|
نعوم تشومسكي: عن الأناركية، الماركسية، وآمال المستقبل (1)
محمد عبد القادر الفار
كاتب
(Mohammad Abdel Qader Alfar)
الحوار المتمدن-العدد: 2367 - 2008 / 8 / 8 - 11:05
المحور:
مقابلات و حوارات
نعوم تشومسكي معروف على نطاق واسع بانتقاده للسياسة الخارجية الأمريكية، وكذلك بعمله كعالم لغويات، وهو معروف على نطاق أضيق بتأييده المستمر لأهداف الاشتراكيين الليبرتاريين libertarian socialists. وفي مقابلة خاصة مع مجلةRed and Black Revolution ، يقدم تشومسكي آراءه عن الأناركية وعن الماركسية، وخيارات الاشتراكية وفرصها اليوم. وقد أجرى معه هذه المقابلة في مايو 1995 الكاتب كيفن دويل Kevin Doyle . ....
س : في البداية نعوم، إنك ومنذ وقت طويل تدافع عن فكرة الأناركية. وكثير من الناس يعرفون عن المقدمة التي كتبتــَها سنة 1970 لكتاب دانييل غورين "الأناركية: من النظرية إلى الممارسة" Anarchism: From Theory to Practice ، ولكن في الآونة الأخيرة، مثلاً في الفيلم الوثائقي "صناعة الرضى" Manufacturing Consent أتيحت لك الفرصة لتسلــّط الضوء من جديد على مضمون فكرة الأناركية وإمكانياتها. فما الذي يجذبك إلى الأناركية؟
** تشومسكي : لقد انجذبت إلى الأناركية منذ أن كنت مراهقاً يافعاً، منذ أن بدأت أفكر في العالم كأبعد من نطاق ضيق، ولم أجد سبباً كافياًً منذ ذلك الوقت لتغيير تلك المواقف المبكرة. أعتقد أن ما يمكن فهمه فقط هو أن تبحث وتتعرف على هياكل السلطة، والطبقية، والتراتبية، والسيطرة في كل جانب من جوانب الحياة، وتواجهها، وما لم يكن بالإمكان إعطاء تبرير لوجودها، فإنها غير شرعية، وينبغي حلها، لزيادة نطاق الحرية الإنسانية. وذلك يتضمن السلطة السياسية، والملكية، والإدارة، والعلاقات بين الرجال والنساء، وبين الآباء والأبناء، وسيطرتنا على مصير الأجيال المستقبلية (والتي هي الأولوية الأخلاقية الأساسية وراء الحركة الطبيعية، من وجهة نظري) وأشياء كثيرة غيرها. ومن الطبيعي أن ذلك يعني تحدياً لمؤسسات التسلط والسيطرة الضخمة : الدولة، السلطات الاستبدادية الخاصة وغير المبررة التي تتحكم في معظم الإنتاج المحلي والدولي، وهكذا. ولكن ليس ذلك فقط، وذلك هو ما فهمته دائماً على أنه جوهر الأناركية: الاقتناع بأن عبء أو مسؤولية التبرير والبرهان على الشرعية تقع على عاتق الدولة، وأنه يجب حل الدولة ما لم يتم تقديم ذلك التبرير.
أحياناً يمكن الاضطلاع بذلك العبء أو تقديم تبرير من ذلك النوع، فإذا كنت أتمشى مع أحفادي واندفعوا فجأة إلى شارع مزدحم، فإنني لن أستخدم سلطتي فقط بل كذلك الإجبار الجسدي لإيقافهم. فالفعل يجب أن يواجه، ولكنني أعتقد أنه سيقابل هذه المواجهة هنا عن طيب نفس. وهناك أيضاً حالات أخرى، فالحياة مسألة معقدة، ونحن نفهم القليل جداً عن البشر والمجتمع، والتصريحات الكبيرة هي بشكل عام مصدر للضرر أكثر من كونها مصدراً للمنفعة. لكنها رؤية صحيحة برأيي، ويمكن أن تقودنا إلى أبعد من ذلك.
وبالابتعاد عن مثل تلك التعميمات، نبدأ بالنظر إلى الحالات التي تنشأ منها المسائل المتعلقة بمصلحة الإنسان.
