تكتيك عبد الكريم قاسم ضد نفسه .. 7

جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 2370 - 2008 / 8 / 11 - 10:46
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

قدم داود الصائغ طلب تأسيس " حزب شيوعي " إلى وزارة الداخلية في 9 – 1 – 1960 بتوقيع عشرة أشخاص معه هم :
(1) سليم شاهين
(2) ابراهيم عبد الحسين
(3) جميل العلوي
(4) زكية ناصر
(5) كاظم الشاوي
(6) سالمة جاسم
(7) عجاج خلف
(8) عبد محسن
(9) كاظم محمد
(10) جاسم محمد
يلاحظ من هذه الأسماء جميعها أنها غير معروفة لا في نشاطها السياسي ولا في عطائها الثقافي . لم يكونوا نتيجة ذلك سوى أسماء مجردة حتم وجودها قانون الجمعيات نفسه ونزعة داود الصائغ للحصول على الإجازة ونتيجة الميل الطبيعي لوزارة الداخلية وعبد الكريم قاسم لإيجاد حزب شيوعي علني منافس للحزب الشيوعي العراقي إن لم يكن بديلا حسب تفكيرهم .
كان واضحا لبعض المطلعين ان بعض الموقعين على طلب الهيئة التأسيسية لحزب الصائغ هم من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي دفعهم الحزب للمشاركة في التوقيع لسبب تخطيطي معين في ذهن اللجنة المركزية كما يبدو . ربما يكون لهذه الخطوة محاسنها في لحظة من اللحظات القادمة او في موقف من المواقف القادمة حسب تقدير اللجنة المركزية .
لا ادري لماذا اندفعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي نحو تقديم هذا الشكل من أشكال ( الدعم السري ) لطلب داود الصائغ الذي لم يستطع تجميع عشرة أعضاء مؤسسين إلا بواسطة " زج " بعض أعضاء الحزب الشيوعي على لائحة الصائغ في وقت كان فيه بعض أعضاء اللجنة المركزية وغالبية الكادر يعرفون حق المعرفة أن وجود طلب حزب الصائغ منافسا " رسميا " لطلب الحزب الشيوعي كان ينطوي على خطر حقيقي ينذر بمحاولة عبد الكريم قاسم إيجاد " عكازة " لرفض طلب زكي خير ي ورفاقه . لكن يبدو أن هذا البعض لم يكن يعتقد أن عبد الكريم كان خلال الفترة بين 9 – 1 – 1960 و9 – 2 1960 يريد ان يمارس نوعا من خطوات ترويض قيادة الحزب الشيوعي باعتباره هو القادر على اتخاذ قرار " الإجازة " حتى بوجود قانون الجمعيات قيد التطبيق .
كلما ضعفت القدرة " القانونية " لطلب جماعة داود الصائغ المفتعل كلما وجدنا قيادة الحزب الشيوعي الأصيل تبادر إلى سد الثغرات سريعا فما أن قدمت بعض عناصر الهيئة المؤسسة لحزب داود الصائغ استقالتها من التأسيس في رسالة موجهة إلى وزارة الداخلية حتى وجدنا مبادرة جديدة من قيادة الحزب الشيوعي العراقي بدفع بعض أعضائه ليكونوا بدلاء عن المستقيلين من هيئة تأسيس حزب الصائغ .
كان الكثير من الشيوعيين وأصدقائهم يعرفون أن وجود حزب الصائغ علنيا ، ولو شكليا ، يضر بوجود الحزب الشيوعي ومحاولة ظهوره بالصفة الرسمية بموجب قانون الجمعيات . لذلك كانوا يتساءلون لماذا هذا " التكتيك " الذي تمارسه اللجنة المركزية .. هل هو خطوة اختبارية معينة أم هي حسابات سياسية – قانونية سريعة ..؟ ربما كانت هذه الخطوة تخلو من تحديد النتائج أو أنها لم تكن مدروسة بدرجة من العمق في وقت كان فيه عبد الكريم قاسم ووزارة الداخلية يسعيان من اجل إلحاق الضرر الفعلي المباشر بالوجود العلني للحزب الشيوعي العراقي .
خلال شهر كانون الثاني 1960 كله كانت هناك رغبة ومطالبات محدودة من قواعد حزبية ومن أصدقاء الحزب لمعرفة حقيقة النتائج المتعلقة بهذا الموضوع خاصة وان الجماهير المؤمنة بالديمقراطية كانت منحازة إلى جانب طلب زكي خيري ورفاقه وكانت تستهجن طلب داود الصائغ أصلا . هكذا ظل تساؤل حزبيين وكثيرا من أصدقاء الحزب عما يكمن وراء فرضيات اللجنة المركزية حول هذا المشروع ومسوغاته الفنية في وقت كان لا يوجد فيه أي التباس أن وزارة الداخلية وعبد الكريم قاسم سيعيقان طلب زكي خير ورفاقه وسيمنحان الإجازة لداود الصائغ رغم علمهما بشكلياته .
