أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أمينة سراج - حوار مع الشاعر والكاتب الفلسطيني شجاع الصفدي















المزيد.....


حوار مع الشاعر والكاتب الفلسطيني شجاع الصفدي


أمينة سراج

الحوار المتمدن-العدد: 2382 - 2008 / 8 / 23 - 04:40
المحور: مقابلات و حوارات
    


مترف بالحزن ..
مترع بالإنسانية ..
مسكون بالصمت ..
وعاشق سري للجنون ..

روحه القابعة على شفا غموض تستفزك لعميق الغوص ..
وذاكرته المغلقة على وجع باذخ تستنبت في داخلك هَمّ الأسئلة ..

البياض عنده ترياق،
والكلمات سم يستوطن روح الشاعر ..
وبين تفريغ سم لادعاء الحياة.. وبياض ورقة لوهم الشفاء،
يصل ضيفنا سماء الشعر، حاملا في كفه قلبا متوحدا .. متأبطا جرحا وقضية .. ومتكئا على حجر، لم يزل بعد ..
يشبهه .. !!

مرحبا بالشاعر الفلسطيني شجاع الصفدي في لقاء أدبي، نتبادل الأدوار فيه قليلا، لنسرق من الزمن لحظات تواصل إنساني، ندري مسبقا - برونقه وحده، تفرده ..

*** شكرا أمينة لهذه المقدمة الباذخة .. ولا شيء بجعبتي إلا ما ورثته عن ذاتي .
فليكن بين يديكم إن كان فيه ما يستحق ..


:- لنذهب إلى حيث البداية، " الطفولة ، هي باقة روائح" كما يقول لويس شادورن،
طفولة الإنسان الفلسطيني المعجونة برائحة الرصاص والدم، كيف يستعيد شجاع الصفدي روائحها السرية التي شكلت كيانه الإنساني أولا، ثم الشعري؟

*** عند التحدث عن الطفولة نمعن في الحلم , في البراءة , في الخيال وكأننا نجمةٌ تنام على هدب غيمة ، أو عصفور يلهث حاملا قشة يبني بها الحياة .
قد نقول أكثر حين نتحدث عن الطفولة في أي مكان طبيعي في هذا العالم ، ونغرق في دراما الوصف الحسي لمرحلة البدء في شق طريق الحياة ، لكننا في فلسطين اعتدنا أن نكون حالة استثنائية في كل شيء حتى في سمات طفولتنا التي تختلف كليا عن أي طفولة في هذه الأرض ..
أما عن شخصي فطفولتي كانت كمعظم أبناء جيلي يصعب حملها للمسمى الثقيل " الطفولة "
كبرنا وترعرعنا في ظل المواجهات والحجارة والرصاص والثورة الصادقة ، كان جيلنا يؤمن بالوطن أكثر من الحزب وكبرنا وقد صقلت شخصيتنا على ذلك حتى وصلنا لمرحلة لم نعد نرى أنفسها فيها فكل ما يحيط بها قاتم ، وكأن ما كبرنا عليه بات أكذوبة أو هو وهم ، أو نعود لنقول هو حلم ، ولكنه ليس كأحلام الطفولة التي تحدثت عنها أعلاه لدى أطفال العالم . ..
فاجأتنا الحقيقة بأكبر مما نحتمل فخلقت فجوة بين أمسنا وحاضرنا وقد انعكس ذلك على كل شخص بطريقة ما حسب معطيات حياته وخطاها وأنا واحد من هؤلاء ، ولكن الفجوة ما بين طفولتي وحاضري اتسعت كثيرا حتى ما عدت أذكر شيئا في الهوة المعتمة ما بينهما .


:- ونبقى مع البدايات دوما، القصيدة الأولى (البيان الشخصي الأول)، تجاوزا للخربشات والتعاريج الساذجة للحرف: هل تذكر القصيدة الأولى، الشعور الأول بخلق حقيقي لما يمكن تسميته قصيدة..
وهل تعتبر أنه من حق الشاعر أن يسقط ما يشاء من شعره،
وفي أي زاوية تصنف ذلك الفعل ؟

***القصيدة الأولى ؟ لنقولها نحتاج لأن نعرف كنه البدء ؟
لا أؤمن بشاعر يقول شيئا عن بداياته ويوقن أنه يدركها ، فهذا إما لا يدرك من أين بدأ ويلجأ للتحديد الافتراضي بما يشبه التسنين ( أي تحديد العمر تقديرا ) ، أو أنه يقنع نفسه بأن هنالك قصيدة ما يعتبرها بداية مقنعة له فيسوّقها للآخرين ويقول ها هي البداية ، تبقى هذه وجهة نظر قد أخطئ فيها وإن كنت أؤمن بصوابها .
لذلك أقول دون تردد أني لا أذكر أي نصٍ كتبته وأعتبره بداية لي .
أما عن حق الشاعر في أن يسقط ما شاء من شعره ، أقول : نعم من حقه ذلك لأن الشاعر قد يكتب أحيانا ما لا يجب أن يُقرأ ، ويستقرئ لنفسه ما يجب أن يكتب .
وفي الحالة الأولى من الضروري أن يخفي ذلك عن القراء كونه ليس مؤمنا بضرورة أن يقرأ الآخرون ذلك ، فهل يقدم المرء للناس ما يصنع و لا يؤمن به هو ذاته ؟
وفي الحالة الثانية ، يستقرئ الكتابة بمصداقية مع الذات فيبدو النص المقدم بمثابة واقعة تسرد نفسها للقارئ فيتفاعل معها ويعيشها .
الشاعر يشبه الطاهي مع اختلاف المواقع ، الطاهي يقدم ما يشتهيه الآخرون من الطعام الطيب المذاق ، والشاعر يقدم للقارئ ولائم الكلام، والقارئ ضيفٌ على الشاعر أن يكْرِمه ويكَرِّمه فيقدم له ما يطيب له فيتذوقه بغبطة إن كان طيبا ، ويمتعض منه إن كان كريها ، لذا من حق الشاعر أن يفكر جيدا قبل أن يقدم الوليمة للقارئ .
وأصنف ذلك الأمر في خانة الحفاظ على جودة الصنع .
أوَ لم يوصِ الرسول الكريم بذلك إذ قال ص : "من عمل منكم عملا فليتقنه"
فهل يضام إتقان العمل الذي نقدمه للآخرين ؟ بالتأكيد لا .


:- لنحدد الرؤية أكثر، تقول إنه (من حق الشاعر أن يفكر جيدا قبل أن يقدم الوليمة للقارئ)،
ماذا إذا كانت تلك الوليمة قد قدمت أصلا، ثم اعتقد الشاعر فيما بعد أنها تمثل (صبيانية شعرية)؟

*** وهل الشاعر نبي ؟ هنا خطأ الجمهور الذي يقرأ حين يصنف الشاعر وكأنه إله لا يخطئ ..
الشاعر إنسان ، له سهواته وهفواته ، قد يقدم رؤية معينة من خلال نص أو قصيدة وبعد أن ينشرها يعيد قراءتها فتبدو له بصورة أخرى غير ما أحب
ألا يحدث أن يتزوج الرجل أنثى ما موقنا أنها وهج الحياة ، وبعد حين تفقد الأشياء بريقها فهل يطلقها لهذا السبب ؟ وهذا الحال ينطبق على الشاعر ، هل يطلق قصيدته التي انشقت من ضلعه ؟
وماذا إن كانت صبيانية شعرية ؟ ألا يعيش الإنسان مراحله بالتدرج في الحياة ؟
هكذا حال الشعر ، وما نقدمه هو ما تجود به القريحة ، وإن حدث وأخرجناه للناس إذن جدنا بما نملك
والحكم في هذه الحالة لا يصبح ملكنا بل هو ملك للقارئ حتى وإن ندمنا أننا قدمنا تلك الوليمة وخذلنا أنفسنا في الحكم عليها .

