|
الفنان ستار الساعدي نموذجا ً
نعمة السوداني
الحوار المتمدن-العدد: 2386 - 2008 / 8 / 27 - 05:42
المحور:
الادب والفن
قالوا عن الموسيقى انها غذاء الروح ... وهي باقية كما هي الحياة لكونها رافد من روافد الثقافة ولها دورا هاما ً في حياة الناس وانها تساهم من اجل التطور البشري وفيها تواصل مع الابداع لبناء عالم جديد مع سائر الفنون الاخرى وهي ايضا ً تسعى لتنمية الانسان على المعرفة والثقافة...وقد أختلف دور الموسيقى باختلاف الجماليات السائدة عبر التاريخ وبتطور الذائقة الفنية العامة...وأن تاثير الموسيقى على الجسد والروح في الحزن والفرح يعطي انتعاشا ً للذاكرة وللروح .. ويغسل الصدء الذي يصيبهما ... لذلك تعتبر هي بلسم لجراحات الانسان بشكل عام وبخصوصية هامة للأنسان العراقي الذي تهشمت روحه وحياته وذاكرته الجمعية في الحروب والدمار.. من هذا نجد هناك أهتماما واضحا ً في خارطة افكار الفنان المبدع ستار الساعدي الذي يدافع عن القيم الانسانيه والاخلاقية في مواقفه وعن القضايا التي يراها في الشارع العراقي وهو يجوب اصقاع العالم حاملا ً الهم الانساني الذي رافق الانسان منذ الازل بآلة الناي الشجيه وايقاعاته الجميلة..
الفنان ستار الساعدي ذو عقلية فنية وذاكرة موسيقية ناشطة يعمل من خلالها على التعرية الداخلية والخارجية لكل ما يحيط بالانسان لما يحمله من تناقضات .. يمتلك فيها مهارة الاداء وهذا واضحا ً وجليا ً في أعماله التي يغلب عليها الطابع الجمالي فنراها ونسمعها مشوقة وهو يحلق عاليا ً في فضاءات الآته التي يعزف عليها ... ينطلق من حضارة المدينة الممتدة من سومرالى بغداد اليوم حاملا ً معه الهم الانساني ويعاني من عذاباته مقدسا ً الحرية والحياة والانسان وكأنه في تحليقه هذا يشرق على العراق بشمس الآته الرائعة داعيا ً للمحبة والامن والسلام عبر ايقاعات وناي من التراث الشعبي والفلكلور العراقي ببراعة مبدع يقدم الالوان الموسيقية الجميله مسخرا ً كل طاقاته الفنية والابداعية من اجل الانسان والفن ....
يمتلك هذا الفنان رقابة خاصة على أعماله وتعتبر هذه السمة النادرة هي الارضية التي يعمل عليها لكونها خالية من الابتذال والاسفاف والتفاهة ..فنجده مبتعدا ً عن الانحطاط والهزالة التي اصابت الفن زمن الطاغية صدام حينما جير الفن باسم الطاغية ونظامه وشكلت فرق الطبالين وجوقات المزمرين والمصفقين الكثيرة التي جالت وصالت في البلاد بمسميات عديدة مع شعرائها وملحنيها وعازفيها وبقيادات حزبية وفنية مهلهلة كانت تشرف على احتفالات القائد الضرورة وحفلات العائلة المالكة واليوم تحاول هذه الجوقات ان تعيد نفسها من جديد لتقف على المنصة بثوب اخر و(الهؤلاء) يحملون في نفوسهم المريضة الوهم والخرافة لاقناع الاخرين على اساس انهم فنانون من دون ان يقدموا أعتذارا ً للشعب العراقي لمساهمتهم في تلك المؤسسات القمعية وليست الفنية فهم الذين قدموا جيشا ً من الكلمات والاغاني والالحان العديدة للقائد المنصور أودت بشباب العراق وخيرته الى محارق الموت وأتون الحرب القذرة... كان (الهؤلاء ) يشكلون فيلقا خامسا ً لدعم النظام القبيح... لازال الشعب العراقي ينتظر من( الهؤلاء) كلمة اعتذار عن مشاركتهم في تلك المأساة وعن مساهماتهم في هذا المجال المشين .
في حين كان مفهوم الفن يختلف عند الفنانين الذين اختاروا الطريق الاخر الصحيح حينما قاطعوا النظام وحملوا مسؤلية كبيرة على عاتقهم بوطنية عالية واتخذوا شكلاً خاصا ً ذات طابع يحمل ضرورة بشرية فيه تناغم حضاري يرتقي بمستويات فنيه واضحة غير ملحقة بالنظام الفاسد وهناك عددا ً ليس بالقليل من هذا النموذج الوطني نذكر منهم الفنان ( فؤاد سالم والفنان طالب غالي والفنان حميد البصري و الفنان جعفر حسن والفنان كوكب حمزة والفنان سامي كمال وكذلك الجميل قحطان العطار )و آخرين من الفنانين المبدعين....
