرسوم , والرموز , والأسهم , والانحناءات , ضارباً على ذلك الأمثلة ( يمكن العودة إلى الكتاب ( ص 108 – 109 ) ومن ثم التشكيل بالكلمات والسطور أو تقسيم كلمات القصيدة – كما هي الحال عند الشاعر – ( كمال أبو ديب ) ومن المعلوم أن كمال أبو ديب هو من أهم الأصوات الشعرية العربية ومن أهم منظري شعر الحداثة – وأيضاً نرى عند الكاتب – مصلح النجَّار في الصفحة (121-122) كتابة القصيدة أو جزء منها في شكل هندسي مستطيل أو مربع أو مثلث – أو سواهما , ويستمر التجريب إلى عنونة القصيدة بحروف لاتينية ,
* شعرية اللاوزن ( إذ يقول ابن سينا : ( وقد يعرض لمستعمل الخطابة شعرية , كما يعرض لمستعمل الشعر خطابية , وهو لا يشعر إذا أخذ المعاني المعتادة , والأقوال الصحيحة , التي لا تخييل فيها , ولا محاكاة , ثم يركبها تركيباً موزوناً , وأما أهل البصيرة فلا يعدّون ذلك شعراً فإنه ليس يكفي للشعر أن يكون موزوناً فقط ) وقد أشار الفارابي إلى القول الشعريّ الذي هو قول توافر التخييل أو المحاكاة دون الوزن ) لقد توفر وفاقاً لمزدوجة الوزن واللاوزن أربع طرق للتعبير الأدبي هي :
1- التعبير بالنثر 0
2- التعبير نثرياً بالوزن 0
3- التعبير شعرياً بالنثر 0
4- التعبير شعرياً بالوزن 0
( وبالتالي فإن مثل الرأي السابق لا يجعل الوزن شرطاً وجودياً للشعر , بل أن التعبير ( اللغة ) هو ما يجعل الكلام شعراً أو نثراً , فالوزن أو انعدام الوزن لا يحيل أحدهما بنفسه الكلام شعراً 0 وبالتالي فمثلما يمكن أن يكتب أديب ما عملاً فضاؤه العام هو الرواية , وجوهره شعري من مثل روايات / أحلام مستغانمي / ويستخدم النثر النظام العادي للغة , أي يستخدم الكلمة لما وضعت له أصلاً 0 أما الشعر فيغتصب أو يفجر هذا النظام , أي أنه يحيد بالكلمات عمّا وضعت له أصلاً ) ص / 192/ 0
* قصيدة الشعر الحر غير الموزون :
سماتها الآتية : 1- الاعتماد على الصورة الشعرية 0
2- الاعتماد على الموسيقى الداخلية 0
3- تخطي نظام التفاعيل 0
ثم يحدثنا الكاتب عن الإيقاع مستشهداً بابن سينا ( فإن اتفق أن كانت النقرات منغمة , كان الإيقاع لحناً , وإن اتفق أنْ كانت النقرات لحناً محدثة للحروف المنتظم منها كلام , كان الإيقاع شعرياً , )
• إن كتاب مصلح النجَّار ( الكتاب والنبع) هو كتاب جدير بالدراسة , وهو مرجع هام من المراجع التي تقرأ بسلاسة , ولا ينقصه التشويق والمتعة , إذ هو مهم ليس للشعراء والأدباء فقط بل أيضاً لدارسي الدب بشكل عام, والشعر بشكل خاص, وعلى الرغم أن المؤلف يقول في بداية الكتاب أنه ( رصد لأحوال الشعريّة في القصيدة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين ) إلا أن الكتاب يتجاوز ذلك بشموليته والأمثلة التي يستشهد بها وعدد الكتاب والأدباء والنقاد من أعلام النقد العالمي والعربي , الذين ساهموا في خلق النظرية الشعرية , أو الشعر بمفاهيمه المختلفة ومدارسه المتناقضة لذا نرى الكاتب لا يبخل بالولوج مع الكتـّـاب والمنظرين على اختلاف مشاربهم للوصول إلى الدر السمين , أو الغَث الباهت , , لدرجة أنّك تخاله وأنت تقرأ الكتاب , أقول تخاله , وكأنه مع الجميع , على تناقضاتهم ورؤاهم المختلفة , وتكتشف أخيراً أن / مصلح النجار / لم يكن إلا مع مصلح النجار , وهذا يؤكد أنه غواص ماهر , ومفكر قادر على تكبير الجزئيات ليرى أدق ما فيها من تفاصيل, بحياد المفكر الأكثر حرية والباحث الذي يترك لك حرية الاختيار , إذ هو يختار في الباب الأول – مظاهر الشعرية , ويفند ذلك بشعريات مختلفة – ويصل في البحث – إلى المرجعيات والقوى المحركة – ويصل في الباب الثاني آفاق الشعرية والحداثة – أما في الباب الثالث فيصل إلى نمنمات على