أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حسين الداغستاني - الفرار الى العشب














المزيد.....

الفرار الى العشب


محمد حسين الداغستاني
صحفي وشاعر وناقد


الحوار المتمدن-العدد: 2392 - 2008 / 9 / 2 - 03:19
المحور: الادب والفن
    


" إن اللون موضوع معقد , وهو لا يؤثر في قدرتنا على التمييز بين الأشياء فقط , بل ويغيّر من مزاجنا وأحاسيسنا , ويؤثر في تفضيلاتنا وخبراتنا الجمالية بشسكل يكاد يفوق تأثير أي ُبعــد ٍآخر يعتمد حاسة البصر أو أية حا سة ٍ أخرى "
قاسم حسين صالح / سايكولوجية إدراك اللون والشكل
كعاشقة ندية تختار ( منور ملا حسون )* الشاعرة الرومانسية الحالمة , أصباغها لتلوين الطبيعة والأشياء
والمشاعر بلون العشـب النابت في ربيـع مدينتها على إمتداد حافـات القلعـة وجنبات حوض النـارالأزلية , لتحيل كـل
المســاحات الممهــورة بالنبـض والتـألق الى إخضـرار ملفـت للنظـر , عبـر ثمـانية وعشـرون نصا , هـي حصــاد
مجموعتها الموسومة ( مرافيء ضبابية ) سـواء ً بعفوية منبثقة كعيـن الماء أحياناً , أو بقصـد مسبق في أغلـب
الأحيان , لتحقيق رؤى تضطرم بها شرايينها !

وواضحٌ تماماً فاللون لدى الشاعرة لا يمثل إحساسـاً عبثيا ً لتزويـق مفـردتها بحيث يمكن تجاهله أو طرحه
جانبا ً , إنما اللـون والأخضـر بعينه يدخـل في هيكليـة وبنـاء النتاج الإبداعي ليمنحه دلالة نفسية واعـدة , ويحيل
التناغم الهاديء فيه الى أداء فريد , لجلاء الطقس العام حـول الحـدث الذي تتناوله بدراية مسبقة , بـل أن الأخضـر
ينبع من الشعور ليستحيل الى كينونة لا مفر منها , وإلا ّ فكيف نفسـر لون الليـل , والهـلال, والنجـوم, والمرافيء,
والغيمة , والمطر , والعشـق , والطلـع والوفـاء ... اخضرا ً ؟؟ :

( لأجلك َ أبحث عن جـزر خضراء , تضللها أزهار
القرنفـل البيضـاء
في مجاهـل ٍ يهطل عليها مطـرا ً اخضـر
لك ... لأجلك أريد أن أصطاد هلالا ً أخضر )

و ( كي تمـلأ الأ يـام شــعرا ً
إما أن تكـون سـحابة خضراء
تمطر كلمـات خضراء
أو تكون عرافـا ً
يتكهن بما تأتيـه الأ يام )

و ( إذا بجداـئل الربيـع
تشرئب من عتمة الدوران
تتد لى من الأفـق الأزرق
وتعزف الغصون ألحانا سـرمدية
ومرا فيء الشـوق الأخضـر
تشـد حقيبـة العـودة
فتسـتحيل بسمة موناليـزية )

و ( سـأعود لأعيـد للمركب المنسي
أشرعة معتقة
بعطـر الوفـاء الأخضـر )

و ( قنـديل مكسور
يغـد و في قـلب الشـاعرة قيثارة
ينشد لمواسم الصبا المنسية
شطحات عشق ٍ أخضر ) .

وعلى إمتداد المساحة اللونية ذاتها , يمكن لنا التعـرف على جوانـب ثـرّة في خارطـة الوضـع النفسـي لهـذه
الشاعرة التي تمور رقة وحبا ً وحزنا ً , فالمعاناة شديدة الوطأة التي تثقـل كلماتها وحروفها تحدد مسار الفعـل الذي
يلازم القصيدة , وتعيـن على التملص من الوا قـع الأليـم الى سـماوات بعيدة , ملونة , وبهية , وبإيقاع يتناغم بيسر
ونعومة مع الكثير من الرومانسية , ذات الرموز الواضحة في لوحات شعرية , على قدر ٍ من الطرواة والنفاذ يـــة
تدرك إستحالة الفرار , فتركن الى الصـبر الجميـل الذى يولد هو الآخـر حزنا ً جديدا ً فيما ترقص المروج من حولها
جذ لى :

