أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليفة ببا هواري - بنيات الصراع في - مظلة في قبر -لمصطفى لغتيري















المزيد.....


بنيات الصراع في - مظلة في قبر -لمصطفى لغتيري


خليفة ببا هواري

الحوار المتمدن-العدد: 2398 - 2008 / 9 / 8 - 05:22
المحور: الادب والفن
    



يتميز تاريخ الأدب بوجود الكثير من المنعطفات على صعيد المضامين وعلى صعيد " هيكلة " الأعمال الأدبية وطريقة تقديمها للقارئ والمتلقي. وتطور التاريخ الأدبي ظل رهينا بوجود أناس يفكرون دائما في إعادة صياغة العلاقة الأدبية بين الفكرة وأسلوب ومنهج تقديمها. وفي تاريخ الأدب تتأكد المقولة " بأن لا شيء يدوم على حاله".
هناك قاعدة مسطرة في تاريخ الأدب مضمونها أن كل طرح- سواء كان على الصعيد المضمون أو على صعيد الشكل – يجب أن يمر بمرحلة تجريبية يكابد من خلالها في مواجهة نفسه ومواجهة العناصر الخارجية التي غالبا ما تكون رافضة له إلى أن يفرض وجوده، ليصبح بعد ذلك قاعدة تتعرض بدورها للشد والجذب في انتظار تطور جديد.

هذه التطورات في تاريخ الأدب هي التي صنعت الأجناس الأدبية، لتأتينا في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي بجنس، يحاول أن يجد لنفسه مكانا في خريطة عالم الأجناس الأدبية، إنه جنس القصة القصيرة جدا الذي يحاول المدافعون عنه تمييزه عن باقي الأجناس الأدبية.

ومن بين الكتاب الذين صنعوا لأنفسهم طريقا في خضم هذا الجنس الجديد، نجد الكاتب المغربي مصطفى لغتيري الذي يحاول جاهدا من خلال الممارسة النقدية والكتابة الإبداعية أن يؤصل لهذا الجنس الأدبي.

ومن بين إنتاجات مصطفى لغتيري، سنقف عند أضمومته القصصية " مظلة في قبر " الصادرة عن منشورات القلم المغربي سنة 2006. ولن نحاول الوقوف عند الصيغة الأجناسية للعمل ،لأننا سنفرد لاحقا دراسة لهذا الجنس الأدبي، مع مجموعة من الكتاب- ولكننا سنحاول دراسة المجموعة من خلال التراكيب والمضامين الأدبية التي ضمتها بين دفتيها.

وسنعمل من خلال هذه المقاربة على الوقوف عند الاشتغال على الشكل ثم عند البناء القصصي بكل تمظهراته.

1- الاشتغال على الشكل:

لن نقارب هنا الشكل القصصي الجديد الذي هو القصة القصيرة جدا، ولكن سنحاول أن ندرس الأسلوب الذي اشتعل عليه مصطفى لغتيري في بناء عمله.

وقد لاحضنا أنه تبنى كثيرا البناء الدرامي في صياغة قصصية، مع اشتغاله أيضا على بنيات لغوية كسرت اللغة الاعتيادية للسرد القصصي، بالإضافة إلى تراوح القصص بين السرد الواقعي والسرد العجائبي.

من بين السبعة والخمسين نصا التي تشكل المجموعة القصصية " مظلة في قبر " بنى القاص ثلاثة وعشرين نصا على شاكلة قصيدة حديثة أي أنه عمد إلى تقديم هذه النصوص بعيدا عن الشكل النثري، الذي يصل بالسطر إلى نهايته في طرف الصفحة.