:- الراحل وشيكا محمود درويش مثلا لم يكن يعترف في مرحلة ما متأخرة من عمره الشعري بديوان (عصافير بلا أجنحة)، وكذلك فعل قبله أدونيس،
في حالة كهذه:
*ما الفيصل؟

*وهل من حق الشاعر أن يتخذ ذلك القرار وحده؟
*أين موقع القارئ في هذه الحالة؟


لا أظن درويش قد تبرأ أو أنكر شيئا مما كتب , قد يكون اعتبر أن بعض ما كتبه خرج عن إطار محدد اختاره هو لنفسه أو فرضته عليه الهالة الثورية التي أحاطت بشعره ..
للناس رؤيتها وأحكامها وللشاعر الحق في طبيعة الشعور تجاه ما قدم , وسواء درويش أو أدونيس أو أي من رموز الشعر المعاصر إن كان حدث وأنكروا نصا أو عملا من أعمالهم فالأمر ملتبس على الآخرين في ذلك برأيي , فهؤلاء لا يتنكرون لما قدموا وإنما من شدة حبهم لجمهور القراء يؤرقهم الشعور ولو للحظة أنهم قدموا شيئا باتوا يشعرون أنهم كانوا قادرين على أن يقدموا ما هو أجمل وأفضل وأعتى منه , ومن هذا المنطلق قد يشعرون بالامتعاض فقط وليس بالتنكر للنص , وكأن لسان حالهم يقول : لو عدت لوقتها لقلت هنا كذا وكذا وأبكيت هذه التركيبة وآلمت هذا المعنى , وزدت هذا المجاز غموضا ..
وأنا على ثقة لو فكر القارئ بالأمر من هذه الزاوية سيكون الأمر مختلفا ويتفهم أن للشاعر دائما ملكوته الخاص بشأن ما ينزفه من أعمال.


:- فقط ، استأذنك في توضيح نقطة هنا شاعرنا، ليس الحديث هنا عن تبرأ ,أو نكران، بمعنى الجحود، وإنما بمعنى العناية الحقيقية بنضج التجربة، وهذا لا يتعلق بالمجموعات الأولى للشعراء فقط، وإنما بقصائد في أوج العطاء الشعري،
عن محمود درويش تحديدا، هذا الرأي أُشير إليه بناء على حوار سابق مع الشاعر الراحل أجراه الأديب عبده وازن بجريدة الحياة 2005.
*** تعقيبا على ما تفضلت به من حوار عبده وازن مع العظيم الراحل محمود درويش
ما معنى الحذف هنا ؟قد يكون لدرويش ألف معنى ومأرب من كلمة حذف ..
حذف الشيء من قاموسه , أسقطه من حساباته , لكنه مدرج في أعماله حتى لو اجتثه من كل مكان ..
طالما بات الديوان بين يدي القراء لا يمكن للشاعر أن يستدرك الأمر فيقرر أن يعدمه ..
ثم إن درويش يقول بوضوح أن هنالك قصائد كتبها ولم ينشرها , وقصائد نشرها منفردة ولكن حين أصدر دواوينا معينة لم يدرج تلك القصائد في الدواوين وكأنه يعمد لتقليص عرضها على القراء أو وقوعها بين يدي أقل عدد ممكن من الجمهور ..
له في ذلك أحكامه ولا أخفي أني أفعل المثل ولدي كم كبير جدا من النصوص والقصائد التي كتبتها في مراحل مختلفة من حياتي وأحاول أن أجعلها في قمقم يصعب إيجاده وفتحه .. يحدث ذلك مع الكثيرين أيضا .