س : إنه من الصحيح القول أن أفكارك وانتقاداتك هي اليوم أكثر انتشاراً من أي وقت مضى. ولا بد من القول أيضاً أن آراءك تحظى بالاحترام على نطاق واسع. كيف برأيك يـُستقبل تأييدك للأناركية في هذا السياق؟ بالتحديد أنا مهتم بردة الفعل التي تتلقاها من الناس حديثي الاهتمام بالسياسة والذين ربما مروا على أرائك. هل هؤلاء الناس متفاجئون بتأييدك للأناركية؟ هل هم مهتمون؟
** تشومسكي : إن التراث الفكري الشائع، كما تعلم، يربط "الأناركية" بالفوضى، والعنف، والقنابل، والتخريب وما إلى ذلك. لذا فالناس يتفاجؤون عادة عندما أتحدث بإيجابية عن الأناركية و أعرف بنفسي من خلال تقاليد أساسية فيها. لكن انطباعي هو أنه وسط عامة الناس، قد تبدو الأفكار الأساسية لها معقولة عندما تنقشع السحب التي تغطيها. بالطبع عندما نأتي إلى الأمور التفصيلية، لنقل طبيعة الأسر مثلاً، أو كيف يمكن أن يعمل الاقتصاد في مجتمع أكثر حرية وعدالة، فإن التساؤلات والخلافات تظهر. لكن هذا ما يجب أن يكون. فالفيزياء لا تفسر فعلياً كيف يتدفق الماء من الحنفية إلى مغسلتك. وعندما نلتفت إلى مسائل أكثر تعقيداً وأهمية للإنسانية، فإن الفهم يكون ضيقاً جداً، وهناك متسع للاختلاف، والتجريب، وكذلك استكشاف الخيارات نظرياً وبالممارسة، لمساعدتنا على الفهم أكثر.
س : ربما عانت الأناركية أكثر من أي فكرة أخرى من مشكلة سوء التفسير. فالأناركية يمكن أن تعني أشياء مختلفة للأشخاص المختلفين. هل تجد غالباً أن عليك أن تشرح ما تعنيه بالأناركية؟ هل يزعجك سوء تفسير الأناركية؟
** تشومسكي : سوء الفهم هو دائماً مزعج. وجزء كبير منه يعود إلى هياكل القوة والسلطة التي لها مصلحة في منع الفهم، لأسباب واضحة جداً. إنه من الجيد أن نتذكر مبادئ ديفيد هيوم عن الحكومة. لقد عبر عن تفاجـُـئه من أن الناس قد خضعوا وأذعنوا لحكامهم دائماً. وقد استنتج أنه : بما أن القوة هي دائماً في جانب المحكومين، فإن الحكام لا يملكون شيئاً يؤيدهم سوى الرأي. "إن الدولة إذاً تتأسس فقط على الرأي، وهذه المقولة تنطبق على أكثر الحكومات استبداداً وأكثر الحكومات عسكرية ً كما تنطبق على أكثرها حرية وشعبية على حد سواء". لقد كان هيوم ماكراً جداً، وقد لا يمكن اعتباره ليبرالياً بمعايير اليوم. وهو بالتأكيد يقلل من أهمية فعالية القوة، لكن ملاحظته تبدو بالنسبة إليّ صحيحة في جوهرها، ومهمة خصوصاً في المجتمعات الأكثر حرية، حيث فن السيطرة على الرأي أكثر تهذيباً بكثير. وسوء التفسير مع أشكال أخرى من التشوش هي أمور من الطبيعي أن ترافق ذلك.
لذا هل يزعجني سوء التفسير؟ بالطبع، ولكن تماماً كما يزعجني الجو المتعفن، وهو سيبقى موجوداً طالما ظلت مراكز القوى تجند طبقة مكلفة بالدفاع عنها. وبما أنهم غالباً ليسوا لامعين كثيراً، أو بما أنهم لامعون بما يكفي لمعرفة أن من الأفضل لهم تجنب ميدان الحقائق والحجج، فإنهم سيتجهون إلى سوء التفسير، والتشويه، وغيرها من الأدوات المتاحة لؤلئك الذين يعلمون أنه ستتم حمايتهم من خلال الوسائل المختلفة المتاحة للأقوياء. إن علينا أن نفهم لماذا يحدث كل ذلك، وأن نحله بقدر استطاعتنا. إن ذلك جزء من مشروع التحرر –لأنفسنا ولغيرنا، أو بعبارة معقولة أكثر : للناس الذين يعملون معاً لتحقيق هذه الأهداف.
قد يبدو ذلك بسيطاً وساذجاً وهو كذلك. لكن علي إذاً أن أجد الكثير من الشرح للحياة الإنسانية الذي ليس ساذجاً، عندما نتخلص من السخف والتموضع الذاتي.
س: ماذا عن "دوائر الجناح اليساري الراسخة" والمعروفة أكثر حيث يتوقع المرء أن يجد معرفة أكبر بحقيقة ما تمثله الأناركية؟ هل تواجه أي تفاجؤ لديهم بآرائك وتأييدك للأناركية.