لماذا إذن هذا الاختيار ؟ هل هو البحث عن تمييز الشكل القصصي الجديد ؟ هل هو تأكيد السلاسة ،التي أرادها كتاب هذا الجني الأدبي ؟ هل هو زواج بين نوعين أدبيين من أجل خلق نوع جديد؟ هل هي محاولة للتفرد ،الذي يدعو له الإبداع الأدبي من خلال خلق توازنات جديدة في بنيات التعبير؟

لم نلحظ هذا الأسلوب في تقديم النص القصصي القصير جدا إلا عند مصطفى لغتيري، وهو يميزه على باقي المبدعين الذين اهتموا بإنتاج هذا النوع الأدبي في المغرب و العالم العربي. ولا غرابة في ذلك باعتبارلغتيري من المتميزين الأوائل في هذا الجنس (أو التحت – جنس ) الأدبي في المغرب، وباعتباره أيضا من المبدعين الذين يتميزون بالكتابة في أكثر من نوع بالإضافة إلى توفره على حاسة نقدية تؤثر لا محالة في توجهاته الإبداعية.

ثم إن هذا الاختيار يساهم في صنع شاعرية وشعرية هذا الجنس، من خلال البحث عن أسلوب تعبيري سلس يساهم في تأطير النصوص ، ضمن رغبة الكاتب في جعل النص القصير نصا للاستماع أكثر منه نصا للقراءة. وهو ما يبحث عنه كتاب القصة القصيرة جدا عندما يؤكدون على أن هذا النوع من الكتابة هو استجابة لمطلب العصرنة في زمن السرعة.

وتماشيا مع صيغة الكتابة الشعرية الحديثة استوقفتنا بعض النصوص، حيث لاحظنا وجود توقف في آخر السطر على قافية موجودة ، جاء في قصة " العش " (ص22):
قبيل موسم التوالد.
جدت العصفورة في بناء عشها قشة، قشة..

حيث أزف الموعد، وضعت بيضها..

لم تكن تدري أن عصفورة أخرى تترصد، عن بعد تحركاتها..

طارت العصفورة بحثا عن الغذاء

اغتنمت العصفورة الأخرى فرصة غيابها.

نلاحظ تكرار حرفي الهاء والألف لتشكيل القافية في نهاية ثلاثة أسطر، كما نلاحظ تكرار حرف الدال في "التوالد "و "الموعد" و تترصد و" عن بعد ". و الشيء ذاته نلحظه في قصة " الظل " (ص 25 ) مع حرف الهاء .

تفقد الرجل ظله،
فلم يجده ..
عبثا بحث عنه في كل مكان ..
فجأة، تراءى له ملقى في القمامة.
متلهفا، دلف نحوه..
التقطه ..
لمعه جيدا..
ثم ألصقه به من جديد.
في هذا النص، تكرار الضمير بشكل مثير ، مشكلا قافية عادية وقافية داخلية. وتستوقفنا كلمة " التقطه " التي جاءت وحدها في سطر كأن الكاتب يريد التأكيد على أن نلتقط معه هذا الصوت.

وقد تكرر الاشتغال على الضمير المذكر كقافية في نصوص أخرى منها " قمر " (ص 28 ) وعلى الضمير المؤنث في نص " سرنمة " (ص 31)

قد تبدو هذه الملاحظة انزياحية جدا، لكن لابد من الوقوف عند المعالم البنائية للنص، حتى نحاول فهم ما يصبو إليه الكاتب من خلال اختيار شكل دون آخر.

موازاة مع صيغة البناء الخارجي للنص كان الاشتغال على اللغة متحيزا -إلى أبعد الحدود- إلى اللغة العادية. ونكاد نجزم أن المجموعة بأكملها خلت من محسنات اللغة، وكأننا أمام لغة علمية أكثر منها لغة أدبية. ونعتقد- تعليقا على ذلك- أن الكاتب، رغم انزياحه في تقديم الشكل الخارجي ومظهره. كان مشغولا إلى حد بعيد ببنية الحكي والحكاية، وأن كل ما يهمه هو تقديم المضمون بالطريقة التي لا ينفلت بها المعنى.

نجدنا هنا أمام صيغة جميلة من التعامل الأدبي: اللغة مقابل المعنى. ماذا نختار ؟ الاشتغال على الشكل أم الاهتمام بالموضوع؟ الوقوف عند تمظهر البناء اللغوي أم التطرق للبنيات الداخلية التي تشكل المضمون ؟ فنعتقد أن شكل العمل- أي القصة القصيرة جدا- هو السبب الرئيسي، ونعتبرالكاتب واعيا بذلك إلى أقصى الحدود، وهذا دفعه إلى اختيار الاهتمام بصياغة المضمون أكثر من صياغة اللغة والشكل ،حتى تكون قصصه القصيرة جدا محترمة للتطلعات، التي يحاول كتاب هذا النوع الأدبي التأسيس لها من خلال الاهتمام بالكتابة فيه.