:- كسؤال فرعي، "نسخة منقحة"، لعلنا لم نعتد ربما التقاء هذه العبارة على غلاف ديوان شعري،
ولكن شعراء من حجم أدونيس وسعيد عقل مثلا يمارسونها،
*ما رأيك بتنقيح ديوان شعري؟
*وهل يمكننا تقمص التجربة الأولى بتفاصيلها للقيام بعملية التنقيح،
*أم أننا ام أننا هنا أمام إعادة صياغة، ليس بجماليات مغايرة فقط، وإنما بفكر وتجربة مغايرين ايضا؟

من الجائز جدا تنقيح ديوان قد صدر , فالمرور على السطور دائما له صورة أخرى كلما تمعنا أكثر وددنا
لو غيرنا ههنا كلمة , وأضفنا ههنا معنى , من الممكن لزوجين أن يعيدا عرسهما
ويحتفيان بذكرى الزواج , أليس كذلك ؟
هو لا يغير زوجته ولا هي تبدل شريكها , وإنما يجددان الثوب الروحاني للحياة
وهكذا قد يكون التشبيه ممكنا , فالشاعر قد يرغب بأن يبعث روحا جديدة في قصائدٍ قد قدمها في ديوان ما .
وليس معنى ذلك أن هذا نهجا يجب إتِّباعه وإنما هو رغبة خاصة ومنهاج قد يروق لزيدٍ من الشعراء ولا يروق لعمرو .
أما عن شخصي فأنا أحبذ التجربة الأولى بما فيها حتى لو احتوت خطيئة , فنقطة البدء
دائما بنظري أجمل وهي الدافع للمضي قدما في الخطى دون حاجة لفرض تجربة وفكر مغايرين ،
فالمرحلة التي كتب فيها ديوان ما مثلا تختلف اجتماعيا وفكريا وعاطفيا عن مرحلة تالية ،
ومعنى أن أفكر بإعادة الصياغة فهذا يعني أني أعيد هيكلة مرحلة كاملة وما دمت سأفعل
فالأصوب في هذه الحالة أن أنجز جديدا يعبر عن المرحلة بما فيها
لا أن أتقمص أمسي وأخرجه بثوب جديد للقارئ قد لا يستسيغه غالبا .


:- أن تكتب، هو أن تسعى إلى معرفة ما سوف تكتبه"، تقول مارغريت دوراس،
جدلية المعرفة والمحو: فالشاعر حسب المقولة السابقة، ينطلق من المجهول في الكتابة، ويتجرد من معارفه السابقة
ليقدم أدبا خالصا يمثله وحده: لكل من حمل قلما أعلام يتمثل بها على درب الكتابة،
لكن الكثيرين من هؤلاء ينسون ذواتهم في محاولة التمثل تلك، ويقعون في فخ التقليد، وتكرار تجارب سابقة:
*ما رأيك، هل على الشاعر فعلا أن يلم ، ليس بالتجارب الشعرية الأخرى فقط،
وإنما بالتجارب الثقافية ايضا من فنون وآداب وفلسفة وغيرها،
*وكيف بإمكان الشاعر _ المبتدئ خاصة، أن يتحرر من معارفه، وتجارب الآخرين،
ليصل قدس الشعر عاريا إلا من نفسه؟

