|
الإعجاب كواجب وطني
علي ديوب
الحوار المتمدن-العدد: 2401 - 2008 / 9 / 11 - 05:36
المحور:
الادب والفن
في ( العاصمة العاطفية) لا أستطيع إخفاء حسرتي و إشفاقي على محبي زياد الرحباني، من مواطنيّ السوريين الذين صار من حقهم- غير المكتسب- فجأة، أو من الحق عليهم( = واجبهم) إعلان محبتهم جهرا لزياد، بصورة مشحونة بالعلانية في أكثر صورها صراخا. و ربما صخبا، إذا تصورنا المحرومين من الترحيب به لعلة لا تتصل بهم، بل بالمتحكمين بالحب و الكره و العطاء و الحرمان.. و لا أقصد بالمحرومين فقط أولئك المتمتعون بلباسهم الموحد، وراء القضبان- ممن ينتمون إلى ربيع دمشق و سواهم من جماعات الاصلاح بالطرق السلمية- بل أيضا أشباههم من المواطنين باللباس غير الموحد، في الجهة الأخرى للقضبان، و المتمتعين بالصبر على المكاره أو الراكعين على ركب الخوف و المعرفة. لست حزينا لعدم استتباب الالتفاف حول الفنان- الرمز. لدرجة التنزيه( و قبله تم رفع حزب الله فوق حق التناول بالنقد)، و استبداله بالحرية و الاستقلال بالرأي؛ بل أنا حزين بسبب هذا الأمر تحديدا. و أقصد بذلك الطريقة التي يسمح للمواطن في بلدي أن يبدي فيها مشاعره، أو يصرح بأي حق من حقوق البشر، في هذا العصر. فالحكام في بلدي لا يعترفون لا بالبشر و لا بالزمن نفسه، إلا كتعبيرات عنهم هم. صحيح أن مجرد الاعتراف بزياد الرحباني كان و لفترة قريبة من المحرمات، فانقلب اليوم إلى نوع من الولاءات الوطنية، و لكن هذا لم يتحصل عن حركة تقدم للزمن أو لمزامنيه. فلا يزال المواطن ممسوكا جيدا: يحب ما يجب، و يكره ما يجب، يتجاهل، يعتز، يستنكر، أو يقدس.. الخ على الصراط المرسوم، بريشة قوانين الطوارئ و الأحكام العرفية العسكرتارية، التي حولت البلد إلى ثكنة، و القضاء المدني إلى محاكم ميدانية، تسير بالوصاية الأمينة. لا أريد أن أفهم خطأ، بأني أنتقص من حب المحبين لزياد، أو آخذ عليهم طريقتهم في ذلك.. فمرماي ليس هنا. و أنا لست من هواة المزاودة علي أحد- بل من دعاة و هواة السلم و التواصل و التفاهم بين المخلوقات، بمن فيهم غير العاقلة. و لكني أرتعد للسلوك الترويضي الذي لا يبدو أن بلدي، بكل ألوان المواطنين فيه، سيتحرر منه. يحرم المناضلون من القتال مع العدو من خلال الحدود السورية، فيحترمون حرمانهم. و يسمح لهم أن يستخدموا موقعا آخر لهذا الغرض، في بلد شقيق، فيتجاهلون تبعات ذلك على أسرة الشقيق التي يصبح دوسها ممرا إجباريا للتشفي من العدو. و يصرخون بجرأة و إخلاص، حين يمنحون حق الصراخ على تلال مجدل شمس( معادلا ميثولوجيا للنضال ، بل و للتحرير: كم هو جميل أن تحرر المكان كل سنة مرة!). و حين درّبوا على نسيان لواء اسكندرون، تحول هذا إلى شأن غير مفكر فيه، أو ممتنع عن، أو على، التفكير- بحسب علي حرب- بعد أن كان ممنوعا فقط. فرفع فوق مستوى الخوض. كان شيخ يقرأ على بعض المتحلقين حوله مأساة الحسين، و كان هؤلاء يتبعون طقسا أتقنوه منذ طفولتهم، حتى بات آليا. و كان أحدهم يبالغ في الندب و الصراخ، و يزحف أقرب فأقرب حتى ضايق الشيخ الذي تنفس الصعداء حين أتم القراءة. و لما سئل عن من سيدخل الجنة لم يستطع الشيخ أن يهرب من ذكر هذا المفرط في النواح، في عداد من ذكرهم؛ و لكنه انتقم لنفسه منه بأن نعته بعبارة قبيحة! حين يكون المحبوب وفيا لعشاقه و لنفسه، حريصا على حريته و عليهم، يجوز أن يصرخ مستغيثا لنفسه و لعشاقه أن" ارحمونا من هذا الحب"( محمود درويش). تبدو المجتمعات مجرد أدوات في اللعبة المخترعة. و كل يتعود دوره، ثم يتقبله، و أخيرا يفتخر به و يدافع عنه- بعد أن يكون قد تماهى به و تطابق مع تمثله لمفهوم