أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - هل نكتبُ أدباً تاريخَ الرذيلة؟















المزيد.....

هل نكتبُ أدباً تاريخَ الرذيلة؟


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 2389 - 2008 / 8 / 30 - 08:26
المحور: الادب والفن
    


هَبْ ناقداً أتى الى بيكاسو أو الى رسام على نفس مذهبه فقال له: إنك يا سيدي قد خرجت علي أصول الرسم الصحيحة وهدمت التقاليد المعروفة وأخللت بالميزان الفني المعدول وارتكبت بهذا أخطاء تدل علي نقصك في حاسة البصر وجهلك بقواعد التشريح وقوانين المنظور. فاسمح لي بأن أصحح لوحاتك هذه. وثق يا سيدي انني سأحتفظ بذوات محتواك وقالبك ولن أدخل إلا التعديل اليسير الذي يقتضيه تصحيح رسمك علي أصول النسب المأثورة وقوانين الانسجام المألوفة. أنظر أنت هنا قد جعلت لهذا الوجه ثلاث عيون، مع ان المشاهد المعروف ان الوجه الانساني له عينان فقط، فاسمح لي أن أطمس هذه العين (وهنا يمد الناقد فرشاته فيطمس العين الثالثة). أما هنا فقد رسمت عينا واحدة فقط مع ان الشخص يواجهنا، لذلك سأتبرع بأن أرسم لك العين الناقصة هكذا. وهنا قد جعلت الأنف يتجه الي اليمين والفم يلتوي الي اليسار، فاسمح لي بأن أجعلهما يتجهان اتجاها واحدا هكذا. وهنا في لوحة واحدة جعلتنا نري المنظر المواجه والمنظر الجانبي لنفس الشخص، مع ان المعروف ان هذا مستحيل، لذلك سأصحح لك رسمك بإلغاء أحدهما. ثم ما هذا الذي فعلت يا رجل؟ يا للداهية ويا للمصاب.. انك قد وضعت الفم (أو العين أو اليد أو الرجل أو غيرها من الأعضاء) في غير مواضعها الصحيحة، فلا بد أن أصحح وضعها هكذا. ثم انك قد جاورت في لوحتك هذه بين ألوان لا يصح في تقاليد الفن الصحيح أن تتجاور، وهذا ينتج نشازا فظيعا وتنافرا أليما يدل علي فساد ذوقك، فاسمح لي بأن أحول هذا الأخضر الي رمادي، أو هذا الأزرق الي سماوي، أليس هذا أجمل؟ ثم ان هذه الفتاة ليست جميلة، لذلك سأوسع عينيها قليلا وأضع علي خدها قليلا من اللون الوردي وأجعل فمها مبتسما هكذا... ما رأيك الآن؟ .
لقد سقت هذا المقتطف الطويل، مع الاعتذار الى القراء الكرام، من كتاب قضية الشعر الجديد الصادر في طبعته الثانية المزيدة والمنقحة عن دار الفكر ومكتبة الخانجي في شباط فبراير 1971، للدكتور محمد النويهي ذلك الشخص الذي أفني شهادته العلمية وقلمه وحياته في سبيل الدفاع عن الشعر العربي الحديث ممثلا بالانقلاب الذي قاده الأفذاذ الرواد أمثال بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري وسعدي يوسف وصلاح عبد الصبور وغيرهم من الثوار، والمناسبة هي حلقة مساء الثلاثاء 26 آذار مارس 2002 من البرنامج الثقافي رواق الكتب الذي يعده ويقدمه الشاعر آدم فتحي وتقدمه كل أسبوعين مرة القناة الفضائية التونسية تونس7وكانت هذه الحلقة من رواق الكتب قد سجلت سابقة في خروج البرنامج عن مألوف تقليده باستضافة كتاب وكاتبه وبضع معلقين عليه أو قراء له، الي استضافة كوكبة من المبدعين في مدينة القيروان ممن حضروا وأحيوا ندوة فكرية حول النص والتاريخ أقيمت في رحاب كلية الآداب هناك، تمثلت في الدكتور صبري حافظ الناقد المصري المعروف والدكتور محمد الباردي والدكتورة زهرة الجلاصي، وأستاذ جامعي آخر، وكلهم من تونس. وكان حاضرا أيضا ويمثل جناح المبدعين الروائي ابراهيم الدرغوثي، والكاتب المسرحي والروائي والمنظر المعروف عز الدين المدني.
وكانت حرباً.
وحتى بإضافة إسم مُعدّ ومقدم البرنامج الذي هو شاعر بالأساس، الى القائمة، فإنها بقيت، لمن شاهد الحلقة المذكورة، حربا غير متكافئة، بين المبدعين وبين النقاد، ليس من حيث العدد فحسب، بل ومن حيث البلاغة والخطابة أيضا.
لقد تحدثوا وتساجلوا حول النص وكانوا مقتصرين، ولا أدري لماذا، علي فن الرواية، وحول التاريخ وكانوا يعنون بذلك، ولا أدري لماذا أيضا، ماضينا المجيد. ولقد قالوا كل ما يخطر لك علي بال فيما خصّ هذين الأمرين، مما شكل بالفعل زادا معرفيا حقيقيا من أناس متضلعين في البحث والدرس والتنقيب، ومما يعطي صورة عن أهمية برنامج ثقافي تلفزي مثل رواق الكتب نحن جميعا بأمسّ الحاجة اليه.
ورغم ذلك، حصل الصدام.
ودعك عن موضوع الكتابة في التاريخ والكتابة للتاريخ، في السرد العربي المعاصر، ودعك عن موضوع التأويل الذي اختلفوا فيه، ثم دعك عن موضوع الاسقاط الذي تناحروا عليه، وتعال انظر الي أصل المشكلة. وجذر المشكلة هو ما جاء في كلام د. محمد النويهي أعلاه، من عدم انسجام رؤية المبدع الفنان الخالق، ورؤية الناقد الشارح المفسر، رغم ما يشاع جورا وبهتانا عن ذاك الانسجام، وخاصة في فضائنا العربي.
إذا تسارر مبدعان علي ناقد، قالا عنه انه مبدع فاشل وجد في النقد درءا لذلك (وبالفعل فإن أغلب نقادنا العرب بدؤوا حياتهم كشعراء او قاصين أو رسامين أو ممثلين أو مطربين، ثم هجرهم الابداع أو هجروه) وبالمقابل فإذا ما تسارر ناقدان علي مبدع قالا عنه انه ضحل ولا يقرأ جيدا ويعاني من قلة الاطلاع. وكم كانت الصورة التلفزيونية معبرة، بل أصدق انباءا من كلماتي هذه، في وصف أهوال المعركة الثقافية المشهدية المتلفزة تلك. حاول ابراهيم الدرغوثي أن يكون هادئا وأن يمرر نظرته لموضوع السجال من موقعه كروائي، كما حاول عز الدين المدني أن يكون هادئا بطريقته الخاصة وأن يبين نظرته للموضوع نفسه من خلال خبرته ودربته وموهبته، ولكن، شتان بين الفريقين. وبين أنا ما عنديش إسقاط وبين لا، أنت عندك إسقاط ، وبين أنا ما عنديش أخطاء تاريخية وبين لا، أنت عندك أخطاء تاريخية ، كان يستعر أوار المعركة اللامتكافئة. وطبعا، يتعب المبدع أولا، ربما لكمّ وهمّ التعب الكبير المثقل به كاهله، ويعطي ظهره قليلا الي الكرسي وهو يقول منسحبا من الميدان بكل شموخ: هذا كلام سطحي ، بينما يقول المبدع الآخر: أنا أحاول أن أكتب تاريخ القبيح .
وهنا، وفي الدقائق الأخيرة من عمر الحلقة الأخيرة من رواق الكتب ، يأبى معد ومقدم البرنامج إلا أن يكون شاعرا، وربما لأنه لم يستطع أن يقاوم إغراء الانضمام الي كفة جبهة المبدعين القليلة، ليلقي بالحجر الضخم وسط البركة الراكدة، سائلا ضيوفه: ولكن كيف يمكن لنا أن نكتب تاريخ الرذيلة؟
غير ان الصعقة جاءت في آخر البرنامج..
ودعوني أيها القراء الكرام أكمل اقتطــــافي من كتاب الدكتور محمـــــد النويهي بشأن أحجيـــــتنا هذه مذكراً اياكم بناقد بيـــــكاسو الخيالي وهو يقول له: وا عجبا... لماذا تغضب يا صديـقي هكذا؟ وهل فعلت شيئا إدَّاً؟ وهل فعلت إلا أن صححت رسمك؟



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أميرة الرويقي .....الشاعرات العربيات يرفضن أن تقاس قصائدهن ب ...
- قراءة نقدية في الإنسان الإله
- لقطتان من شارع عربي
- الطريق الثالث في الرواية التونسية المعاصرة: نور الدين العلوي ...
- البحث عن رفاعة وتدشين سينما الارتجال
- الشاعر التونسي عبد الوهاب الملوح في حوار مع حكمت الحاج: الجي ...
- الأصوات
- لو..شعر : رديارد كبلنغ
- سدة الهندية
- مَنْ لا يَحْضُرُهُ الفَقيهُ
- جِنْ
- صندوك الرمل مسرحية بالمحكية العراقية من فصل واحد
- -جنون- جليلة بكار وفاضل الجعايبي: رؤية جديدة للانسان والشعر ...
- تَحْفرُ الخيولُ قبرَ الفجرِ
- جسر على نهر دجلة أو قراءةٌ في تسنن حسن العلوي (2-2)
- جسر على نهر دجلة أو قراءةٌ في تَسَنُّن حسن العلوي (1-2)
- جنون في كتاب بعد أن كانت مسرحا
- موطني موطني نشيد بين شاعرين
- المرأة والحداثة والتفكيك والجندر في العالم العربي في حوار مع ...
- حتى نارك جنة.. الوطن بين رضا الخياط وشكري بوزيان


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - هل نكتبُ أدباً تاريخَ الرذيلة؟