*** لنفند أولا ما قالته مارغريت دوراس , إذ أن تسعى إلى معرفة ما سوف تكتبه هذا يعني أن ما تكتبه موجود أصلا , وعليك أن تجد النموذج وتملأه بالبيانات ! في الحقيقة هذا يشعرني بالانزعاج فدوما كرهت القوالب الجاهزة .
لكن لو قمنا باستبدال كلمة واحدة في مقولتها ووضعنا بدلا من معرفة " خلق " ما سوف تكتبه , فهذا يعني أنك من يصنع القالب لما يكتب , ويخلق الإطار قبل اللوحة , وبهذا برأيي تكون التجربة الإبداعية .
أن تنهل من كافة صنوف الأدب والشعر والفكر , وتخلق لنفسك إطارك الأمثل وتتفنن في رسم اللوحات كما تشاء مع احتفاظك بالقدرة على تشكيل إطار جديد وقتما تشاء .
أما مسألة التقليد وتكرار تجارب سابقة فهنا أضع ذلك في خانة الاجتهاد على تقمص الآخر , لن يراك أحد، سيرى فيك صورة الآخرين .فأين أنت من الإعراب حينها ؟ سيكون الشاعر أو الأديب هنا انعكاسا لصورة الآخر وهذا يفقده صورته .
ونقطة أن على الشاعر أن يلم بالتجارب الشعرية والثقافية وغيرها من فنون وآداب ! هنا أتوقف وأتساءل : هل هذا واجب على الشاعر فقط ؟
ما تفضلتِ به هو واجب على كل إنسان يسعى للمعرفة والعلم والفكر وتطوير الذات ويأمل بالارتقاء بذاته، ولكن بالنسبة للشاعر فهو يكتب ليفسر غموض الأماكن والأشياء في قالبٍ فكري يسمى افتراضا " النص الأدبي أو القصيدة". وغيره من المبدعين لهم قوالبهم أيضا باختلاف مسمياتها .
أي أن المعرفة والعلم هي عبارة عن قوالب فكرية يشكلها العارفون ويحملها الباحثون عن المعرفة لتكون المرشد في الطريق. أما عن الشاعر المبتدئ ، فالشعر لا بداية له ولا نهاية , إن فكر الشاعر منذ البداية أن يكون انعكاسا لصورة غيره كما ذكرت ،فلن يبدع وإنما سيقدم ما قدمه الآخرون في ذات القالب دون أن تتغير سوى الأسماء ، لذا سيكون أول ثناء عليه هو أن نصك ذكرني بفلان في قصيدته كذا أو كذا. . وقد يخطئ ويظن ذلك مدحا ، ولكنه برأيي أسوأ ذم , فأن ترى الآخر في نصّك مهما كان مبدعا أو أسطورة هذا لا يفرح بقدر ما يزعج ويوجب أن يفكر الشاعر أنه فشل بخلق صورته الخاصة وقالبه الأدبي الذي حريٌ به أن يصنعه ...
أي أن الشاعر حين يبدأ عليه أن يتجرد من الآخرين , لا بأس أن يمعن ويغوص في تجاربهم , ولكن لا يقدم أدبه أو شعره ، من خلال ذات القالب , وإنما لا ضير أن يجعلها عونا له في الخلق الشعري الذي يمهد لولادته .



:- قبل الغوص في تجربة شجاع الصفدي الشعرية: تجربة نقدية وحيدة ( قراءة في المجموعة القصصية " اقتلاع (للأديبة الفلسطينية بشرى أبو شرار)، حدثنا عن تجربة النقد،
ولماذا لم تتكرر حتى الآن؟

هي لم تكن تجربة , هي كانت حالة , لأني لست بناقد ولا أقوم بدوره , لكني وجدت في مجموعة الأديبة بشرى أبو شرار معاناة معينة خلقت مزجا بين جرح العراق ونزف فلسطين , فكان ما كتبت هو تعبيرا عن حالة انتابتني أثناء قراءتي لها في ذلك الوقت حيث كانت العراق تتعرض للعدوان والاحتلال وفلسطين تتعرض للذبح اليومي بالآلة العسكرية الأمريكية والصهيونية فعبرت عنها بطريقةٍ ما , ولم تكن نقدا وإنما هي قراءة خاصة لا أكثر .. لذلك قد تتكرر إن شعرت لحظة قراءتي لكتاب ما بالحاجة للتعبير عنه بذات الطريقة ..



:- المشهد ( الدرامي ) في قصيدة شجاع الصفدي يحضر بقوة، الحوار، المونولوج..
بشكل يجعل القارئ أحيانا أمام مشهد تطوري في كل قصيدة، وربما بدت مشاهد قصيدة ما امتدادا لمشاهد أخرى قبلها
*ما رأيك؟
*خبرنا أكثر عن تجربة الدراما والمسرح في قصيدة شجاع الصفدي،
*وهل يلفت هذا انتباه القارئ أكثر؟


