أشرف بيدس
الحوار المتمدن-العدد: 2397 - 2008 / 9 / 7 - 04:03
المحور:
الادب والفن
الليلة شديدة البرودة. يصفر الريح في نوافذي وفي أيامي الفائتة. يوقظ الذكريات ويقلق نومها ويحركها. يداعبها.. يدغدغها.. يشطرها نصفين، ويفتش داخلي عن أسراري الخافية. يعيد عبق الماضي وآلامه، يتكاثر الثلج الأبيض ويحتل الأركان والزوايا. يتراكم فوق الأرصفة الساكنة، ويبدو الإسفلت المبلل المضيء في العتمة وكأنه قطع من الماس غسلتها الأمطار. أتذكر تلك الليلة. ليلة عيد الميلاد. حينما كنا نتصعلك أنا وأنت في شوارع "بيت لحم" العتيقة.
عندما تقترب ليلة عيد الميلاد، تقترب معها أوجاعي المخبأة في صدري. وتقفز الصور والأحداث أمام عيني. تروي ما حدث من جديد في الليلة الأخيرة للقائنا الأخير.
بدا كأنه يوم عادي. تجولنا بالصباح في "رام الله" واشترينا معطفين أحمرين، وبعضا من الزهور، وقصدنا مكانا نائيا علي مشارف مدينة "البيرة" نحتسي فيه القهوة، ثم عرجنا إلى صديقتنا. قدمنا لها الزهور وتناولنا الغداء معها، ثم انصرفنا إلى "بيت لحم" للاحتفال بليلة الميلاد هناك تلبية لدعوة صديق آخر، لم نعبأ كثيرا بسوء حالة الجو، قطعنا الشوارع الجانبية، حتى استقلينا سيارة. وعندما وصلنا، تجولنا في الشوارع الخالية، تكلمنا.. ضحكنا.. بكينا.. جرينا.. غنينا.. ورقصنا كثيرا علي أنغام السكون ودقات قلوبنا. اختزلنا العمر كله في تلك الساعات، لم تكن هناك عيون تراقبنا، أو أذان تسمعنا، أو أنفاس تلاحقنا، لم يكن في الشارع غيرنا، فقضينا ليلتنا، أرهقنا الكلام ولم يرهقنا، انتصف الليل علينا وأسدل ستره وطمأنينته ولفنا بدفء مشاعرنا. فنسينا الصديق ونسينا المكان والزمان. ولم نتذكر شيئا من الدنيا في تلك الليلة الباردة التي لم تهدأ فيها دقات قلوبنا.
#أشرف_بيدس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