كان من البديهي أن تظهر الكثير من الآراء حول وجود طلبين متنافسين للحصول على إجازة العمل العلني . يمكن الإشارة إلى أهم تلك الآراء كما يلي :
(1) نتيجة جدل متواصل بين أعضاء الهيئة التأسيسية لحزب داود الصائغ ظهرت داخلها آراء تدعو الصائغ للدخول بمفاوضات مع جماعة زكي خيري للتقدم بطلب موحد أو توحيد الطلبين المقدمين إلى وزارة الداخلية .
(2) كما تمنى بعض أعضاء الحزب الشيوعي أن يصار هدف وتكتيك اللجنة المركزية إلى البحث عن الطريقة التي يتخلص بها زكي خيري ورفاقه من مساوئ وجود طلبين متنافسين .
(3) في النطاق العربي ظهرت اشارات من سورية تقول ان خالد بكداش يتمنى ويرغب بتوحيد الطلبين .
(4) داخل الحزب الشيوعي السوفييتي وجد الرفاق السوفييت ضرورة ملحة لإيجاد حالة الاتساق بين طلب الحزب الشيوعي العراقي وطلب جماعة داود الصائغ ، أو ضم اسم داود الصائغ إلى طلب زكي خيري ورفاقه . كان هدف الرأي السوفييتي هو عدم فقدان ثقة عبد الكريم قاسم وعدم دفعه نحو الانحياز التام إلى داود الصائغ .
(5) إلى جانب هذا وذاك انتشرت الكثير من الآراء اليمينية واليسارية حول هذه القضية .
غير أن المعلومات والحقائق المتعلقة بموقف الهدف المزدوج من تقديم طلب زكي خيري ورفاقه والدعم السري لطلب داود الصائغ حينما يواجه مأزقا ما من المآزق بما يتعلق بوضعية هيئته المؤسسة . هذه المعلومات والحقائق ظلت غير معروفة حتى الآن إلا من خلال بعض ما تسرب من أقوال بعض العارفين .
يقال مثلا ان الضغط المتواصل على داود الصائغ من داخل هيئته المؤسسة لمفاوضة زكي خيري ورفاقه اجبره على القبول بهذه الفكرة كما أن الضغط السوفييتي على اللجنة المركزية لمفاوضة داود الصائغ اجبرها على تنظيم جلستين مشتركتين بين بعض مقدمي الطلبين لمفاوضات كانت في جوهرها شكلية كما اعتقد .
لا بد من الاعتراف بان معلوماتي قاصرة عن كتابة المسائل المطروحة حول التعارض القائم بين جميع ذوي العلاقة . ومن المؤكد أن اغلب المعلومات حولها غير مدونة بوثائق حزبية . كما خلت اغلب مذكرات القادة الشيوعيين العراقيين من التطرق إليها ما عدا بهاء الدين نوري الذي أشار في بضعة سطور إلى جزء منها في مذكراته سآتي على الإشارة عنها لاحقا وكنت قد حصلت على معلومات أخرى من أنور طه البصري الذي كان على صلة مباشرة بحزب داود الصائغ بعد إجازته .
قيل بوقته أن " المفاوضات " بين أصحاب الطلبين كانت متباعدة جدا إذ أصر زكي خيري ورفاقه على ضرورة سحب طلب داود الصائغ كأساس للاتفاق بينما أصر داود الصائغ وجماعته على " مفاوضات الند للند " خاصة أن داود الصائغ كان مغترا بوقوف أجهزة عبد الكريم قاسم إلى جانبه .
