|
من أين أقتطع خبزة القصيدة ؟
السمّاح عبد الله
شاعر
(Alsammah Abdollah)
الحوار المتمدن-العدد: 2388 - 2008 / 8 / 29 - 09:16
المحور:
الادب والفن
في صباح بعيد كنت أحلم أن أكون شاعرا .
كان رفاقي في مدرسة [فاطمة الزهراء الابتدائية ] بسوهاج في جنوب مصر ، يحلمون أن يصبحوا ضباطا ومحامين ودكاترة ورؤساء جمهوريات ، فقط ، أنا وزميل لي ، لم أعد أذكر اسمه ، كان لنا اهتمامات أخرى تثير دهشة من حولنا ، زميلي هذا كانت أظافره طويلة ومتسخة ، وكان ينقر بها طوال الوقت على منضدة الدرس .
قلت له مرة :
لماذا تفعل كل هذه [ الدوشة ] ؟
أجابني :
أريد أن أصبح ، عندما أكبر ، طبالا .
.........................
من أين أقتطع خبزة القصيدة ؟
هل حقا أن الشعر مرمي في الطرقات ، وعلى الشاعر أن يلتقطه بعينه الشوّافة ، ووجدانه المنتخِب ؟ .
منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما ، وأنا أسير في الطرقات ، باحثا عن خميرة الشعر ، لأقتطع منها خبزة القصيدة ، وكلما جلست لكتابة قصيدة جديدة ، أكتب وكأنني أكتب للمرة الأولى .
........................
ديواني الأول [ خديجة بنت الضحى الوسيع ] جاءت قصائده [ خبط عشواء ] كانت تشير أكثر من أن تعين ، وكانت تدلل أكثر من أن تطرح اليقين ، لكنها أوقفتني في أرض الشعر ، وكتبت افتتاحيتي الشعرية ، وفي ديوان [ الواحدون ] ارتديت أقنعة عازفي الربابة ، والشعراء المذبوحين ، والمصلحين الاجتماعيين والأنبياء ، والناحتين ، وصاحبي الحكايا الكسيرة قلت كلامهم ، الذي هو كلامي ، وألبستهم همومي التي هي همومهم ، وتبادلنا الحوار ، وجاء ديواني [ أحوال الحاكي ] الذي هو تجربة في السرد الشعري ، ارتديت فيه عباءة الحكّاء الذي يوهم نفسه أنه عارف تفاصيل الحكاية ، وحافظ لملامح شخوصه المنحوتة من صلصال وجدانه ، غير أنه عندما يقعد على مصطبة القص أمام مستمعيه ، تتوه منه تفاصيل حكايته ، وتنداح وجوه شخصياته ، وتكاد عملية التشخيص كلها أن تفشل ، لكنه - تماما كما يفعل راوي السيرة الشعبية - يحط من عندياته ما هو غير موجود في الحدوتة أصلا ، ويمشّي رجال حكاياته ونساءها في طرقات ليست حقيقية في جغرافية الواقع ، وتاريخية الخيال ، باختصار يستخدم كل حيل الحاكي الفنية ، ويخرج من الحلبة والناس متضايقون من خاتمة الحدوتة ، وسعداء بها ، ويتمنون لو تتغير بعض الشيء ، أما هو ، فيكون أكثر منهم حزنا على مأساوية شخوصه ، ويتمنى لو يعدل من مسارهم - وهو خالقهم - بيد أنهم يكونون قد مارسوا معه غواية الاكتمال .
الديوان كله محاولة لتأكيد عملية تراسل الأنواع الأدبية بين الشعر والسرد من خلال تقنية شكلانية شديدة الخصوصية ، تعتمد على التفعيلة ، وتحتفي احتفاء خفيفا بالقافية التي تظهر في القصيدة - على استحياء - مرتين فقط ، كي يلتقط المستمع أنفاسه وكي يعيد الراوي ترتيب حوادثه .
