أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - من يوسف ليوسف .. تلويحة غياب متأخرة














المزيد.....

من يوسف ليوسف .. تلويحة غياب متأخرة


يوسف ليمود

الحوار المتمدن-العدد: 2366 - 2008 / 8 / 7 - 10:12
المحور: الادب والفن
    


كصبي من الريف، مسكون بمحرك غامض غموض بيوت القرية وظلالها التي تمتزج فيها أطياف الأحياء والأموات والكلاب الأسطورية والقطط ساعات الظهيرة الناعسة، لم يكن هناك ما يركّز كل هذا السحر المبعثر في الشوارع وعلى الأسطح سوى تلك الشاشة العريضة المدهونة بالجير على جدار خرابة واسعة تبعثرت في أرجائها هياكل حديدية لكراسي, ملحومٌ بعضها في بعض أو مفككة بعضها عن البعض، لا ينجو الجالس عليها من جرح أو مزقة أو لطخة وسخ ما، وما كنا لنبالي، إذ كان للخيالات المضيئة المتحركة على ذلك الجدار فعل المنوّم المغناطيسي للحواس، الموقظ المغناطيسي للجمال والخيال، من دون أن يقلل من هذه الروحية غير الواعية هياجُنا الجنسي البازغ، وانتظارنا المتحرّق لمشهد “المعجنة”، أو المعارك التي تنشب بين شِلل الأولاد في محاولة نافدة الصبر لتقليد ضربة قدمٍ طائرة في الهواء من البطل أحمد رمزي، أو تنهيدة فتوَنة من فريد شوقي معقوفة بلكمة يلحس فيها المعلم البلاط… و”ضاعت فلوسك يا صابر”.

على ذلك الحائط المنخور بالشمس عرفت النجوم: المليجي، هند رستم، شكري سرحان، مديحة كامل، يوسف شعبان، كاريوكا، ناهد شريف، العلايلي… الى آخرهم جميعا، بأدوارهم وأقنعتهم المتعددة… إلى أسماء الأفلام التي التصق بعضها بأديم ذاكرتي ولن يخرج إلا مع ذوبانها في السراب: حمام الملاطيلي، الكرنك، السقا مات، بداية ونهاية، القاهرة 30، باب الحديد، الذي لم أنتبه إلى اسم مخرجه وقتها إلا بعد أن ذهب الولد الريفي إلى القاهرة ليدرس ويتسكع ويستكشف ويكفر بكل شيء عدا الفن.

عرفتْ رجلي الطريق إلى شارع “بستان الدكة” الجانبي، وراء عماد الدين حيث سينما كريم 2 الصغيرة. كم مرة ارتقيت درجاتها لأنفصل فجأة عن واقع هلامي باهت إلى ذبذبة الصوت السينمائي التي تتصل بالمنطقة الغامضة المسحورة داخلي، تهيّجها تركيبات الصورة في المشهد والحسّ العام لعالم بديل مكثف مركّز يختصر حياة في زمنِ ساعتين. إلى أن كان أسبوع لأفلام يوسف شاهين، وأغرق ذات يوم من ذلك الأسبوع غرقا في فيلمه “عودة الابن الضال”. ينتهي العرض فأخرج لأحصل على تذكرة جديدة وأعود أتسمّر مكاني. خمس مرات شاهدت الفيلم نفسه في اليوم ذاته. يا لوقعِ كل حُبيبة صوتٍ وكل ذرة مشهدٍ على حواسي يومها، ما السر! ما سر أي عمل فني؟ أهي طاقة العناصر مجتمعة، في الفن الذي ينتجه شخص واحد كحال الرسم مثلا، وبالتالي طاقة العاملين جميعا في فن جماعي كالسينما؟ إن روح صلاح جاهين تمسّد جسد الفيلم الخفي، والمليجي هنا عملاق عبقري وليس الفتوة الشرير الذي عرفته على حائط سينما قريتي الصيفية، وإبرة صوت ماجدة الرومي مافتئت تدور على اسطوانة ذاكرتي حتى يومي هذا “آدي اللي كان وآدي القدر وآدي المصير”. ثمّ يأتي “العصفور” ليفتّح في دماغي رموزا استغلقت عليه في الحدوتة المصرية التي أنجبت جِيلي المنكوس.

