|
خمسة أيام هزت العالم.. وستظل تداعياتها تترى !!
حميد خنجي
الحوار المتمدن-العدد: 2386 - 2008 / 8 / 27 - 09:58
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
لا تتميّز مرتفعات القوقاز بجمال طبيعي أخاذ فحسب كإحدى أجمل المناطق الغرّة في العالم، إن لم تكن الأجمل على الإطلاق.. بل شكلت منطقة القوقاز الجبلية على الدوام نقطة ساخنة بين الشرق والغرب، وزادت الآن أهميتها الجيوسياسية للمخطّطين الغربيين عامة والأمريكيين خاصة فيما يتعلق بالخطط الإستراتيجية لحلف شمال الأطلسي من التمدّد شرقا للوصول إلى خاصرة روسيا وحصارها من المنطقة الجيوستراتيجية الأهم ؛ الجنوب القوقازي.
من هنا تبدو الأيام الخمسة التي هزّت القوقاز في حرب طاحنة وهزّت معها أركان العلاقات الدولية بين الشرق الروسي والغرب الأمريكي/الأطلسي/الأوروبي قد شكلت نقطة تحول تاريخية ، وحداً فاصلاً بين مرحلتين ؛ مرحلة اتسمت فيها روسيا الجريحة بضعفٍ مشهود ، على اثر تفكك الاتحاد السوفيتي في مستهل العقد الأخير من القرن الماضي ، وروسيا أخرى قادمة – لامحالة- لتأخذ مكانها الشاغر كثاني قطب دوليّ على خريطة العالم والنّدّ الوحيد الذي سيكون بمقدوره ، أكثر من غيره ، الحدّ أوالتقليل(على أقل تقدير) من الهيمنة الأمريكية على العالم ، بُغية استعادة التوازن الدولي المفقود
وما اندلاع الهجوم الجيورجي المباغت على شعب اوسيتيا الجنوبية الصغير (سبعين ألف نسمة) وقوات حفظ السلام الدولية الروسية ، العاملة تحت إمرة الأمم المتحدة ، سوى عملية محبوكة في الدوائر الأطلسية والأمريكية العليا لتكون بمثابة اختبارٍ ومِحَكٍّ عمليّ لمدى القدرة الروسية واستجابتها الفعلية لخطط التمدّد الأطلسي تلك ، حيث وجد الغرب ضالته في شخص تلميذه ومريده المخلص والطموح ، الرئيس الجيورجي "ميخائيل سَآكاشفيلّي" بطل ما يمكن تسميته بـ " الديمقراطية الجيورجية التسلطية"!
لأول مرة يحدث هذا بين شعبين قريبين وجارين من دول جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة وذلك بقيام جهة أقوى بمحاولة تطهير عرقيّ لشعب أصغر! على انه ليس واضحا بالضبط سبب اختيار توقيت المجابهة قبل يوم واحد من افتتاح اوليمبياد بكين ، عاصمة الدولة المضيفة الصين ، التي لابد أنها امتعضت من جرّاء هذه الحرب ، وان لم تأتِ بأي رد فعل ملحوظ . في اعتقادنا المتواضع بان التوقيت جاء بسبب انشغال الرأي العام العالمي بهذا الحدث الرياضي العالمي الكبير. وقد تكون خطة التوقيت تضمنت – فيما تضمنت - افتعال شرخٍ نفسيّ للنجاح الصيني في استضافته لأحد أفضل الأوليمبيادات ، ومحاولة التأثير النفسيّ السلبيّ على لاعبي دول معينة!
لعله من المفيد محاولة الوقوف على أهم نتائج حساب الربح والخسارة المتأتية من حرب القوقاز الأخيرة على المدى القصير والمتوسط، التي يمكن تلخيصها في الآتي:
• تسريع عملية تركيب منظومة الدرع الصاروخي في بولندة ، والتوقع الوشيك لمثيلتها في جمهورية التشيك بالإضافة إلى إمكانية الانضمام الأسرع لكل من أوكرانيا وجيورجيا لمنظمة حلف شمال الأطلسي ، وهي نقطة ليست في صالح روسيا وان كانت العاقبة النهائية ستفضي لنفس النتيجة
• احتمال انسلاخ أبخاريا وأوسيتيا الجنوبية من خريطة جيورجيا إذا اعترفت روسيا باستقلالهما ، وهو بالطبع قد تشكل نقطة لصالح روسيا
• خسارة روسيا لرساميل تقدر بـسبعة مليارات دولار بالإضافة إلى أكثر من نصف مليار دولار الخسائر الحربية الأخيرة بجانب الخسائر البشرية
• العودة الأقوى لروسيا لملف مشكلة الشرق الأوسط ، كلاعب أساس في هذه المنطقة التي تعاني منها أمريكا من مشاكل عديدة في أكثر من ملف وبلد
• عودة المصداقية للموقف الروسي الحازم إيذانا بالدور الروسي المرتقب على الصعيد الدولي والإقليمي، مما قد يعزز دورها الاقتصادي والسياسي مع البلدان العربية والمشرقية
• قد يؤدي الوضع الحالي في تغيير ما ، في تركيبة النخبة السياسية الحاكمة في جيورجيا نفسها، الأمر الذي قد يطيح بالرئيس الجيورجي الحالي
• من مفارقات هذه الحرب أنها ستقوي الموقف الإيراني والسوري ، بينما ستضعف الموقف الإسرائيلي ، التي ساعدت جورجيا بتكنولوجيا الأسلحة المتطورة
