أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - المسرح في زمن الحكي















المزيد.....

المسرح في زمن الحكي


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 2377 - 2008 / 8 / 18 - 10:22
المحور: الادب والفن
    


د.أبو الحسن سلاّم الحكي والمحاكاة وجهان لعملة واحدة هي : (التعبير) غير أن فن الحكي أقدم من فن المحاكاة ، لأنه أكثر ميلاً إلى السكون منه إلى الحركة والتحريك ، وذلك لارتباطه بالصوت والكلمات أكثر من ارتباطه بالحركة أو بالتعبير الحركي، ولارتباطه الزمني بالماضي – ماضي الفعل ومستقبله – على العكس من المحاكاة التي ترتبط بالفعل الحاضر وحركة رد الفعل الحاضر وإن اتخذت من الماضي ما يظلل الفعل الحاضر أو يذيّله – يعقب عليه – ومن المستقبل ما يمهد للحاضر في تشوّفه للمأمول .
أما قدم فن الحكي فهو موغل في تاريخ الشعوب بدءاً من المجتمع المشاعي الأول، القائم على فطرة التعبير ، دون حاجة إلى المداراة والمواربة ، عندما انقسم عالم المشاعية البدائية الذي اعتمد على الصيد توفيراً للطعام فكانت لقسم من رجاله القادرين حيلة العقل التي تمكّنهم من التغلب على الفرائس والحيوانات المتوحشة ، ولم تكن للقسم الآخر الأضعف من الرجال قوة البدن والقدرة على مواجهة أخطار الغابات والأحراش في سبيل مشاركة الآخرين الأقوياء في جلب الفرائس طعاماً للقبيلة فتدرّعوا بالخيال الذي وهبته الطبيعة لهم ، فراحوا في تفعيل خيالاتهم وإعمال الحكي عن خوارق رأوها أو شاركوا فيها – على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة – تعويضاً عن عجز بدني وتقاعس عن مواجهة عنيفة لم يؤهلوا لها، فنشأت في جلسات ما بعد ولائم العشاء حكايات التعويض النفسي عند هؤلاء المخايلين ، لوناً من ألوان السمر ، والترفيه عن القبيلة بمحاكاة صامتة لمحاولة الصائد في اقتناص فريسته ، مصحوبة بشرح وصفي موازٍ لحركة الصائد حركة فعل الصيد ما بين الهجوم والهجوم المتبادل والمضاد. وأصبح ذلك أول لون من ألوان الحكي الكلامي المصاحب للحكي التصويرى : ( بالأداء الحركي الصامت لحدث القنص) في عصور المشاع والقبلية. ثم استقل فن الحكي الكلامي ، عندما تمكن المخايل الحكّاء في تلك العصور الغابرة ، من نسج قصته الخرافية عن بطولته الخارقة ، استنقاذاً لنفسه من هجوم وحش كاسر مزعوم باغته في رحلة صيده ، فإذا بحصان طائر له جناحان يهبط من السماء ويحط أمامه ويستحثه؛ ليقفز فوق ظهره فيطير به متجاوزاً خطر الوحش الكاسر . ثم يحط به الحصان الطائر في أرض العشيرة وكهوفها سالما . هكذا استقل فن الحكي الكلامي عن فن الحكي التصويرى
(المحاكاة الصامتة) وأصبح فناً قائماً بذاته .
ومن الملاحظ أن فن الحكي يلزم الحكّاء والمستمعين لحكيه بجلسة ليلية على أضواء نارٍ مشتعلةٍ تحيط بحلقة الحكي للإنارة من ناحية وللحماية من ناحية ثانية ، باعتبار الحكّاء يعيد سرد قصة يتباهى بها على الآخرين ، ويصنع من نفسه نداً وبطلاً يطاول أبطال صيد الوحوش والقنائص ، حتى لا ينتقص أحد منه. فالحكي عندئذٍ هو إعادة تصوير لفعل مضى – في تخييله وليس في الحقيقة الواقعية المعيشة - .
ولقد قام الخيال والتخييل الصوتي في فن الحكي تصويراً ؛ مقام الحركة إلى جانب قيامه مقام القول . فالحكّاء يشخص بحكيه الحركة كما لو كانت ماثلة أمام عين الخيال عند السامع .
لقد برع العرب في فن الحكي ، ومن يقرأ كتابي (الحيوان) و (البخلاء) للجاحظ و"مقابسات" (أبي حيان التوحيدي)( وحكايات الأصفهاني في كتاب الأغاني وحكايات أبي الفتح السكندرى عند بديع الزمان الهمذاني في مقاماته أو حكايات أبي زيد في مقامات الحريري) يجد فن الحكي متوهجاً ومشعاً ، بوصفه فن القص في عصور الأدب العربي الأولى ( فن المقامة ـ ق. الرابع) وفي (التوابع والزوابع) لابن شهيد الأندلسي وفي (رسالة الغفران) للمعري . والأولى فن حكي في اتباع الشياطين وهم الشعراء .. فكل شاعر يتبع زوبعة شيطانية يبدع عن طريقها أو يستلهم شعره. أما الثانية فهي فن حكي عن رحلة (ابن القارح) الأديب الماكر المراوغ إلى العالم الآخر بعد موته، حيث لا تقبله جنة ولا تقبله نار – حسبما صوّره أبو العلاء المعري بعبقرية درامية وملحمية .
