|
لبنان الكرامة والشعب العنيد: عذراً فيروز ومعذرة
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2380 - 2008 / 8 / 21 - 09:31
المحور:
كتابات ساخرة
نضطر، وغير آسفين في كل مرة، لاستعمال لازمة فيروز، كما لازمة الرائع أبداً نزار، كعنوان لهذا المقال. وإذا كانت الكرامة والشعب العنيد تنطبق على عدد من اللبنانيين، وهي كذلك بالتأكيد، فعذراً فيروز ومعذرة، لإنها لا تنطبق، البتة، على كثيرين ممن نراهم من اللبنانيين، وهم ليسوا عنيدين بالمرة بل "سهلين" جداً Easygoing، وخاصة أولئك الذين يملؤون الفضاء العربي "جعجعة" سياسية، أو زبانيتهم الآخرين من نجوم التصريحات وفحول الفكر الوهابي اليوم. ففي كثير من السياسات الرسمية، وغير الرسمية، اليوم، لا يتبدى أي أثر أو مظهر لأي نوع من الكرامة، أو العند وحتى التمنع البسيط، بل مزيد من الانبطاح والتملق البشع، والتبعية والالتحاق بمعسكرات وتيارات غير وطنية وتعمل على تخريب وتدمير لبنان الكرامة والشعب العنيد. ( وعلى فكرة، يفتخر اللبنانيون، بأنهم هم من قدموا الفكر القومي للمنطقة: والله وبكسر الهاء، لو كان فيه أي خير لما قدموه، ولما رأيناه منهم على الإطلاق).
ولم يقصـّر أبداً البروفيسور أسعد أبو خليل، اللبناني الأصل، حين وصف لبنان بالكيان المسخ، وربما أعطاه في الحقيقة أكبر من حجمه الطبيعي كون لبنان لا يتمتع حتى بأدنى مقومات الكيان السياسي من وجهة النظر الجيوستراتيجية البحتة، فهو في حقيقة الأمر ليس أكثر من مجرد "طفح جغرافي"، ابتدعته أنامل العهد الاستعماري القديم، أو هو بتوصيف آخر "ناسور" سياسي، و"دملة" متقيحة ومزمنة في الجسد السوري الكبير. وكم ينتابني الأسى والحسرة حين أرى المتنبئين الجويين في "التلفزيونات" اللبنانية حين يقدمون النشرة الجوية، وسوريا تحيط بهذا "الكيان المسخ"، من جهاته الأربع فقط، وفوقه وتحته، فهل من عبرة في هذا، وهل تتفكرون يا أولي الأوطان والسيادة؟ وليس في لبنان، حقيقة، أي من مقومات الوطن، ويكاد يكون حسب التوصيف السياسي الحقيقي مجرد كانتون ضمن وطن وأرض أكبر هي سوريا. وما الاضطرابات الأهلية الخطيرة وحالة عدم الاستقرار الطبيعية والمستمرة التي يعيشها إلا تأكيد على شذوذ سياسي كبير يكتنف وجود هذا الكيان الاصطناعي. وأظن أن الغاضب العربي، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا كما يوقع مقالاته، كان مهذباً ولبقاً جداً في توصيفه هذا الذي ما زال ينطوي، وبرغم سخريته المؤلمة واللاذعة، على قدر كبير من الاحترام والتقدير لهذا الماخور السياسي المسمى لبنان. وفي الحقيقة فإن كلمة ماخور هي الأخرى، وعذراً على بجاحتها وسوقيتها، فيها الكثير من التهذيب غير المقصود من قبلي، البتة، كون مخزوني اللغوي التي اكتنزته خلال مسيرة حياتي الطويلة لا يحمل كلمة أكثر سوءاً وقبحاً، باستثناء كلمة "كرخانة"، وهي كلمة تركية وغير عربية كما هو معروف، ولا يصح إقحامها ها هنا في نص "عروبي" الهوى والحروف.
فالعهر السياسي الكبير الذي تعيشه المنطقة تاريخياً كان ينطلق دائماً، من ماخور واحد ووحيد اسمه لبنان. والمؤامرات الكبرى على المنطقة كانت تنسج فقط في هذا الماخور، وانقلابات سوريا الأولى حيكت في مقاهي بيروت وصالوناتها السياسية( ما دام أننا نعيش اليوم حمى الانقلابات في موريتانية "الشقيقة"). ولقد وعى الرئيس الراحل حافظ الأسد بحسه الإستراتيجي البعيد والعميق، هذه الحقيقة، ومن هنا كانت رؤيته الصائبة في الحد من لجم اندفاعات بعض اللبنانيين التي لا أفاق، ولا ضوابط أخلاقية لها ولا تحكمها، وأفلح في ذلك أيما فلاح، جالباً من خلال ذلك الاستقرار السياسي لسورية ولبنان على حد سواء، محافظاً، في الوقت ذاته، على ماء وجه كثير من سياسيي لبنان، ولأطول فترة ممكنة، والذي أراقوه، وبكل أسف، وتبدى لاحقاً بأبشع صوره بعد الانسحاب السوري من لبنان. (ألم يكن عهد الوصاية في أحد وجوهه خدمة مجانية، ولوجه الله، لبعض الساسة اللبنانيين حيث الاحتلال السوري حفظ لهم كرامتهم ومنعهم عما لا يتورعون اليوم عن فعله على الملأ وأمام الناس دون خجل أو حياء؟) وفي يقيني، ويقين معظم المحللين والمتابعين لشؤون المنطقة، فإن الفترة الذهبية التي عاشها لبنان هي فترة الجزمة والبسطار العسكري السوري، المأسوف عليها بكل صدق، والتي كانت بحق فترة الأمن والأمان والسلم الأهلي الوحيدة والمثالية التي عاشها لبنان عبر تاريخه الطويل.
