|
الدورة الثالثة والاربعون لمهرجان كارلوفيفاري السينمائي: غياب الفيلم العربي.. في الاحتفال بربيع براغ!
علي البزاز
الحوار المتمدن-العدد: 2382 - 2008 / 8 / 23 - 06:34
المحور:
الادب والفن
السينما فن يعتمد على التسويق، الدعاية الفنية تشكل رافداً مادياً، تساهم باستمرار الانتاج السينمائي ذي التكاليف الباهظة، والغاية من المهرجانات الدولية، هوعرض الافلام عالمياً وجذب الممولين، وهما معينان تفتقد اليهما السينما العربية، والقصد من عدم مشاركة الفيلم العربي في هكذا مهرجانات، يساهم في تعطيل انتشاره وتضييع فرصة ممنوحة للتطور وللاستمرار. ما فرقته السياسة، وجعلت منه تسمية متداولة (اوروبا الشرقية والغربية) التئم شمله في مهرجان كارلوفيفاري في دورته الثالثة والاربعين، بينما غاب الفيلم العربي تمامأ عن المشاركة، وهكذا في الوقت الذي تنكراوربا خضوعها للسياسة، يعلن العرب ولاءهم لقهرها واستبدادها. كان لينين يقول الثورة تحتاج الى الفنون كافة، وخاصة السينما وادرك النازيون تأثير السينما على المجتمعات، فاستعملوها الى جانب السلاح، كانت الدعاية النازية تصوّر افلاماً وثائقية عن قوة المانيا وعن معسكرات الاعتقال، وتبثها قبل الهجوم، فتسقط المدن واحدة تلو الاخرى بسبب الرعب الذي تثيره هذه الافلام، اما في عالمنا العربي، فلا يهتم النظام السياسي بالفن، كما لا تتولى المهرجانات السينمائية العربية، (وما اكثرها) الترويج للفيلم العربي، هذا القصور غير المبرّر يهدر سنوياً فرصة جماهيرية ومالية على حد سواء. بدأت فعاليات المهرجان بتكريم الممثل روبرت دو نيرو كرة المهرجان البلورية، وفي حفل الختام، تم تقليد الممثل البريطاني كريستوفر لي الشهير بدور دراكولا بجائزة تقديرية والذي اشاد في تلك الامسية بالتنظيم الممتازللمهرجان. شارك في هذه الدورة 335 فيلماً، بينها 56 فيلماُ تعرض للمرّة الاولى دولياً واوروبياً، اختلف مستوى الافلام بتنوّع البلدان المشاركة؛ تشيكيا، بلغاريا، استونيا، روسيا، الصين، امريكا، ايطاليا واسبانيا. كانت لجنة تحكيم هذه الدورة برئاسة المخرج وكاتب السيناريو التشيكي ايفان باسر (شارك في كتابة سيناريوهات كثيرة لميلوش فورمان) وبعضوية كل من الممثلة البريطانية بريندا بليثان والمخرج الاسرائيلي آري فولمان وتيد هوب (منتج الأفلام المستقلة) ويان موشو (ملحن وناقد فني) وفيلموس زيغموند (مصور هنغاري) ويوهنا تير ستيغ (ممثلة هولندية). في المقابل، تنافس 14 فيلماً على جوائز المهرجان، والملاحظ على دورة هذه السنة، هو ضعف مستوى الافلام المرشحة لمسابقة الفيلم الروائي، على خلاف المتوقع من هكذا مهرجان عريق، يُعتبر من افضل ستة مهرجانات دولية، ويمتاز بالتنظيم الجيد، وبالتغطية الصحفية السريعة، التي تضمن وصول المعلومات بيسرالى الجمهوروالمشاركين، اضافة الى حضور لافت للاعلام وطنياً ودولياً. من بين الافلام المشاركة في المسابقة بوم الليل للتشيكية ميكايلا بافلاتوفا: يصوّر علاقة اوفكا (مارتا ايسوفا {من اصل سوري}، حازت جائزة افضل ممثلة) مع عالم الليل بمخلوقاته التي تستمد طبائعها من الظلام، عنوان الفيلم هو استبطان للبوم في العتمة، غير بعيد عن مفاهيم الخير والشرّ، كما حاز الممثل يرجي مادل على جائزة افضل ممثل. حصل الفيلم سعيد جداً للدانماركي هنريك روبن غينز جائزة المهرجان الكرة البلورية. روبرت ضابط الشرطة (ياكوب سيديركن) المغرم ببزتة طوال الفيلم والتي لم يخلعها حتى في السرير، هو مثال لاساءة استعمال السلطة، الامر الذي يجعل