2- البناء القصصي:

كما أسلفنا فإن مصطفى لغتيري، من بين كتاب القصة الذين يعملون جادين للتأسيس والتأصيل للجنس الأدبي الجديد، قاص يتعامل مع أدواته القصصية بتمكن وتحكم ملحوظين. وكما أسلفنا كذلك، فإن اهتمامه بالمضامين يتجاوز اهتمامه باللغة. المضامين هنا ليست فقط موضوعات القصص، ولكن تتعداها في تقديرنا هذا إلى البناء القصصي.

أ‌-
البناء الدرامي
اعتمد القاص في كتابة قصصه على البناء الدرامي: حيث اشتغل في جل قصصه على الصراع القائم بين الشخصيات. الصراع هنا بمفهومه الدرامي وليس بمعناه العنيف.فالشخصيات في جل القصص . إن نقل كلها.تجد نفسها داخل بنيات صدمية إما ذاتية وإما غيرية، فبنية الصراع هاته، وكما تشكلت في المسرح الكلاسيكي، يمكن أن تقدم شخصيات بنفس الوزن أو باعتبارات درامية أو حكائية متباينة في مواجهة بعضها البعض، وعلى أساس هذه المواجهة يتم بناء الفعل الحكائي. فالسرد في هذه المجموعة القصصية هو سرد صراع، سرد مواجهة، سرد تضارب في المصالح وفي وجهات النظر. ولابد من الإدلاء هنا بملاحظة سنعود إليها فيما بعد، عندما نقارب عملية بناء الشخصيات، وهي أن هذه الأخيرة أي الشخصيات تأخذ طوابع مختلفة. فلم يلتزم مصطفى لغتيري أو لم يلزم نفسه في الحكي بالحديث عن شخصيات إنسانية، من جنس بني البشر، بل تعداها إلى شخصيات غير انسانية، حيوانات وجمادات ونباتات. وكأننا به يحاول خلق مزيج إجناسي بين القصة، واقعيتها وغرائبيتها، وبين الخرافة، حيث تصير كل الشخصيات قادرة على الكلام ،وقادرة أيضا على المساهمة في البنية الحكائية للنص السردي.
مفهوم الصراع هذا، والذي تقوم عليه عملية الحكي، والذي يشكل العمود الفقري للقصة، يستند إلى واقع الشخصيات، وفي بعض الأحيان إلى رمزيتها. وهذا البناء الدرامي جعل القصص تتوجه دائما من نقطة بداية إلى نقطة نهاية، رغم أن الاهتمام الظاهر للكاتب لم يكن العمل انطلاقا من هذه البنية في تشكيل الحكاية.

وفي قصة السيدة (ص 38) نجدنا أمام صراع صامت يهمس بمجموعة من الخلفيات السوسيولجية دون أن تتحدث أية شخصية. تطرح هذه القصة أمامنا صراعا مزدوجا بين ثلاث شخصيات، يؤطرها انتماؤها الطبقي أو "الكينوني " ..هذا الصراع يأتي على شكل عدم اهتمام بالآخر رغم محاولاته لإثارة الانتباه إليه ، فالقصة التي تتوزع على لقطتين تظهر لنا في الأولى عدم اكترات السيدة بخادمتها، وفي الثانية عدم اكترات الكلب بالسيدة رغم محاولة الخادمة في اللقطة الأولى والسيدة في أللقطة الثانية الإلحاح على إثارة انتباه الأخر، بنفس الطريقة وهي التلويح باليد ، وفي المقابل يكون رد فعل الآخر محاولة للإقصاء، أو لعدم الاعتراف، أو لنقل حتى لعدم الانتباه .

ويصل الصراع إلى مداه في قصة "الخلاص" (ص 16) .فالعنوان لوحده في هذه القصة يوحي فيما يوحي إلى نهاية الصراع والخلاص منه. والصراع في هذه القصة مثير للدهشة،ويتحول اتجاهه بشكل مفزع وغير منتظر، وسيصل إلى نتيجة غريبة مقارنة مع تطورات الأحداث. فالقصة تضع وجها لوجه " صيادا" ( قناصا) و"عصفورة" فعلاقة العنف المفترضة بين الصائد والمصاد تغير اتجاهها وتصبح علاقة عنف قوي في اتجاه الذات، وتنتهي بإطلاق "الصياد" النار على نفسه.

صراع من نوع أخر تقدمه قصة "خيانة" (ص 65) حيث يغيب أحد أطرافه ويحضر الطرف الأخر محاولا إعادة صياغة الصراع معتبرا أن كليهما (طرفي الصراع) يستفيد من نتيجة الصراع:

أبدا لم أخن زوجتي

قال الرجل بلهجة واثقة

فحيث أختلي بامرأة ما...

أغمض عيني.

أستحضر زوجتي، فأشعر بأنني في حضنها

إنني أتمتع بقوة خيال لا تضاهي...( ص 65)

تنتهي قصة "الشيطان" (ص 35 ) بالجملة التالية "على ملامح الشيطان ارتسمت سيماء الاستهجان... رمق الكاتب بنظرة ازدراء ثم تركه وذهب" ، فالصراع لا يظهر بشكله الدرامي إلا في هذه الجملة. وهنا نقف للتفريق بين الصراع الدرامي والبناء الدرامي. فالبناء الدرامي هو مجمل التشكيلات التي يقوم عليها العمل السردي والمسرحي، ومنها علاقة الشخصيات فيما بينها وعلاقتهما مع الفضاء والزمان المكونين للإطار العام للسرد. بينما الصراع الدرامي هو جزء من البناء الدرامي يقتصر على المواجهة بين الشخصيات، أو بين الشخصية وقدرها، كما كان عليه الشأن في المسرح التراجيدي الكلاسيكي.

نعود إلى جملتنا، ومن خلالها تنتهي القصة لتتوج الصراع، بعدما بدأته بوضع الشخصيتين فيما يمكن تسميته بحالة تعادل، حيث لم يستطع الشيطان أن يحصل على جواب مقنع لسؤاله، ولم يعمل على توجيه الكاتب، ومن جهته لم يهتم هذا الأخير - أي الكاتب- بمرور الشيطان ولم يحاول أن يبرر دوافعه للكتابة. هذا التعادل يوحي بهزيمة الطرفين وهو ما يعمق فيما نرى، أزمة الشخصيتين ويعطي لهذا الصراع بعدا أكثر درامية: فليس للكتاب إلا أن يكتب " لا أملك إلا أن أفعل" وليس للشيطان إلا أن يستهجن.

ويأخذ هذا الصراع الدرامي بعدا أكثر خطورة حينما ينحصر داخل الشخصية، أي عندما يختزل في دواخلها ويصير التعبير عنه في شكل مونولوج ، وهنا نصل إلى الصراع الداخلي ونمثل له بقصتين الأولى "ادخار" (ص 63 ) حيث يتحول صراع الشخصية مع الظروف الاقتصادية إلى صراع مع ذاتها حين وصلت إلى متاهة البخل:

بعد سنة عد مدخراته..

داهمه انتشاء عظيم، وهو يقلب الأوراق النقدية بين يديه...

حينذاك صرف النظر نهائيا عن شراء السيارة...

قرر أن يستمر إلى ما لا نهاية في لعبة الادخار (ص 63 )

هذا التطور في منحى تكوين الشخصية وانزياحها من الدفاع عن مصالحها، إلى التورط في قهرها لنفسها، ففي البداية كان الحلم هو شراء سيارة، وكانت الصعوبة هي إيجاد المال لذلك

فقررت الشخصية لتنفيذ رغبتها أن تدخر قدرا من المال كل شهر... وبعد ذلك سقطت الشخصية في الورطة التي كانت هي السبب في تشكيلها. وكيف إذن تتخلص الشخصية من سيطرة البخل عليها ؟

نفس التطور في الصراع الداخلي تمثل له قصة " الهدية" ( ص 60) حين تسقط الشخصية في نفس الفخ. ونلاحظ كما في القصة السابقة أن الصراع يتم بين الشخصية وذاتها، والغريب هنا أن سبب الصراع يرتبط بمسألة مادية صرفة تؤثر على الشخصية لدرجة تجعلها تغير من أسلوب نظرتها للحياة.