حرير القصيدة , تكتيكات الحداثة / حمالات الشعرية – وفي الباب الرابع : شعرية – اللاوزن – ويتحدث الباحث عن الشعر المنثور والنثر الشعري , ويسهب في هاتين المسألتين ذاكراً أهم من كتب فيهما مثل : جبرا إبراهيم جبرا – وتوفيق صائغ – وكتّاب مجلة شعر البيروتية عام 1957 م – وهكذا نستمر مع الكاتب الباحث الدكتور – مصلح النّجار / في هدوء ِ ودود ٍ جميل ٍ – متوا شجـِيْن أو متنافرين مع أهم الأفكار والنظريات الشعرية , وكأننا نقرأ رواية ساحرة , بهدوء ٍ وتوءدةٍ وبلا صخب يحاورك الباحث , بهمس دافء ٍ يتحدث إليك , إذ هو يحاور العقل , قبل أن يحاور الوجدان , وهذا ما نحتاج إليه , ونحن نَغْرق في المفاهيم التي أخذت منا اللب , ولم تترك لنا مجالاً لا للتفكير فقط , بل لمساحة الحرية التي بها نستطيع أن نختار , إذ أن المسائل الشائكة – ذات الإشكاليات الحادة – تحتاج منا إلى الحوار الهادئ الطيب الذي يجعلنا نختار المفاهيم التي تُحررنا , فالشعر الذي نبت في الصحراء لن يكون هامساً وهذا أظن ما أراد قوله لنا بود الباحث , ليس المسألة أن نكون مع الشعر الحديث أو الشعر القديم , ليست المسألة أن تكون مع الشعر المفعّل أو غير المفعّل , وأيضاً لا أظن ّ أن القضية هي هل الشعر هو نثر أم نثر شعر , ولكن المسألة هي كيف نترك للشاعر أن يعبر عن شعره , كيف يكون حراً في الشعر , وشاعراً في الحرية , وهو حر آنئذ ٍ في استخدام أدواته , وطرق هذه الأدوات , فإن استطاع الشاعر أن يأخذنا بعيداً إلى عالم الحلم , عالم الانزياحات الجميلة , إلى الجُّمل ِ التي تهِيم في فضاءات اللغة , لتجعلنا أكثر فرحاً أو أكثر تأسيساً , أن يُجَنِّد لنا الحزن لنخشى برقه المفاجئ , أو صحو سمائه التي لا تخلو من الغيوم البيضاء أو الزرقاء , الشاعر أحوج ما يكون للخروج من جلباب أبيه , وجده , وعمه , وخالويه , إذ هو عطش لقطرة ماء , وربما يكون على ضفاف النهر , أو في صحراء الروح , إن ّ بلداناً لا تعي حرية الشاعر تصنع جلادين , يجلدون معجبيهم بالكلمات , فلا المعجب يتأذى , ولا الشاعر يشعر , إذ أن الشاعر المهرج يدخل الزفة , ويصبح المضحوك عليه والضاحك بالوقت نفسه , فالأدب أيّ أدب ٍ بما أنّه يُجيز التعامل مع الحياة بالمعنى الواسع للكلمة , فعلى الشاعر مهمة صعبة ومعقدة وهي الإفلات من الواقع , من المحيط أيّ محيط كلما كان الأديب أكثر تحرراً وتحريراً لذاته , كلما اقترب من عالمه الحسِّي , وبذا يكون أقرب إلى شعره إلى أدبه ,
• لذا تراني أرى أن الأديب والباحث الدكتور – مصلح النجَّار – قام بجهد كبير وهو يعالج مسألة شائكة , في ذهن الإنسان العربي , لا لأنّ الشعرية ذات طابع غربي , بل لأنّ منظريها هم غربيون ومدارسها غربية , ولكنها موجودة عندنا منذ بدايات الكتابات النثرية , مثلاً – ورقة بن نوفل – مروراً بكثيرين – وقول ابن سينا في الخطابة الشعرية مثال على ذلك , ولكن الشعرية العربية لم يلتفت إليها أحد , لتأخذ بعدها النظري , لأن العرب كانوا ينتقصون كل ما ليس شعراً , أي ما يعتقدون انه ليس شعراً , وهذا احد الأسباب الأساسية لعدم الاهتمام بالشعر النثري , أو النثر الشعري , من حيث الدراسة والتعريف0 كتاب السراب والنبع مرجع سيعود إليه درّاس الشعر 0
• الكتاب : السراب والنبع – رصد الأحوال الشعرية في القصيدة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين / نقد أدب 0
• المؤلف – د 0 مصلح النجَّار – مؤلف من الأردن – الطبعة الأولى عام 2005
• الناشر – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – لبنان
• لوحة الغلاف – شدّاد عبد القهار / العراق 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