|
سمفونية الإنتظار
رنا كامل مدحت
الحوار المتمدن-العدد: 2402 - 2008 / 9 / 12 - 01:36
المحور:
الادب والفن
بإنتظار رحيله جلست هناك على ذلك الكرسي الجلدي البارد .. في صباح شتائي بارد فتحت الشباك الأخضر لفحت وجهها نسمة هواء باردة جدا ..إقشعرت .. إحمرت أرنبتي انفها الصغير ..إحساس عارم بالنشوة شعرها الاسود الطويل يضيف لها دفء أخر ..دفء حميم "كما إعتادت ان تسميه" هناك حركة غريبة في الشارع ..سيارات بيضاء نساء ورجال..أطفال يتراكضون (هل يعقل أن الجميع مقبل على شراء السيارات البيضاء هذه الأيام!) كل تلك الفوضى تعود إلى المدرسة المجاورة لمقر عملها.. لديها إعتقاد راسخ بوجود شخص هرم أصلع ضخم الهيئة في مكان عالٍ جداً بصحبته ألة طابعة كبيرة بحروف ضخمة - يطبع لها المشاهد .. يبعث إليها بأشخاص تود رؤيتهم واخرون تريد التخلص من ذكراهم- لم تفكر يوما برفع رأسها إلى الأعلى للتأكد من وجوده فهي تعتقد بوجوده "إذن هو موجود" تساقطت الصور -(أم لثلاثة أطفال)بأعمار متقاربة تنظر برهبة إلى الشارع وكأنها ستهجم على أول من يقترب من أبنائها! -(فتاة برداء بسيط تصطحب طفلا يبدو عليه الترف) رجل انيق جدا واقف عند باب سيارته "البيضاء" في داخل السيارة امرأة بسيطة جالسة تنظر اليه بقلق- فكرت هي.. أتحس بالغيرة عليه؟ لم لا تترجل من السيارة وتقف إلى جانبه بدلا من هذا الصمت المريب..!
توسلت الرجل الأصلع بداخلها "لا ترسله الآن..ليس لدي ما اقوله" لكن ماهي إلا لحظات حتى توقفت في باب البناية سيارة بيضاء "أيضا" هل يعقل إنها لم تلاحظ سيارته البيضاء من قبل.. هل كانت تلونها.. هل إعتادت على تلوينهاعندما أحبته..تخيلت للحظة أن برودها هو ما يحول اشياءها الملونة الجميلة في الماضي إلى الأبيض الان أرعبتها الفكرة ........... تمّنت أن يغير رأيه فجأة ويعود أدراجه..و وعدت الرجل الأصلع بالعدول عن كل العادات الضارة التي تمارسها..وعدته بالصلاة ! وعدته بفعل أي شيء يريده..ولكنها بحاجة ماسه إلى التمتع بهذا اليوم البارد لوحدها فهي "ليس لديها ماتقوله" هذا كل ماهناك! وبما انه بدأ يستعد الان للدخول إلى باب المبنى .."قالت للأصلع..تباً لك!" بدأت تحسب تلك الدقائق بين الباب وبين وصوله إليها..بين الباب وبين رؤية عينيه المليئة بالحنين القلق ..الإشتياق..تذكرت جملة أحد الكتاب (الحنين هو ألم الجهل) تجردت هي من هذا الألم وإستبدلته بــ(البرود هو ألم اللامبالاة) سمعت خطواته تقترب ..ظلت محافظة على جلستها رفعت عينيها إلى الأعلى .. قالت في نفسها (إذا الغيت إعتقادي بك ..هل ستٌلغى كل تلك الصور؟؟ هل سيعود هو أدراجه؟!" دخل الغرفة ..نادى بإسمها...(فات الأوان) أدارت رأسها إلى عينيه مباشرة تمنت أن تقول له "أنا لست مستعدة..أريد قضاء هذا اليوم البارد لوحدي كل ما اريده هو شرب كوب نسكافيه ساخن ... وإتمام مراقبة الشارع بتلك السيارات البيضاء" ..أرادت أن تقول كل تلك الجمل التي من الممكن أن تخلصها من المواقف الحرجة
صرخت بشكل هيستيري : إذهب توقعت أن يصاب بداء البرود هو الأخر..لكن على العكس "زاد حنينه وأحس بأنها بحاجة إليه أكثر حاول التقرب منها .. "أحست بأن الاصلع متمتع جدا بالموقف..بل إنه يقهقه الآن"" رددت مع نفسها لن يجدي ذلك نفعا
لم يوجه لها الأسئلة كما إعتاد أن يفعل إنسحب هو .....جلست هي بإنتظار تلاشي صوت خطواته..فتح باب البناية خرج منها..إختفى هو وسيارته البيضاء ..ناصعة البياض..في شوارع مزدحمة بالسيارات الملونة والبيضاء!
* بإنتظار قدومه تعشق رؤية عينيه تكتب ...وتشطب ما تكتبه من سطور بمجرد تذكر عينيه تحاول التواصل معه أحيانا عبر الإتصال المباشر - يفاجئها بعدم الرد - و عبر مخيلتها في أحيان أخرى لكنها تستطيع الوصول إليه والوقوف أمامه لا أكثر ... يكون خيالها المتعب غير قادر على جلب المزيد الصور أكثر من الوصول إلى عينيه
* بإنتظار عودته و رحيله
جلس يفكر بكل الوقت الذي ضاع منه في محاولات الهرب من هذا المكان البائس..سفره .. عودته.. خسارته الكبيرة للوقت قال في نفسه : أنا مستعد للبدء دوما من الصفر . حتى لو بلغت الستين من العمر ..لن أنظر إلى الوراء ..سأعمل على خلق حياة أفضل. تذكرها لبرهة (مع إنها تقف أمامه) ..تابع حركة شعرها المتموج..جسدها النحيل الذي طالما انتظر رجوعه..و اصيب بالحزن والوهن لغيابه لديه بل لديهما كل ما يمكن أن يحتاجه للبحث عن تلك الحياة الأفضل
قالت له مقاطعه لخياله وصوره: إنه مكان بائس ...بارد ..بارد جدا...يشعرني بالوحدة..حتى الشمس لا تستطيع الدخول إليه
أجابها بصوت أقرب للهمهمة حالما غير مدركا لوجودها قربه(وكأنه يرد على خياله): اشششششششششششش...سنجعله عالما افضل.. سيصبح دافئا ..
نظرت إليه بتمعن ..أحست أو أرادت أن تحس بالدفء ...فهو ليس هنا ..عاد ولم يعد .. كان هنا من قبل وإختفى .. متى سيرحل مرة أخرى .. وهل من لقاء أخر...
#رنا_كامل_مدحت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أخريات لسنً أنا
-
مدينتي
-
حوار في العهر والمجون!
-
لعب بالماء ... !
-
لا وقت لدينا للموت الأن !
-
مشاهد..
-
اوفيليا الصغيرة
المزيد.....
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|