محمد الرديني
الحوار المتمدن-العدد: 2401 - 2008 / 9 / 11 - 06:58
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
سمعت ميوشه قبل ايام ان الصحف نشرت مسودة الاتفاقية الامنية بين العراق وامريكا ولانها تحشر انفها في كل ما يخص بلدها فقد طلبت من محمود ابن جارتها العزيز ان يشتري لها الجريدة ويقرأ لها ما جاء فيها . قبل ان يذهب محمود لشراء الجريدة قال لها :
- ياخالة ان الكلام الذي تحويه المسودة قد لاتفهميه والافضل ان اشرحه لك الان بطريقتي الخاصة.
ضحكت ميوشة وقالت له :
انت تذكرني بالرجال الاقدمين الذين اذا ارادوا ان يكتبوا حديثا للرسول محمد (ص) قال احدهم ان فلانا قال عن فلان عن فلان عن فلان ثم يذكر نص الحديث الذي يكون قد نسي بعضا منه.
ضحك محمود وقال لها : لقد غلبتني هذه المرة.
حين غادر محمود لاتدري كيف قفزت الى ذاكرتها حادثة انتقالها الى بيت جديد مع زوجها حينما كانت في عز شبابها , جميلة, جذابة لا يستطيع اي رجل ان يتمالك نفسه من النظر اليها, كانت سعيدة بذلك ولكنها كانت تحب زوجها ولم تفكر يوما ان تميل الى احد غيره وما زالت لحد الان تلبس السواد رغم الحاح صديقاتها وجيرانها بنزع السواد بعد ان مضت سنوات طويلة على وفاة الزوج.
المهم انتقلت مع زوجها الى بيت اوسع من بيتها القديم رغم انه يقع في حي من الاحياء الفقيرة المنتشرة هنا وهناك. ولم يمض يومان على استقرارهما في البيت الجديد حتى انهالت عليهما الحجارة والحصى, من البيوت المجاورة وبالتحديد من البيت المقابل. اطلت من فتحة الباب لترى رجالا ونساءا لم تر مثل وجوههم من قبل , كانت تلك الوجوه تقطر قيحا وخبثا ولئامة, وتتذكر ان كل الوجوه كانت متشابهة.. الانوف طويلة وشعر الرأس غزير يستقر على رأس يتقدمه صدغ عريض وعيان تدوران بسرعة في محجريهما وسيقان رفيعة لكنها قصيرة والاذرع لايتعدى طولها نصف المتر ويمسكون في اياديهم اكياسا صغيرة تحوي الحصا والحجارة, لم تفهم سبب هذا الهجوم خصوصا وانها لم تغادر البيت ولم يزرها احد من الجيران كعادة سكان الاحياء الفقيرة بل بالعكس استقبلوها بالحجارة . سألت زوجها عن سبب ذلك فلم يستطع سوى ان يقول انهم لايرغبون ان نكون جيرانهم ولم تقتنع بالجواب وقررت شيئا في نفسها ظهر جليا على ملامح وجهها ورآى زوجها تلك الملامح وعرف ما الذي تنوي عمله فاراد ان يثنيها وولكنها كانت عنيدة كالثور. انطلقت بسرعة الى خارج البيت وشمرت عن ذراعها متحدية هؤلاء القوم الذين نظروا اليها باستغراب وسمعوها تصرخ في وجوههم صرخة ارعبتهم ففروا من بين يديها ولم يعودوا الى رمي الحجارة بعد ذلك .
جاء محمود حاملا الجريدة وطلبت ميوشة منه ان يدخل البيت ويجلس في مكان مريح ففعل.
سمعت ميوشة محمود يقرأ الفقرة التالية:
" ان جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية ويشار لهما فيما بعد (الطرفان) وإقراراً منهما بأهمية: تعزيز أمنهما المشترك والمساهمة في السلم والاستقرار الدوليين ومحاربة الإرهاب في العراق والتعاون في مجالات الأمن والدفاع لردع التهديدات الموجهة ضد سيادة وأمن ووحدة أراضي العراق، وإذ يؤكدان ان مثل هذا التعاون مبني على اساس الاحترام الكامل لسيادة كليهما وفق أهداف ومبادئ الأمم المتحدة ورغبة منهما في التوصل الى تفاهم مشترك يعزز بينهما دونما إضرار بسيادة العراق على أرضه ومياهه وأجوائه، وبمقتضى التعهدات المشتركة كشريكين ذوي سيادة ومستقلين ومتكافئين .
قاطعت ميوشة محمود ساخرة وهي تقول : والله امريكا بلد محترم ويعرف الاصول فقواتهم قطعت ألاف الاميال وجاءت الى العراق لتحافظ على امنه واستقراره... ياسلام يا محمود انه عز الطلب اكمل يابني اكمل . قرأ محمود, وطلبت ميوشة ان يتوقف عند الفقرة التي سمعتها
"يلتزم افراد القوات المسلحة الأمريكية وأفراد العنصر المدني عند القيام بعمليات عسكرية وفق هذا الاتفاق باحترام القوانين والأعراف والتقاليد والعادات العراقية ويمتنعون عن أي نشاطات لا تتماشى مع نص وروح هذا الاتفاق ومن واجب الولايات المتحدة اتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لهذا الغرض".