** تشومسكي : إذا كنت أفهم ما تعنيه ب"دوائر اليسار الراسخة" أو المعترف بها، فهناك الكثير من التفاجؤ لديهم بآرائي عن الأناركية، لأن القليل جداً هو معروف عن آرائي بكل شيء. هذه ليست الدوائر التي أتعامل معها. إن من النادر أن تجد أي مرجع لأي شيء أقوله أو أكتبه. وذلك ليس صحيحاً كلياً بالطبع. وبالتالي ففي الولايات المتحدة (وغالباً بشكل أقل في المملكة المتحدة أو أي مكان آخر) ستجد بعض الفهم لما أقوم به بالتأكيد من القطاعات الأكثر انتقاداً واستقلالية مما يمكن تسميته ب "دوائر الجناح اليساري الراسخة"، ولدي أصدقاء شخصيون وزملاء مبعثرون هنا وهناك. ولكن ألق نظرة على الكتب والصحف، وسترى ما أعنيه. أنا لا أتوقع أن يتم الترحيب بما أكتبه وأقوله بشكل أكبر في تلك الدوائر من نادي الكلية أو غرفة مدراء التحرير، ولكن مرة أخرى مع وجود استثناءات.
فالسؤال يطرأ بشكل هامشي فقط، إلى درجة تصعب معها إجابته.
س : لقد لاحظ عدد من الناس أنك تستخدم تعبير "الاشتراكي التحرري" libertarian socialist في نفس السياق الذي تستخدم فيه كلمة "الأناركية". هل ترى أن هذه المصطلحات متماثلة جوهرياً؟ هل الأناركية نوع من الاشتراكية بالنسبة إليك؟ إن الوصف الذي ظل يستخدم هو أن "الأناركية تعادل الاشتراكية مع الحرية". هل تتفق مع هذه المعادلة الأساسية؟
** تشومسكي : إن مقدمة كتاب دانييل غورين التي ذكرتـَها تفتتح باقتباس من شخص متعاطف مع الأناركية قبل قرن من الزمان، يقول فيه أن "الأناركية لها خلفية واسعة، وأنها تحتمل أي شيء". هناك عنصر رئيسي واحد هو ما يطلق عليه عادة "الاشتراكية التحررية" libertarian socialism . وقد حاولت أن أشرح في كل مكان ما أعنيه بذلك، مؤكداً أنه في الواقع بالكاد أصيل بي؛ فأنا آخذ الأفكار من رموز هادية في الحركة الأناركية وهم الذين أقتبس منهم، وهم بالأحرى يصفون أنفسهم باستمرار بأنهم اشتراكيون، بينما يدينون بقسوة "الطبقة الجديدة" من المفكرين الثوريين الذين يسعون إلى الوصول إلى سلطة الدولة في طريق النضال الشعبي و إلى أن يكوّنوا "البيروقراطية الحمراء الفاسدة" التي حذر منها باكونين، والتي عادة تسمى "اشتراكية". إنني أفضل الاتفاق مع فهم رودولف روكر بأن هذه النزعات (شديدة المركزية) في الأناركية تأتي من أفضل ما في التنوير والفكر الليبرالي الكلاسيكي، وفي الواقع أكثر مما وصف هو. في الحقيقة، لقد حاولت أن أظهر أنهم يتناقضون بشدة مع المذهب الماركسي-اللينيني نظريةً وممارسة، وبالتحديد المذاهب "الليبرتارية" libertarian الدارجة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإديولوجيات أخرى معاصرة لها، والتي تبدو لي كلها بأنها تختزل للدفاع عن شكل أو آخر من السلطة اللاشرعية، وغالباً الاستبدادية الحقيقية. . . . يتبع
النص الأصلي http://flag.blackened.net/revolt/rbr/noamrbr2.html
موقع المترجم http://1ofamany.wordpress.com
(الترجمة إلى العربية / محمد عبد القادر الفار)
#محمد_عبد_القادر_الفار (هاشتاغ)
Mohammad_Abdel_Qader_Alfar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا لو لم تمر تلك الكذبة
-
ما هو الحب
-
لا مساومة على اللاعنف
-
كروبوتكين : عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك
-
اللاعنف في العقائد الأسيوية
-
ما الذي تريده من الحياة ؟
-
سلمى (4) ... قداسة
-
السجون : جريمة وفشل اجتماعيان (4)
-
السجون : جريمة وفشل اجتماعيان (3)
-
السجون : جريمة وفشل اجتماعيان (2)
-
سلمى (3) ... شفاعة
-
كروبوتكين .. وأفكاره الفدرالية (4)
-
حول الخادمات في الأردن
-
السجون : جريمة وفشل اجتماعيان (1)
-
كروبوتكين .. وأفكاره الفدرالية (3)
-
سلمى (2) ... في أسباب النزول
-
كروبوتكين .. وأفكاره الفدرالية (2)
-
سلمى (1) ... التجلي الأول
-
أين أخطأ الشيخ إمام !
-
كروبوتكين .. وأفكاره الفدرالية (1)
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|