على أن روسيا ، التي بدت خاسرة أوفي موقف أضعف من ناحية حرب الدعاية والإعلام الغربيين ، وان ربحت عسكريا على الأرض ، في حاجة ماسة إلى تغيير كبير ونوعيّ في إستراتيجيتها التنموية الشاملة ، وذلك بخلق نموذج اقتصادي ناجح ينطلق أساسا من استثمار حقول سيبيريا المتعددة الموارد، ذي الكلفة العالية وعدم تبدّد مصادرها الخام في التسويق والربح السريع . ومد جسور التعاون المتبادل مع العديد من دول المنطقة التي ضاقت ذرعا من التسلط الأمريكي والبحث عن شراكة إستراتيجية مع مجموعة من الدول المشرقية والأسيوية، على رأسها الصين بدل الدخول في تكتيكات خاسرة كالتحالف مع سوريا أو إيران بالإضافة إلى الضرورة القصوى لتحسين علاقتها مع أوكرانيا بالذات واستحداث سُبل جديدة للتعامل مع الدول السوفيتية السابقة بجانب مدّ النفوذ للحديقة الخلفية الأمريكية ، أي دول أمريكا اللاتينية
ماهي بالضبط جذور المشكلة الروسية الجيورجية المزمنة ، تحديداً المتعلقة بإقليميّ اوسيتيا الجنوبية (اوسيتيا الشمالية تابعة للاتحاد الفدرالي الروسي ) وأبخازيا ، الموجودتين ضمن جيورجيا كجمهوريتين تتمتعان بحكم ذاتي ، وان كانتا على الدوام تتمردان على الهيمنة الجيورجية ؟ لعل هذه الخلفية التاريخية بحاجة إلى طرح معمّق وأطول سنوافيه في فرصة أخرى. ولكن من الممكن الإشارة إلى انه سبق وخضعت الجمهوريتان لاستفتاء عام على الاستقلال وحصلت على تفويض شعبي اقترب من المائة في المائة ولكن روسيا ارتأت أن تؤخر اعترافها بهما في حينه . غير أنها قد تعزم هذه المرة من الرد بصاعين على ما فعله الغرب حيال استقلال إقليم كوسوفو الصربية ، إن لم تؤجل ذلك لمقتضيات تفاوضية ! في هذا السياق سيجتمع غدا الاثنين مجلسا الفدرالية و"الدوما الروسيّ" في جلسة يتداول فيها طلب أبخازيا ، التي اتخذ برلمانها قراراً بالاستقلال، من الاعتراف بها من قِبَل الروس
أصبح واضحاُ الآن أن خطة الهجوم على اوسيتيا الجنوبية ومحاولة استعادتها بالقوة لجيورجيا الأم كانت موجودة مسبقاُ ، وجرت بضوء أخضر أمريكي وبتعاون وتسليح إسرائيلي / أوكراني/ أطلسي . ولكن بدا أكثر وضوحا من أن القوى الغربية ، التي انجرت خلف الرئيس الجيورجي المهوس في عدائه للروس ، لم تتوقع أبداً من أن يكون رد الفعل الروسي بهذا الحزم . ولابد أن الغرب قد اقتنع الآن خطورة التعامل مع شخصٍ مصابٍ بمرض الرهّاب الشخصيّ الانفعاليّ ، حسب العلماء الروس النفسانيين الذين أجروا تحليلات نفسية دقيقة لوضع شخصيته غير المتوازنة
ماذا بعد هذه الحرب ؟ يعنى قبل كل شيء من أن مرحلة جديدة قد بدأت تتجلّى في التاريخ المعاصر( 8 0/ 8 0/8 0) وهي مرحلة أفول أو بداية أفولٍ لمرحلة القطبية الواحدة المهيمنة ، ووقوفنا على مشارف مرحلة تعدد الأقطاب التي لم تتوضح معالمها بعد ، كونها مرحلة ضبابية ، حيث لم تطل بعد رؤوس تلك الأقطاب المتعددة وخاصة أن القطب الأوروبي الغربي مازال أسير الهيمنة الأمريكية ، وهو أمر معقد ومركب سنتناوله بالتفصيل في مقارعة أخرى
#حميد_خنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طبيعة دور القوى السياسية في البحرين
-
دور العمال والموظفين المأمول في الحراك السياسي في مملكة البح
...
-
نصرٌ عمّاليٌّ تاريخيٌّ على شركة -بتلكو- العتيدة !!
-
الصّفقة
-
اشكالية الاغتراب المعاصر
-
الاتفاقية الامريكية العراقية .. معضلة وشرّ لابد منه
-
الى اين تسير عربة الوحدة الأوروبية ؟
-
الصفعة الايرلندية
-
أهداف و آفاق تيارات -الاسلام السياسي- المعاصرة
-
ملاحظات اولية حول ظاهرة -الاسلام السياسي- المعاصرة
-
في لبنانْ .. كلُّ حزبٍ بما لَدَيهم فَرِِحونْ !!
-
كادت أن تفعلها -أسِيل-.. لكنها لُجِمَتْ ب-كعبِ أخِيل-
-
عندما تَطْعِن - المقاومة- اللبنانية ظهرَها !!
-
لبنان .. على صفيحٍ ساخن !
-
مسيرة الأول من مايو/ أيار .. العابرة للطوائف الجامعة للشعب ا
...
-
مؤتمر النقابات العمالية الأول في البحرين تدشين لانطلاقة جديد
...
-
مقدمة عن تعثّر موجة التغيير ودَمَقْرطة الأنظمة العربية
-
سِحرُ سَمرٍ قادمٌ من قلبِ الصحراء
-
مرة أخرى.. المعضلة الإيرانية إلى أين؟
-
إيران إلى أين.. من خلال انتخابات البرلمان؟
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|