صلاح عودة الله
الحوار المتمدن-العدد: 2397 - 2008 / 9 / 7 - 01:14
المحور:
القضية الفلسطينية
....انه أحد ابناء قريتي, وبحكم الظروف التي فرضت علينا يحمل ما يسمى بالهوية"الاسرائيلية الزرقاء"..تزوج قبل ما يزيد عن عقدين من الزمن فتاة من احدى قرى رام الله في الضفة الغربية المحتلة..كانت هذه السيدة تقوم بزيارة اهلها وان كان الأمر ليس سهلا..فكان عليها المرور من خلال العديد من الحواجز العسكرية الصهيونية ونقاط التفتيش التي لا ترحم..انه اسهل عليها ان تصل باريس من الوصول الى اهلها..وهؤلاء لم يكن بمقدورهم زيارة ومعايدة ابنتهم, لأنهم من سكان الضفة وأمر دخولهم الى القدس مفروغ منه..!
مرت السنين وشاء القدر ان تصاب هذه السيدة بمرض مزمن الزمها العلاج المتواصل ودخول المستشفيات مرات عديدة..المعاناة..الأم..الأولاد..الزوج..البيت..واهلها الذين حرموا من زيارتها والوقوف الى جانبها في هذه الظروف الحالكة التي تمر فيها..انها معاناة فوق معاناة..وما اقساها من لحظات..!
تدهور وضعها الصحي واصبح خطيرا جدا..ادخلت الى مستشفى"هداسا الاسرائيلي" ولم يستطع اهلها زيارتها..وفي ليلة ظلماء فارقت روحها جسدها الطاهر..هذا الجسد الذي لم يعرف الا المعاناة..معاناة المرض والحنين الى الأهل..!
تم اخبار اهلها بما حصل وكانت الصدمة وأية صدمة؟توجهوا الى القدس لالقاء النظرة الأخيرة على ابنتهم وللمشاركة في جنازتها ودفنها..وجاءت الصدمة الثانية..فقد تم منعهم من الدخول عند اول حاجز عسكري..توسلوا.. بكوا..ولكن دون جدوى..اتصلت ادارة مستشفى"هداسا" بالقيادة العسكرية وارسلت لها تقرير الوفاة الرسمي..ولكن دون جدوى ايضا..توسل اهلها لأن يسمحوا لامها وابيها بالدخول فقط ولمدة ساعات..ولكن الجواب..لا والف لا..دفنت السيدة واهلها يبكون بكاءا ابكى الحجر والصخر..كيف لا وهم يعرفون تمام المعرفة, بل يمر امام اعينهم شريط يشاهدون من خلاله لحظات دفن ابنتهم بحضور الكثيرين وغيابهم هم..ابنتهم التي حرموا من مشاهدتها في ايامها الأخيرة من صراعها للموت ..انها لحظات قاسية تدمي القلوب وتجرحها ولكنها لم تؤثر في القتلة الأعداء الخالية صدورهم من القلوب..!
انه موقف اهتزت الأبدان له ومنه..موقف يجعلني اسأل وبمرارة..من السبب يا ترى؟هل هو العدو الصهيوني فقط؟أم نحن قمنا بالمشاركة"بالأجر" ايضا..الم نقم بالمشاركة ببناء الجدار الذي يسمى زورا وبهتانا بالعنصري؟الم يقم اقتتالنا الداخلي واراقة الدم الفلسطيني وبأيدي فلسطينية بتشجيع العدو على ان يلعب فينا ويحركنا كما يحرك لاعب الشطرتج احجاره, وأن يقوم بالدوس علينا وأن نقول له شكرا..! انها المأساة بعينها, بل ان المأساة لم تجد في قواميسها الغنية تعبيرا يصف هذه الحالة, وهي واحدة من بين الاف الحالات التي يعيشها أبناء هذا الشعب الصابر والمناضل..هذا الشعب الذي ضحى بالغالي والنفيس وبمئات الالاف من الشهداء من أجل الحرية والتحرروالاستقلال..!**القصة حقيقية وواكبت تطوراتها وحصلت في الشهر الأخير.
