أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر رمزي - قصة قصيرة(أنا وحماتي)














المزيد.....

قصة قصيرة(أنا وحماتي)


عامر رمزي

الحوار المتمدن-العدد: 2373 - 2008 / 8 / 14 - 08:22
المحور: الادب والفن
    


إنهم يدعونني (نونو) ، وبالتأكيد إنه ليس حقيقة أسمي..بل هو كنيتي وعلى لسان حماتي!
-عمتِ مساءاً يا نونو.. اذهبي يا نونو..اقتربي يا نونو ..لا يا نونو..
هذا هو أسلوب حماتي ، وسأقصّ عليكم حكايتي معها..
روى لي زوجي عن شخصية والدته ، أيام كنا نخوض تدريبات الحب قبل الخطبة. قال لي إنها مديرة لاحدى ثانويات البنات المهمة في بغداد . وهي ذات جوهر طيب للغاية وتتمع بمرح فائق يفيض بروح المداعبة وخفة الدم ، وأكد لي بأنني سوف لن أنفر من معاشرة وجودها أبداً..
وكم كنت أخشى الحَموات ، وأتخيلهن وهن ينسجن المؤامرات ، ثم يزعمن البراءة وقلـّة الحيلة ، ثم تأتي الدموع ويتصاعد نحيب الشكوى من عقوق الأبناء لو ألتزموا جانب زوجاتهن . كنت أتصورهن بلا عمل يشغلهن سوى قذف الأوامر وتوبيخ الزوجات على هفواتهن . وكل تلك الظنون تسيدت مخيلتي بسبب ما توارد الى مسمعي عن صيتهن في عدائهن الأزلي للزوجات . فعزمت على التعاطي مع من سأعيش معها بتيقظ تام ، رغم الصورة الجميلة التي رسمها لي حبيبي عن أمه ..
وقع بصري عليها لأول وهلة يوم حضرت لخطبتي..وفوجئت بكتل لحم كبيرة متراصة تتنافس مع بعضها وتتصارع لتلتحم وتكوّن جسدها ، الذي كان يشغل مقعداً من الحجم الكبير ، في الصالة التي تزدحم بالواقفين من المدعوين.!
وجرى ما كنت أخشاه..اذ ما أن شاهدتني هبّت لتنادي:
(( يااااه ...كم أنتِ جميلة يانونو!!..))
ثم توالت الضحكات و القهقهات هنا وهناك ..
_ ( نونو!.. ياللهول..أنا نونو!)...قلت أحدث نفسي حانقة مغتاظة..
وعلى الفور مزّقت كلماتها مسامي ، لتتبخر منها حمم غلياني. فتلبدت سمائي بغيوم الغضب ، وتهاوت قطرات العرق لتهمر الوجه والجسد..قذفت ما في يدي من كوؤس عصير الضيافة نحو أدنى يد تناولتها مني ، وقصدت حجرتي غاضبة ، جريحة بكبريائي ممن وصفتني بالنونو..الصغيرة ، وأمام جيش من الموجودين..
لكن سرعان ما هدأت ثورتي بعد أن شرحت لي أمي صدري ، وأقنعتني بأنها دعابة من حماتي قصدت من وراءها التودد لي ولم تكن غايتها الإقلال من شأني..
تزوجت وتوجهت للسكنى معها..وتأكد لي سداد خطواتها في مسيرة حياتها من متابعتي حبها لعملها ومراعاتها له ، وقد خسرته آسفة بعد ذلك بسبب الزيادة المفرطة في الوزن التي حدّت من خطاها للغاية.. فتقاعدت عن الوظيفة .
لكنها أبداً لم تكن تشعر بأن السمنة تشكل لها معضلة..!! ذلك لأنها ، ببساطة..تنتابها سلوكية طفل طوال الوقت نحو الحلوى بكل أنواعها... وتعشق التهام ال(شوكولا)!!
لن تتخيلوا أبداً درجة إدمانها لتلك الأطعمة الحافلة بالدهون والسكر!..فقد كانت الحلويات تشكل لها وجبات أساسية أحياناً كثيرة ...لكن الغريب في الأمر إنها لم تكترث أبداً للعواقب المترتبة في التمادي بتناول الدسم من الغذاء رغم ثقافتها العالية..لذلك كانت مراقبة حميتها مشكلتي أنا .. فالقلق على قلبها بات يؤرقني..