ضحكت ميوشة مرة اخرى وقالت: محمود انت تعرف اكثر مني كم عدد الضحايا الابرياء الذين راحوا ضحية القوات الامريكية ليس في سجن ابو غريب فقط ولا في السجون الاخرى بل في الاسواق والشوارع العامة والضواحي , ما علينا الكذب ليس عليه ضريبة. اكمل يابني. فاكمل محمود ولكن ميوشة اوقفته عند الفقرة التي تقول :
"- تنفذ مثل تلك العمليات مع الاحترام الكامل للدستور العراقي ولقوانين العراق وبما يتلاءم مع السيادة والمصالح الوطنية العراقية حسبما تحددها حكومة العراق وطبقاً للقانون الدولي المنطبق بذلك، ومن واجب قوات الولايات المتحدة احترام قوانين واعراف وتقاليد العراق.
فردت بسخرية اكثر: هل هناك اخلاق متعارف عليها في الحروب يامحمود وهل يحمل كل جندي امريكي الدستور العراقي بيد والرشاشة بيد اخرى ثم يقرأ بنود الدستور قبل ان يطلق النار.
رد محمود: والله ياخالة اسئلتك محيرة انا لا استطيع الاجابة عليها . فقالت ميوشة: اذن اكمل يابني.
سعدت ميوشة بسماع الفقرة التالية: " عند اكتشاف أي موقع تاريخي او ثقافي او العثور على مورد استراتيجي في المنشآت والمساحات المتفق عليها تتوقف كل اعمال البناء او التطوير او التحوير فوراً ويبلغ الممثلون العراقيون في اللجنة المشتركة لتحديد الخطوات المناسبة التالية.ولكنها لم تصدق ذلك فهي تعرف بالفطرة ان هؤلاء القوم يشبهون اولئك الذين هاجموها في بيتها الجديد دون سبب سوى انهم لايرغبون بجوارها خصوصا وانها جميلة ويحسدها كل من رآها.
اكمل يابني اكمل وحين وصل محمود الى الفقرة التالية طلبت منه التوقف قليلا . الفقرة تقول
" تتولى قوات الولايات المتحدة السيطرة على دخول المنشآت والمساحات المتفق عليها والمخصصة لاستخدامها حصرياً ويقوم الطرفان بالتنسيق بشأن الدخول الى المنشآت والمساحات المتفق عليها للاستخدام المشترك وحسب آليات تضعها اللجنة المشتركة لتنسيق العمليات العسكرية المشتركة وينسق الطرفان مهام الحراسة في المساحات الملاصقة للمنشآت والمساحات المتفق عليها من خلال اللجنة المشتركة لتنسيق العمليات العسكرية. صرخت ميوشة بشىء من الغضب: هذا هو بيت القصيد ورغم اني لا افهم مما قرأته في هذه الفقرة ولكنهم يريدون السيطرة على المنشآت والمواقع الاستراتيجية بالتشاور مع الحكومة العراقية ... ياله من تشاور. اكمل يابني اكمل:
وقرأ محمود الفقرة التالية:
" تبلغ قوات الولايات المتحدة السلطات العراقية حينما تبدأ تحقيقاً جنائياً حول سلوك احد افراد القوات او العنصر المدني والتي يمكن ان تتناول شخصا يعيش عادة في العراق كضحية، ويضع الطرفان الاجراءات لإحاطة هؤلاء الاشخاص علماً حسب ما يكون ملائماً بوضع التحقيق في الجريمة، وتوجيه التهم للجاني المشتبه فيه وموعد اجراءات المحكمة، ونتائج عملية التفاوض، ما لم توجه المحكمة بغير ذلك، وان يسمعوا خلال اجراءات نطق الحكم العلنية، والتشاور مع محام حول المحاكمة في هذه القضية ومساعدتهم على تقديم المطالبة كيفما يكون مناسباً بمقتضى المادة ،21 وسوف تسعى الولايات المتحدة حينما يكون ذلك ملائماً ومتفقاً بين الجانبين، لعقد المحاكمات في العراق، واذا عقدت المحاكمة في الولايات المتحدة تبذل الجهود لتسهيل حضور الضحايا في المحاكمة.
وهنا لم تستطع ميوشة ان تكتم غضبها فصاحت بصوت كله انين: ماهذا الكذب يامحمود منذ 5 سنوات وهم يقتلون شبابنا بهذه الحجة او تلك والان يريدون ان نغفر لهم ونبدأ صفحة جديدة... هيهات يامحمود , هيهات ان نياتهم غير سليمة وارجوك توقف عن القراءة فيالتني لم اطلب منك ذلك فانا اليوم لست حزينة فقط بل لاني ارى الكذب ينشر في الصحف وكأنه الصدق بعينه.
#محمد_الرديني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