أسماء وأسماء كبيرة و كثيرة من الفنانين والمثقفين قاوموا النظام وأستبداده ورفضوا الانصياع للدكتاتورية ومؤسساتها القمعية . أنهم النموذج الحقيقي للفن الاصيل و الذين سبقوا الفنان ستار الساعدي لازالوا يؤمنون بمستقبل العراق الزاهر الان فنراه اليوم يسير على خطاهم الرصينه ويتطلع لازدهار الفن العراقي على ايدي مختصين شرفاء مرجعيتهم الوطن .. فقط الوطن ولاسواه .. ويطمح لايجاد فن رصين حقيقي في حياة الناس ..
ستار الساعدي فنان متمرد منذ نعومة اظفاره يعشق الموسيقى والايقاعات .. الايقاعات كانت تسكن في دواخله.. .. بدءت رحلته مع الانغام والموسيقى قبل ان يدخل الى دراسة المسرح أبو الفنون في كلية الفنون الجميله في بغداد , وبعدها تعرف على هذا الفن الجامع لكل الفنون عن قرب معتمدا ً على تراكمات كبيرة في مخيلته من صور وانفعالات دفعت به ليس للرغبة العابرة بل هناك دوافع فنان كانت في دواخله ولها مكانا ً مهما ً في حياته . أنين الناي وايقاعات الكون الغير معلنه تسكن في دواخل هذا الفنان . صراعات الحياة اليومية وايقاعها والدمار الذي لحق في البلاد كل هذا يتفاعل معه أيما تفاعل فيقدم لنا : السفينة الغرقى والاهوار الباكية والامبراطور جونس وطبول الحرب وليل ونهار وحلبجة مقطوعات ايقاعية موسيقية عبارة عن نسيج درامي متكامل يرسل للمستمع والمشاهد معا ً وكانها لوحة فنان مبدع لم يتطرق لها اي من عازفين الايقاع العراقيين ولاحتى في العالم من الاولين والى الان ...لذلك فانه يصمم على بلوغ الهدف الانساني في اسعاد الناس ومتعتهم لنسيان بعضا من الهموم...يأتي ذلك من تناوله للظواهر العديدة التي يتعرض اليها المجتمع العراقي وما تفرزه هذه الظواهر من مشاكل ومعوقات في زمن الطاغية وبعد سقوط الصنم ويقدمها بمعالجات موضوعية تحمل عناصر التشويق والامتاع وللحق يجب ان نقول انه : (صانع ايقاع ) .. لكونه بحاجة اليه بعد ذلك يلون ويزين هذا الايقاع ليعطيه لمسات فنية جميلة تسر المستمع وبنفس الوقت يحاكي الواقع المرير ويتعمق في حقيقته ويترجم ذلك الى مقطوعات موسيقية جميلة.
ان النتاج الذهني للساعدي فن جميل يمتلك السيطرة الكاملة على اللعب بالآته من خلال أنامل ساحر وأحاسيس فنان مرهفه فهو يقرب الجمال والثقافة للعين والاذان في آن ٍ واحد.
والمتابع لأعماله يجد فيها فيض من غيض ونهر من الابداعات المتجددة ونبعا ً غزيرا ً...ومن زاوية اخرى نسلط الضؤ على حبه للوطن من خلال قيمه النبيلة التي يحملها واخلاقه الحميدة.. تنعكس هذه الصفات على تمسكه بتراب الوطن مجتثا ً لما تبقى للانسان العراقي بعد الحروب الطويلة التي مزقت نسيج المجتمع.. متنقلا من بلد الى اخر حاملا معه الهم العراقي انه فعلا ابناً باراً للشعب العراقي كزملائه الفنانون الذين تحدثنا عنهم سابقا ً..( وايضا هناك اخرون في مجالات فنية اخرى...) وكما في دول كثيرة كالمانيا والبرتغال والدنمارك والسويد وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ وفرنسا حيث يدرس الايقاعات هناك ايضا ...
في اسبانيا : قدم عروضا ساحرة مذهلة على ايقاعات من الموسيقى العراقية والعربية الجميلة وقد عمل على (أندلسة الايقاع العراقي في اسبانيا ) قدم لونا ً يقوم على الذائقة والاسمتاع الفني ليس لثقافة واحدة بل لثقافات الشعوب فهو اينما يحل ويسافر يقدم الجميل من اعماله معبرا ً عن ذاته وعن مسرح خياله لامتلاكه المهاره العالية وقدرة على التحكم على الالات الموسيقية التي تؤثر على الربط بين الايقاع والموسيقى والرقص والتي تنسجم جميعها لتقدم نسيجا ً زاهيا ً ملئ بالالوان المفرحة البهيجة...