ولأنها قد أكرمتني للغايه..صرت أحبها بلاحدود..وأخشى تقهقرعافيتها ، وكأنها والدتي .
لذلك سرعان ما تحولت صورة الحَموات على صفحات ذاتي..ورحت أهرع اليها وأرتمي في أحضانها الدافئة لتصد عني مصائبي..فكم على كتفيها إنهالت دموعي ، وكم لجأت اليها حتى في ساعة غضبي من زوجي.
كانت خريطة القلب مقلقه وأرقام(الكوليسترول) في تقاريرها المخبرية عالية ، فقرع لنا أطباءها جرس الإنذار..
فصممت وبمشاركة زوجي بأن نقيد شهيتها بأصفاد الرصد الدقيق وحظر تناولها لما يُجهد قلبها المسكين, الذي بات مرهقاً في عمله الليل مع النهار مع هذا الجسد الجبار . ورحت أُخفي قطع الشوكولا وعلب المربى وكل انواع الحلوى حتى عن عيون ولدي الصغير..
لكنها.. وكما أبلغتكم.. تبدو كطفل متلهف يبحث تحت ثنايا الأرض سعياً وراء ضالته المنشودة !.
اكتشفت يوماً ، وبالصدفة ، إنها تمتلك كشكاً للحلوى وأتباعها في خزانة ملابسها ..بعد ان عثرت على قطعة من السكاكر بين أصابع طفلي . كان قد ابتاعها من جدتهِ ، بعد أن دفع لها الثمن.. قبلة حارة طبعتها على خدهِ !!
خاطبها زوجي بأسلوب غاضب..وراح ينذرها ويحذرها ويصف لها شبح الموت..وصور لها كيف تغلق الأملاح مجرى المياه في الماسورة تدريجياً..وعلى غرارها ستقفل الشحوم مسالك الدم نحو القلب ليغفو بعدها غفوته الأبدية..
لكنها كعادتها ، تبتسم..وتداعب..وتتغامز..وتقسم يمين الوعد..وحينما يهدأ ويرحل ، تلتقط من جيب ثوبها ما تلتهمه بسرعة دون أن ينتبه اليها أيّ منا..!!
كل الأصدقاء والأقارب يغرمون بروحها الجذلة..وكانوا في زياراتنا اليهم يحاولون إخفاء بعض الأطعمة عنها , لكنها تنتهز فرصتها كضيفة لتتخطى من خلالها شرائع الحصار المفروضة عليها..فتداعبهم قائلة:
(أين نصيبي أيها البخلاء)!
فتأكل ما ترغب وسط ضحكات الجميع.
توالت الأحداث على بغداد..حرب بعد حرب..رعب بعد آخر..وهاجر أهلنا وأقرب الناس إلينا..والخطر يحدق بنا من كل صوب وحدب..وحماتي تسخر وتهزأ وتضحك بفرح يمدنا بالقوة والصبر..
الناس راحت تجمع من الغذاء تمويناً لها في الأزمات ..رز ..سكر وخبز و..و..ولكن حماتي تدّخر تمويناً خاصاً بها من الحلوى.. وبكل أنواعها المجففة والمعلبة والدسمة ..
ثم ألمّت بنا ضائقة رهيبة تهدد أمننا..نصحتنا هي بعدها بضرورة الإلتحاق بركب النازحين نحو الحدود..فصحتُ قبل أن ينطق زوجي:
(لن أتخلى عنكِ أبدا" يا أمي.. ولن أترككِ وحيدة) ..
ثم...ثم...ثم..
إنني أقف الآن أمام ضريح حماتي ، وبيدي شمعة ، أوقدها لها منذ عامين..(بعد أن توقف قلبها في ليلة ربيعية باسمة) . وسأستمر في زيارتها ما حييت . يقف الى جانبي زوجي وولدي الذي وضع للتوعلى قبر جدته قطعة شوكولا..لأنها تحبها كثيراً..فستأكلها وستبتسم لنا ..
ولايزال الناس يدعونني(نونو)..
====================



#عامر_رمزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لست أعلم غايتي
- حب وأستقالة
- (مجنونه لكني احبها)
- أصابع خفيّه
- (قنطرة العجب)
- عاشق ودخان
- توائم الحمار
- تعوذة النحس
- قصيدة (تعويذة النحس)
- أنا العراب


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر رمزي - قصة قصيرة(أنا وحماتي)