استبشرت المرأة في مملكتنا الغالية خيرا عندما أعلن على الملأ نبأ مشاركتها في المرة الماضية من مؤتمر الحوار الوطني خيرا حيث كان التمثيل الأول لها الذي منحت فيه فرصة التعبير عن رأيها في قضية من قضايا الوطن المؤرقة جدا للقيادة و للمواطن سواء كان ذكرا أم أنثى. وعلى الرغم من كون هذا التمثيل لم يكن بالمشاركة في تقديم أوراق العمل الخاصة بالملتقى الحواري الهام إلا أن وجود عشر نساء يمثلن مختلف الشرائح و الأطياف النسائية هو بحد ذاته نصر جديد للمرأة السعودية التي تعيش ضمن مجتمع تسوده أعراف وعادات وتقاليد ،وهيمنة سلطة المجتمع الذكوري بالكامل ، وذلك نتيجة للخلط القائم بين مبادئ الدين الإسلامي الذي أعز المرأة وكرمها ورفع شأنها وبين تلك الأعراف والتقاليد والعادات المجتمعية المقيتة والبالية ، كما أنه إنجازا للدولة التي منحتها هذه الفرصة الفريدة ،إلا أن الوشايات التي ظهرت بعد مشاركتها لا تنبأ بخير لها ولا للوطن الذي سمح لها بالمشاركة ..لكن قرار القيادة والمسؤولين عن تنظيم وقيادة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ،وقرار المؤتمرون في توصياتهم للمؤتمر السابق للحوار بإشراك المرأة السعودية في الحوار الوطني الثالث ،وتفعيل مشاركتها فيه من خلال جعل المحور الأساسي له مرتبطا بدور المرأة السعودية في المشاركة الوطنية لا شك أنه اثلج صدري كامرأة سعودية شيعية المذهب تتطلع لنيل مكانتها البارزة والمؤثرة جدا في صناعة القرار الوطني العالي الأهمية بالنسبة للمرأة وللوطن وللقيادة التي تتطلع لدوري كامرأة بناء لا امرأة هدم لهذا الكيان الشامخ خصوصا و إني ومثيلاتي من النساء السعوديات نتحمل العبء الأكبر في بناء شخصيات الرجال والنساء الذين نخرجهم للمجتمع كمشاركين بنهضته فإذا ما توجهت القيادة نحونا كنساء دون النظر إلى مذاهبنا الدينية وتوجهاتنا الفكرية التي بلا شك تصب في صالح الوطن واستقراره، فإنها بلا شك سوف تحصد نتاج ما غرسته يانعا حيث أننا النساء المربيات للأجيال سوف نشعر بأننا عناصر فعالة، ومؤثرة في مجتمعنا السعودي ،وصانعة للقرارات الهامة التي تحمي الوطن والمواطن من الانصياع للقوى الخارجية المدمرة لإنسان وطننا ،ومشاركتنا في الحوار الوطني الثالث بالحضور ،أوتقديم أوراق العمل ،أوالمشاركة في المدخلات ما هي إلا دليل على إدراك القيادة لأهمية دورنا كنساء لنا ثقلنا ووزننا وتأثيرانا أيضا على صناع القرار والقادة والمسؤولين الحكوميين ،فالمرأة السعودية اليوم ما عادت كالسابق جاهلة بمجريات الأمور كما أنها الآن وصلت من العلم إلى أرقى الدرجات وحان الوقت الذي يجب فيه على الرجل أي كانت صفة هذا الرجل قائد دولة ـرجل دين – رجل سياسة ،اقتصاد –إعلام – اجتماع – نفس -طب أم رب أسرة ابن -أخ -عم خال –أم كفيل غارم ...الخ) أن يعي تماما احتياجات النساء وإنهن لم يعدن جاريات لدى الأزواج والأباء، والأخوة وحتى لدى صناع القرار، ورجال الدين الذين لا يمنحون أنفسهم فرص للاجتهاد فيما يتعلق بحقوق المرأة التي صانها الإسلام ككيان وكحقوق .ولكن ليس معنا هذا أن تخرج المرأة السعودية سواء المشاركة في الحوار الوطني ،أو سواه أو على شاشة القناة الأخبارية سافرة ، أو متبرجة تبرجا عظيما واضحا لكونها امرأة وفتاة مسلمة أولا وأخيرا ، والحجاب فرض عليها لا إلزام من الدولة ،أو العرف ،وبالنسبة لي لا أجد ما يمنع من مشاركة المرأة السعودية مع الرجل في حوار واحد دون شبكات تلفزيونية مغلقة ...وهي في كامل أناقتها واحتشامها ،ولا أجد ما يمنع أيضا من حوراها المباشر مع الرجل، أو جلوسها معه على طاولة واحدة للحوار الذي يصب في صالح الوطن والمواطن في جلسة عامة خالية من الفتن والشبهة .