الطبيب القضائي ان يحرر سبب وفاة انكيلزا، التي ماتت في فراشه، لانه اضطر الى خنقها بالوسادة لئلا يسمعها زوجها بالجلطة القلبية خوفاً من جبروته، اعتمد الفيلم على مؤثرات صوتية، للايحاء بتوتر المشاهد، حسب الحالة العاطفية للشخصيات، لكنه دخل في تفاصيل جانبية ما جعله يفقد الجاذبية مقترباً احيانا من الملل. الاسير للروسي اليكساي أوشيتيل (نال جائزة افضل اخراج) يتابع الفيلم كيف تتغير مفاهيم الرأفة، الصداقة في الحرب مهما تعمقت اواصرها بين الاعداء. تبقى الرافة والانسانية في حدود المحافظة على الحياة الشخصية، وعند تجاوز هذه الحدود، يصبح الصديق عدواً وان تمتع بالإجارة. تتمكن كتيبة روسية في حرب الشيشان من اسر الشيشاني جمال والمطلوب حياُ من قبل احد القادة، وعليه ينبغي تسفيره لينال القصاص، جمال لا يحاول مجاملة الجنديين المسؤولين عن ترحيله رغم تودّد احدهما له، وهو يصدّ محاولاته طوال الرحلة، والجندي الروسي روباكن يعطف علية ويضمد جراحه، هنا تنشأ بينهما علاقة ثقة نسبية، لكنها ضمن قوانين الحرب، اي الموت أو البقاء. تتوه هذه المجموعة في الغابات، وتلتقي مصادفة كتيبة شيشانية عدوّة، يحاول جمال مناداتهم، وخوفاً من تعرضهم للموت يضطر روباكن الى كتم صوته فيموت. استعمل الفيلم امكانات تقنية هائلة لتصوير الحرب: قصف الطائرات، حشود آلية مدرعة، اسلحة متنوعة. الدمارالمحيق ليس بالحياة البشرية فحسب، بل بالعاطفة الانسانية التي من دونها، يصبح الجندي دون رحمة كالسلاح الذي يستعمله للقتل وتبرّر الحرب وحشيته. ادانة للحرب من خلال بؤس العلاقة بين الاعداء في ساحة المعركة، علاقة ارتدادية باتجاه الريبة، الى الغدر الذي يوجه مسار التعامل المستمد طبائعه من الحرب بوصفها خراباً، مهما تعزّزت الثقة المنافقة بين اطرافها. عندما تُهدد السلامة الشخصية، يسقط كل البناء الانساني دفعة واحدة ويقف المرء امام اختيار الموت أو الحياة، أحياناً يبدو الاختيار في الحرب مثل الاختيار في الحياة؛ كلاهما قاسٍ وجائر. ثمة حرب دون اسلحة تقليدية في الواقع المعاش؛ حرب على الظلم، الفقر وعلى الخداع، والبقاء هوالطموح المرجوّ من كلا الحربين، حرب السلاح وحرب الحياة، لا ينجو الانسان من الحرب وإن لم يخضها، هو في حرب دائمة، لا هدنه فيها إلا الى الاستسلام للقتل، كما فعل الجندي الروسي مع جمال . تطرق الفيلم الى العلاقة الشكية في الحرب والتي ستكون المنتصر في النهاية على حميمية العلاقة الشخصية : حاول جمال مرات عدّة الهروب والغدر بالجنديين الروسيين، وعندما هدّد وجودهما قتله الشخص نفسه الذي منحه الثقة ورعاه. أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة فكانت من نصيب فيلم المصوّر ، وهو انتاج مشترك بين فرنسا واندونيسيا وهولندا وسويسرا و الاسوج ، من اخراج نان ت. أكناس،عبارة عن ميلودراما من بطولة فتاة هوى ومصوّر فوتوغرافي، حصل المخرج التشيكي بيتر زيلينكا،عن فيلمه الأخوة كارامازوف ، تنويهاً خاصاً من قبل لجنة التحكيم مناصفة مع المحقق لأتيلا جيغور. وبهذا تكون تشيكيا قد حصدت معظم الجوائز. اللافت في هذا المهرجان هو الحضور الشعبي الكثيف طوال ثمانية ايام، وهذا دعم مالي لا ينضب ينافس الممولين في ديمومته، ويعطي انطباعاً جيداً باقبال الجمهور على مشاهدة السينما من شتى الثقافات والاتجاهات وعلى هذا النحو الجماهيري المبهر، كما يمنح الثقة لصنّاع الفيلم من ان جهودهم تلقى الاهتمام والتقدير، الامر الذي يتحسر عليه المرء من عدم جماهرية السينما في عالمنا