لا تقتصر العوامل الحاسمة في التغيير والإصلاح على نصوص القانون المتطور فقط -بالرغم من أهمية وضرورة وجود هذه النصوص- ولكن الإرادة السياسية الراعية لهذه القوانين والعاملة على إيجاد الآليات الرسمية الملزمة لتطبيقها من أجل مصالح الضعفاء الذين يعيشون على هامش الحياة الاجتماعية وربما خارج الحياة المدنية.
وتعتبر التعديلات التي طرأت منذ عام 2000 على قوانين الأحوال الشخصية، وعدد من القوانين الأخرى المتعلقة بأوضاع المرأة العربية لم تأت من فراغ، ومن غير الموضوعي أن ننسبها إلى عوامل داخلية مستقلة عن العوامل الخارجية، أو العكس وربما كان الاستعراض الملخص فيما يلي يكشف بصورة أوضح عن طبيعة هذه التطورات وأهميتها وعلاقتها بعوامل الدفع الداخلية والخارجية.
** قوانين 2003
1- دولة قطر: صدر في نهاية نيسان عام 2003 الدستور الوطني لدولة قطر الذي يتضمن نصوصا حول المساواة بين الجنسين والعدالة في توزيع الحقوق، وهكذا أضيفت قطر إلى 14 دولة عربية لها دساتير وطنية تنظم علاقة الحاكم بالمحكوم، وإذا ما رجعنا قليلاً إلى الوراء نجد أن هناك خطوات رسمية أخرى تتعلق بالانتخابات البلدية ثم التشريعية حيث صدر قانون يعطي المرأة حق الترشيح والانتخاب في أوائل 2001.
على أي حال فإن المنحى العام للسياسة الرسمية القطرية يتجه نحو الانفتاح الاجتماعي والاقتصادي، ولا بد في هذه الحالة من وجود تشريعات خاصة لاحتضان هذا التوجه والدفع به خطوات إلى الأمام.
2- الأردن: شهد الأردن عددا من التطورات المهمة بخصوص القوانين المتعلقة بالمرأة؛ فقد جرت انتخابات البرلمان في حزيران عام 2003 على أساس إعطاء المرأة الأردنية حصة بعدد 6 مقاعد في البرلمان، وفي قانون الأحوال الشخصية صدر في هذا العام أيضا قانون يعطي المرأة حق الانفصال عن زوجها بشروط "الخلع"، كما ألغيت المادة التي تفرض على المرأة المتزوجة شرط موافقة زوجها في إصدار جواز سفر.
كما تدرس اللجنة الوطنية للمرأة منذ 3 سنوات التعديلات الخاصة على قوانين الأحوال الشخصية بما يتناسب ودرجة التحولات الاجتماعية والشريعة الإسلامية بالطبع، كما نشأت حاجات اجتماعية عديدة تتطلب بالضرورة إجراء تعديلات ضرورية بما يسمح بالتخفيف من الأعباء الهائلة على أوضاع المرأة الأردنية.
ومن ناحية أخرى، فقد كافحت أحزاب المعارضة الوطنية وكل القوى الاجتماعية منذ 5 سنوات من أجل قانون انتخاب ديمقراطي وعصري، بديلاً للقانون المتخلف المعمول به حاليًا، واللافت للنظر أن من بين مجموع التعديلات الواسعة والجوهرية التي طالبت بها القوى الاجتماعية لم يطرأ سوى تعديل واحد متعلق بتخصيص "كوتا" للمرأة في البرلمان، حتى هذه الإشارة نحو التحديث فقد فرغت من مضمونها بسبب طريقة احتساب الأصوات وخلو القانون برمته من أي عنصر ديمقراطي، والنتيجة أن فازت 6 نساء أردنيات لا خبرة سابقة لهن بالعمل السياسي والجماهيري.
3- المملكة المغربية: تقول الصحفية المغربية "مريم التيجي"، في تحقيقها عن قانون الأسرة المغربي الجديد الذي نشره موقع "إسلام أون لاين.نت" في 3-11-2003: "إنه في سابقة هي الأولى في تاريخ المغرب قرر الملك محمد السادس عرض نص المدونة الجديدة على البرلمان المغربي لمناقشتها والمصادقة عليها، في خطوة رأى المحللون فيها محاولة لإضفاء المشروعية البرلمانية على نص ظل لعقود مجالاً يدخل ضمن الاختصاص الخاص للملك الذي يحمل صفة أمير المؤمنين، هذا بالرغم من أن دور البرلمان لن يكون إلا شكليا لكونه لن يصل حد المساس بالتعديلات التي وردت في المشروع".