أتطلع ككاتبة وصحافية وباحثة اجتماعية وكمثقفة من هذا الحوار القادم أن ينصفني كامرأة شيعية أعيش على الهامش ولا أحد يعرف عن منجزات في محافظة القطيف ومناطق الشيعة المختلفة ،كما وأود أن يفسح لي المجال للمشاركة في المؤتمر ولو بالحضور والمداخلات الجادة والهادفة التي تصب في صالح الوطن والمرأة بصفة عامة ،هذا من جانب ومن جانب أخر أرى أن قضايا الوطن لا تنفصل تماما عن قضايا المرأة سواء كانت شيعية أم سنية لذا أتطلع من هذا الحوار أن يكون منصفا للمرأة ويعطيها الحق في أن تناقش قضايا أمتها وتتفاعل معها بحرية و رأي مستقل لا أن تحصر فقط ضمن إطار مناقشة قضايا المرأة السعودية فحسب ،لأن قضايا الوطن هي ذاتها قضايا المرأة وقضايا المرأة هي ذاتها قضايا الوطن .
ومن حق المرأة أن تكون عنصرا بارزا وان يكون لها دورا مؤثرا وفعال في المشاركات الوطنية التي تخدم الوطن برمته .هذه المشاركة لا تقتصر على حب المرأة للوطن بل يجب أن تتعداه إلى ما هو اكبر من حب الوطن ذلك لأن حبنا كنساء للوطن هو أمر بديهي ،والدور الأكبر لنا هو في صناعة أجيال من الرجال والنساء يؤمنون بأهمية أدوارهم في صناعة ونهضة الوطن ،كما يؤمنون بأهمية التعليم وأهمية الطعام واللباس ،والهواء لهم من أجل مواصلة العيش .كما أتأمل أيضا أن نخرج من هذا الحوار الثالث ونحن كنساء ورجال مدركات ومدركين لأهمية تجديد أدوار المرأة في المجتمع السعودي المسلم ،وفتح قنوات للتفاهم والتيسير لهذه الأدوار الجديدة التي آن الأوان لمنحها للمرأة في مجتمعنا ولكن كما سبق أن نوهت دون أن تكون السعوديات سافرات في مشاركتهن للرجال في المؤتمرات الداخلية والخارجية .
كما أتمنى أن يكون التوجيه أو التوجه الرسمي لتفعيل دور المرأة السعودية في المجتمع السعودي نابعا من الإيمان بهذا الدور الذي نتمنى أن يكون طليعيا ،كما نتمنى أن تحض النساء كل النساء في دولتنا بأفضل الخدمات التي تدعم دورهن وتعلي مكانتهن في المجتمع حتى تثمر كما أثمرت في السابق بالإنجازات الرائدة التي تعزز وتدفع دورها الإيجابي في عملية التنمية ..وفي استنهاض النساء السعوديات العاملات وغير العاملات منهن المتعلمات وغير المتعلمات منهن لنيل حقوقهن كاملة لدى أسرة التنشئة أولا ،ثم لدى أسرة الإنجاب ،-أثر ذلك لدى المجتمع – و لدى صناع القرار في الدولة .
وان لا تكون مشاركتها في منتدى الحوار الوطني الثالث مجرد مشاركة إعلانية إعلامية دعائية للتلفزة والصحف ومختلف وسائل الاتصالات الحديثة العالمية والعربية والخليجية والمحلية لكي يقال أن السعودية فتحت أبواب و أدوار جديدة للمرأة في حين إن هذه الأدوار مقيدة بقرارات رجال الدين وعادات وتقاليد و أعراف وقوانين المجتمع القروي البدوي الموغل في التخلف والرجعية والذي لا يرى المرأة السعودية إلى ناقصة عقل ودين ،وناقصة علم ورزانة واتزان وفطنة ،كما لا يرى فيها إلا الجسد الذي يجلب لها العار والفضيحة ،وحتى تكون خطوة القادة وصناع القرار نحو مشاركة المرأة في الحوار الوطني القادم خطوة كبيرة ومؤثرة وجريئة ينبغي تعزيز دور المشاركة الشعبية للمرأة في ممارسة العمل التنفيذي والتشريعي على حد سواء من خلال دراسة إمكانية منح السعوديات فرص أكبر في صناعة القرار وتنفيذه ومنحهن فرص المشاركة السياسية عبر مجلس الشورى ،و العمل في السلك الدبلوماسي مع التزامهن بالحجاب الشرعي ،ومنحهن فرصة العمل كوزيرات للتعليم والصحة والعمل والشؤون الاجتماعية ،والخدمة المدنية ،وإفساح المجال لهن للانخراط في العمل العسكري ،والعمل في وسائل الإعلام المختلفة دون وجود مكاتب للنساء و أخرى للرجال وقبل ذلك إيجاد فرص الدراسة للمرأة في تخصص الإعلام حتى تجيد هذه المهنة دون الحاجة للرجل الذي يستقل عملية عدم وجود تخصص لها في مثل هذا المجال بشكل يسيء لها وللمهنة التي تزاولها .
كما ينبغي أن تكون مشاركة السعوديات في هذا المؤتمر الحواري الهام منطلقا من الإيمان بدورهن الحيوي في المجتمع إذ على القيادة السياسية أن تخطو خطوات واسعة ،ومتسارعة وحثيثة - نحو مشاركة المرأة السعودية في صنع القرار أي كان نوع هذا القرار سياسيا أو اجتماعيا ،أم اقتصاديا ،أم ثقافيا ،أم إعلاميا ،أم دينيا وهذا لا يتأتى برأيي إلا من خلال وجود إرادة سياسية قوية تتمثل في خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ، وولي عهده الأمير عبد الله بن عبد العزيز الذي نعرف ونجزم بإيمانه العميق بقدرة المرأة السعودية على العطاء وضرورة تفعيل مشاركتها الوطنية في التنمية الشاملة ،والتي من شأنها أن تجعل المرأة السعودية تندفع نحو المساهمة والمشاركة في المناصب القيادية العليا وبقوة .
كما أود أن أشير هنا إلى أن مشاركة المرأة السعودية في المؤتمرات الداخلية عبر الدوائر التلفزيونية المغلقة تتم منذ أمد بعيد ولكن الذي استجد على الواقع الاجتماعي الفعلي للمجتمع السعودي هو مشاركة المرأة بشكل مباشر مع شقيقها السعودي ضمن قاعة حوارية واحدة وهذا ما حصل في المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في مكة المكرمة مؤخرا وثار حفيظة رجال الدين ،وفئات من المجتمع .كما أن هذه المشاركة أيضا تعد مختلفة تماما عن ما تعودت المرأة مناقشته في قضاياها الخاصة كمشاكل الأسرة والمرأة والزواج والطلاق والعنوسة،ورعاية الطفولة والأمومة ،وقضايا تعليم المرأة وعملها .