العربي، ومن بروز جمهور جديد، يريد ان تعبّر السينما عن تقاليده ومعتقداته دون الرأي الاخر المختلف، سينما صدى لصوته، لذا يحارب الاعتقاد الحرّ، مشترطاّ احياناُ التقليد والاصولية على الافلام ، يضاف الى تدّخل الرقيب في الفن، مقيداً اساليبه وجنوحه، فالفن عنده مقاس سلطة وممنوعات. نبذة تأريخية حين اسس القيصر الروماني وملك تشيكيا كارل الرابع مدينة كارلوفيفاري في العام 1397، ارادها منتجعاً للاحلام وللراحة، اذ اشتهرت مذ ذاك بمصحاتها ومياهها المعدنية في كل مكان، ايقونات جميلة، يتدفق منها الماء بدرجات حرارة متفاوته. تقع المدينة على جبل، ولها تضاريس طبيعية خلابة، تحتضن سنوياً مهرجانا متنوعة: مهرجان الموسيقى الشعبية، مهرجان موتزارت، وهي واحة للعلاج وللاستجمام، تعيش في ارستقراطية دائمة، ما جذب اليها اهتمام المافيا الروسية المسيطرة بشكل اقتصادي وسياحي على المدينه، وهكذا يتكلم اغلب مواطنيها اللغة الروسية تلبية لمتطلبات السوق التجارية، إذاً، اُستبدل الاستعمار السياسي والعسكري، بآخر اقتصادي اكثر فاعلية من الاول، ويسمي اغلب التشيكيين المدينة، بالمقاطعة الروسية تندّراً، اما مهرجان السينما، فقد نافس بعراقته مهرجان موسكو الدولي الذي فرض وبأوامر مباشرة ان تنعقد فعاليات كارلوفيفاري مرّة كل سنتين متزامنة مع دورته، حتى المنافسة الثقافية لـ الاخ الاكبر/ روسيا كانت ممنوعة انذاك، وتُفسرعصياناً، وبعد انهيارالاتحاد السوفياتي، تحرّر مهرجان كارلوفيفاري بعد استقلال تشيكيا، و يا للمفارقة ما ارادت السياسة تحقيقه: السيطرة وجمع تشيكا مع سلوفاكيا في بلد واحد، واخضاع المهرجان لاراداتها، انفرط هذا الاتحاد الى بلدين مستقلين، وسينمائياً الى مهرجان ينظم سنوياً خارجاً على قمع الاوامر. شهدت الدورة الاخيرة لمهرجان كارلوفيفاري الدولي احتفالات الذكرى الاربعين لـ ربيع براغ ربيع سينمائي يستمد ازهاره من حديقة استقلال وطني.
#علي_البزاز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رمزية اللون في فيلم »البيت الأصفر«: مديح الدولة
-
ثلاثة قرود« للتركي نوري بلجي جيلان : زمن المطر وزمن القطار و
...
-
شيعستان« و»السيستاني« للإيراني بهراني ...العراق في سوق السين
...
-
صمت لورنا لداردين في مهرجان كارلوفي فاري... الوجه والقفا
-
«محمود صبري بين عالمين» لبهجت صبري: الجدارية الغائبة
-
المهرجان الدولي للأفلام الوثائقية في أمستردام - : يدعمون الا
...
-
فيلم - ستاب هورست- للهولندي اميل رفروا يحيا التعصّب في الحيا
...
-
أين الغابة يا أيتها الزهرة التي حديقتها بين قوسين؟ سعدي يوسف
...
-
أدباء ومثقفون عرب في مهرجان -الكلمة الحرّة- في أمستردام / ال
...
-
فيلم -العودة الى الينابيع - لجودي الكناني / التعبير مالك الج
...
-
خضوع- للهولندي تيو فان غوغ
-
جدال حول فيلم -فتنة- للهولندي خيرت فيلدرز هاوي تطرّف لا يتكل
...
-
الذاكرة بيت غير جغرافي مفاتيحة الماضي
-
شكرا امريكا للعراقي عادل جودة
-
السلطان والمدينة : تحولات الحياة والملك في امبراطورية آل عثم
...
-
مهرجان الفيلم الوثائقي العالمي في امستردام IDFA ...تفاهم عال
...
-
الفيلم الوثائقي-الكتابةالاولى- هذا الذي راى كل شيء فغني بذكر
...
-
مهرجان ميلانو للسينما العراقية... مخرجون يخترعون الصور كي لا
...
-
الحكمة مزينة بالضوء وبالموسيقي.. وريادة النوع
-
الفيلم الوثائقي ( بلاد مابين الحربين ) *العراق منهوب الكرامة
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|