والحق يجب أن يقال، فقد ناضلت القوى الديمقراطية النسائية وغير النسائية المغربية طويلاً منذ عام 1957 عندما صدرت المدونة الأولى في قانون الأحوال الشخصية، حتى خضعت لتعديلات عام 1993 التي لم ترض القوى النسائية ولا لبّت الحاجات الاجتماعية المطلوبة؛ لذلك فالتعديلات التي أعلنها الملك محمد السادس مؤخرا في أكتوبر 2003 كانت واسعة وتفصيلية، ولا شك أنها تمس أوجاع كثير من العائلات المغربية، والنساء فيها بشكل خاص.
** ومن أبرز التعديلات حول قانون جديد للأسرة المغربية:
- جعل الولاية في الزواج حق للمرأة الرشيدة
- تقييد حق تعدد الزوجات
- مساواة المرأة والرجل في سن الزواج المحددة في 18 سنة
- جعل الطلاق حقا للزوجة والزوج تحت مراقبة القضاء وتوسيع حق المرأة في طلب التطليق للضرر.
- تخويل الحفيد والحفيدة من جهة الأم حقهما في إرث الجد أسوة بالحفيد والحفيدة من جهة الأب.
وتعديلات واسعة تفصيلية أخرى تتعلق بالمحاور الرئيسية أعلاه.
إنه لحدث تاريخي في حياة الأسرة المغربية، عبرت عنه النخب النسائية وكثير من أبناء الشعب في وسائط الإعلام بفرح غامر، لا يمكن تجاهله وهو يعبر عن وجود طاقات فرج جديدة لحل كثير من مشكلات الأسرة المغربية.
4. الإمارات العربية المتحدة: أقرت دولة الإمارات العربية المتحدة مسودة قانون أحوال شخصية جديد، ورفع وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف "محمد بن نخيرة الظاهري" المسودة النهائية لمشروع قانون الأحوال الشخصية إلى الجهات العليا في الدولة لإبداء الرأي النهائي حوله.
وتتكون مسودة القانون من "358" مادة من ضمن "11" فصلا، وحسب ما أوردت جريدة "الرياض" السعودية؛ فإنها تتعلق بشئون الزواج والطلاق والحقوق والنفقة والأهلية والوصاية والتركات وتسوية الديون... وغيرها.
وقد ورد في مقدمة القانون أن تسري أحكام هذا القانون على جميع الدعاوى التي لم يتم الفصل فيها ابتدائيا وقت العمل به، ويرجع فهم النصوص التشريعية في هذا القانون، وتفسيرها، وتأويلها، إلى أصول الفقه الإسلامي وقواعده، وتطبق نصوص هذا القانون بحكم مقتضى المشهود من مذهب مالك ثم مذهب أحمد ثم مذهب الشافعي ثم مذهب أبي حنيفة حسبما تقتضيه المصلحة، ويعتمد الحساب القمري في المدد الواردة في هذا القانون، ومن ضمن الفقرات الواردة فيه أنه لا يجوز زواج المجنون والمعتوه إلا بإذن القاضي وشرط قبول الطرف الآخر، كما أوضح أنه يحق للطرفين العدول عن الخطبة، وللمتضرر المطالبة بتعويض، ولا تقبل الدعاوى أمام المحكمة إلا بعد عرضها على لجنة التوجيه الأسري.
وينص القانون الجديد على أن المهر ملك للزوجة، تتصرف فيه كيفما شاءت، ولا يحق للزوج أن يُسكن مع زوجته ضرة إلا إذا رضيت ذلك ويحق لها العدول.
وعرف القانون الزواج بأنه نوعان: صحيح وغير صحيح، ويشمل الأخير الفاسد والباطل، وأقل مدة للحمل هي 180 يوما وأكثرها 365 يوما، ويقع الطلاق باللفظ أو بالكتابة أو بالإشارة عند العجز، والخلع طلقة بائنة يتراضى فيه الزوجان على إنهاء العقد، وينفى نسب الولد باللعان خلال 7 أيام، شريطة ألا يكون قد اعترف بأبوته صراحة أو ضمنا، ويحق للزوجين طلب الفسخ إذا حكم على أحدهما بالزنا أو ثبتت إصابته بمرض مهلك مثل "الإيدز" ويحق للقاضي التفريق بينهما، ولزوجة المحبوس 3 سنوات وأكثر أن تطلب الطلاق بعد مضي سنة من حبسه.
وذكر في مسودة القانون الجديد أنه يجوز للزوجة أن تخرج من البيت بمقتضى الضرورة، ولا يعتبر إخلالا بالطاعة الواجبة خروجها للعمل إذا تزوجها وهي عاملة، ويجوز إعلان المدعى عليه بالفاكس أو بالبريد الإلكتروني أو المسجل أو بالنشر في صحيفة.