غالبية أعضاء الهيئة المؤسسة لحزب داود الصائغ وجدوا موقفا آخر كان غايته الأولى هو إعاقة نجاح الصائغ في الحصول على إجازة حزبه وتفكيك طلبه من الناحية القانونية . وذلك عن طريق إصدار بيان خاص باستقالتهم من الهيئة المؤيدة للتأسيس وقد جاء فيها
( بعد أن فكرنا مليا في المشكلة التي نشأت من تقديمنا طلبنا بتأسيس حزب شيوعي وحرصا منا على وحدة الحركة العمالية وعلى عدم إيجاد عراقيل أمام تطور النهج الديمقراطي لجمهوريتنا وحيث أن مبادئ الماركسية اللينينية لا تبيح أية محاولة لشق وحدة الحزب مهما كانت الذرائع وحيث أننا لا ننكر واقع أن الشيوعيين العراقيين قد منحوا ثقتهم للهيئة المؤسسة التي يترأسها السيد زكي خيري فقد قررنا المبادرة إلى سحب الطلب الذي قدمناه إلى وزارة الداخلية مع السيد داود الصائغ والابتعاد عن كل عمل من شانه التأثير على وحدة الحركة العمالية مما يستفيد منه الاستعمار والرجعية .
وعلى الرغم من أننا لا نزال محتفظين ببعض آرائنا ووجهات نظرنا إلا أننا قد أدركنا بان اللجوء إلى أية محاولة انشقاقية كتقديم طلب ثان بتأليف حزب شيوعي هو طريق خاطئ ولا يحل أية مشكلة بل هو طريق يعيد المشاكل والإضرار بالحزب والحركة الوطنية .
إننا نناشد السيد داود الصائغ وإخواننا الثلاثة الآخرين أعضاء هيئتنا المؤسسة الذين لم يوقعوا على هذا البيان وكذلك ندعو مؤيدي طلبنا بان يحذو حذونا في الابتعاد عن العمل الخاطئ والرجوع إلى الطريق الصائب طريق الماركسية اللينينية لخدمة الحزب الشيوعي والحركة الوطنية ولخدمة الشعب والجمهورية الخالدة .
نرجو من وزارة الداخلية المحترمة أن تعتبر بياننا هذا بمثابة قرار من الهيئة المؤسسة التي اشتركنا فيها بطلب تأسيس الحزب الشيوعي العراقي بشكله العلني لغرض سحب طلبنا المشار إليه واعتباره ملغيا وفقا للقانون وللنظام الداخلي الذي رافقناه بالطلب بصفتنا نكون أكثرية الهيئة المؤسسة .
التواقيع :
(1) عيسى احمد العزاوي – مهندس ميكانيكي
(2) فرج محمود – موظف بمصرف الرافدين
(3) موسى مشكور – كاتب اهلي
(4) هاشم حميد السامرائي – سكرتير نقابة عمال ومستخدمي الأحذية والدباغة والسراجة
(5) عبد الامير حسون جواد – طالب جامعي ومستخدم اهلي وسكرتير تحرير جريدة المبدأ
(6) ليلى الناشئ – طالبة جامعية
(7) جورج يعقوب – عامل نقابي
(8) ضياء حميد الموسوي – مهندس منطقة مباني العاصمة
وقد نشر بيان استقالة هذه المجموعة في جريدة اتحاد الشعب يوم 4 – 2 – 1960 مما جعل الزعيم عبد الكريم قاسم وبعض أتباعه في حالة من العصبية والتوتر والتهجم على اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي مما دفع وزارة الداخلية إلى الإسراع باتخاذ إجراء سريع بمعاونة داود الصائغ واختيار مجموعة جديدة بديلا عن المجموعة المستقيلة وترميم طلب الصائغ من جديد قبل آخر يوم من المدة القانونية المحددة .
بهذا الصدد يقول بهاء الدين نوري في مذكراته ص 282 : ( وعند اقتراب الموعد القانوني الذي كان يجب على السلطة أن تجيب الطلب سلبا أو إيجابا نظمنا استقالة جماعية شملت أكثر من ثمانية أعشار الموقعين على طلبه التأسيسي أبقينا شخصا واحدا لغرض الاستطلاع وبذلك نسفنا الأساس القانوني لطلب الحزب المفتعل غير أن السلطة أتاحت للصائغ فرصة إعادة تشكيل هيئته المؤسسة بضم عناصر جديدة بدل المستقيلين وللمرة الثانية أرسلنا وجبة جديدة من رفاقنا إلى هذا الغبي الذي ضمهم إلى الهيئة التأسيسية وللمرة الثانية نظمنا في الوقت المناسب استقالة شبه جماعية جديدة بين الموقعين على طلبه ناسفين من جديد الأساس القانوني للطلب ..) .
هل كان لهذه الخطوات قيمة قانونية او سياسية في صميم الإرادة الناضجة داخل تصور عبد الكريم قاسم .. هل استطاعت ان ترغم وزارة الداخلية على إعادة التفكير بمواقفها إزاء مطامح الشيوعيين العراقيين لإجازة الحزب الشيوعي العراقي ..؟
****************
يتبع

#جاسم_المطير (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات