أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزاوي محمد - ليوناردو دافنتشي ونظرية التصوير. فن الرسم أكثر المعارف دقّة وأسمى الفنون دوقا.















المزيد.....


ليوناردو دافنتشي ونظرية التصوير. فن الرسم أكثر المعارف دقّة وأسمى الفنون دوقا.


مزاوي محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2372 - 2008 / 8 / 13 - 04:20
المحور: الادب والفن
    


في أوائـل القرن الخامس عشر شهدت إمارة تسكانية وعاصمتها فلورنسا والمدن المجاورة بشمال إيطاليا إنجازات كبيرة في المعمار والرسم والنحت، ليـس لها مثيل في أي واحدة من الحضارات السابقة. وفي النصف الثاني من هذا القرن بزغ فنان جـمع في فنونه بين الحساب، الهندسة، البصريات وتوظيف الألـــوان، بالإضافة إلى الإطلاع على المبادئ الأساسية للفكر الفلسفي.
لقد استفاد ليوناردو دافنتشي (1452- 1519)léonardo davinci وباقي فناني عصره في إيطاليا، من المحاولات التي سبقـتهم أمثال، دوشيو وجيوتو،Duccio Di Buoninsegna1255-1316; Giottodi Bondone 1266-1337 ، حيث استفاد الأول من فن النحت، فحاول التعبير عن خدعة العمق بواسطة تأليف الألوان، اعتمادا على فضاء ذي الأبعاد الثلاثة، كما استفاد أيضا من التلاقح والتفاعل اللذان حصلا بين المعارف العلمية والفعل الفني ويظهر ذلك من خلال استفادته من كتب بلانكي في البصريات، سيرا على النهج الكلاسيكي الهيتمي، وكذا الحوار والنقاش الذي دار حول بناء كاتدرائية ميلانــو التي وضع أساسها سنة 1368 والتي جرى حول بنائها نقاشات وسجــلات بين المهندسين والفنانين والنحات، حيث تم فيها دمج الفنون والعلوم في عملية البناء قصد تشيد إبداعات في المعمار والنحت والرسم، وذلك من خلال توفير "سبل التعبير عن الأبعاد والمسافات والعمق ونسب التجاور بين المواضيع المعبر عنها، كما توفر شروط الجمال المتمثل في تماثل النسب والتناغم بين العناصر لكي تكون وحدة منسجمة".
بالإضافة إلى ما أسلفنا ذكره، وفي سياق المباراة التي نظمتها سلطات فلورنسا من أجل بناء قبة كنيسة سانتا ماريا ذي فيوري التي تنافس حول بنائها فيليبو برونشي و لورينزو كيبيرتي، إذ نال تصميم الأول إعجاب المجلس المسؤول وعين الثاني شريكا له في إنجاز المشروع عمليا، وذلك حوالي سنة 1420.
هكذا إذن تتضح لنا القيمة التي أصبحت تعطى للفنون في المعمار والتي - بلا شك- كان لها الأثر البليغ على تلك الطفرة التي عرفتها أوربا، بل يمكن أن نظيف إلى ذلك أن ليوناردو دافنتشي ولوقا باتشولي ، بدورهم ساهموا في إعطاء أراء معمارية حول بناء قبة كاتدرائية ألدومو بفلورنسا.
وعموما؛ فإن هذا التقليد الذي تحدثنا عنه في الإبداع الفني انتقل من جيل إلى جيل؛ من جيل ألبريتي إلى جيل بيرو دلا فرانشيسكا، ثم جيل ليوناردو دافنتشي ورفيال، وألبرشت دورر، إذ صارت كل هذه الأجيال على التقليد الذي أرساه برونلشيFilippo Brunelleschi وماساشيو Tommaso Masaccio وماسولينوMasolino da Panicale ولوكا دلا روبيا Luca della Robbia عمليا، وأرساه ألبرتيRafael Alberti نظريا، وطوروه إلى درجة من الدقة أصبح الفعل الفني يوصف بأنه علم.
