|
شيزوفرانيا
إبتهال بليبل
الحوار المتمدن-العدد: 2387 - 2008 / 8 / 28 - 00:46
المحور:
كتابات ساخرة
أنا مواطنة مجنونة وأية محاولة لتدجيني أو اعتقالي أواجهها بالرفض مهما كان الثمن ...لاشيء يشير إلى أني يوماً سوف أدخل مستشفى المجانين أو الأمراض النفسية ، حقيقة الآمر هنا ، في أنه كل من يفكر زيارة هذه المستشفى للمعالجة فمعنى ذلك أنه مجنون ، كما أني متيقنة أنكم لاتتوقعون أني في يوم من الأيام زرتُ هذه المستشفى بصورة مستمرة ، وهذا كان من سنين طويلة ، حيث كانت لي صديقة مقربة جدا إلى روحي ، هذه الصديقة كانت متزوجة من رجل غريب ، وكانت لديه موهبة وبدرجة عالية بأن يتقن أي دور ، حتى أني يوماُ قلت لصديقتي من جانب المزاح ( زوجكِ موهوب لماذا لا يعمل في المسرح )، ولكي أدخل في موضوعي أقول لكم أن هذا الرجل في أحدى الأيام لكثرة إيداء هذه الأدوار تناسى وصدق نفسهُ وتقمص دور رجل مريض نفسياً ، لدرجة أننا قد توهمنا فعلاً أنه مريض ، لكننا كنا في نهاية الأمر نضحك ونقول أنه تمثيل ، إلى أن جاء اليوم الذي أنهار وبدأ بمحاولة قتل نفسهُ وتخريب كل شيء يقف أمامهُ أو يعترض طريقهُ وعندما انتهت اللقطة ، جلس ، وكان هناك رعب يجتاحنا من هذه التصرفات ، فضحك وقال لا تخافوا أنها طريقة أتبعها لأحصل على ماأريد ، لم أدري ماذا أقول ، لكني قلت لصديقتي وقتها ، أحذري هذا الرجل ، فرغم هدوءه فأنه ، عندما يتقمص هذه الشخصية يثور ويصبح عنيفا حد القتل .. وجاء اليوم الذي كاد فعلا أن يقتل زوجتهُ ، كان بحالة هستيرية عالية جدا ، فهرعنا بأسرع مايمكن وحملناه إلى هذه المستشفى ( الأمراض النفسية والعقلية ) ، وبعد معاينة الطبيب ، تبين أنه مصاب بانفصام الشخصية ولديه كآبة حادة قد تصل إلى القتل ، في البداية نفذنا تعليمات الطبيب بدقة ، لكن من كثرة تناولهُ العقاقير الطبية ، والمهدآت كما أشار إليه الطبيب ، توصلنا إلى نهاية حتمية أن هذا الرجل قد انتهى وأصبح مختلاً عقلياًً ، عندها رموه في هذه المصحة أيام طوال ولا أحد يزوره سوى زوجتهُ ( صديقتي ) وأنا ... وكنت كلما أذهب معها إلى هناك ينتابني الهلع والخوف والصمت وأنا التفت من حولي وأشاهد نساء ورجال كلاً في جانب وحديقة كبيرة وفيها أرجوحة بيضاء يجلسون عليها ، ولكني بعد وهلة رحل الخوف عني والهلع ولسبب بسيط هو أنهم ليسوا غرباء فأنا لاحظت وجوههم في الشوارع والمحال والأزقة وفي كل مكان خارج هذه الزنزانة ، ربما رأيتهم في النوادي والحدائق ، والمؤسسات ، لكن الفرق بين هؤلاء الذين داخل هذه الزنزانة ( مستشفى الأمراض النفسية والعقلية ) والذين في الخارج هو أن من في الداخل يعيش الحياة بلا زيف ولا خداع ولا جرم ، وبصدق ، في كل مرة كنت أستمع إلى حديثهم هؤلاء المرضى ، وأسلوبهم وطريقة تعاملهم فيما بينهم ، كان من بينهم رجل يقول باستمرار بأنه يعاني من نوبات صرع وشيزوفرانيا( انفصام شخصي ) ولم يكتشفهُ أحد إلى أنهُ أصيب بهذه النوبة في مقر عمله فنقلوه على الفور إلى هذه المستشفى وبقى فيها مسجوناً إلى ذلك اليوم ، مع العلم أننا جميعاً مصابون بهذه النوبات ولكن الفرق بيننا وبينهُ أننا لم يتم اكتشافنا ليلقوا علينا القبض ويرحلوننا إلى هذا السجن .. شخصيات ونماذج مختلفة وعجيبة ولو حاولت التحدث عن كل واحد منها فلن يكفيني سجلات لتدوينها ، أن الأمر الأهم لدي هنا والتي فكرتُ في طرحهُ إليكم ، هو أن أذكر ، أن مرضى هذا المستشفى ليس بالضرورة أن يكونوا فعلا مصابين بالجنون ، بل قد يكن لديهم أزمة نفسية وتفاقمت بفعل التشخيص الخاطئ أو العفوي والذي دفع بهم إلى الجنون ، أو يكونون مرشحين للإصابة بمرض الشيزوفرانيا ، وأنا في أحدى المرات قرأت عن حقيقة هذه التسمية ، حيث أنها تعود إلى أصل