و أخير أقول أن مسؤولية تثقيف المرأة نحو المشاركة الفعالة في مجتمعها ينصب أولا على صناع القرار ودعمهم لها ،من خلال توعية المجتمع الذكوري و من يتحملون مسؤولية الإفتاء في دولتنا المسلمة فتثقيف المرأة وبناء شخصيتها مسؤولية الجميع ،كما إن تفعيل دورها هو واجب على كل فرد في الوطن ،وكذلك توعية المرأة نحو أهمية تحمل مسؤولية تثقيف نفسها لكي تتحمل فيما بعد أعباء مجتمعها المسلم أمر لا بد أن تكون هي شريكة فيه .حيث انه في الوقت الحاضر لابد من وضع الخطوط السليمة لانطلاقة المرأة السعودية حتى يتجدد عطاؤها ويستمر ويتوهج خدمة لنفسها ولمجتمعها المسلم على أن يتم كل هذا وهي محافظة على كرامتها ،وعفتها وحجابها الإسلامي وبهذا فهي لن تغيب عن أداء دورها ورسالتها في التوجيه الحضاري وبناء الأمة وتفريخ وصناعة الأجيال التي تنهض بالوطن وتعزز من مكانته بين الأمم .
لا سيما إذا ما عرفنا أن الإسلام الذي ندين به اعتبر المرأة أما وأختا وزوجة وابنة ومجاهدة وعالمة في كل ميادين الحياة حتى الخروج إلى الجهاد والقتال في سبيل الله... لذا يجب أن تعطى المرأة في وطننا الحبيب السعودية الفرصة لكي تكون فاعلة وحاضرة من خلال مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني وسواه .دون أن تكون متخلفة عن ركب النساء المتقدمات في الأوطان المجاورة لنا والبعيدة عنا ،ودون أن تكون مهانة وتابعة للرجل السيد الذي يقهرها ويوؤدها ويذلها باستقلاله لقوامته الشرعية عليها .فالإسلام جعل المرأة كالرجل فهي ليست تابعة ولا ذليلة ولابد أن تفهم ذلك حتى لا يستقل حقوقها الرجل ويجعلها مجرد آلة للتفريخ مغيبة الوعي ،مهدرة الكرامة ومسلوبة الإرادة والحقوق .
نقطة عبور: السيدة هند بنت سهيل المخزومية (أم سلمة) زوجة الرسول علية الصلاة والسلام ،فرت بدينها من مكة إلى المدينة ،تحمل طفلها دون أن يشترط أن يرافقها محرم ،أو إذن كتابي من ولي أمرها ،وتنخرط في المجتمع المدني وتشارك في العديد من الغزوات لتقدم الدعم اللوجستي للخطوط الأمامية ،وتتحول على مقاتلة عندما كان يتطلب الأمر ذلك ،ولم تجد من يستقبح فعلها او اختلاطها بالرجال آن ذاك ،والسيدة الحوراء زينب بنت امير المؤمنين تقف معارضة جبروت يزيد وكمعارضة لنظام بني أمية السلطوي الظالم الذي قتل أخيها الحسين ولم يمنعها إسلامها من أن تؤدي رسالتها في الحياة ،فلقد كانت لسان النصر وقناته الإعلامية لتوضيح قضية الحسين وقصة مقتله .فهل يسمح لي المجتمع بالسفر حيث اريد دون مسألة لأقدم رسالتي لأي انسان يحتاجها في هذا الكون الفسيح دون معارضة .ومن يترى يمكنه ان يقدم لي الدعم لأقوم بما أؤمن به من قضايا .أجيبوني من فضلكم يا من تقطنون العالم ..واطلقوا سراحي كي امارس دوري بكل حرية وعنفوان ..من في هذا العالم الواسع الممتد يمكنه ان يقدم لي الدعم الذي يجعلني اقدم رسالتي دون حدود .
كاتبة وصحافية وباحثة اجتماعية سعودية مستقلة
سيهات – محافظة القطيف المنطقة الشرقية