** دلالات التغيير
فما هي دلالات هذا التغيير الذي وقع على القوانين المتعلقة بالمرأة وتحديدا فيما يتعلق بالأحوال الشخصية:
1) تزدحم مجتمعاتنا العربية بكم هائل من المشكلات الداخلية، بسبب سيادة العادات والتقاليد على حساب سيادة القانون، بغض النظر عن كونه متقدمًا أم متخلفًا.. وتجد هذه المشكلات تعبيراتها في النسبة المرتفعة من الطلاق في الأسرة العربية، وآلام الاضطهاد وتبعاته التي تعاني منها المرأة، وتحديدا تلك التي تنتمي إلى الفئات الاجتماعية المهمشة ومظاهر الجهل المتعددة.
لقد تناولت القوى الاجتماعية المنظمة هذه المسائل جميعاً منذ عشرات السنين -وفي البلدان العربية التي يسمح فيها بحرية نسبية للعمل الحزبي والمؤسسي- وناضلت من أجل التغيير، واشتبكت مع القوى الاجتماعية المهيمنة والحاكمة: المغرب، مصر، لبنان، في كثير من المحطات، ولكن النتائج "لم تكن بالمستوى المطلوب..."، بل إن الملاحظ أن التغيير يمكن أن يشمل قوانين سياسية وبرلمانية تتعلق بالحياة العامة، أما ذلك التغيير المطلوب من أجل الارتقاء بالعلاقات الاجتماعية، وحل المشكلات بصورة مؤسسية وعلى أسس حضارية، فقد تأخرت كثيراً ولم تول الاهتمام المطلوب من الجهات الحاكمة.
وهكذا فقد اختزنت مجتمعاتنا آلامها ومشكلاتها الحياتية؛ الأمر الذي أدى إلى تفاقمها وبروزها إلى السطح، حيث نقرأ نتائجها بالأرقام والنسب في تقارير عالمية صادرة عن الأمم المتحدة. وتصدمنا اللوحة تحديدا في النسب المرتفعة للأميات، واللاتي لا يساهمن في أي نشاط اقتصادي في بلدانهن.
2) نتيجة التطورات العالمية المتسارعة ودخول اقتصاديات الدول العربية إلى المنظومة الاقتصادية العالمية، فقد فرضت الاشتراطات الدولية نفسها، بما في ذلك الثقافية منها، والتقاليد الديمقراطية. إن مطالبة ساسة الولايات المتحدة بتطبيق هذه الاشتراطات الديمقراطية لا تنم عن نوايا إنسانية مجانية بالطبع وإنما تأتي في سياق توفير ظروف اجتماعية عربية مناسبة لاستقبال كل ما يترتب على سياسة عولمة الاقتصاد ونهب الثروات بأقل قدر ممكن من الضجيج والاحتقان.
ومهما كانت نوايا سادة العالم في عصرنا فإن الديمقراطية الداخلية الاجتماعية والسياسية هي استحقاق سياسي ودستوري وإنساني يجب عدم تجاوزه وغض النظر عنه بما يتناسب وأوضاعنا الثقافية والحضارية، وبدون قفزات بهلوانية إلى الأمام.
3) الذي حصل في بلداننا التي طلب منها هذه الاشتراطات الديمقراطية أنها استقبلت هذا الموضوع بمستويات مختلفة ونسبية، حسب الوضع الداخلي في هذا البلد أو ذاك؛ فالأردن مثلاً مهيأ أكثر من دول الخليج لإحداث تعديلات ديمقراطية على اعتبار أن التعددية السياسية قائمة منذ أوائل التسعينيات ويوجد برلمان منتخب ومؤسسات مجتمع مدني… الخ، كذلك الأمر بالنسبة للمغرب الذي يشهد حياة سياسية ديناميكية إلى حد بعيد وتعددية حزبية عريقة، في هذه الحال يمكن الاستفادة إلى حدود كبيرة جدا من هذه التعديلات لصالح المرأة والأسرة العربية، حيث تتفاعل معها جميع مؤسسات المجتمع المدني وتعمل على مراقبتها وتضغط باتجاه تنفيذها لصالح الفئات الأشد فقرًا.
أما التعديلات التي طرأت في الدول العربية حيث لا وجود لمؤسسات مجتمع مدني فالأغلب إنها ستبقى على السطح، وستستفيد منها شريحة ضيقة، مع التأكيد على أهميتها وضرورتها حتى ضمن هذا التوصيف.
4) التعديلات التي طرأت أو التي يمكن أن تقع هي جزء عضوي من العملية الصراعية السلمية في مجتمعاتنا وليست جزءًا منفصلاً عنها ويجب ألا تكون، ولكن القوانين وحدها ليست ضمانة مطلقة للمساواة والعدالة، كما أن غيابها يفقد العدالة الاجتماعية بُعدها القانوني الضروري؛ لذلك تبقى القوانين المتقدمة سلاحًا هاما يمكن أن يكون حاسما عندما تنضم له جهود مؤسسات المجتمع المدني، وتتضافر القوى الاجتماعية من أجل مزيد من التقدم.
وكل عام ونساؤنا العربيات بألف خير.