ولا أخفيكم البتة بأنه لم يكن لدي في أي يوم أية مشاعر ود تجاه هذا اللقيط السياسي المسمى لبنان والذي يتبناه آباء جاحدون من يوم لآخر، ولم تطأ قدمي يوماً هذا الكيان، حتى في أوج فترة البسطار الذهبية، مدفوعاً بحس وطني سوري غريزي وفطري فيه الكثير من البغض والحساسية تجاه هذا الكيان اللقيط الذي ما زال يبحث عن آباء له، ويتنكر عامداً متعمداً لمن يعرف أنه أبوه الحقيقي. (بالمناسبة خفت وتيرة المطالبة بالحئيئة مؤخراً بعد التطورات الدراماتيكية في المنطقة. ولكن من يقنع صبحي الحديدي، وكتاب الحئيئة السوريين، بذلك؟ فالأستاذ صبحي الحديدي يعتقد في آخر معجزاته الفكرية، واللهم صل وبارك، بأن كل ما جرى في المنطقة من أحداث جسام، وحروب وويلات واحتلالات وسفك دماء، هي مجرد ترتيب وتمثيلية بطلها الوحيد هو النظام السوري والإدارة الأمريكية. وصبحي هذا للعلم هو كاتب في جريدة ابن عطوان مجهولة التمويل والتي تصدر من أغلى عاصمة في العالم، وهذه عينة مجانية وعلى البيعة، وببلاش مني إليكم، عن معارضي سوريا اليوم الذين لا يشق لهم غبار).
وحين تقرأ لأي "محلل" لبناني كبير من "إياهم" في صحف آباء جعل وقاطعي الرؤوس، ( المحللون المقصودون يعني من عبيد الحريرية والوهابية البترودولارية باعتبارهما تمثلان ذروة التحول الفكري العميق في المنطقة. هذا التحول هو في الحقيقة ليس نحو الحداثة بل، من قبلية سياسية رثة ومهزومة هي القومية العربية نحو بدونة أكثر انحطاطاً وابتذالاً وتخلفاً)، عما يتعلق بشؤون المنطقة، ترى حجم العداء والتلون واالمكر والدنس، والحساسية العالية والحقد الدفين حيال كل ما فيه شرف ونبل ومثل عليا تعارف عليها بنو الإنسان. وتتلمس، بذات الوقت، قدراً من الانحلال والصفاقة والفجور الذي لا تظهره، لا بل تتحشم إزاءه مومسات الشوارع أنفسهن الذين لايملكون مقدار ذرة من شرف. وحين ترى "المناضل" السيادي والوطني منهم يتنقل من هذا النسق الفكري إلى ذاك، ومن هذا الموقف السياسي إلى نقيضه بالذات في ذات اللحظة، وبالطريقة نفسها التي تتنقل بها المومس الفاضلة ( التعبير لسارتر)، من حضن طالب المتعة هذا إلى ذاك، ستدرك على الفور في أي ماخور حقيقي أنت، وهول الفاجعة، ودرجة السقوط التي آل أو سيؤول إليها هذا الكيان.
يجوب اليوم فؤاد السنيورة، وهو رئيس وزراء لبنان الآن، وصدقوا أو لا تصدقوا هذا فأنتم أحرار، عواصم المنطقة، متوسلاً قمحاً من هنا، أو كهرباء وغازاً من هناك، أو دعماً وعطفاً سياسياً في مكان آخر ما على رموز السيادة والاستئلال. وهو يعلم، مع غيره، علم اليقين، بأن "مرجوعه" سيكون، يوماً ما، إلى دمشق، وهناك فقط حيث سيبقى قرار، ومستقبل، وحياة "المسخ" السياسي المسمى لبنان.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب وغربة الأولمبياد
-
مذهب زغْلول النجّار
-
موريتانيا: عودة حليمة لعاداتها القديمة
-
الهروب إلى إسرائيل
-
قراصنة الخلف الطالح
-
فضائية خدّام
-
الحوار مع القردة والخنازير: فاقد الشيء لا يعطيه
-
التطبيع العربي العربي أولاً
-
نعم لاتحاد من أجل المتوسط
-
اعتقال البشير: ومن البترول ما قتل
-
العربان دوت كوم
-
حول تغطية أحداث سجن صيدنايا
-
غسان الإمام: والشياطين البترولية الخرساء
-
الحجاب كهوية عنصرية
-
سوريا:موضة الخادمات الآسيويات
-
تهنئة للإخوان السوريين
-
التّمثيلُ بالأحياءِ: ضرورةُ تجْريمِ ِأُمراءِ وأشياخِ الوهابي
...
-
الوهابيّة أم ِالنازيّة؟
-
أنقذوا السوريين من العنصرية والاستعباد
-
تَجْريمُ الفِكر القَوْمي
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|