لقـد استفاد ليوناردو ليس فقط من التكوين الرياضي والهندسي والفلسفي، بل أيضا من تجارب الفنانين السابقين عليه، فهو برى كسابقيـــه أن "أولائك الذيــن يعشقــون الممارسة بدون علم مثل البحار الذي يدخــل إلى السفينــة بدون مقود ولا بوصلة فلا يستطيع التأكد من الجهة التي بسير نحوها" .
لقد أعتبر ليوناردو دافنتشي رغم الإرهاصات التي سبقته والإبداعات التي تلته، رائدا من بين أهم رواد النهضة الإيطالية في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، وبداية القرن السادس عشر. وهذا ما سنقف عليه من خلال القراءة التي سنقوم بها لكتابه الأكثر ذيـــوعا وانتشارا « TRATTATO DELLE PICTURA » وذلك من خلال الترجمة التي قام بها الفنان عادل السيوي الذي اعتمد على العديد من مخطوطاته التي يوجد أكثرها بإيطاليا، حيث ترجم الكتب تحت عنوان "نظرية التصوير"، هذا النص الذي كتبه ليوناردو بيده اليسرى معكوسا لا يقرأ إلا بمرآة، يعتبر كتابا من بين الكتب الثلاث التي كان ليوناردو بصدد تأليفها وهي: كتاب التصوير وكتاب الميكانيكا وكتاب التشريح، كما أجمع على ذلك الباحثون في مخطوطاته الأصلية، ومن ذلك يمكن استخلاص موسوعية داقنتشي.
يمكن إذا ما شئنا تحديد تاريخ انتهاء دافنتشي من تأليف الكتاب "نظرية التصوير" القول بأن سنة 1509 هي الأقرب إلى الصواب، وذلك بناء على بعض الإشارات التي احتفظ لنا بها التاريخ من شهادات بعض معاصريه.
1. علم التصوير وعلاقته بباقي المعارف
فإذا وقفنا على فصول الكتاب فإننا سنجده في الفصل الأول ينطلق من الإشكال التالي: هل التصوير علم؟ ليسترسل في محاججته منتصبا للدفاع عن أطروحته التي يقرّ فيها أن فن التصوير هو علم قائم بذاته، غير أن حداثته هي التي جعلته غريبا عن البيئة التي كانت تجهله إلى وقت قريب، وهو بذلك يعتبر أن العلم الأكثر جدوى هو الذي يمكن نشر نتائجه بسرعة ونجاعة كبيرين، وعلم التصوير أكثر انتشارا، فهو يقدم - من خلال انتقاله من وجوده بالقوة إلى وجوده بالفعل- يقينا يفوق ما تقدمه كل الحروف والكلمات، وحتى النغمات الموسيقية يتعذر عليها أن تفوق فن التصوير.
ويضيف ليوناردو دافنتشي وهو يدافع عن هذا العلم الجديد معتبرا إياه علما يختلف عن باقي العلوم الأخرى حتى تلك العلوم الدقيقة كالرياضيات، التي يمكن لتلميذ فيها – وفي فترة من فترات تكوينه- أن يتساوى مع أستاذه، هذا الأمر الذي لا يمكن حصوله في التصوير. لأن هذا الأخير عند ليوناردو علم لا يورث، فهو علم لا يمكن تلقينه إلاّ لمن جبل فطرة على إستعابه، كما أنه فلسفة أيضا، بدليل أنه إذا كان فن التصوير يتناول حركة الأجسام وتهيؤها للحركة في أفعالها، فإن الفلسفة بدورها تتعامل باهتمام واضح مع مسألة الحركة.
وحتى يعلي من قيمة التصوير كفن، بل وكعلم قائم بذاته قام بدراسة الحواس وترتيبها حسب درجة انخداعها في ممارستها لوظيفتها، ليصل إلى أن العين أقل انخداعا من باقي الحواس الأخرى مثل؛ حاسة السمع التي تأتي في الرتبة الثانية وتليها حاسة اللمس، ولأن التصوير لا يمكن استكشافه ومعرفة إنتاجه إلا بواسطة العين والإبصار بها، فإنه بذلك يكون الأكثر قدرة على تحقيق هدفه المنشود والأكثر قدرة أيضا على توصيل إنتاجه إلى أذهان الناس، وذلك إذا ما قارناه بالموسيقى والشعر والذين يعتمدان على حاسة السمع، غير أنه في مقام آخر يعتبر العين دائما تخدع خصوصا إذا ما إعتمدناها المصدر الوحيد لمعرفة مّا، فكيف وبعد هذا المديح في العين يقّر في نهاية الأمر بأنها تخدع دائما؟
ونحن نتابع خيوط الاستدلال التي يعتمدها دافنتشي، كثيرا ما نصادف لغة تهكمية وقدحية تحيلنا إلى شبيهاتها عند فيلسوف ألمانيا الكبير نتشه فريدريك في تهكمه على الضعفاء من أبناء البشر، ولنضرب على ذلك مثال؛ إذ وهو يدافع على أن الفنان أقدر على تصوير معركة دموية بالمقارنة مع الشاعر بقــوله؛ "فإن الشاعر سيجف لسانه عطشا، وسيعاني جسده الجوع والنعاس قبل أن يتمكن من أن يصف بكلماته ما يستطيع المصور الفنان أن يكشف عنه في لحظات". وفي حديث آخر نجد دافنتشي يعتبر أن ميلاد علم الفلك مرتبط جوهريا بوظائف الخطوط البصرية وخواص المنظور باعتبار المنظور ابن التصوير.
هكذا يدافع ليوناردو؛ غير مبال؛ معتبرا أن التصوير يحتل مكانة أسمى وأجل من الشعر، إذ أنه يخاطب أرقى الحواس وأدقها، (وإن كان يحط من شأن هذا المتعالي في فقرات أخرى من الكتاب). إن التصوير عند دافنتشي هو "علم قائم بذاته، غير أن إبعاده عن زمرة من العلوم راجع بالأساس إلى جهل الناس بحيثياته، وذلك نتيجة لعجز التصوير عن التعريف بذاته وأعراضه عن طريـــــق الكلمـــــــات " كما أنه (التصوير) يختلف عن النحت كون هذا الأخير يعتمد الجهـــد أكثر من العقـــل والعكس بالنسبة للفـنان، أي أنه يعتمد العقل أكثر من الجهد البدني. لقد جاء ليوناردو دافنتشي لبيان أن التصوير أكثر عبقرية من النحت معتمدا مجموعة من الأدلة نسوق من بينها ما يلي:
1- النحت يخضع للضوء الذي بسقط عليه من الخارج، فيما يحتوي التصوير في ذاته على منطق الضوء
2- النحت لا يتسع لتنوع الألوان عكس التصوير الذي يعتمد في بنائه على الجمع بين الألوان.
3- المنظور أكثر صدقا وامتدادا بالنسبة للرسام فيما يغيب بالنسبة للنحات.
4- يتعذر على النحات رسم أجساد شفافة أو مضيئة على العكس من المصور. لكن رغم كل ذلك فإنه يبين أيضا أن إنتاج النحات أكثر مقاومة للزمن من الفنان المصــور.