هكذا نلاحظ، إذن أن الكاتب ركز في بناء قصصه على بنية الصراع الدرامي الذي جعل الحبكة تتأسس على المواجهة بين الشخصيات.

ب – بنية الشخصيات وعلاقاتها:

امتدادا لفكرة الصراع الدرامي، نجد بنية شكلية أخرى في البناء القصصي تساهم في تركيب قصص مجموعة "مظلة في قبر " وهي بنية الشخصيات وسنقاربها من خلال ثلاثة محاور.

نوعية الشخصيات:

قدمت المجموعة القصصية " مظلة في قبر" مجموعة من الشخصيات اختلفت في نوعيتها اختلافا كبيرا.. مفهوم الشخصية هنا نأخذه بأوسع معانيه، وهو المعنى" العاملي" إذ تعتبر شخصية كل مكون عامل يساهم في القيام بأعمال وأفعال من شأنها دفع حركية السرد إلى الأمام.

بهذا المعنى تعددت أشكال ونوعيات الشخصيات التي قدمتها المجموعة، وجاءت بصيغ مختلفة فهناك شخصيات إنسانية منها ماذكر بالاسم ك "نيوتن" في قصة "الخطيئة" (ص 14 ) و "بلقيس" في قصة "بلقيس" (ص 17) و"نابليون" في قصة "المومياء" (ص 18) و"ابراهام" و "ساراي" في قصة "ابراهام" (ص 20) و" أدونيس" و" الحلاج" في قصة "مخاتلة" (ص 33) ويلاحظ أن هذه الاسماء كلها تحمل في طياتها حمولة تاريخية، تضيف إحالات إضافية للمعنى الكلي للقصص ..وهناك من الشخصيات ما ذكرت بصفاتها ك" الفتاة" في قصة " سرنمة" و " القاضي" و"المتهم" في قصة" مبدأ" (ص 29) و"الرجل" في قصة "ظل" (ص 25) وقصة "تحية" (ص 34) وقصة" منطق" (ص 35) والمرأة في قصة" اكتشاف "(ص 37) وجدتي في قصة "نيزك" (ص 36) وهناك من الشخصيات من ذكر فقط بالضمير ك "أنت" في قصة " امرأة" (ص 15) و"أنا" في قصة "مترادفات" ص 21 ) وفي قصة "برتقالة "( ص 32) وفي قصة "متاهة" ( ص 45) وفي قصة "خيانة" (ص 65) وهو في قصة نظرة (ص 67 ) وفي قصة "احتمالات" ( ص 48 ) وهما في قصة "انقراض" ( ص30).

بالإضافة إلى الشخصيات الإنسانية قدمت المجموعة شخصيات غير إنسانية ،وهي شخصيات تنتمي لعالم الحيوان وعالم النبات فالبنسبة للحيوانات فقد كان حضورها من خلال الطيور التي شكلت القسط الأكبر من الشخصيات : فقد كانت "العصفورة" (ليست نفس العصفورة طبعا) الشخصية المركزية في قصة "العش" (ص 22 ) وشاركت في صنع الحدث في قصة "الخلاص" "ص 16) وفي قصة "تأهب" ( ص 44) وهناك حضور لطيور أخرى ك " الهدهد" في قصة "بلقيس" (ص 17) أو "النورسة" في قصة" النورسة" (ص 26)

وهناك أيضا حضور لشخصيات ممثلة في حشرات كما هو الشأن في قصة "رقصة" ( ص 53) حيث تقتسم" نحلة" بطولة القصة مع "زهرة" ، وفي قصة "الشبيهة" (ص 47) حيث الشخصية الرئيسية هي "فراشة".

ويزداد تشعب الانتماء للشخصيات لنجد حيوانات من حجم أكبر "فيحضر الكلب" ( ص23) وفي قصة "السيدة" (ص 38) وتحضر "الأسود" و "الغزلان" في قصة "لحظة سلام" (ص 42).