ومن جانب اخرتراه يحمل حالات الحزن والخوف والقلق في افكاره من الماساة التي حلت على العراق معبرا ً عنها في انين الناي وشجنه بلهفات حارقة تجلب الانتباه للمستمعين ...
هذا الاسلوب الذي يستخدمه الفنان الساعدي ماهو الا تنمية للتذوق الموسيقي وبالتالي فهو يبين لنا تميزه الحقيقي على مختلف الالات والايقاعات التي يلعب عليها في شتى المراحل بالتاريخ ويؤكد ايضا على اهمية الموسيقى لرجال الفن والعلم الذين اعتبروا تلك الاهمية الكبرى للموسيقى والتربية في الحياة وقد صارت ضرورة ملحة ان تدرس في المدارس والمعاهد والكليات كما اصبحت ثقافة وعلامة للشعوب من خلال استخدامها كفنون جميلة لكونها تقدم وظيفة مهمة عن طريق المحاكاة للأغاني والرقص و لأرتباطها بالاحتفالات والطقوس ذات الاهمية في كل الحضارات من اجل تجميل العقل والنفس البشرية.
وفي هولندا : تميز الفنان ستار الساعدي في موهبته مما دفع بالهولنديين الى اختياره دون غيره للتدريس في مجال الالات الايقاعية الشرقية بشكل عام والعراقية بشكل خاص لتدريس الكونسرفتوار في مدينة امستردام الهولندية.... وبذلك يعتبر اول عراقي يدرس مادة ( الالات الايقاعية ) القادمة من وادي الرافدين الى هولندا...في حين انه رفض في زمن الطاغية أن يدرس الموسيقى في بغداد !!!!
وفي كردستان العراق : اخر اعماله كانت امسية فنية جميلة قدمت في مدينة عينكاوة بكردستان العراق مع الفنان المبدع علي حسن عازف العود وأيضا كان للفنان القدير جعفر حسن حضورا ً لامعا ً متألقا ً بصوته الجميل.. فقد تناسقت انغام العود والايقاعات والناي عبرمساحات وفضاءات حزينة انتقلت فيها الكاميرا الى الموت في حلبجة عودة للزمن الدامي زمن البعث الرخيص ... قدمت عين الكاميرا لقطات على شاشة كبيرة يندى لها الجبين ..مشاهد من الجرائم البشعة .. مقابر في الظل ... جثث اطفال ونساء وشيوخ .. جاءت الموسيقى كانثيالات شلالات ممتزجة بالعود والايقاع والناي وهي تتابع المشاهد ملتصقة بها وكأن السماء تعزف ببكائها موسيقا .. امسية رحلو بلا وداع من الاماسي الجميلة حيث قدموا فيها انغام حلوة وجميلة من اغاني التراث العراقي والفلكلور الشعبي من كل انحاء الوطن..
لقد فاز هذا الفنان العراقي الأصيل بجوائز عديدة عالمية كان اخرها أفضل عازف أيقاع من ضمن مئة موسيقي في مهرجان فيفا ديفيرستي المقام على مسرح حصان طروادة في مدينة لاهاي الهولندية..وكان قد فاز بالجائزة الاولى عن فلمين الاول للمخرجة الهولندية مارغريت يانسن لفلمها نيما تمبا شربا والذي اقيم في النيبال ضمن مهرجان كبير قدمت فيه عروض اكثر من 33 دولة من العالم وقد عرض الفيلم في دور السينما الهولندية والامريكية وكذلك في بلجيكا وفي قناة الجيوكرافك جنال العالمية ... حيث يبدء الفلم بمقطوعة صعود الايقاعية للفنان الساعدي ...وعن فلم كلكامش 21 للمخرج العراقي طارق هاشم فاز بجائزتين الاولى الذهبية في الامارات والفضية في هولندا.
ستار الساعدي نموذجا ً راقيا ً في الاخلاق والفن الرفيع وهو يرسم ثقافة مشرقة للفن في العراق... سلمت وسلمت روحك المبدعة ايها الانسان . أنك سفيرا ً حقيقيا ً للفن العراقي ..وايضا أنك مُنتج فني حقيقي.
#نعمة_السوداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في مسرحية نقطة العودة
-
ريتشارد الثالث في امستردام
-
دلالات خارطة الجسد
-
حكاية ظلي
-
صلاة الطراوة فوق اجساد النساء
-
الكشك
-
سيدة الكشك
-
الزو
-
أبجدية النهر
-
نص كنت والمدينة
-
في يوم المسرح العالمي
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|