|
نعوم تشومسكي: عن الأناركية، الماركسية، وآمال المستقبل (4) و الأخيرة
محمد عبد القادر الفار
كاتب
(Mohammad Abdel Qader Alfar)
الحوار المتمدن-العدد: 2372 - 2008 / 8 / 13 - 11:13
المحور:
مقابلات و حوارات
نعوم تشومسكي معروف على نطاق واسع بانتقاده للسياسة الخارجية الأمريكية، وكذلك بعمله كعالم لغويات ولسانيات، وهو معروف على نطاق أضيق بتأييده المستمر لأهداف الاشتراكيين الليبرتاريين libertarian socialists. وفي مقابلة خاصة مع مجلةRed and Black Revolution ، يقدم تشومسكي آراءه عن الأناركية وعن الماركسية، وخيارات الاشتراكية وفرصها اليوم. وقد أجرى معه هذه المقابلة في مايو 1995 الكاتب كيفن دويل Kevin Doyle . ....
(متابعة) - المستقبل -
س : قبل أن ننتهي، أود أن أسألك باختصار عن بعض شؤون اليسار الحالية. لا أعلم إذا كان الوضع في الولايات المتحدة مماثلاً، ولكن هنا (في إيرلندا) بسقوط الاتحاد السوفييتي، حل باليسار انهيار في المعنويات. ليس لأن الناس كانوا مؤيدين ومحبين لما كان موجوداً في الاتحاد السوفييتي، بل هو بالأحرى شعور عام بأنه بزوال الاتحاد السوفييتي، فإن فكرة الاشتراكية أيضاً قد سقطت. هل مررت بهذا النوع من ضعف المعنويات؟ وما هي ردة فعلك عليه؟
**تشومسكي : إن ردة فعلي على نهاية الطغيان السوفييتي كانت مشابهة لردة فعلي على هزيمة هتلر وموسوليني. فكل تلك الحالات، انتصار للروح الإنسانية. وكان ينبغي أن يحظى ذلك بترحيب الاشتراكيين تحديداً، لأن عدواً كبيراً للاشتراكية قد سقط أخيراً. وقد عجبت مثلك عندما رأيت كيف أن الناس -ومن ضمنهم أولئك الذين كانوا يعتبرون أنفسهم معادين للستالينية ومعادين لللينينية- قد انهارت معنوياتهم بسقوط الاستبداد. وهذا ما يكشف أن التزامهم باللينينية كان أكثر مما ظنوا. لكن هناك على أية حال، أسباب أخرى تدعو للقلق من زوال ذلك النظام الاستبدادي والوحشي، والذي كان ”اشتراكياً” بقدر ما كان “ديمقراطياً” (تذكر أنه كان يدعي الأمرين (الاشتراكية والديمقراطية) وأن ادعاءه للأخيرة كان يتم تسخيفه في الغرب، بينما كان الغرب يتقبل بحماسة اتصاف الاتحاد السوفييتي بالصفة الأولى (الاشتراكية)، كسلاح ضد الاشتراكية- وهو أحد النماذج الكثيرة على خدمة المثقفين الغربيين للسلطة). أحد الأسباب التي تدعو إلى القلق يتعلق بطبيعة الحرب الباردة. ومن وجهة نظري، فقد كانت تلك الحرب مقياساً مهماً “لصراع الشمال والجنوب” وهو المصطلح “الملطف” الذي يستخدم اليوم للتعبير عن احتلال أوروبا لمعظم العالم. لقد كانت أوروبا الشرقية هي “العالم الثالث” الحقيقي، والحرب الباردة الدائرة منذ 1917 لا يمكن تشبيهها ولا إلى درجة خفيفة بمحاولات أجزاء أخرى من العالم الثالث في مسار سعيها إلى تحقيق استقلالها، مع أن اختلاف الموازين في هذه الحالة قد أعطى الصراع طبيعة خاصة. لهذا السبب، فلم يكن من المنطقي أن نتوقع غير عودة هذه المنطقة وبشكل كبير إلى وضعها السابق: فالأجزاء الغربية منها، مثل جمهورية التشيك أو بولندا الغربية، سيتوقع أن تعود إلى الغرب، بينما تتراجع الأخرى إلى دورها الخدمي التقليدي لتصبح “النومنكلاتورا” السابقة (النومنكلاتورا: الطبقة البيروقراطية الحاكمة في دول الكتلة الشرقية ، المترجم) هي نخبة العالم الثالث (وذلك بموافقة قوة الدول الغربية والتي بشكل عام تفضلها على غيرها). وذلك لم يكن مشهداً جيداً، وقد أدى إلى معاناة هائلة. سبب آخر للقلق يتعلق بالردع وعدم الانحياز. فالإمبراطورية السوفييتية على شذوذها، قد أعطت بوجودها مجالاً لعدم الانحياز، وقامت