وأعشق محسنة توفيق عشقا كعبد ومعبود، لم أر في امرأة قط مثل هذا الجبل المتصدع بالدفق الإنساني ونظرة الدهشة التي عرف شاهين كيف ينتزعها منها انتزاعا، لتسيل إلى الأبد على وهم الشاشة، وتحرّك أو تحرّق قلوب أمثالي، وأرى بأذني لأول مرة تدرّجات صوت الشيخ إمام تحفر أبديتها وتذوب في “مصر يا امه يا بهية”، والمليجي هنا أيضا مرة ثالثة ورابعة وسابعة صورةً لشعبٍ قُهر ومازال يمارَس فيه القهر، حتى يُجر “أبو سويلم” على أرضه من قدميه في “الأرض”. وأرى “الأرض” في غربتي قبل ثلاثة أعوام في قاعة سينما صغيرة بحجم كريم 2، التي كان هو صاحبها حسب ظني، فأبكي الأرض والعصفور الطائر في الفراغ وأتذكر الابن الضال، وأتساءل هل من عودة لابن غير ضال أم هو “المصير” يا عزيزي يوسف؟!

نعم صديقي، أعرف إنه الهمّ، الفني بالأحرى قبل أن يكون الوطني، وشاشة الصورة هي الوطن الإنساني الأرحب للفنان. الهم الذي يرتعش بروح صاحبه الحرة، آبية إلا أن يتحرر المستَعبدون، فكريا وسياسيا وعقائديا وماديا وجغرافيا. الطموح للفجر والنور، ليس بفجاجة المباشَرة في التعبير. تكفي التفاتة في مشهد، مرتبكة أو مربكة. تكفي بحّة صوت في نداء، أو زحزحة لحن عن منظر، أو نكتة في مبولة، أو “شَخرة” اسكندرانية، أو رشاش يكنس وسَخا.

قال صديقي الذي كان يدرس على يديه مرة “إما أن تحبه أو لا. لا وسط”. لكنني أحببته ولم أحبه في الوقت نفسه. الشعور الأخير ربما كان غيرة منه، أو إسقاطا لما لا أحبه في نفسي ذاتها، لا أدري. الأكيد أننا لا نكتشف الحب الخالص “إلا ساعة الفراق”!
يوسف ليمود



#يوسف_ليمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوق الفن السنوي في بازل وسؤال الوعي
- فن معاصر لثمانية مصريين في العاصمة السويسرية بيرن
- لوحة الأكشن في معرض بمتحف بايلار .. بازل - سويسرا
- نهر .. أتعبره أم يعبرك
- الوصول إلى الأبيض في معرض إستعادي ضخم لآدم حنين بالقاهرة
- نتاج ورشة عمل نيو ميديا على هامش بينالي الإسكندرية
- القيامة في فوتوغرافيا أندرياس جورسكي ومعرضه من جناح طائرة
- حوار مع منظّم معرض الفنانين المسلمين بمتحف الفن بنيو أوليانز ...
- ثنائية
- فن مصري معاصر في متحف الفن بالعاصمة بون
- جاسبر جونز .. رؤيته وإنجازه الفني في عشر سنين
- Face
- بقعة شمس
- غنائية حب وجودية
- فراغ ما بين الشكل والحرف .. إلى احساين بنزبير
- آرت | 38 | بازل
- السويسري يورج فيدرشبيل في قافلة الأدباء المنتحرين
- جغرافيا افتراضية تتلمس تاريخ الواقع .. رؤية فنية معاصرة في خ ...
- ليس إلا ..
- رضوى عاشور مع هوجو لوتشر بثلاث مدن سويسرية + تقرير السيدة را ...


المزيد.....




- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - من يوسف ليوسف .. تلويحة غياب متأخرة