***وهل الحياة إلا دراما مستمرة تمتد طويلا ؟
قبل أن أقول شيئا عن المشهد الدرامي أحبذ تسمية النصوص بدلا من القصائد ..
النص يحمل المشهد بطريقة انتقالية متسلسلة , فقد يمنح المتلقي الغوص في ما قبل وقوع المشهد منذ السطر الأول فيجد نفسه يخوض عميقا وهو بعد على شفا القراءة فتكون لذلك لذة مختلفة فيقرأ ثانية وثالثة إن كان من ينقله عبر أثير النص يجيد سبك المشوار بصحبته ،وقد يفر من سطرين إن شعر أن النص لا يعدو كونه متاهة لن تصل به للغموض الشهي الذي يبتغيه .
وعن تجربتي أقول : أنا أعبر المشهد كالطيف فيتلبسني وكأنه مسٌ سحري فأسرقني من أسر الحياة لأكتب للآخرين
خريطة الطريق للموت الشهي , وحين يخرج النص للشمس يكتمل نضوج الألم في مخزون الذاكرة .
إذن الدراما في النص هي حيثيات المشهد الذي أقدمه ، والمسرح هو الساحة التي يعرض فيها ليتسرب لصدور الآخرين .

وهذا يختصر الكلام حول لفت انتباه القارئ , فلا يكفيني أن ألفت انتباه المتلقي للنص , فإن لم أشعر تماما بأن ما قدمته قد تسرب بروحانية لنفسه أسقِط النص من حساباتي بقسوة تامة , لأن لفت الانتباه هو انجذابٌ عابر كالبريق يخبو بعد ملامسة اللحظة الحسية, لكن الامتزاج بروح المتلقي ورغبته بالتهام السطور مرة تلو الأخرى وعودته للنص بعد مرور الوقت بحثا عن شيء يوجعه فيه.
هذا برأيي هو ما أعتبره نصا قيما .


:- القالب النثري لكتاباتك الشعرية، هذا الفن الذي يعد لدى الكثير من النقاد من أصعب الفنون الأدبية،
حيث تصبح اللغة والحس الشعري وحدهما عامل الاستثناء مقابل، (فرص أوفر )
لتميز القوالب الشعرية الأخرى من إيقاع وغيره.

تجربة شجاع الصفدي النثرية، كيف يحددها، وكيف يقيمها؟

*** أنا لا أقيّم ما أكتب ولكنني أتعامل مع الكتابة كثورة دؤوبة لتفجير كهوف الذات المثقلة بأعبائها , لا أراها تجربةً بقدر ما أراها قدراً.
كتبت أنماطا مختلفة منذ السنوات التي بدأ يراعي فيها بالخربشة الأولى وحتى الآن . ووصلت لقناعة أن الامتزاج بالنص هو الفيصل في جودته , وليس تصنيفه ضمن إطار أدبي يفرض عليه .
نعم النص النثري له روح خاصة , قد يصهرك وإياه في بوتقة واحدة فتشعر وكأنه يقولك ويحكي ما بمكنونك وهذا يجعل القارئ يميل له أكثر من القصيدة المنظومة , ليس لأن النثر أرقي أو العكس , فكلاهما فن أدبي خاص له كيانه المستقل الذي يدافع عنه بجبروت وقوة , ولكن لأن النثر يسلب القارئ ليجعله أكثر اندماجا بالحدث الذي يتخلله النص .
وقد توجهت لهذا الاتجاه قبل بضعة سنوات وتغلبت الحالة النثرية بشكل كبير على أي صنف آخر .
لذلك أنا لا أصنف نفسي شاعرا بقدر ما أصنف نفسي ناثرا , وبهذه الحالة يكون المدى مفتوحا
فأنا أكتب المقال السياسي وأكتب المقال الساخر وغيرها ، لذلك فلقب الشاعر قد يجعل المجال محصورا على أفق محدد ، بينما أحب الغوص في آفاق متنوعة أصنعها وأخلقها بالشكل الذي أرتأيه مناسبا ،
والمهم برأيي هو أن يكون الأديب بعيدا عن الإسفاف والابتذال في أعماله , وأن يقدم النص محبوكا بشكل راقٍ من حيث الفكرة والمضمون , والأهم من حيث الإحساس , إذ أنه حين يقدم عملا هو ذاته كتبه فقط ليخرجه للجمهور ليضاف لرصيد أعماله فهذا يعني أنه يقدم جمادا لا حياة فيه مهما بلغت دقته اللغوية , بل فيه ازدراء للقراء .
أؤمن تماما أن على الأديب أن يقدم النص بإحساسه , يخرج من روحه جسرا يعبر النص فيه لأرواح الآخرين ويحثها على إدراك مواطن الوجع .
وهذا ما أطمح وأسعى دوما لتحقيقه في أي نصٍ أقدمه , وأقر أني مؤمن تماما بالأسلوب الأدبي الذي أتبعه
وأؤمن أني لا أتقمص أحدا سواي، وأتجرد من أي قوالب جاهزة تماما , فالمهم كما قلت أن تشتغل على النص والعمل الأدبي ليخرج كما يليق بقرائك , وليس المهم أن تركض لتكتب نصا يدخل ضمن دائرة التصنيف المبجل ، في حين يسقط من أول نظرة يمر بها القارئ على سطوره




:- في مجموعتك الأولى " أتكئ على حجر " ، يشعر المتلقي أنه أمام شاعر "نخبوي"،
يوظف أبعادا أسطورية قد لا تكون في متناول فهم القارئ العادي، ويشكل منها أداة تعبيرية
عن معطيات عالمه الخارجي وهواجسه الداخلية. بينما نجدك في المجموعة الثانية " للألم بقية "أكثر قربا
من القارئ العادي، وهذا ما نلمسه أيضا في المجموعة الصادرة قريبا بإذن الله "سفر في الفراغ"،
حيث يتضافر عمق المعنى مع بساطة الأسلوب ومتانة اللغة.

صف لنا أبعاد كل تجربة، واعتباراتها الخاصة..:

*** لكل سفر يبدأه الشاعر نقطة بدء , تشبه الشرارة التي تجعله يفكر بأن نصا معينا هو البداية لجمع ديوان أو مجموعة شعرية تحمل مضمونا وأفكارا تتناسق في فلسفتها ونهجها.
وعن ديوان أتكئ على حجر , لم أوظف الأسطورة كيلا تكون في متناول القارئ العادي كما قد يظَن
وإنما كان توظيف الأسطورة عبارة عن إسقاط الخيال على الواقع ليصف حالة الإنسانية من عدة زوايا
فتجد الخيانة مجسدة عبر أسطورة إنانا والراعي المقدس , وتجد الصديق أنكيدو الذي يشكل الضمير الإنساني لدى جلجامش الباحث عن الخلود , وتجد المشتت الفلسطيني في غربته يحلم بالوطن البعيد في قصيدة أتكئ على حجر, كانت النصوص تشكل حالات سلوكية بشرية من خلال توظيفها وإسقاط الأسطورة على تركيبتها , ومن ناحية أخرى فديوان أتكئ على حجر يعتبر حافزا للكثيرين للبحث والاستمتاع بالمعرفة والفهم , فهنالك قارئ قد يعجبه الديوان ويندمج بالقراءة وعند عدم فهمه لرمز ما سيكون لديه الدافع ليبحث ويفهم وهذا يكون قد خدم القارئ معرفيا وفكريا بشكل أو بآخر ..فهنالك فارق كبير بين التعقيد اللغوي المحبط والمنفر وبين الغموض السردي المثير والحاث على التقصي والبحث بغاية إدراك التفاصيل الدقيقة للنص.

أما عن مجموعة " للألم بقية " فقد كانت نصوصا حملت مرحلة معينة سبقت ديوان أتكئ على حجر
وكتبت معظمها قبله بأعوام , وكانت تجسد الحب بمنظور برئ وحالم أكثر مما هو واقعي , وكأن رؤية الشاعر فيها هي أمنيات تحمل إنسانيته المجردة فأينعت كما تزهر وردة في عرض الصحراء لكن حظها أن حرب الحياة الطاحنة تدور رحاها فتدوسها سنابك الخيل وتضحي الوردة مسحوقة وتتناثر مع غبار الحرب و الحب الأسطوري المزعوم .
والسبب في أن القارئ قد يحبذ للألم بقية فالمسألة أن الذوق ألوان لا يتفق به اثنان , وكلٌ يبحث فيما يقرأ عن ضالته ومن يعشق يبحث عن الوردة في قلب الصحراء ويتعامى عن رحى الحرب وسنابك الخيل , وهذا حقه فالحلم عند الحب أكبر من متسع ما نملك من خيال.