وأخيرا قدم مصطفى لغثيري شخصيات من نوع منفرد وهي عبارة عن نباتات ، فظهرت" التفاحة" حية متحدثة معبرة عن موقف وكينونة خاصة في قصة الخطيئة ( ص 14) وظهرت الزهرة بنفس المقومات في قصة "رقصة" ( ص 53)

قدمت إذن مجموعة "مظلة في قبر" لمصطفى الغتيري تشكيلة من الشخصيات التي تباينت في نوعيتها وفي بنياتها وفي انتماءاتها وحتى في تسمياتها. وشملت امتدادا كبيرا ساهم في إعطاء الفرصة للكاتب للتعبير عن مجموعة من المواقف سنحاول فيما يلي مقاربة بعضها.

· الصراع النفسي:

ظهرت مجموعة من شخصيات المجموعة حاملة ضمن تركيبها واشتغالها وانشغالاتها نوعا من التأزم ، أو نوعا من التطور من صيغة إلى صيغة أخرى. وهكذا فقد أحصينا مالا يقل عن اثنتين وعشرين قصة ضمن قصص المجموعة، أبرزت شخصيات تعاني من صراع نفسي.

· فكرة الموت:

حضرت فكرة الموت كثيرا في المجموعة، لا كنهاية دائما، ولكن كإحساس أو كرغبة للخلاص، أو كهاجس يلاحق الشخصية. ففي قصة "الخلاص" (ص 16) كان اكتئاب "العصفورة" دافعا لها لتتملكها الرغبة في الانتحار، وكانت هذه الرغبة مرفوقة بإصرار وإلحاح لأن اكتئابها كان حادا. وتتحول هذه الرغبة في الانتحار منها إلى القناص، الذي لم يكن هناك أي شيء في البدء يوحي إلى أنه سيصير إلى هذه النهاية. والأدهى أن الفكرة عنده ستتحول إلى تنفيذ حين ضغط على "الزناد".

تتكرر الرغبة في الانتحار في قصة "منطق" ( ص 35) التي تنتهي بعبارة بين مزدوجتين" لكي يكون المرء عظيما، لزاما عليه أن يموت منتحرا".ارتبطت فكرة الانتحار هنا بفكرة العظمة إذا أن الشخصية "الرجل.." بعد قراءته المتكررة لسير العظماء " استنتج" كما جاء في الفكرة التي اختتم بها النص، وهي- حسب السياق- القرار الذي وصل إليه .
هذه الرغبة في الموت، ولكن بطريقة أخرى، جاءت في قصة "الأسير" (ص 40) :
علق الأسير ابتسامة على شفتيه الشاحبتين، فيما حافظ الجندي على صلابة ملامحه.. بعد تردد قال الأسير:
- لم لا تقتلني ؟

تجاهله الجندي، فأعاد عليه السؤال..
نظرا إليه مليا ثم أجابه:
- أسرك أفضل من قتلك...

تكرر طلب القتل مرتين لدى الأسير ، مما يشير إلى أنها رغبة أكيدة، تضيف إلى ما أشرنا إليه بالنسبة لحضور فكرة الموت.

ومن جهة أخرى تحضر فكرة الموت كهاجس وكباعث على الخوف كما هو الشأن في قصة "احتمالات" (ص 48) جاء في بداية القصة:

"أخذ الكتاب بين يديه... متلهفا طفق يقلب صفحاته... فجأة تملكته بلا رحمة، فكرة أن يتسبب الكتاب في موته.."

هاجس الموت حضر هنا عكس القصص السابقة حيث لم يكن مرغوبا فيه.

- الاضطرار إلى تغيير الوضعية

تورطت بعض الشخصيات في تحول خطير في تركيبتها وفي احساساتها الداخلية ،وكانت مدفوعة إلى هذا التحول سواء برغبة داخلية أو بدافع خارجي..

هكذا نجد شخصيتين تدفعهما الأحاسيس الخاصة إلى نهج سلوك لم يكن متوقعا.

