ـ 2 ـ
نُصيب
هو نُصيب بن رباح مولى عبد العزيز بن مروان ، شاعرا فصيحيح مجيد في الغزل والمديح ، وكان يدور في قصائده ، وهو شاب ، على مشايخ بني ضمرة ، وخزاعة ينشدهم قصائده ، وينسبها الى شعرائهم الماضين ، فيقولون : أحسن فلان ، هكذا يكون الشعر ، فلما سمع ذلك منهم علم أنه شاعر محسن .
دخل نصيب على سليمان بن عبد الملك ، وعنده الفرزدق ، فاستنشد سليمان الفرزدق ، وكان يظن أنه سيقول فيه مديحا له ، فانشد الفرزدق يفتخر بغالب وهو من أجداده فقال :
إذا استوضحوا نارا يقولون ليتها
وقد خصرت أيديهم نار غالب
فغتاض الخليفة سليمان منه ، وعبس فس وجهه ، وطلب من نصيب الاسود أن ينشده فقال :
قفوا خبروني عن سليمان إنني
لمعروفه من اهل ودّان طالب
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله
ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
هو البدر والناس الكواكب حوله
ولا تشبه البدر المضيء الكواكب
فقال سليمان : أحسنت يا نصيب ! وأمر له بجائزة ، ولم يفعل ذلك مع الفرزدق ، فخرج الفرزدق قائلا :
وخير الشعر أكرمه رجالا
وشر الشعر ما قال العبيد
سأل عبد العزيز بن مروان نصيبا ، هل عشقت قط ؟ قال : نعم .جارية لبني مُدلج . قال : ماذا كنت تصنع معها ؟ قال : كان أسيادها يحرسونها مني ، فكنت أقنع أن أراها في الطريق ، وغمز لها بعيني أو حاجبي ، وفيها أقول :
وقفت لها كيما تمر لعلني
أخالسها التسليم إن لم تسلم ِ
ولما رأتني والوشاة تحدرت
مدامعها خوفا ولم تتكلم ِ
مساكين أهل العشق ما كنت أشتري
جميع حياة العاشقين بدرهم ِ
قال أحدهم لنصيب : أنت لا تحسن الهجاء ؟ فقال : بلى ، والله ، أتراني لا أحسن أن أجعل مكان : عافاك الله ، أخزاك الله !
قال : فإن مدحت فلانا من الناس ولم يعطك شيئا فهجه . قال : لا ، والله ، ما ينبغي أن أهجوه ، وإنما ينبغي أن أهجو نفسي حين مدحته !
أرسل نصيب الى امرأة عيرته بسواد لونه هذه الأبيات :
فإن أكُ حالكا فالمسك أحوى
وما لسواد جلدي من دواءِ
ولي كرم عن الفحشاء ناءٍ
كبعد الأرض عن جو السماءِ
ومثلي في رجالكم قليل
ومثلك ليس يعدم في النساءِ