مجموعتي الثالثة "سفر في الفراغ " والتي تأخرت في الصدور بسبب الحصار وعدم دخول ورق الطباعة لقطاع غزة تحمل الحب بثوبه الواقعي , وكأن لسان حال المرحلة ينطقها ويكتبها , فتأتي كحالة من التدوين التأريخي للسفر , ولكنه سفرٌ في فراغات الحياة
التي تكشفت للشاعر بعد أن تعرت الحقائق لتسدل الستار على المشهد الأخير .

:- الأنثى.. الجالسة دوما على حقائبها في شعر شجاع الصفدي، تبدو العلاقة بها ملتبسة أحيانا،
فقد ترتدي أثواب النكران تارة، وثوب ضحايا القدر تارة أخرى، ولكنها في الغالب تُلمَح كنجم ينطفئ بمجرد أن نلتقطه،

حدثنا عن تلك العلاقة الملغومة بين الشاعر والأنثى،

وهل النساء (جميلات عن بعد ، ولكنهن بعيدات عن الجمال)؟



*** تجلس على حقائبها تتأهب للسفر , فلا هي مسافرةٌ ولا هي باقية , يأتي قطارٌ ويذهب ولا تبرح مكانها في صالة الانتظار مما يجعل العلاقة هنا ليست ملتبسة بقدر ما هي ضرب من الجنون ..
ترتدي أثواب النكران حين يصيبها برد انتظاره فتقف حين يأتي القطار وتوشك أن تغادر فلا تطيعها قدماها
فتجلس مرة أخرى على الحقائب تسند يدها على رأسها وتبكي , في الحين الذي يركض هو في النفق محاولا منع القطار التالي من بلوغ المحطة غير مبالٍ باحتمالية سحقه , تاركا كل الأحداث للقدر يحددها وهكذا يكون هو الراحل أبدا ضحية لحبها وتكون هي المنتظرة أبدا بلا جدوى ضحية القدر .
إجمالا هي ليست نجما ينطفئ بمجرد أن نلتقطه , ببساطة فالنجمة التي تلتقط لا تكون سوى أكذوبة عابرة لا بريق لها ، وإنما لنقل هي أفقٌ كلما ركضنا إليه وأملنا بلوغه فرّ من ناظرينا وابتعد ونواصل سفرنا إليه ويواصل سفره إلى المجهول.

وأخيرا هنا أقول: " النساء جميلات عن بعد , لكنهن بعيدات عن الجمال "
الوردة التي تقطفها تفقد عبيرها وجمالها وهي بين يديك , لكنها ما دامت على الغصن فهي مبهجة لها عبيرها الحي النابض , وأقول: إن شئت ألا تفقد الوردة بريقها عليك أن تخلق لها حديقة تكون أنت من فيها وحدك من يرعاها ويرويها , وهكذا لا تصبح الوردة مشاعا للآخرين إن ظلت على الغصن , ولا حاجة بك أن تقطفها فتفقد بهجتها .
أيكفي ذلك ليقول الأمر بشكله المنطقي ؟
:- في الحقيقة ، هو لا يكفي !! بل يؤكد حاجتنا للقاء ، أو بالأحرى لقاءات أخرى.. لنعبّ من حضورك الجميل وفلسفتك المتفردة..
شجاع الصفدي ، كان فرصة استثنائية لي هذا اللقاء، آمل ألا أكون أرهقتك كثيرا..
شكرا لك..



#أمينة_سراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقاء مع الإعلامي والأديب الجزائري عبد الكريم قذيفة


المزيد.....




- الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
- من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
- الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة ...
- إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل ...
- التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي ...
- هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
- مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
- إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام ...
- الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية ...
- الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أمينة سراج - حوار مع الشاعر والكاتب الفلسطيني شجاع الصفدي