لقد قلنا وما زلنا نقول بأن المفاوضات مع العدو عبثية ومضيعة للوقت, وطالبنا بوقفها وما زلنا نطالب..لقد اسمعت لو ناديت حيا **ولكن لا حياة لمن تنادي..! ما زلنا نهرول وراء عدو لا يرحم..نهرول وراء وعود "ورقية" لا اول لها ولا اخر..ونحن في حالة"أمامك قف"..فالى متى هذا الذل والهوان؟أليس من الأجدر بنا ان نعيد لحمتنا الوطنية وأن نقول جميعا وبصوت تهتز له قمم الجبال الشامخة:لا لاتفاقية"أوسلو" المشؤومة والتي لم تجلب لنا سوى الدمار والاقتتال الداخلي الذي أدى الى الانفصال الجغرافي والسياسي بين ما تبقى من الوطن المحتل برمته..واصبح لنا"حكومتان" لشعب واحد بدون دولة..حكومة حماس التي استولت على القطاع بقوة السلاح ، ثم اقامت فيه دويلة تحكمها بشكل أحادي,غير آبهة بكل الأطراف الأخرى سواء كانت مقاومة أو غير مقاومة, وحكومة عباس في رام الله والتي يرأسها سلام فياض...فهنيئا لقادتنا على هذا الانجاز التاريخي..!
لقد حولنا العدو المحتل الى محميات وكانتونات- وبدعم من زعيم البيت الأبيض سود الله وجهه"بوش الصغير الوضيع"- لا حول لها ولا قوة, وهذا هو المطلوب ولكن القادة"أعزهم الله" لم يتعلموا الدرس..فقد استمروا بالهرولة وراء العدو وزعيم الارهاب العالمي ومجرم الحرب الأول جورج بوش ووزيرة خارجيته السحاقية الشمطاء"رايس"..!
متى يفهم ويستوعب"قادتنا الأشاوس" بأنه لا معنى للمفاوضات وهم الطرف الضعيف الذي عليه ان ينفذ الأوامر ولا يحق له حتى بأن يقوم بابداء وجهة نظره؟ متى يستوعب قادتنا القاعدة البسيطة القائلة:ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة..وكيف نفاوض من سلب ارضنا؟على ما نفاوضه..الأرض ارضنا ونحن ملحها الذي لا يذوب أبد الدهر, وعلينا استعادتها..فهل يعقل ان تفاوض من سلب منك بيتك عنوة؟ فكيف تفاوض من سلب منك وطنا كاملا؟ ألم يقم قادتنا بقراءة ما كتبه شاعرنا العربي المقاوم الراحل امل دنقل:
لا تصالح..؟ولو منحوك الذهب..أترى حين أفقأعينيك,ثم أثبت جوهرتين مكانهما..هل ترى ؟هي أشياء لا تشترى..ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك..حسكما..فجأة..بالرجولة..هذا الجياء الذي يكبت الشوق حين تعانقه..الصمت..مبتسمين..لتأنيب أمكما..وكأنكما طفلين,ما تزالان طفلين..تلك الكمـنينة الأبدية بينكما..أن سيفان سيفك..صوتان صوتك..أنك إن مت :للبيت رب,وللطفل أب..هل يصير دمي بين عينيك ماء؟أتنسى ردائي الملطخ بالدماء ؟تلبس فوق دمائي ثيابا مطرزة بالقصب؟ إنها الحرب..!قد تثقل القلب..لكن خلفك عار العرب..لا تصالح..ولا تتوخ الهرب..!
ألا تصدق فينا مقولة احد اكبر جنرالات الصهاينة"موشي ديان" عام 1968 :"ألعرب امة لا تقرأ, وان قرأت لا تفهم, وان فهمت لا تطبق"..!
لقد اصبح هؤلاء القادة ينظرون الى الأمور بنصف عين ويتكلمون بنصف لسان..أطلقوا العنان لأجهزة مخابراتهم السحرية التي تصطاد كل من يقول "لا".. فهم أمر من الله.. ابتعدوا عن الحقيقة, بل ان الحقيقة منهم براء..أفلا ينطبق عليهم ما قاله شاعرنا العظيم مظفر النواب:
أيقتلك البرد؟ أنا يقتلني نصف الدفء.. ونصف الموقف أكثر..سيدتي.. نحن بغايا مثلك, يزنــي القَهرَ بنــا..والديـنُ الكاذِب .. والخبــزُ الكاذِب..والفِكرُ الكــاذِب والأشعـــار.. ولون الدم يزور حتى في التأبين رماديا..ويوافق كل الشعب.. او الشـَــعب..وليس الحاكم أعـــوَر..سيدتي.. كيف يكون الإنسان شريفا..وجهاز الأمن يمد يديه بكل مكان..والقادم أخطـَــر..!