يوناني ومعناها بالعربية ( مكسور النفس أو مكسور القلب ) وبهذه التسمية يكون التعبير أكبر من كلمة ( مجنون ) التي نطلقها على كل من يختلف سلوكهُ الشخصي سلوك مجتمعهُ ، وهي حقيقة كلمة تطلق باستخفاف وليس لها أي مبرر ... أنا برأي أن كلمة مجنون معناها الإنسان الذي يمتلك قوى نفسية مرهفة حساسة والوجدان الإنساني يكون مجنوناً لأنه أطلق صرخة احتجاج ضد القوى اللا إنسانية وصرخة أخرى للرحيل عن الناس .. وكما لا غريب أن نجد وجوه بعض البشر ، تتخذ ملامح جماعات تنتمي إليها ، هذا الأمر نعرفهُ وتعايشنا معهُ منذ عهود ، كما أن من أهم أساليبهُ أن تتلاشى هذه الملامح تدريجياُ لتبرز مكانها ملامح جماعة أخرى ، بعد سقوط تلك الجماعة أو احتراق أوراقها ، أنا عشتٌ عدة انقلابات لهؤلاء البشر ولماذا لم يطلق عليهم يوماً مجانين أو مرضى بانفصام الشخصية ، كما ورأيت وجوه ملامحها تلاشت ووجوه بعدة ملامح ووجوه ناقصة الملامح ، بينما الوجوه المكتملة الملامح ، حقيقة لم يحصل لي الشرف لرؤيتها حتى هذه اللحظة ، وربما هم هناك مرمى بهم في تلك المصحات ، نوع أخر لا يمكن رؤيتهُ على الساحة الان .. وعند متابعة هذه الملامح وتقلباتها ، نكون على يقين بأن الإنسان يمتلك من الفنون تفوق التصور ، فانا امثل هذه الحالة ، بالإبداع وامتلاك الفن ، وطبعاُ انا أتحدث عنهم بدهشة وحسد ، لأني أحسد هذا النوع من البشر ، دائماً كنت أراهم وأفكر كيف يستطيعون أن يفعلوا ذلك دون ملل أو تعب أو فشل ؟ مواهب يمدهم الكون بها ، بدأتُ في الفترة الأخيرة ، وخاصة مايقارب الخمسة أشهر الفانية ، بالممل من البشر ، ونبتت في دواخلي مشاعر غريبة أظنها قريبة إلى مشاعر الكره والاستياء ، هذه الظاهرة بدأت تسيطر على واقعي ويومي وعلى علاقتي بمن حولي ، حاولت إخفاءها لكني لم افلح ، كنت دائما أتساءل لماذا ؟ لماذا هذا الإحساس ؟ لماذا هذه المشاعر ؟؟ أحياناً أركنها إلى مواقف مررتُ بها مواقف عشوائية نابتة كالشوك الزاحف فوق نفسي وروحي لتترك انطباعا عليها بأن البشر هكذا وهذه أصولهم وهذه حياتهم ، أو أن الزمن كلما يمر يتخذون ملامح الوحشية البهيمية ، وأقول لماذا يطلقون على أولائك بالمجانين ، ويصفون هؤلاء بالعقلاء لماذا ؟؟ فكل العشاق مجانين وكل الشعراء مجانين والعباقرة مجانين ، ويوما قرأت عن مؤتمر عالمي عن الانتحار ، تبين فيه أن أكثر المنتحرين هم الأطباء النفسانيون ، ترى لماذا ؟ هل ياترى صعقوا لما ازدادوا اقتراباً من النفس البشرية ؟ أم لأنهم أطلعوا على حقارتها أم على سموها ؟؟ أم أنهم شاهدوا الجروح والأوجاع التي تعتليها ومن همهم وحزنهم لم يستطيعوا الاستمرار في الحياة ؟؟ أم هالهم مزيج ذلك ؟؟ أم شاهدوا وجوههم في مرآة نفوس مرضاهم ومن شدة الهلع قتلوا أنفسهم ..
#إبتهال_بليبل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محراب جنونكَ ..
-
أحاول الآن ، أن أترك لكم الاختيار ؟؟؟
-
وزيرة المرأة الدكتورة نوال السامرائي ترفض التطرف المقيت لمفه
...
-
أسطورة وثنية لرجل قديس ..
-
برلمانية تهدي للعراقية..اكاليل من الأمل ينسكب بمنحنى الودق و
...
-
رسامو الجدران .... فنانون أم مخربون ...
-
من أنا؟! ماذا أريد أن أكون؟! وكيف؟!
-
هموم أمراة ( الليلة الثانية )
-
العدالة المطلقة
-
أرهاب سحري ...
-
من المسؤول .....عن جرائم القتل والخطف
-
هموم أمراة ..( اليوم الاول )
-
عبث أمراة ...
-
حذار من أحتراق أوراقنا مرة أخرى
-
الديمقراطية سمكة غربية استحالت حوتاً
-
عربة مجهولة الملامح
-
أتغوص في بحور ،،، جنيةُ نصفُها يشبُهكَ
-
مقابر الغدر
-
تحرير المرأة بطريقة الأحزمة الناسفة
-
نكبة أعيادنا وأحزاننا
المزيد.....
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|