أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - سر هذا الضحك















المزيد.....


سر هذا الضحك


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2365 - 2008 / 8 / 6 - 11:55
المحور: الادب والفن
    


[تسقط الحكومة!يسقط الخطباء/يسقط المثقفون ذوو العقول الليبرالية!/تسقط أفواههم وألسنتهم البذيئة فيها!/يسقط الكسالى!لقد باعونا!/لقد باعونا وأتلفنا الكلام!]..
(أرشبالد ماكليش)
***
أمراضنا لا تنفعها العقاقير،طبيّة كانت أو أعشابية،هي مواريث طبيعتنا المتقلبة،تودعها الحياة نماذج بهاليل حاضرة وخادمة لحفر تلك الفلتات العجيبة في الذاكرة البشرية،وحياتنا عصور تلو عصور تتناحر وتتلاحق،عصر يلغي عصر،لا يستقيم إلاّ بتوازن النقائض إلى نهاية التأريخ،ولكل عصر عباقرة وبهاليل،كفتان لا تميلان إلى جهة ما،تتأرجحان بتعادلٍ غريب،هي في حكم قانون الوجود للإنسانية،إسقاطات روتينية معتادة غير افتراضية تتوالد كطقوس ذات أثر،ذات زخم دافع لتفعيل أو تعطيل الحياة وسر تألقها أو ديمومتها أو عطبها،هي فرائض لابد منها،تهبها الطبيعة أينما تتواجد مدن آهلة بالسكان،كقانون ميتا فيزيقي لا جدال فيه،لا تأويل،هي ـ مختصر مفيد ـ استجابة فطرية،عفوية،لسفر هذا الوجود العجيب،هذا الوجود الغريب..!!
***
مدينتي(جلبلاء)كبيرة بناسها،صغيرة أو فقيرة بمساحتها،تشربت مساماتي فيها حليب الواقعية وتنفست أصناف الصفات، تواضع،فقر،بلادة،يأس،كسل،جوع،تسكع، خصومات،متواجدٌ فيها أباً عن جد،سايرت نوائبها من كثب،وأولمتني الخطوب وجبات دسمة أهلتني أن أكون خازناً أميناً أو ناطقاً غير مخولاً لحكاياتها،ما هو سر وما هو مباح،ما تلهج بها الألسن في المجالس والمحافل وما تدفنها النفوس تستراً من الفضيحة،أو من باب دفن الأمور والمتعلقات الحسّاسة وعدم شجر تنور الضغائن بين الطوائف والأعراق،لكن أن يدهمنا شتاءاً رومانسياً من غير بوادر تمهيد،شيء فوق كل تصوّر، يستحق وقفة وتأمل،يستوجب قراءة ناجحة لاحتواء هذه(الظاهرة)الجديدة،تعودنا على شتاءات جافة،برد محض،بلا مطر،بلا أمل،جاف،يهيمن،حاصداً النفوس،فقط غيوم تتلبد،تنذر وترعد قبل أن تنقشع،تاركة أفواه فئة تلعن أو تندب حظوظها،فئة رزقها على ماء السماء،بعدما جفت الأنهر أو تم تحويل مساراتها الأبدية صوب بساتين ومزارع أصحاب السيادة،بلاد ستظل جائعة إلى أبد الآبدين،بادئ ذي بدء خلتها قضية واقعية،دبر كل مأساة ملهاة،وراء كل عاصفة صحوة،آن للمرء أن يسمح لبراكين الغضب أن تنجلي بعدما توفرت ممكنات التنفيس عن الكروب،سنوات غليان وانحدار سريع إلى المهاوي،جراء حروب لا تنتهي ومجاعة(مفبركة)كحل سياسي بديل لترويض رعية بلا حول ولا قدرة على مجابهة العوارض والقوارض،أو سوقها خرفان مطيعة كما ينبغي،ربما زوال حواجز كتمان النفس،بتعبير أصح،سقوط دولة الكوابيس في معركتها الأخيرة لألتهام دول الجوار،كشفت أمام الناس آفاق رحبة،مغرية ومشجعة،وصار كل فرد يمتلك كمية لا محددة من حرية اختيار وسائل وسبل تحطيم القيود لإجهاض ترسبات أو تراكمات مآسيه..!!