القيمه. حين تغلق كل السبل أمام الكائن، و تبقي على مخرج واحد، فإنه سيندفع خارجا بقوة من ذلك المنفذ- و قد وحّد بين هذا المنفذ و بين الحرية و الحب و السعادة.. بل و الحياة نفسها! هذه المبالغة في تثمين السبيل المفتوح لا تأتي إذن من قيمته الحقيقية؛ فقد يكون السبيل هذا أشد هولا من السجن، و لكن الإنسان يعبد ذاته، و لا يتحمل الإحساس بالتجاهل. حتى حين يبدو عليه أنه من الزهاد. و يختار لتحقيق غاية الغايات( القيمة) ما هو متاح من الخيارات. و حتى حين يكون السجن هو الخيار الوحيد أمامه، فإنه يقبله بإقدام. هل قبل سقراط تنفيذ حكم الموت به تحت شدة هذا الدافع؟ لن أماحك في حقوق زياد الإنسان و الفنان و المواطن السياسي- و هو ممن يجيدون اكتساب و فرض حقوقهم- و لكني كنت أنتظر أن أسمع كلمة تترجم فهمه العميق لمعنى الحب السوري- في تلك العاصمة التي وصفت بالعاطفية( الأخبار23 آب الفائت)، نسبة لطريقة تعامل أهلها معه- بأن يضعه تحت مجهره الميكروسكوبي، أو يحلله بعناصره الكيميائية الناقدة الفعالة، كفنان نفتقر لمن هو في مستواه عربيا. و ليست المحاولة بغريبة أو صعبة على صاحب أغنية رفيقي صبحي الجيز. كنت أنتظر أن أسمع منه تحية لجورج حاوي رفيقه أيضا، و تحديدا في سورية التي يسجن فيها مثقف اقترف ذنب التعزية بذلك الرجل. قد أبدو أني أخوض في خارج حقلي. و لكي لا تنطبق علي شرارته التي وردت في البرنامج الإذاعي الشهير لزيا" العقل زينة" عن شخص يتدخل بين رفيقين يتعاركان بروح رفاقية- فأنا في الأخير لست رفيقا لزياد و لا جورج حاوي- أظل في نطاق عاصمة بلدي العاطفية و أسأل: ألا يعلم اللبنانيون مثل السوريين أن حرية تعليق اليافطات ليست من البراءة و التلقائية التي تتحلى بها العاطفة الحرة، في عموم سورية؟ و أن الحرية الموجهة في بلدي أشد إيلاما و مقتا من العبودية المفروضة؟ لو أن زيادا ما يزال في إطار الحظر و المحظور: هل كان ليعلم بزيارته أحد؟ و هل كان يتسنى حتى لأصدقائه أن يتبرعوا لتسجيل شريط له( إذا افترضنا توفر قدرتهم المالية )؟ بالتأكيد لست نادما على عهد الحب المهرب- يوم كنا نحتفي بزياد أو بمارسيل أو بسواهما- و لكني أشفق على الحب و الإعجاب و التقدير.. و كلها من جواهر الحرية الذاتية البسيطة.. أن تصبح عقبة أمام الحرية ذاتها: حين تغدو واجبا و طنيا. يقابلها الصمت المفروض عن النقد و الاختلاف، الذي تطال مقترفها شبهة الخروج عن الصف: تراااادف!
#علي_ديوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما بعد الحداثة ما بعد الكلام عمل في الحيز العام
-
هل تستعصي منطقتنا على الاندراج في الحضارة
-
احتلال صغير.. احتلال كبير
-
سنتان و 500 متر
-
حكاية ابن العشيرة الواهم الذي يتقبّل التهاني عن الرئيس
-
مسودة تضامن مع الشاعر المتهم سلفا
-
شعراء مصر العصاة ينافحون رقابة مثلثة الرؤوس
-
بين استئساد الأخوة الحمساويين على الفئران و النصر الإلهي الأ
...
-
المثلية الجهادية لثام الحيرة و حواجب الهداية في سؤال الثائر
...
-
سوري يتلصص على الحرية
-
جائزة عربية للرواية ذات سوية عالمية
-
إلى سعد الله ونوس في عقد رحيله الأول.. محكومون بإعدام الأمل.
...
-
كتّاب جاؤوا من رعب الديكتاتوريات.. رحل مهرجان أدنبرة وبقوا
-
لا تجعلو من صوت فيروز سجنا
-
قوة الخروج على القانون
-
ميشيل كيلو تجربة أبعد من تجريب
-
لقاء مع د. سعد الدين ابراهيم
-
ليس حبا بالشهادة.. و لكن كرها بالحياة
-
السجينان عارف دليلة(*) و سورية.. معجزة الأقزام
-
قراءة متوخرة(*) للردود على رسالة العزاء
المزيد.....
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|