لأسباب تعدو للسخرية بتقديم العون لضحايا الهجمة الغربية. هذه الخيارات قد ذهبت الآن، والجنوب يعاني من نتائج ذلك. سبب ثالث يدعو إلى القلق يتعلق بما تسميه صحافة رجال الأعمال ب”العمال الغربيين المدللين بمعيشتهم المترفة”. وبعودة معظم أوروبا الشرقية إلى القطيع، فقد أصبح لأصحاب الأعمال والمدراء أسلحة جديدة فعالة ضد الطبقات العاملة والفقراء الذين في بيوتهم. وجينيرال متورز وفولكس فاجن ليس بمقدورهم فقط أن ينقلوا الإنتاج إلى المكسيك والبرازيل، (أو على الأقل أن يهددوا بذلك، والذي يفضي غالباً إلى الشيء نفسه)، بل إلى بولندا وهنجاريا أيضاً، حيث يمكنهم أن يجدوا العمال الماهرين والمدربين وبتكلفة اقل بكثير. وهم مبتهجون بذلك بالطبع، بالنظر إلى القيم الموجهة لهم. يمكننا أن نتعلم الكثير عن حقيقة ما كانت الحرب الباردة (أو أي صراع آخر) تدور حوله بالنظر إلى من فرح ومن أصبح تعيساً عند نهايتها. ووفق هذا المقياس، فإن المنتصرين في الحرب الباردة يشملون النخب الغربية والنومنكلاتورا السابقة، التي اصبحت غنية اليوم بأكثر مما كانت تحلم به، أما الخاسرون فيشملون جزءاً أساسياً من سكان الشرق ومعهم العمال والفقراء في الغرب، وكذلك القطاعات الشعبية في الجنوب التي كانت سعت إلى الاستقلال. إن هذه الأفكار توشك على إثارة المثقفين الغربيين إلى حد الهستيريا، هذا عندما تمكنهم ملاحظتها، وهو ما يندر حدوثه. إن ذلك سهل الإظهار. وهو كذلك مفهوم، والملاحظات صحيحة، ومدمرة للقوة والميزات، وبالتالي تؤدي إلى الهستيريا. وبشكل عام، فإن ردود أفعال إنسان مخلص على نهاية الحرب الباردة ستكون أكثر تعقيداً من مجرد الابتهاج بسقوط نظام استبدادي وحشي، وأغلب ردود الأفعال السائدة يغمرها قدر هائل من النفاق، في رأيي. - الرأسمالية - س : من نواح كثيرة، يجد اليسار نفسه اليوم قد عاد إلى نفس النقطة التي بدأ منها في القرن الماضي. ويواجه الآن، كما في ذلك الوقت، شكلاً مهيمناً من الرأسمالية. ويبدو أن هنالك “إجماعاً” اليوم، وأكثر من أي وقت مضى على مر التاريخ، على أن الرأسمالية هي الشكل الصحيح الوحيد للتنظيم الاقتصادي الممكن، على الرغم من أن التباين في توزيع الثروة يتسع. في مواجهة هذه الخلفية، قد يجادل المرء أن اليسار ليس واثقاً بشأن كيفية المضي قدماً. كيف ترى الفترة الحالية؟ هل هي مسألة “عودة إلى الأساسيات”؟ هل ينبغي توجيه الجهود الآن نحو إبراز الوجه التحرري للاشتراكية والتأكيد على الأفكار الديمقراطية؟ ** تشومسكي : هذه في معظمها بروبجندا، في رأيي. فما يطلق عليه “رأسمالية” هو في الأساس نظام من الشراكة الميركانتيلية corporate mercantilism، مع استبداديات خاصة ضخمة غير مبررة تمارس سيطرة هائلة على الاقتصاد، والأنظمة السياسية، والحياة الاجتماعية والثقافية، وهي تعمل بتعاون كبير مع دول قوية تتدخل بقوة في الاقتصاد المحلي والمجتمع الدولي. وذلك صحيح للغاية بالنسبة للولايات المتحدة، خلافاً للأوهام الكثيرة. والأغنياء وأصحاب الامتيازات كما في الماضي لا يريدون أن يواجهوا انضباطاً في السوق، ومع ذلك يعتبرون هذا جيداً لعموم الناس. وللاستشهاد ببعض النماذج، فإن إدارة ريغن، التي رقصت على نغمة السوق الحر، كانت تتباهى أما مجتمع رجال الأعمال أيضاً بأنه سيكون الأكثر حماية في تاريخ الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة- في الواقع أكثر حماية من جميع الآخرين مجتمعين. نيوت جنجريتش، الذي يقود الحملة الصليبية الحالية، يمثل مقاطعة هائلة الثراء تتلقى إعانات مالية فدرالية أكثر من أي