***
قضية(الظاهرة)باتت تتناسل،ثلاثة أمكنة تعج بالناس،هي أكثر أمكنة مدينتنا ازدحاماً،حللت بها وصرت كما الآخرين،ملوثاً،منجرفاً،ضحية عاصفة من هديرٍ متناغم،هديرٌ يندفع ويعلو،يتماوج بصدى،مثل البروق الراعدة،يجرف أو يكنس البشر والشجر والحجر،تلبستني قسوة الهدير،وانسلخت كلياً من ترسبات أو ما تحجر في من ضجرٍ،كان يجب أن أتخذ قراري للوقوف على ما يجري،كوني جامع حكايات(جلبلاء)أو مؤرخها،اتصلت بصديقين لا يكتمان السر،يشتريان سقطات ومشاكل الناس السريّة كي يتندران،صديقان غير مؤتمنان،غير كتومان للسر،يفشيان خبايا ما يدور وراء الكواليس،طلب أولهم(ماعون باقلاء بالدهن الحر)،أكلته المفضلة بعد زجاجة عرق،الآخر أصر وأبقى رهانه على زجاجة خمر رديء كي يشعل آتون ضجره ويهبط إلى الأزقة ليلاً،(ليتشمشم)الأسرار،ليرصد ما يجري داخل الغرف من وراء قضبان النوافذ المحطمة أو فتحات مفاتيح الأبواب المتآكلة،احترست منهما لئلا أغدو محطة راحة وتندر لهما،لكن الأوّل أنحدر بمطالبه حتى استقر الموقف النهائي على نصف علبة سجائر،وإن كانت رديئة النوع..
***
ما قاله صديقي،لم يكن غريباً،فالشخصية الضحية هذه المرة شاب صخّاب أينما يحل تقام له احتفالات هزأة،ضحك يتصاعد،ضحك يهدر ليصك آذان الناس،كلّما يظهر،يتأبط حفنة كتب،يتهدل شماله لثقل حقيبة دبلوماسية،شامخاً أنفه،يرسل وابل نظراته من وراء نظّارة حديثة،من خلال جملة محاججات وملاسنات،تبين أنه معجب بنفسه،رأوه مرّة يوزع أوراقا على حفنة طلاّب وطالبات كانوا مرهقين جراء عسر أسئلة الامتحانات النهائية،بعضهم مزق ما استلم من أوراق،فتاة واحدة احتفظت بنسختها،في اليوم التالي أشاعت بأنه كاتب(قصص قصيرة)نشر نصّاً غامضاً لم تفك لغزه رغم قراءتها للنص مرات ومرات،كان نصّه مرفقاً بقائمة طويلة بمسميات يدعي أنها أعمال إبداعية منجزة في انتظار أسنان المطابع ليغير وجه البلاد الثقافي بعدما تم تبديل وجهها السياسي،سيكون أعجوبة الأدب الحديث لبلاد قررت أن تكون حداثوية ،بلاد بلا موت بالجملة،صار يتردد ويلاحق تلك الفتاة البائسة اليائسة حتى تدخل بعض رجال الاستعلامات،غاب عن المكان بعدما عنفوه بقسوة وأهانوه ضرباً بالهراوات،ظهر ثانية وهو يجوب المكتبات الحديثة،مكتبات تضج بالصور وكتب الأغاني و(الدارميات)المبتذلة ورسائل عشّاق من الدرجة التعيسة،كان يوزع نسخ مستنسخة من قصص مكتوبة بجهاز كومبيوتر،اكثر من واحد أكد أنه لمحه يحمل مثل هكذا جهاز إلى البيت،ما أن ظهر في بعض المحال التجارية،فهو يمتلك من المال ما يمكّنه توظيفه من اجل هذا الشعاع الخفي المشع من خياله،دائماً يقتحم مبنى ثقافة البلدة،يثير جدلاً أدبياً،غالباً ما ينتهي بعراكٍ شديد،تتطاير الكتب من الأيدي،تتطاير المشاريع الكتابية،القصص،القصائد،المقالات الأدبية والصحافية،،قبل أن تختتم الحفلة بتمزيق القمصان وتطاير الأحذية من الأقدام،دائماً ينال وجبة لكمات ممتازة،وسيل صفعات ذات صوت وصدى،لا تردعه أو تحسسه،يعتبر نفسه حالة جديدة،حالة نقية،لم يستسلم أو يلوّث زمنه الراحل بعسل السياسة،حافظ على موروثه الثقافي نقياً،قبل أن يهاجم أقرانه،بأنهم كانوا أقزام مرحلة قذرة،ومرة صاح فيهم:قرود(القائد)..!!.