ولم يكتفي هؤلاء القادة بالمفاوضات العقيمة والتي تجري رياحها باتجاه واحد وتصب انهارها في مصب واحد ألا وهو مصلحة العدو الصهيوني, بل وبعد تضييع ما تبقى من القضية قاموا بالتنازل عن أقدس حق,حق العودة واللاجئين وقدس الأقداس..فمن خولهم بذلك؟ من المعروف بأن حق العودة هو حق مقدس كقدسية الأديان, فالعودة حق والحق هو العودة..وما صرح به أولمرت في الفترة الأخيرة بأن حكومته مستعدة لارجاع نحو عشرين الف لاجىء توجب الضرورة اعادتهم وعلى مدار عشرة اعوام, ما هو الا استخفاف بحقنا هذا والهدف من تصريحه هذا هو القول:لا وجود لمثل هذا الحق. اننا نستهجن ونستنكرالتصريحات التي صدرت عن السيد الرئيس أبو مازن بخصوص حق العودة والتي أكد فيها: "أنه لا يستطيع أن يطالب بعودة ملايين اللاجئين ويبحث مع إسرائيل تفاصيل عدد العائدين"..إن هذه التصريحات تعبرعن عدم التزام الرئيس بقرارات الإجماع الوطني والشرعية الفلسطينية والشرعية الدولية، ومحاولة متسرعة وغير مشروعة للقفز عن الحقوق والثوابت الفلسطينية..ان مثل هذه التصريحات تعتبرضارة بالمصالح الوطنية العليا لشعبنا، وأنها لا تعبر عن مواقف وسياسات المنظمة والتي تحددها سياسة الإجماع الوطني والبرنامج الوطني وتشكل انتهاكاً صارخاً لآمال وتطلعات شعبنا المشروعة في الاستقلال الناجز والعودة وتمسكه بحقه في الصمود والمقاومة. سنُشرب هذا الحق لأولادنا وأحفادنا ليُشربوه لأحفادهم، كما أَشربناه من آبائنا، حتى يكون يوم العودة القادم لا محالة، شاء من شاء وأبى من أبى، فحقنا مقدس رغم أنف الجميع.
ألم يصدق فينا القول..وطن يباع ويشترى**ونقول فليحيا الوطن؟ ألسنا بأمة خجلت من نفسها الأمم؟ ألا يصدق فينا ما قاله مظفر النواب: "اصرخ فيكم..اصرخ اين شهامتكم؟ ان كنتم عربا..بشرا..حيوانات, فالذئبة..حتى الذئبة, تحرس نطفتها, والكلبة تحرس نطفتها..والنملة تعتز بثقب الارض..واما انتم..فالقدس عروس عروبتكم..اهلا..!القدس عروس عروبتكم..فلماذا ادخلتم كل السيلانات الى حجرتها..ووقفتم تسترقون السمع وراء الابواب..لصراخ بكارتها..وسحبتم كل خناجركم..وتنفافختم شرفا..وصرختم فيها ان تسكت..صونا للعرض..فأي قرود انتم؟ أولاد قراد الخيل كفاكم صخبا..خلوها دامية في الشمس بلا قابلة..ستشد ضفائرها وتقيء الحمل عليكم..ستقيء الحمل عليكم..ستقيء الحمل على عزتكم..ستقيء الحمل على اصوات اذاعاتكم..ستقيء الحمل عليكم فردا فردا..وستغرز إصبعها في أعينكم..انتم مغتصبي..!حملتم أسلحة تطلق للخلف..وثرثرتم ورقصتم كالدببة..كوني عاقر يا ارض فلسطين..فهذا الحمل مخيف..كوني عاقر يا ام الشهداء من الآن..فهذا الحمل من الأعداء, دميم ومخيف..!
اننا وفي هذه الأيام العصيبة نصرّ على تذكر، وإعادة تذكر، القرار 194 وعلى وجه التحديد فيه الحقيقة بأنه اشترط عودة اللاجئين كمدخل للاعتراف ب”إسرائيل”، فإذا يراد له اليوم أن يُقذف في مكب التاريخ كشرط ل”اعتراف” “إسرائيل” بنا!..ولكن هذا ما صنعته أيادينا ولا نلوم أحدا..!
هل ما زلنا نتغنى بما قاله صفي الدين الحلي( ونحن اصحاب النخوة والشهامة العربية الأصيلة..!):
سلي الرماح العوالي عن معالينا**واستشهدي البيض هل خاب الرّجا فينا...إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفاً**أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا..بيض صنائعنا،سود وقائعنا** خضر مرابعنا،حمر مواضينا..!
وأختتم قائلا: اذا كان رب البيت بالدف ضاربا**فشيمة أهل البيت كلهم الرقص...!!
#صلاح_عودة_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