إن فن التصوير هو؛ فلسفة وشعر وعلم وموسيقى، وهو أسمى من كل ذلك، فهو يجمع بين كل هذه المعارف غير أنه يتجاوزها في كثير من الجوانب، كما أن طريقة دافنتشي في الكتابة طريقة استدلالية وإن كنا قد وقفنا في غير ما مرّة على تناقضات واضحة. إن الإبداع الذي يعتمد على الاستماع أو اللمس أو غيرها من الحواس دون حاسة البصر غير قادر على الوصول للأذهان بشكل أكثر واقعية، إذا ما قورن بلوحة فنية تصويرية تلخص كثيرا من الأفكار والأحداث والوقائع، إذ يمكن لغير الفنان أن يؤلف حولها مجلدات كثيرة دون أن تصل إلى المرتبة التي يصلها الفنان، غير أننا نسجل في الوقت نفسه كيف تجاهل دافنتشي أن الشاعر بدوره يمكن أن يكتب مجلدات حول واقعة ما، وعوضا من أن يعتمد على حاسة السمع في إيصالها إلى الأذهان يعتمد على العين وبالتالي النظر وهي نفس الحاسة التي يبجلها دافنتشي والتي يعتبرها من اختصاص الفنان وإن كانت القصيدة المكتوبة وسيلة انفتاح على المسموع المتخيل.
ما ينبغي الإشارة إليه في هذا المقام، هو أن ليوناردو دافنتشي أكثر من الاستطرادات غير أنه يمكن أن نجد له العذر إذا ما علمنا أنه يقعد لميلاد معرفة إبداعية جديدة لم نشهد مثيلاتها إلى في القرن الخامس عشر.
2- مبادئ فن الرسم عند دافنتشي
ففي هذا المحور نجد دافنتشي يتحدث عمّا يسمى بالمبادئ الأساسية لفن التصوير، فيلخصها في أربع: النقطة،الخط، السطح، الجسم. غير أنه في فقرات أخرى يعطي لهذه المبادئ تجليات أخرى؛ كمبدأ التساوي والتوازي والحساب والظل والمنظور وفقا لمسافة الاقتراب والابتعاد، كما أنه يحاول تقعيد فن التصوير كعلم خرج من عتمة العدم إلى نور الوجود، وذلك من خلال النصائح التي يقدمها للمصور الشاب المولع بالرسم.
وفي أول وصاياه يؤكد على ضرورة المنظور والإلمام بسبب وعلاقات الأشياء من خلال محاكاة الفنانين، كما يوصي بمحاكاة كل أشكال الطبيعة وذلك من خلال اعتماد الأضواء والظلال. لقد ذهب ليوناردو أبعد من ذلك عندما وقف في إحدى نصائحه على تلك العلاقة بين العين والمشاهدة ومسألة إدراك ذلك الشكل المشاهد، إذ لا يمكن أن يعي المرء هذا الشكل أو ذاك، إلا من خلال تدقيق الرؤية في كل جزء من أجزاءه لينتقل إلى باقي الأجزاء حتى يتسنى له إدراك كنه ذلك الشكل، إذ يعطي على ذلك مثال؛ مشاهدة صفحة كتاب غير أن إدراك محتواها لا يتم إلا بالانتقال من كلمة إلى أخرى.
كما يوصي أيضا الفنان بالوحدة والتفرد والاختلاء من أجل التفكير الذاتي في الموضوعات الفنية التي تشغله، حيث لا يقاسمه إياها أحد، غير أنه في الوقت الذي ينبغي عليه التصوير فإنه بفضل أن يندمج في الجماعة، لأن ذلك يحثه على الإبداع بشكل أفضل من غيره، إضافة إلى دعوته إلى ضرورة إبداع الفنان في مواضيع مختلفة وأشكال متنوعة، يبدو أيضا أن دافنتشي تحدث عن المناهج في تعليم الفنان قبل ديكارت نفسه إذ يقول: "يجب على المصور أن يمضي في دراسته وفق منهج" . بل إنه وفي إطار المنهج الديكارتي الذي لم يكن قد وجد بعد نجده يتحدث عن جمع تلك الأشياء البسيطة وتركيبها بشكل تكون فيه واضحة وضوحا ديكارتيا (الذهاب إلى الحقول والروابي وإلى باقي تنوعات الكائنات والطبيعة ثم تركيبها تركيبا ذهنيا جميلا وبسيطا) .
ولعل السر الكامن في تدوين دافنتشي لكتاباته بيده اليسرى معكوسة لا تقرأ إلا بمرآة راجع بالأساس إلى أنه يعتبر أن المصور يتشابه في عمله مع المرآة التي تكتسب العديد من الألوان، بقدر تنوع أشكال وألوان الأشياء الموضوعة قبالتها. فبالإضافة إلى ذلك فإن دافنتشي وبحكم التنافس الذي كان يعيشه الفنانين، لا يجد حرجا في انتقاد أولائك الفنانين الذين يكررون مواضيع اشتغالهم ويتعاملون مع مجموعة بسيطة ومحدودة من مناظر ريفية، وفي ذلك يتوجه بخطابه إلى زميله بوتشيلي الذي كان زميلا له في ورشة الفنان فيروكيو ANDREA Del Verrocchio .
إن ليوناردو الذي عاشا صراعا مريرا مع الكنيسة بحكم عقله المنفتح والذي حوصر على إثره بفلورنسا من طرف رجال الدّين، حتى إنهم اتهموه باللواط إلى جانب مجموعة من شباب إيطاليا، لا يجد حرجا عندما يعتبر علم التصوير؛ سموا إلاهيا، هذا السمو هو ما جعل عقل الفنان التصويري شبيها للعقل الإلهي، حيث أنه كان لا يقوم بأداء طقوسه الدينية كما كان يواصل الرسم حتى أيام الأحد، والأعياد. هذا ونسجل مع دافنتشي؛ رغم المحاولات التي سبقته في رسم الأشياء اعتمادا على ما تخزنه الذاكرة؛ تقعيدا لهذا المبدأ، حيث خصص مجموعة من شذرات كتابه إلى الطريقة المثلى لإيجاد تعلم الرسم اعتمادا على الذاكرة، وذلك وفقا لطريقة خاصة؛ إذ يسمح لك تكرار رسم نقس الشكل أو الشيء بالاعتماد على ما تخزنه الذاكرة رغم الأخطاء التي يفضل الوقوف فيها لتجاوزها في المرات الأخرى، مع التركيز على رسم الأشخاص أو الأجساد على موقع العين باعتباره أساس الاختلاف بين البشر.
إن القراءة الأولى لكتاب دافنتشي تجعل من القارئ يحكم على الكتاب في مجمله، باعتباره نصائح وتوجيهات عامّة للفنان المصور، غير أن القراءة الفاحصة التي تأخذ بعين الاعتبار الجانب التاريخي توضح أن الرجل كان يقعد لشيء جديد اسمه فن التصوير، ساهم مساهمة كبيرة في تطوير عدد كبير من المعارف والعلوم؛ مثل الفلك والجغرافيا والفيزياء...
إن الدور الإيجابي الذي لعبه الفن في فترة من فترات التاريخ (القرن 15)، ليس رهينا ومقتصرا على تلك الفترة، ولكنه ظل يقدم نفسه كمرتكز أساسي لبناء المعرفة الإنسانية، حيث يبدوا أن ما قدمه الفن في القرن الخامس عشر؛ هو ما تقدمه السينما اليوم ونخص بالذكر الخيال العلمي " Science fiction" ، الذي يقدم تكهنات لما يمكن أن يكون عليه العالم في المستقبل، نتيجة للتطور الدائم للمعرفة العلمية. إن كتاب دافنتشي "نظرية التصوير" بالإضافة إلى ما أسلفنا ذكره، فإنه يقدم الطرق التي كان دافنتشي يعتمدها في رسوماته، كتجنب توجيه الرأس في نفس اتجاه الصدر في رسم الأجساد، إذ كان يطبق ليوناردو هذه القاعدة في كل لوحاته.
لقد وقف ليوناردو مطولا على تفاصيل جزئية يعتبرها الطريق الأقوم لفن التصوير، كمراعاة الضوء الجانبي في رسم الأشخاص، وطريقة الشبكة التي توضع أمام الشكل المنتظر رسمه وتبسيط الأشكال والتدقيق فيها بتقسيمها إلى أجزاء، ثم تقسيم الأجزاء إلى أقسام وهكذا دواليك، إذ يقول؛ "قسم الرأس إلى اثني عشر جزء، ثم قسم كل جزء إلى اثني عشر وحدة، وكل وحدة إلى اثني عشر درجة".
كما يقسم علم التصوير إلى قسمين أساسين الأول؛ الشكل والثاني؛ اللون، وهو يدعوا كذلك إلى عدم الخلط بين أعضاء الأجساد وبين الفئات العمرية المختلفة، وحتى بين الحركات، حيث إن حركات الصغار تختلف عن نظيراتها لدى الكبار. وعموما فإنه وإن وقفنا في الفقرات السالفة عن تقسيم معين للفن فإنه في مواضيع أخرى يقسمه إلى أقسام تختلف عن سابقاتها بإضافة السطح والضوء والظل والاقتراب والبعد إلى اللون والشكل السالفي الذكر. بل يعتبرا أن للتصوير أقسام أخرى كالبروز الذي يعتمد بدوره على المنظور بعناصره الثلاث، (التصغير في الحجم، درجة الموضوع وخفوت اللون)، ثم الأفعال والأحداث المشتقة من الأجسام.
كما أسهب في الحديث عن انعكاسات الضوء، معتبرا أنها تكون أكثر وضوحا عندما تشاهد في مجال معتم بينما يصعب إدراكها عندما يكون المجال أكثر ضوء وإشراقا، كما يقسم الانعكاس إلى انعكاس بسيط وآخر مزدوج. إن ليوناردو دافنتشي ومن خلال دراسته لانعكاس الضوء يتضح إلى أي حد كان الرجل عارفا بالبصريات ومطلعا على الإنجازات الهيثمية التي وصلته عن طريق الترجمة، والانتقال المعرفي إلى أوروبا الغربية خلال القرن الثالث عشر، وبذلك نسجل التلاقح والتفاعل الذين حصلا ويحصلا والمساهمين في تطوير المعارف الإنسانية، كما تحدث بشكل مطول عن الألوان وعلاقاتها بالظلال ومزجها مع بعضها معتبرا أن الأبيض ليس بلون، بل إن باقي الألوان تحتويه، كما تحدث عن علاقة اللون بالشكل المصور وعلاقته بالعين، وكذا الوسط بين العين واللون أو الشكل، حيث أضاف إلى المنظور المعروف في تلك الحقبة من التاريخ، المنظور الهوائي باعتباره تلك التباينات والتغيرات في كثافة الهواء التي تمكن من التعرف على المسافــات المختلفة التي تفصل المباني عن بعضها البعض.
ما ينبغي الإشارة إليه في هذا المقام هـــو أن دافنتشي وإن كان يجمل الحديث عن التصوير في شكل نصائح وتجارب ذاتية، غير أنه في الوقت نفسه يتطرق إلى مواضيع ومفاهيم فلسفية كانت محط جدل ونقاش في أوربا خلال تلك الفترة الحاسمة من تاريخها، كمفهوم الجمال، والقبح، والمنظور، وحتى العلوم التي كانت تعيش نقـلة جوهرية مثل الفلك، الرياضيات والبصريات...



#مزاوي_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة -حي بن يقضان-؛ مظاهر التفكير العلمي
- علم الموازين عند العرب -الحازني نموذجا-
- الحاجة إلى نتشه
- إبستومولوجيا باشلار في مواجهة الفلسفة


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزاوي محمد - ليوناردو دافنتشي ونظرية التصوير. فن الرسم أكثر المعارف دقّة وأسمى الفنون دوقا.