ضاحية أخرى في البلاد، خارج النظام الفدرالي نفسه. و “المحافظون” الذين يطالبون بإلغاء وجبات الغداء المدرسية للأطفال الجائعين يطالبون أيضاً بزيادة في ميزانية البنتاغون، الذي تأسس في أواخر الاربعينيات بشكله الحالي لسبب – كان إعلام رجال الأعمال لطيفاً بما يكفي لإخبارنا به- هو أن صناعة التكنولوجيا العالية لا يمكنها البقاء في ظل اقتصاد “نقي”، “تنافسي”، “غير ممول”، “حر”، والحكومة يجب أن تكون “المخلص” لها. وبدون هذا “المخلص”، فإن ناخبي جينجرتش قد يصبحون من الفقراء العاملين (هذا إذا أسعفهم الحظ لذلك). أي لن يكون هناك كمبيوترات ولا إلكترونيات ولا صناعة طيران ولا تعدين ولا أتمتة ، إلخ ، إلخ إن الأناركيين – أكثر من كل الناس – يجب ألا تمر عليهم هذه الأكاذيب التقليدية. إن أفكار الاشتراكيين التحرريين هي مألوفة اليوم أكثر من أي وقت مضى، والناس منفتحة عليها بشكل كبير. وبالرغم من القدر الهائل من البروبجندا المنظمة، خارج الدوائر المتعلمة، فإن الناس لا زالت محتفظة إلى حد كبير بمواقفها الشعبية. في الولايات المتحدة مثلاً، يعتبر أكثر من 80% من السكان أن النظام الاقتصادي “ظالم كلياً” ويعتبرون النظام السياسي محتالاً، يخدم “المصالح الخاصة”، لا الناس. والغالبية العظمى تعتقد أن العاملين لهم صوت ضعيف جداً في الشؤون العامة (والوضع نفسه ينطبق على إنجلترا)، وأن على الحكومة مسؤولية دعم المحتاجين من الناس، وأن الإنفاق على التعليم والصحة يجب أن تكون له الأولوية على الاقتطاعات من الميزانية و اقتطاعات الضرائب، وأن المقترحات الجمهورية الحالية في الكونغرس تخدم الأغنياء وتضر الفقراء، إلى غير ذلك. وربما يروي المثقفون قصة أخرى، لكنه ليس من الصعب أبداً أن تجد الحقائق. س : إلى حد معين، تمت البرهنة على صحة الأفكار الأناركية بسقوط الاتحاد السوفييتي – فقد تم إثبات صحة تنبؤات باكونين. فهل تعتقد أن على الأناركيين أن يتشجعوا بهذا التطور العام وببعد نظر تحليل باكونين؟ هل على الأناركيين أن ينظروا إلى الفترة القادمة بثقة أكبر في أفكارهم وتاريخهم؟ ** تشومسكي : أعتقد – أو على الأقل أتمنى – أن تكون الإجابة على ذلك متضمنة في كلامك. أعتقد أن الفترة الحالية فيها نذر شؤم و إشارات آمال كبيرة في نفس الوقت. أما النتيجة فتعتمد على مدى استفادتنا من الفرص المتاحة. - تمت -
ترجمها إلى العربية : محمد عبد القادر الفار
النص الأصلي http://flag.blackened.net/revolt/rbr/noamrbr2.html
#محمد_عبد_القادر_الفار (هاشتاغ)
Mohammad_Abdel_Qader_Alfar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نعوم تشومسكي: عن الأناركية، الماركسية، وآمال المستقبل (3)
-
نعوم تشومسكي: عن الأناركية، الماركسية، وآمال المستقبل (2)
-
نعوم تشومسكي: عن الأناركية، الماركسية، وآمال المستقبل (1)
-
ماذا لو لم تمر تلك الكذبة
-
ما هو الحب
-
لا مساومة على اللاعنف
-
كروبوتكين : عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك
-
اللاعنف في العقائد الأسيوية
-
ما الذي تريده من الحياة ؟
-
سلمى (4) ... قداسة
-
السجون : جريمة وفشل اجتماعيان (4)
-
السجون : جريمة وفشل اجتماعيان (3)
-
السجون : جريمة وفشل اجتماعيان (2)
-
سلمى (3) ... شفاعة
-
كروبوتكين .. وأفكاره الفدرالية (4)
-
حول الخادمات في الأردن
-
السجون : جريمة وفشل اجتماعيان (1)
-
كروبوتكين .. وأفكاره الفدرالية (3)
-
سلمى (2) ... في أسباب النزول
-
كروبوتكين .. وأفكاره الفدرالية (2)
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|