ففي قصة "ادخار" (ص 63) لعب الزمن والمدخرات دورا مهما في تغيير مسار التركيبة النفسية للشخصية، إذن من الرغبة في الاتفاق وشراء سيارة تحولت إلى الرغبة في الادخار، فبين بداية القصة " تملكته الرغبة في شراء سيارة "ونهايتها " حينذاك صرف النظر نهائيا عن شراء السيارة.. قرر أن يستمر – إلى مالا نهاية – في لعبة الادخار.. " تحولت الشخصية مدفوعة ب " انتشاء عظيم" من حالة عادية إلى حالة غير عادية مرفوضة هي حالة البخل.
نفس التحول تقريبا حصل لشخصية أخرى في قصة " الهدية" (ص 60) حيث تورطت الشخصية في أخذ قرار بشأن هدية تريد أن تقدمها لأحد معارفها. فكان نصيبها حالة من الارتباك والحيرة. تبدأ أحداث القصة بالإحساس بأريحية تدفع البطل إلى التفكير في تقديم هدية لأحد معارفه، لكنه لم يستطع أن يختار اسما معينا. فتغير الإحساس من الأريحية إلى الاضطراب، حينما اكتسحه إحساس مرير بالتعاسة، لأنه اكتشف بحسرة، أن ليس هناك من معارفه من يستحق الهدية ،ونسطر هنا على كلمات: مرير وتعاسة وحسرة وخصوصا هذه الأخيرة التي تكررت مرتين لنلحظ مدى السلبية التي آلت إليها نفسية الشخصية بعدما دخلت الأحداث بشكل إيجابي.
تغير آخر في اتجاه سلبي أيضا نلحظه في قصة " الكلب " ( ص 23) حيث يبدأ الكلب، وهو الشخصية المركزية في القصة، غاضبا ومتوترا لكون صاحبه قام بإحكام وثاقه. يبدأ التغيير عندما يقرر صاحب الكلب فك وثاقه. لكن هذا الأخير (أي الكلب) وبعد ما أطلق سراحه وغاب فترة، لم يستمر في التشبث بفكرة الأولى وهي الحرية، بل تنازل عنها جاء في النص " لم يمض زمن طويل، حتى عاد الكلب هادئا مستسلما.. وأمام ذهول صاحبه، توجه – مباشرة –نحو وثاقه" هي فكرة الصراع الدرامي في شقه الداخلي، حيث يستسلم المرء لقدره، أو للقدر المفروض عليه.

· الشخصيات التعبة

بدت الكثير من الشخصيات في المجموعة القصصية " مظلة في قبر " وكأنها تحمل ثقل الحياة بكثير من السلبية، مما دفعنا إلى تسميتها بالشخصيات "التعبة" هذه الشخصيات تحمل مايمكن تسميته ب"هم وجودي" فهي قلقة، تعاني وتعيش معاناتها بقساوة، إلا أن هناك نوعين من هذه الشخصيات التعبة: النوع الأول يصل به قلقه إلى نهاية مأساوية، والنوع الثاني يحاول المقاومة ويتطور بشكل إيجابي.

" متحسرا رفع الصياد عينه " ثم" وحدها عصفورة – كأنها تعاني من اكتئاب حاد" هما العبارتان الأساسيتان في قصة " الخلاص" (ص 16) وتؤكدان ما أشرنا إليه حيث يسيطر التعب النفسي على كلتا الشخصيتين ، مما يدفعهما للبحث عن الانتحار وهو ما يصل إليه الصياد في الأخير.

و الأدهى من ذلك أن الرغبة في الانتحار ستصبح مطلبا للعظمة، مما يكرس هذا الإحساس المرضي، وذلك هو الشأن في قصة " منطق " (ص 35) حيث جاء:
أخيرا استنتج ما يلي: " لكي يكون المرء عظيما، لزاما عليه أن يموت منتحرا"
ونسير في اتجاه الإيجابية، حيث ستنمحي في خطوة أولى الرغبة في الانتحار، رغم وجود حالة التعب الجسدي والنفسي، كما هو الشأن بالنسبة للصياد والنورسة في قصة " النورسة" (ص 26) فالنورسة التي عبثا ترقبت ظهور سمكة... قوة الرياح أنهكتها فهدها التعب " والصياد الذي لمحها وقد أنهكه تقلب الموج.. تمنى لحظتها، لو كان له جناحاها، لغادر المحيط في لحظات". نلاحظ أن كلتا الشخصيتين تبحثان عن الراحة وعن الخروج من المأزق، الذي تورطتا فيه عكس ما رأينا عند الشخصيات السابقة، التي لم تر إلا في الانتحار مخرجا لحالتها النفسية.