يجهر دبر كل جلسة أدبية،أنه حالة قلّ نظيرها في بلاد(خاست)بالمطبلين والمزمرين ورافعي رايات الخضوع،ونافخي أبواق التمجيد،طالباً أن يكون الجالس على كرسي الثقافة الجديدة، هو الشريف،الربّان العفيف صاحب الأدب النظيف،إلى هنا موضوعنا لا يستحق هذه القيامة البشرية الحاصلة،كل مساء،رغم الصحوة التي بدأت في الرؤوس،والتعافي الحاصل للنفوس،إلى هنا يبدو لي أنه كأقرانه ممن فلت عقله وصار ضحية عصر الاستنساخ،عصر الحصار،ربما حظوته الوحيدة،أمتاز عن أقرانه بنشاطٍ غير معهود،طاقة جسدية حيوانية المنشأ،مثابرة لا تخمد،إصرار حديدي،لسان لا يكل،يمتلك مالاً وفيراً مجهول المصدر،هناك من يرجعه إلى سرقات بيوت الأغنياء يوم هجروا أو انهزموا من وقع صواريخ عابرات القارات الساقطة،هناك من يربط القضية بدهائه ومكره وشجاعته،وهناك فئة تذهب أن والده كان يعمل حدائقياً لدى أغنياء البلدة،أستغل هجرتهم،أخذ ما أخذ وألقى مترتبات ما بعد عودتهم على الذين(فرهدوا)مال بلادهم يوم دخول الغرباء،أبدع الصعاليك انحرافاً،فاق ذوي العقول الرشيدة فطنة في افتعال الأزمات وبث الإشاعات الثقافية المربكة،ما تورع قط من بذل قصارى جهوده لصدع رؤوس زملاء المهنة،أدباء ضلّوا أو ظلّوا يكتبون لأنفسهم،أو بعضهم لبعض،فقعدوا له في كل مرصد للنيل منه أو على اقل احتمال إيقاف عجلة تقدمه عليهم أو على أقل تقدير صعلكته الآخذة سحب البساط من تحت أقدامهم،مثل الزئبق ينفلت في الوقت الملغوم،منسحباً بكدمات،أو بسيل لعنات،كل ذلك لم يثر الدهشة أو يستحق إيقاف الوقت كي تحلق شوارع بلدتنا إلى سماوات الحلم والمتعة ونسيان موجبات الحياة،يالها من لحظات استجمام مجانية،طبقات الكآبة تنزاح من النفوس،الأحلام المترسبة تتهشم،أحلام سنوات الظلام،ظلّت أماني عاطلة،القلوب تبدأ بتجديد الخلايا وكريات الدم،الرؤوس تتهيأ لأفكار ورغبات جديدة،الشمس تكنس،الهواء يتنسم،شيء لافت للنظر،قضيتنا الجديدة بدأت تستقطب الزبائن،بشر راح يلغي مشاريعه الخاصة،يأتي في الزمان المتوقع،والمكان المأمول،تهيأت فرص عمل للعاطلين،عربات تتراص،عربات أطعمة سريعة،عربات مياه غازية من جميع المناشئ،عربات بيع الماء البارد،عربات بيع المشروبات الكحولية،عربات بيع أدوية كانت ممنوعة،استحالت شوارع البلدة إلى تصادمات وتلاطمات أجساد تسكنها اليأس والأرق والرغبة،فتحت مكاتب للمراهنات،صالات قمار،مكاتب للتسفيرات البشرية،أسواق لبيع الهواتف المحمولة،بل راحت بعض المكاتب تطرح رهانات حول ساعة ظهور(الظاهرة)أو مكان تواجده،العيون يقظة والرؤوس تتلفت يمنه يسره،كأنهم يطاردون أشباحاً مقلقة،كثيرون أوعزوا ذلك جراء التبدل السياسي الذي جرى في البلاد،فزوال حواجز النفوس تبيح للقلوب تحرير ما فيها من أوجاع وأطماع..!!
***
مثل الآخرين،استهوتني اللعبة،أطارد الأوهام،ما بين لحظة وأخرى يهدرُ فمٌ وتعلو قهقهات لتأخذ الجائحة،العصافير والأوراق المهملة من تحت الأقدام،تنطلق سحب سوداء من الصدور صوب السماء لتستحيل إلى غيوم تهطل زهور،تنعش المساء بباقات مسرات،أعود إلى منزلي حاملاً باقة مسراتي،محتضناً الحلم الجديد،خالي البال مرتاحاً ليس بي نبض ضجر،أو رغبة أخرى لشجارٍ جديد مع شريكة حياتي..!!
***
رغم المرّات الثلاث لم يحصل أن رأيته،كنت اكتفي بالتوقف والسماح لجسدي بالتحليق،كنت أشعر بتحرر جيوش الأحزان المتراكمة في صدري،تأخذني أمواج القهقهات،سابحاً في فضاءات خالية من الهموم،خالية من عيون وشاة متربصين،وما سرده صديقي من وقائع بعيدة كل البعد عن جوهر القضية،لم ابغيها،لم تحقق لدي أو تؤسس خيطاً يسحب الحكاية إلى خانة الخلود،كان طلبي الأساس ، سر هذا الاحتفال الشعبي الحاصل الذي صار لازمة مسائية طغت وألغت الطقوس الرتيبة لتسكعات البشر،بعد تعطل حياتنا،بعد دخول الغزاة إلى مدننا..!!
***
(الظاهرة)..استفاق مرة ووجد عقله في رأسه،حدث ذلك لحظة اصطدم بغريمٍ له،ألقمه علقه مهذبة،دبر(إصبوحة)ثقافية، ظلّ يعاني من ألمٍ وورم لثلاثة أيام سويا،ذلك الألم أيقظ أو أنبت فيه عشبه العبقرية،ذاهلاً سهر أمام قدرات خارقة تحتشد في بدنه،في رأسه،في موهبته،رغبة انتقام تتفاعل،يريد مجداً،يريد كرامته،يريد مكاناً عليّاً،هيّأ مستلزمات حربه،أغلق باب غرفته،طلّق الوسن باحتساء خمس دلاء قهوة مرّة،جلس أمام جهاز الحاسب،أندفع يكتب،أندفع ينزف،وحده الكتابة سلاحه الفتّاك لعقول أنداده،ما لديه أو ما يسكنه من أدب متحرر،أدب خالي من النفاق،خالي من الغايات الذاتية،أدب خفيف على الرؤوس بليغ،مختصر مفيد أدب لا نفعي،أو أدب من أجل توحيد البشر،بلا كلفة أو عناء،راح يكتب على أنغام موسيقى(باخ)الذي يعده صاحب رؤية ناضجة وحالمة تتداخل مع رؤيته للحياة،بعد فترة سباته،اكتشفوه أو وجدوه مطموراً أو مخموراً تحت أطنان أوراق،سراً نقلوه إلى مشفى الأمراض العقلية،خبره يسبقه،وجد الناس يتقاطرون إلى المشفى،ما بين طالب لثقافته،بعدما تعطلت أو تعذرت وصول الصحف،وطالب تندر أو قضاء الوقت من باب الفضول،عاد من رحلته الشفائية،عزم وتوكل،رزم أوراقه واستعان ببريده الإلكتروني ليطلق العنان لخيول نصوصه،جحافل تتبع جحافل،قصص وقصائد وروايات ومقالات،ليس هذا بعجاب،كثيرون يعتكفون يغربون ويشرقون لترافقهم مشاريعهم وأحلامهم الجامدة،يموتون وتموت أحلامهم كونها فقيرة أو خالية من نيكوتين التخدير،إلاّ هو واصل نضاله المستميت،نضاله الثوري للوصول إلى كرسي المجد،خصاله نادرة،طاقة جسد لا تنضب،برود أعصاب نادرة أو عجيبة أمام الاعتراضات المقصودة من قبل غرماءه،لا يألو الأشياء مهما تصادمت أو تقاطعت معه اهتماماً، بجهر القول يزعم أو يضع نفسه فوق مستوى بشر أو أدباء مرحلته،ملّته صحف البلاد ومجلاتها المتكاثرة تحت عباءة التحرير،وحرية التعبير والتهجير والتجريب والتخريب والتهريب،كائن لا يعرف الإذلال عنيد،لا شيء يكبح جماح عقله،أصحاب شهادات جامعية حاولوا توجيه موهبته،أو وضع علامات أو ركائز ودلالات تفيده لو أنصاع لتوجيهاتهم لإنماء مشروعه الثقافي،لم يتبدل،صار أكثر تماسكاً،أعند،صلباً لا يلين،يكتب كل يوم،مئات الصفحات البييض يسوّدها بقصص لا تتكرر،روايات ستلغي ما هو مطروح وسائد،رثاثة أساليب بالية على حد زعمه،لم تنفعه السبل قبل أن تجيء الضربة الموجعة،يوم(الفلقة)كما وثقوه في سجلات بيت ثقافة(جلبلاء)كتب أو نزف كامل ما عنده،بعدما شفا من حالته الإغمائية،أرسل إلى جهة سريّة ما كتب،وجدوه في الصباح الباكر،حالة نادرة واستثنائية،يذرع شوارع البلدة ذهاباً وإياباً بتقليعته الدونكيشوتية،هجس غرماءه بأنه في أمرٍ جلل،تربصوا له في أماكن احترازية،جهل كل من هب ودب الوصول إلى مشارف هذه البحبوحة الساكنة فيه رغم عدم تجاوزه حدود صعلكاته الروتينية،تفاقمت أزمته،لمحوه يواصل البحث من مكتبة لأخرى،رصده البعض يحاور(الزبّالين)وينبش صفائح القمامات أمام المنازل،يتفحص الأكياس الورقية لدى الباعة،تحروا فعرفوا،أنه يبحث عن كتبه المستنسخة لأمرٍ مقلق،عرفوا أنه راسل الصحف والمجلات دون أن يحصل على رد،وشاعت عنه،لمحوه في مخازن إحدى الصحف وهو محشور داخل القمامات الورقية والمهملات المرفوضة،طارد زملائه الخبر حتى منبته،عرفوا أنه دشّن ما عنده من كتابات عبر جهاز الإرسال السريع إلى جهة ما،وعاش فرحة غامرة واحتفل في تلك الليلة بعدما ألقم طن من الأوراق النيران بعد انتفاء الحاجة أليها،حين بارحه عقله اصطدم بالكارثة وجد كل(دسكاته)مضت إلى الرماد،لم تشفعه المضادات الحيوية ولا جلسات الصعق الكهربائي ورفض الخضوع لأوامر سيد مدينتنا كي يعالجه بضربات من عصاه لتحريره من طوفان الهلوسات..!!
***
نهاية دراماتيكية،نهاية كل لعبة غامضة،مفاجأة،قد تخالف أو تأتي كما تشتهي الرؤوس،لا تتعجل النهاية،كل شيء يأتي في أوانه،ظهر(الظاهرة)على غير عادته،أسمال مبتذلة،بلا حقيبته،لم يقِ أو يخفِ ارتجافات عينيه بنظارته،يخترق الصفوف البشرية الذاهلة،يواصل قهقهاته على عكس ما كان يحصل،أندفع الكل يسير أو ينجذب خلفه،أفواج ناس تتبع ناس،قهقهة واحدة تعلو من فم واحد،تابعوه وهو يدخل مبنى الثقافة المركزية،زملائه بالمرصاد،لمحوه يثبت قصاصات ورقية فوق لوحة الإعلانات،أوراق أتته عبر بريده الإلكتروني،ثبتها على اللوحة،أنسحب،رغم العتمة الخانقة تمكن أحدهم من الاستعانة بولاعته الغازية وقراءة الأوراق قبل أن يطلق قهقهة دوت وأخرجت رؤوس النزلاء المهجرين من الغرف العتيقة،إعلانات صريحاً تؤكد فوزه بجائزة(نوبل)للآداب،ليس ثمت تلفيق أو إشاعة طرفة،فالخبر مقتطع من خمسمائة صحيفة يومية وأسبوعية،وثلاثمائة مجلة ومطبوع،ظهرت إلى الأسواق فجأة بعد رياح التغيير،صحف ومجلات تبحث عن أخبار متطرفة ونادرة ومثيرة،انتبذ(الظاهرة)مكاناً أمينا وراح يراقب الحشود المتنامية وهي تندفع لقراءة ورقته..!!