ولأن العرب قد انتظموا في مجتمعات وشكلوا منظومات الدولة أ و الأمة عندما حكّموا أمرهم لواحد منهم يختارونه ويمنحونه السمع والطاعة امتدادا لشرعة الحكم القبلي ، تلك التي أصبحت سنّة من سننهم الشريعة الدينية بالحديث النبوي "إذا كنتم ثلاثة فأمّروا أحدكم " ؛ لذا تجد مسرحهم الذى عرفوه ومارسوه فنا منذ القرن التاسع عشر؛ يحتفي بالراوي حاكما فرديا علي كل الأحداث والشخصيات الدرامية في مقابل الكورس عند اليونان. فالراوي الفرد يتحكم في حياة الشخصيات المسرحية وفي موتهم.. في ظهورهم واختفائهم!!.
فإذا كان الكورس تعبيراً عن جماعية الرأي العام في مجتمع الإغريق الديمقراطي، فقد كان الراوي تعبيراً فردياً في المسرح العربي عن فردية الرأي في المجتمع العربي الذي أُمر المسلمون فيه بأن يؤمّروا على رقابهم رجلاً واحداً لا (امرأة) وله السمع والطاعة . يختارونه ويذعنون لأمره .
على أن الحكي وإن كان فعلاً فردياً في التعبير العربي ، فهو فعل جماعي في التعبيرالدرامي الأوروبي اليوناني القديم منذ ألفي عام ونيّف . فعل محاكاة ثم مشاكلة لفعل الطبيعة ، بعد أن أكتشفوا أن الطبيعة لم تعط الإنسان الحذاء أو الدراجة ليسرع في سيره ولكنه اخترع وسيلة توظف فيها حركة تسريع سيره .
إذاً ففن الحكي المنفرد ، فن عربي أصيل . والعودة للتوجه نحو الحكي بوصفه لونا من ألوان التعبير عن الهوية في عصرٍ نافرٍ من الهويات ونافٍ للقوميات وثقافة الثبات والرسوب المدني والحضاري أمر يستلفت النظر. والهوية هنا هي ليست تلك الهوية التي نظّر لها فكر أرسطو قديما عندما قال : (أنا هو أنا) ولكنها هوية (الأنا في وسط متغير) فأنا في طفولتي لست أنا في شبابي ولست أنا في كهولتي أو في شيخوختي . ونحن في مطالع 1952 لسنا نحن في عصر الانفتاح ولسنا نحن في عصر الترويض الثقافي الأمريكي الحالي للدول المتخلفة تلك الدول التي تحكمها العسكرتارية المزمنة . وإذا نظرنا لمجتمعناالمصرى منذ 1973 نجد الروح الفردية تسيطر على كل مناحي النشاط الاقتصادي، السياسي ، الديني ، الفكري ،الاجتماعي و الثقافي والفني . ولو توقفنا فيما يتعلق بالمسرح وبخاصة عند عرض مسرحية (مدرسة المشاغبين) سنجد كل ممثليها نجوماً ، ولكل دورفيها ما يكشف عن زعامة فنية متفردة تتفاعل مع غيرها – باستثناء الدور الذي لعبه أحمد زكي – عبقري التمثيل المصري – فإذا كان عصر الانفتاح أصبح كل ممثل منهم زعيم التمثيل العربي في المسرح والسينما . فهو كل شيء في المسرحية أو الفيلم أو المسلسل الذى يتسنم قمةبطولته المطلقة ؛ ومن حوله السنّيدة الممثلون جميعهم يخدّمون عليه – بطانته - .
فإذا وقفنا عند فن الحكي الفردي قياساً على ظاهرة الزعامة الفردية في التمثيل التي يكشف الممثل النجم فيهاعن طاقاته ويفر عضلاته ليعلن علي الملأ أنه خاتم المسرحيين ، سنجد فنان الحكي قياسا علي ذلك مبدعاً حقيقياً ، لأنه لا يستعين بغير قدراته وموهبته بدون بطانة. لذلك يُعد فناناً متفرداً لأنه يبدع دون سنيده ، ودون إمكانات تأثيرية مصاحبة . وهو بذلك يحقق تفرده بما له من مهارات ومقدرة فائقة على التشكل الإبداعي عبر أدوارٍ متعددة في الدوافع وفي العلاقات والمشاعر والصورعن طريق تلوينه لصوته و اماءاته واشاراته التحريكية والحركية .
إن صحوة الحكي في ظل ظروف تشرذم الأنشطة في مجتمعنا؛ هي حصن وملاذ لفن الأداء الدرامي واحتماء أو ارتماء محمود في حضن الهوية الثقافية من ناحية ، وهي تفعيل مهارات العزف المنفرد بالصوت والحركة الدرامية البشرية المبدعة و حميمية التفاعل الجماهيري المحتضن لفعل الحكي في زمن لم يتبق لنا فيه غير الحكي عن أمجاد الماضي في عصر خلا من الأمجاد .



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوارية القطع والوصل في الحديث عن المسرح الشعرى
- الفن بين ثقافة الاباحة وثقافة المنع
- أشكال الفرجة الشعبية وعناصرها في المسرح العربي (سيميولوجيا ا ...
- توازن الصورة الفنية بين المسرح والفن التشكيلى (1)
- مسرح إبسن بين المتخلفات والمتغيرات المعرفية المتلازمة
- محمد صلاح الدين عبد الصبور يوسف الحواتكي
- التعبير المسرحي الشعري بين التأمل الذاتي والانفتاح على المعن ...
- بيرجنت وفن الإهانة
- تعليقا ً على دراسة ازدواجية اللغة لمهدى بندق


المزيد.....




- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...
- 3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - المسرح في زمن الحكي