كتاب المجموعات الغنائية العصرية السوسية..فكر،تاريخ وفن-مفتتح القول

أحمد الخنبوبي

الحوار المتمدن-العدد: 2367 - 2008 / 8 / 8 - 04:57
المحور: الادب والفن
    

رغم تكويني الجامعي في القانون العام وعلم الاقتصاد، إلا أن ميولاتي الموسيقية و الشعرية والأدبية ، أودت بي إلى كتابة هدا العمل المتواضع، الذي جمعت فيه مجموعة من المقالات و الدراسات والأبحاث الميدانية، والذي يتناول ظاهرة موسيقية محضة، لكنها أثرت وتأثرت بشكل كبير بالتاريخ الاجتماعي والسياسي المغربي المعاصر، بصورة عامة والسوسي بصورة خاصة. إنها ظاهرة المجموعات الغنائية العصرية، التي أطلت علينا منذ ستينيات القرن الماضي، ببزوغ مجموعات ك "تبغينوزت"، "ناس الغيوان"، "لاقدام"، "جيل جيلالة"،" لمشاهب"، "أوسمان"،" ٍزنزارن"...اٍلخ .فقد تزامن هذا البزوغ مع فترة ما بعد استقلال المغرب وما شهدته الفترة من توترات سياسية ،واحتقان اجتماعي،وهجرة نحو المدن، وانبهار بمظاهر التمدن والعصرنة الغازية(1(.كلها إذن حيثيات ووقائع لا يمكن فهم ظاهرة المجموعات هذه في عمقها دون فهمها والاطلاع عليها .

يطرح هذا العمل إذن، أبرز المجموعات الموسيقية بسوس، خصوصا تلك التي ميزت فترتي السبعينات والثمانينات ،لأنها-هده المجموعات- الأجدر في اعتقادي بالدرس قبل أن تمحوها الذاكرة بحيث يحاول هدا العمل، أن يعطي فكرة عامة عنها ،وعن أفرادها، وطريقة تكوينها ،ومسارها الموسيقي ،والإضافة النوعية التي أضافتها كل واحدة إلى حقل المجموعات الغنائية اللاحقة، و كذا محاولة لفهم أسرار نجاحها، و استمراريتها. كما حاولت أن أسرد بعض الأبيات الشعرية ،من القصائد المغناة من طرفها لتتضح الصورة .

حاولت النبش في دواخل المجموعات الموسيقية الأمازيغية السوسية، التي عانتمن تهميش ونسيان من الجهات الرسمية الوصية لعقود من الزمن، وهنا أقصد قطاعي الثقافة والإعلام .كما أن هذه المجموعات لم تحظى بما فيه الكفاية، من اهتمام الباحثين أبناء المنطقة المتخصصين في العلوم الإنسانية والاجتماعية ،اللهم إذا استثنينا بعض الأبحاث الجامعية التي لم تصل إلى العموم وبقيت محصورة بين أسوارالجامعات، أو بعض الكتب والدراسات القليلة التي أنجزها باحثون بتنسيق مع بعض الجمعيات الثقافية الأمازيغية (2( ،رغم الإمكانيات المحدودة .كما لا يجب أن ننسى الدور الذي لعبه بعض الإعلاميون، بالإذاعة
والتلفزة المغربية -القسم الأمازيغي-، وبعض الإذاعات الجهوية كإذاعتي أكادير و مراكش، هذا بالإضافة إلىمجهودات الصحافة المكتوبة ،سواء الأمازيغية التي تعمل في غالب الأحيان بتضحيات أطقمها، أو بعض الجرائد الوطنية التي تنشر مقالات حول المجموعات بين الفينة والأخرى. أما اليوم فقد بدأت تنقشع السحب ولو بشكل نسبي بفضل بعض الداعمين، وكذا ظهور القطاع الخاص في الإعلام السمعي البصري ،مما جعل تراث هده المجموعات يخرج من دائرة الظل إلى دائرة الضوء شيئا فشيئا.


تركيزي على هذه المجموعات ،لا يعني أنه ليست هناك مجموعات أخرى ميزت تلك الحقبة الزمنية، تحتاج بدورها إلى البحث وإنما لظروف منهجية وظرفية، ركزت على هذه الثلة و كما يقول المثل:" مالا يدرك كله لا يترك جله"، إلا أن الكتاب يتوفر على ملحق يتضمن وثيقة مهمة حيث عملت بالاعتماد على بحث ميداني شمل جولات ولقاءات مع مهتمين، على جرد المجموعات الموسيقية الأمازيغية بسوس، التي عرفتها المنطقة منذ الستينيات إلى اليوم والتي تجاوزت المائة والثمانين مجموعة، تنقسم بين المجموعات الكلاسيكية، والموجة الجديدة للموسيقى ،والمجموعات النسائية ،ومجموعات الأطفال، وبالطبع فأنا متأكد أن العدد يتجاوز ذلك بكثير إلا أن عملي هذا يبقى كمادة خام تحتاج إلى إكمالها وتفريعها.

في أيامنا هذه، حيث الإعلام و الصورة يعتبران سلاحا ذو حدين ،نرى كيف يتم التضخيم و المبالغة في تقديم بعض الفنانين المبتدئين، أو ما يحب أن يسميه البعض بالفقاعات الإعلامية ،التي سرعان ما تختفي بعد انتفاخها ،كما نرى كيف يتم تقزيم بعض الفنانين الحقيقيين،بتهميشهم بل و احتقارهم في بعض الأحيان ،مما يجعل الصورة تنقلب لدى فئة عريضة من الجمهور .إلا أن ما ينطبق على المجموعات الموسيقية الأمازيغية العصرية التي يطرحها هذا العمل، رغم التهميش الدي لحقها مند عقود إلى اليوم ، هي مقولة الفيلسوف المصري زكرياء اٍبراهيم ،حيث قال ،أنه قد يكون في استطاعة السرعة أن تحصل على "إذن دخول" في أي ميدان من الميادين ،اللهم اٍلا في ميدان الفن ،فليس من طبيعة الإنتاج الفني أن يكون وليد العجلة و التسرع و اللهفة و الاندفاع ،و ليس من طبيعة التذوق الجمالي أن يتولد عن النظرة العابرة أو القراءة الخاطفة أو الاستماع السريع .ولهدا يؤكد علماء الجمال أنه لابد لطالب المتعة الفنية أن يعود إلى العمل الفني مرة بعد أخرى (3). و هدا الحس الجمالي الحقيقي في إبداعات هده المجموعات هو ما جعل الإبداع الموسيقي لبعضها لم يكتشف إلا في أوقات متأخرة ، و هو ما يحصل الآن مع اٍنتاجات هده المجموعات التي أصدرتها مند الستينات و السبعينات و الثمانينات.

بقي فقط أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى كل من شجعني على إنجاز هذا العمل، وكل من ساعدني في ذلك من أساتذة، وباحثين ورواد المجموعات الموسيقية، وصحفيين ،ونقابيين ،وفاعلين فنيين وثقافيين ،ومهتمين .ومن باب الأمانة العلمية أتوجه بالتحية إلى كل الذين استفدت بل واقتبست من بعض كتاباتهم ومقالاتهم ،الذين حاولوا أن يكسروا بها جدار الصمت في هذا الموضوع رغم قلتها.
أحمدالخنبوبي
الفيض، في 29 أكتوبر 2007

#أحمد_الخنبوبي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات