|
في ذكراه الثانية كزار حنتوش..استشراف الموت
ثامر الحاج امين
الحوار المتمدن-العدد: 2406 - 2008 / 9 / 16 - 00:40
المحور:
الادب والفن
كان شريفاً كالماس ولذا عاجله الموت من دون جميع الناس يمكن لكلمات الرثاء هذه ، التي كان الشاعر "كزار حنتوش" قد كتبها في رحيل احد اصدقائه ان تقال في رحيل كل الطيبين ومنهم الشاعر نفسه الذي غيبه الموت قبل عامين في موعد فاجأ الكثيرمنا لكننا وجدناه فيما بعد انه كان موعدآ مؤجلآ لمرات ، فقد كانت بين الاثنين صفقة انتهت بالتسليم في حضرة الشعر وجمهوره: كما يفعل المدين عندما يؤجل سداد ديونه أجلتً موتي مرات ، ومرات من أجلك يازهرة حياتي الوحيدة فالموت لم يكن زائراَ قد حل ّ دون موعدٍ واختطف الشاعر وهو في نشوة، مغموراً بالحفاوة و الشعر والكبرياء ، انما استشرافه للموت كان مبكراَ وهاجس عاشه الشاعر وكان ظاهراَ على امتداد منجزه الشعرى، ففي قصيدة " اسكافي عفك" وهي من بواكير شعره يتنبأ الشاعر : سيضيع الصوت رويداَ وتموت شريداِ أويهمس خائفآ في قصيدة اخرى هي " نحن لانحسن التدبير" : فلقد دنت الآن الساعة واحياناَ يأخذ استشرافه للموت شكل تساؤل يخفي وراءه الكثير من القلق واللاجدوى من سنواته التي لايعرف بها الى أين تمضي وعند أي ساحل ستلقي به في النهاية : لاندري اين سنمضي بالعمر ؟ أين سيمضي العمر بنا ؟ وحينما يضيق الشاعر بهذه التساؤلات ومن خوفه المفرط ومن هاجس ملاحقة الموت له ينتفض متحدياً ، متظاهراً بالشجاعة فيعلن ( باستطاعتي ان ادعو الموت باشارة من اصبعي ، أو طرده فيغادرني مثل كلب وذيله بين ساقيه) ، لكنه في الواقع لم يكن تحديا حقيقياِ انما محاولة لتهدئة النفس واعادة التوازن لذاته المهددة بالانهيار ذلك انه سرعان مايعود في قصيدة " ومابدلوا تبديلا"الى تاكيد ذلك الخوف : بعد خمسين.. وقد لاحت لي شاهدة قبري و"كزار حنتوش" شاعر يؤمن بفكرة القدر الذي لايستطيع الانسان الفرار منه او تغيير وجهته وذلك من خلال استسلامه وتأكيده على ذلك في قصائد كثيرة : ليس بمقدوري ان امنع هذا لكن .. ليس بمقدور احدٍ ان يلبسني كفني وانا حي وفي موقف لا يخلو من عجزٍ ويأس يثير الشاعر في القارىْ احساسا بزوال كل شيء تمثل ذلك في الرغبة والسعي لاقتناص اللذات قبل ان يدنيه الموت وهو موقف لم ينفرد به "كزار " لوحده انما وقفه قبله الكثير من الشعراء : لارسمية هذا اليوم لاصحو غداَ اليوم غناء تحت التوت وغداَ تابوت لقد استطاع شبح الموت ان يلقي بظلاله على عالم الشاعرولم يترك له فرصة الانتشاء فنراه حتى وهو يحلّق في عالم الحب يستعير مفردة الموت كانعكاس للهاجس الذي بات يؤرق الشاعر وكانما قامت بين الاثنين علاقة لايراد لها الانفصال: سوف اموت لانها لاتحبني لأنني احبها سوف لاأموت .... سوف اجعلها تموت ان قالت : أحبك سوف تجعلني اموت ان قالت : لااحبك
وفي قصائد كثيرة نجد استسلام الشاعر للموت ياخذ طابع المباشرة بالهمس المسموع والصرخة احيانا : ايها الموت لو كنت رجلا لكنت قتلتني بينما في قصائد اخرى يتجنب الشاعر التصريح ويؤثر التلميح لفكرة الموت حيث يظهر فيها اكثر هدواً،ً : فنراه يتوسل معاتباً : لماذا ياقلبي المعصور كليمونة سكير تتشبث بي كما تتشبث العانس بالأمل انت تلتصق بي كالعلق كن قلباَ لطيفا ولو مرّة واسقط من جسدي النحيل كوتر كمان مثل رمانة تالفة وحين لايجد من يسمع ويستجيب لصرخته وتوسلاته يعلن : ابتعت لي مسدساَ لأريح نفسي من الدنيا "كزار حنتوش" شاعر (انشأ ه الله على عجل من سبخ الدغارة ، ورماه الى وطن من شمس ، وكحول ، ومصائب ) كان كثير الهموم (لديّ من الاحزان مايكفيني سكراَ بالمجان ) وكذلك (كان قليل البخت كسقاء راح يبيع الماء في حي السقائين ) ومع ذلك فهو قليل الشكوى واذا كان لابد من شكوى فهي جحود الآخرين، فهو يعتقد ان ذلك سيلاحقه وهو يرقد في القبر: المأتم الذي اقمته لنفسي لم يقصده احد غير كلبي الذي طرده اخي قبل شهر لذا نرى الشاعر امام هذا الهاجس المؤرق والمرعب يفقد القدرة على مواصلة المكابرة وكتمان هذا الامر حيث تأخذ قصائده الاخيرة من موضوع الموت عنصراً اساسياً في الصورة والجملة الشعريةا كما في قصيدة "حال رحيلي" : قد تقرأ فاتحتي يوماَ بالصوت الهامس او في قصيدة "صحو متأخر جداَ " الذي يستحضر فيها الكثير من دلالات الموت فيوصي : "لاتتعجلني ياصديقي الذي في النجف ، سأحل عليكم ضيفاَ ذات صيف . لن اكلفكم شيئاَ الاًخامة ، وزنبيل تراب ، ودمعتين " هذه هي بعض ملامح استشراف الموت في تجربة الشاعر "كزار حنتوش" الذي تركنا في غفلة نستذكر قوله : ثالثة .. او عاشرة .. تبتلع اللجة رجلا احمر .. شرط السكين سعى من اجل ارساء تجربة شعرية متميزة وكان خائفاَ : قد لاينجب مسعاي الجنة قد ادفن في الربع الخالي لكنه في الاخير نام مستريحا هامساَ : لن استبدل حياتي بمعلف من ذهب ولاقبري البسيط قرب "علي" بتاج محل
#ثامر_الحاج_امين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المستبد .. صناعة قائد في حكم 4 عقود
-
انتخابات نقابة الصحفيين ... ما لها وما عليها
-
معاداة السينما..الى اين؟
-
جمهور الثقافة امام-مجتمع المعرفة-
-
-حين يتكرر الوقت...يتوقف-خطوة شعرية واثقة
-
شموع تأتلق ايذاناًَ بالعرض
-
كم انت رائع ياعراق
-
بلابل تشدو للحرية
-
القاص كريم الخفاجي(رحلة الابداع)
-
دموع فييرا
-
-جنوب الدنيا-يشمخ في -مقهى قدوري
-
اربعينية كزار حنتوش / كرنفال الوفاء
-
-حديث الى -كزار حنتوش
-
كزار حنتوش... هل كان الاسعد حقاً؟
المزيد.....
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|