ويتواصل المسير نحو الإيجابية ، والغريب أن هذا المسير يوافق الترتيب التصاعدي للقصص في المجموعة، وكأن مصطفى لغتيري يحاول أن يؤكد لنا أنه يحافظ على نفس إيجابي في هذه المظلة، رغم أنها في قبر ، ونصل إلى رغبة في الحياة تكشف عنها الرغبة في الابتسام . فقصة " الصومعة" (ص 43) تنتهي بقول السارد:" لفترة من الزمن شرد ذهنه ثم شقت ابتسامة طريقها نحو شفتيه".

وقصة " سعادة "( ص 52) والتي تبدأ بقول السارد: مثقلا بالهم دخل الحانة.. " تنتهي بقوله: لحظتها أدرك الذروة، فتردد في أعماقه: الله.. كم هو بخس ثمن الفرح

فيبدو جليا إذن أن رغبة الشخصيات تسير نحو نوع من الإيجابية يجلب الحياة مكان الموت. ويجلب السعادة مكان الشقاء.هكذا إذن نلاحظ أن مجموعة " مظلة في قبر" أسست قصصها القصيرة جدا على بنية الصراع، الذي أخد أشكالا متعددة. وقد قمنا من خلال دراستنا لهاته للمجموعة بالبحث في الصيغ التي اعتمدها الكاتب لبناء نصوصه، وكان الحديث عن البناء الشكلي و بناء المضامين. ثم توقفنا عند مفهوم الصراع. وحللنا بنياتة الدرامية، ووصلنا إلى مقاربة الشخصيات من خلال ثلاثة محاور تجلت في نوعية الشخصيات،وفي الصراع النفسي ثم الشخصيات التعبة.

وقد لاحظنا أن الكاتب مصطفى لغتيري نجح في تقديم شخصياته من خلال البنية الصراعية وكذلك من خلال تركيبية النصوص، بطريقة متقنة حيث أعطى للقارئ كل الإشارات الضرورية لفهم البنيات التي شكلت الصراع. ولأن المجموعة اشتغلت على التكثيف فإنه بوسع الدارس

أن يجد فيها مع مادتها الخام مواضيع أخرى من قبيل العلاقة بين الشخصيات، والتي تتجه نحو السلب من جهة ونحو الإيجاب من جهة أخرى. ومن قبيل المقاربة الموضوعاتية، حيث قدمت المجموعة واشتغلت على مجموعة من التيمات كالموت والانتحار والهم والعنف والألم والحزن وغيرها.



#خليفة_ببا_هواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الحكومة الأوكرانية تلزم ضباط الجيش والمخابرات بالتحدث باللغة ...
- تناغمٌ بدائيٌّ بوحشيتِه
- روائية -تقسيم الهند- البريطانية.. وفاة الكاتبة الباكستانية ب ...
- -مهرج قتل نصف الشعب-.. غضب وسخرية واسعة بعد ظهور جونسون في ...
- الجزائر تعلن العفو عن 2471 محبوسا بينهم فنانات
- أفلام كوميدية تستحق المشاهدة قبل نهاية 2024
- -صُنع في السعودية-.. أحلام تروج لألبومها الجديد وتدعم نوال
- فنان مصري يرحب بتقديم شخصية الجولاني.. ويعترف بانضمامه للإخو ...
- منها لوحة -شيطانية- للملك تشارلز.. إليك أعمال ومواقف هزّت عا ...
- لافروف: 25 دولة تعرب عن اهتمامها بالمشاركة في مسابقة -إنترفي ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليفة ببا هواري - بنيات الصراع في - مظلة في قبر -لمصطفى لغتيري