وفي ديوان [ خلاخيل العابرة ] وقفت أمامي فلسطين ، بقدها وقديدها ، وخرج شهداؤها - أمامي - ليحرسوها ، فاقتنصتهم ، وهم في حالة الفرح العالي والوجد المتدحرج . كان علىّ أن أستدرجهم لدموعي قبل أن يستدرجوني لأفراحهم ، وفي هذه الأثناء كانت فلسطين تعبر أمامنا بخلاخيلها الدقاقة كأبهى ما تكون .
في [ ثلاثاءات عابر سبيل ] عدت مرة أخرى الى الطرقات ، كان الشعر مرميا على الجنبات اقتطعت خمسين خبزة صغيرة ، كان بعضها عالقا في حجرات القلب ، وكان بعضها يتدلى من الأسى المعبأ في الجيوب ، وكان بعضها متواريا خلف أحجار الأسفلت .
...........................
أنا شاعر لغوي ، موسيقي ، حكّاء .
أحيانا تخطفني المفردة اللغوية ، جريحة كانت أو جارحة ، وأحيانا أنحتها بقدرة الناحت المتمرس ، ربما تكون المفردة اللغوية هي بوابتي لدخول القصيدة ، أما الموسيقا فأنا مازلت مؤمنا بأن قصيدة التفعيلة مازالت صالحة لاثارة الدهشة ، غير أنني في ذات الوقت لا أرفض الأشكال الأخرى ، لا القصيدة العمودية ولا القصيدة النثرية بل إنني أحيانا أكتب هذه وأحيانا أخرى أكتب تلك ، فأنا أرى أن الشعر كبير ، ومتعدد ، ويسمح بكافة الأشكال مادام الشاعر قابضا على سؤال الشعر . وأنا شاعر حكّاء ، أحب السرد والتفاصيل الصغيرة ، ورؤية الحدث من زوايا جد ضيقة .
............................
أصبح لديّ أكثر من عشرة دواوين منشورة ، وحصلت على جائزة الدولة التشجيعية ، ومازلت أتساءل :
من أين أقتطع خبزة القصيدة ؟
وما زلت كلما جلست لأكتب قصيدة أكتب وكأنني أكتب للمرة الأولى وما زلت أحلم أن يكون لي في بيت الشعر شرفة وإيوان .
............................
وأنا أحب الموسيقا والغناء .
وكلما جلست لأتفرج على أغنية ، أو رقصة ، أو قطعة موسيقية ، تسللت عيناي بين أفراد الجوقة العازفة ، باحثتين عن زميل لي كان يشاركني منضدة الدرس في مدرسة [ فاطمة الزهراء الابتدائية ] بسوهاج في جنوب مصر ، كانت له أصابع طويلة ومتسخة ، عله يكون ممسكا بطبلة ، ينقر عليها ، ويفعل نفس [ الدوشة ] القديمة .
#السمّاح_عبد_الله (هاشتاغ)
Alsammah_Abdollah#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خراب السقيفة
-
فرلين
-
عن مكاوي سعيد
-
تصاوير ليلة الظمأ
-
أقوال المرأة البليلة وتفاسير أقوالها
-
أغنية البحار
-
فتنة الذكرى
-
معزوفة للحمائم البعيدة
-
الشهداء
-
استراحة المحارب
-
خدعة
-
الرجل بالغليون في مشهده الأخير
-
كلام عن عبد الرحمن الداخل
-
صلاح عبد الصبور
-
وكان متعبا من كثرة التجوال
-
عنترة بن شداد
-
الذهاب إلى شجر الزيتون
-
الشيوعيون القدامى
-
سيزيف
-
هواء طازج 2
المزيد.....
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور)
...
-
إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر
...
-
روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال
...
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
-الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ
...
-
عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع
...
-
تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر
...
-
المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
-
عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو
...
المزيد.....
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
المزيد.....
|