( وحزام الصبر
على البطـون الغضـة
بصـمت يدمينا
وإ ذا بغيـمة شاردة خضراء
تومـي بالمطر الأخضر
على الصبح الحزين )

و ( ومن منهـل الصبر
أرتشف ماء الحياة
كي تـورق الصخور
وتنطلق طيـور
البحـر البيضـاء
وأتـوج غرسـك الأخضـر
سـحرا ً نيسانيا ً
تتتباهى به المروج فرحة )

و ( في قلبي الجريح ...
لماذا يتجذ ر .. ألم وجيع
لا نهاية له ؟ ) .


ومثلما تقارع الشـاعرة اللون بأحا سيس وتـداعيـات تسـهم فـي تجسـيد الصـورة الديناميـة المؤثـرة لتوضيح
الفكرة , فإن المتلقي يتفاعـل مع الدلالة ا للونية ويتعرف من خلالها على ســلوك ومـزاج الشاعـرة تمهيـدا ً لجـلاء
الجو العام المغمور بذلك الإخضرار الذي يبصم البيت في جـل ّ النصوص , وينزف بُعـدا ً وجدانيا ً عميقـا ً ,
فضـلا ً عـن الوظيفـة الشـعورية التي يؤديها الدفـق ا للوني الذي يجـرد المفردة مـن كـل شيء سوى حرارة ووهـج
العاطفـة وا لتـوق الى الخلا ص الى عالـم مـوحي وسـخي بعطائـه ينمو تلقائيا ً بـإنسيابية عـذبة وبساطة مشحونة
بالموحيات :

( أ جد ني أبحث عن روح ٍ تسكن عيني
عن روح ٍ رغبتي لديها
لا رجعة فيها
بحثا ً عن مكان ٍ
لا فراق فيه
بيني وبينه
.. روح سرابية ..
تنطلق مع روحي
نحو آفاق ٍخضراء
بنجوم خضراء ) .

ورغم الدلالا ت السايكلوجية للون الأخضـر , كونه مضـاد للألـم والتوتـر , وأنه يضفي على بيئـة النص
مسحة الرجاء والتفاؤل , إلا ّ أ ن الشاعـرة توجه الـلون الى ا لضـد من فعلـه النفسـي في العديد من مفردات
المجموعة لتعود ثانية الى توظيفها كرمز للأ مل ، عندما تبادر الى فتح كوة للتفاؤل عبر الإخضـرار رغـم الحزن الـذي تتلغـع به :

( وداعا ً عذابات السنين
آ ن أن نعبـر
بمجاذ يفنا المحطمة
بحار رعبنـا القاتـم
وأن نعتـلي
أسـوار البحار لنـرى أشـجار الياسـمين
تلملم الورود ندية
وتصوغها قلائدا
لجيد الأيام الآتية )

و ( فرميت ُ نفسـي الى ينبوعك الـدافيء
حتى بـد أ الطلع الأخضر
يرقص جـذلا ً للصبح ) .

إ ن مـنور مـلا حسـون إ ذ تسلب الأشـياء أ سـمائها وألوانها وهواجسها , وتلجأ الى الفرار من الأ لم إلى الأخضر وحـده لتلويـن ما حولهـا , فإ نما تجعلنـا نلتفـت في النهايـة الى مـا في حولنا , لكي لا نرى ســوى لـون العشب , مكتسحا ً , طاغيـا ً وفي الوقـت ذاته هادئا ً , مبتسما ً, يلّوح عبر نافذة المرفأ الذي يلفه الضـباب , باحثـا ً
عن لونـه الحقيقـي !! .



#محمد_حسين_الداغستاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرايا الله
- خفق النبض
- النسور تنأى بأبصارها بعيدا !
- أسئلة عن الحب والحرية المسلوبة !!
- في الحب مرة ً أخرى !!
- ياصديقي
- حدود الحرية
- مؤسسات المجتمع المدني في العراق بين التحجيم والضرورة الحتمية
- تداعيات توق أضاع المسافات
- الغد المرتهن
- الديمقراطية النازفة في العراق
- إنتماؤنا القفقاسي وإملاءات المكان !


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حسين الداغستاني - الفرار الى العشب