***
اختفى(الظاهرة)تاركاً الذهول القاسم المشترك على سحنات غرماءه،على وجوه الناس،الوجوه التي كانت تتعالج به،لغط وجدال ينمو أو يتواصل حول مدى صحة الخبر،بعضهم راح يفقد صلته بالأدب،معتبراً تبدل الأوضاع السياسية في أية رقعة أرض يعني انحدار القيمة الجمالية للحياة،يعني موت البراءة وولادة حياة بربرية أو غابية،يعني بداية جديدة وأشكال جديدة للموت والتغريب والتهميش البشري،بعض ممن صدق الخبر،تسارع باذلاً جهوده الخيرة لاستضافته أو تكريمه،بعضهم قرر إعادة الصلة به وإقامة علاقات جديدة،علاقات تتماشى مع ما يجري من تغيير في مجرى الحياة،طبعت ملصقات كبيرة لصورته الوحيدة أو النادرة،بعدما أضافوا لرأسهِ الكبير فروة لائقة،مخفين صلعته المبكرة،كارثة تنضج في الخفاء،كارثة بالونية،أيدي خفية،أيدي لا ترعوي أو لا تتورع من صناعة معجزات وهمية،تدفع عجلة البراءة والقيم الخلاّقة صوب الغايات الخبيثة،خلاف كل التوقعات والحسابات،خلاف ما هو واقع حال مفروض أو عفوي،خلاف كل حلم ضلّ أو ظلّ ينتظر،اكتملت مقومات اللعبة،صاعقة ماحقة أحدثت هذا الهدير الأبدي المتواصل في مدينتنا(جلبلاء)..!!
***
أينما ترصده العيون ترعد البلدة لتطلق القلوب سحب آمال أو حسرات متحجرة، ليست حكاية خارقة،ليست أحابيل تسلية،كل بلدة،كل مدينة،تفتخر بنماذج بشرية مقرورة،بشرٌ وظيفته رغم فائضيتهم عن الحاجة،تقديم خدمات علاج مجاني،علاج معجزة للآخرين،فالحياة شرنقة خانقة،كوابيس تدفعها كوابيس،لاشيء يزيل الهموم إلاّ أمثال(الظاهرة)،بوجود الظواهر تتواصل الحياة ويستمر الإنسان في تواجده،في تلاحمه،أو تأقلمه مع من حوله..!!
***
لم تكن خسارتي كبيرة،نصف علبة سجائر لا قيمة لها،مقابل سر بسيط منح صاحبي وقتاً ليستمتع بدخان سجائر فاسدة غزت البلاد تحت عباءة التجارة الحرة،أو رفع القيود عن رقاب الناس،تجشم (الظاهرة)عناء رحلة شاقة كلفته أملاكه وجهازه الإلكتروني وبقايا عقله،جائزة الجوائز مغرية،أمل وهدف وحلم حتى أبسط الكتّاب،حق مباح لمن تورط بهذه المهنة المهانة،عليه أن يصل في الوقت المحدد والزمن المعين إلى(ستوكهولم)،الحائز على الجائزة تقام له قيامة أرضية،استقبال باذخ،ضياء كاميرات المصورين يفلق الأعصاب،كل شيء يخلد للصمت،(الملك)ينتظر الوافد العالمي المتميز ليسلمه حلم الحياة،القلب وحده ينبض بعنف،الجسد يرتجف،تتلى فقرات وحيثيات الفوز،لابد من مترجم يوصل إليه ما تم قراءته،بلغته سيعرف قيمة نفسه،هدير أفواه تنطلق،هدير يصعد إلى السماء،يغطي العالم بأسره،سيتساءل لم الضحك،ألم ينل الجائزة،لم يضحكوا عليه،الكل ينظر إليه بحرية منضبطة،يضحك بحرية منضبطة،خمس دقائق بالتمام والكمال،خمس دقائق فقط،دون إضافة أو نقصان ثانية واحدة،خمس دقائق ضحك،الضبط يتم وفق توقيت جهاز خاص،ياله من محظوظ،وحده فقط،من بين كل العالم،كل الكتّاب،كان المرشح الوحيد،المرشح الفريد للجائزة..!!
***
رؤيا في المنام،تلفيق غرماء،جنون،فبركة استفزازية،أقاويل تنتشر وضحك يتواصل، ضحك جديد،ضحك غير مألوف،بهاليل يتوالدون،ينتشرون،عباقرة يتوارون أو ينحرون،وفق مناهج عدمية مستوردة،مناهج تلغي وتمضي بلا قانون،(ظاهرة) مدينتنا،جامع الناس وموحد الأفواه أو محرر تعاستهم اختفى،هناك من يقول نحروه كما ينحر الشاة،هناك من يقول غادر بلدتنا إلى دنيا الله الواسعة،ها أنا من جديد أجوب شوارع خالية بلا رونق،بلا ناس،بلا طيور،أبحث عن سرٍ جديد،سر شجر ينوح،سر حجر يصيح،سر بشر يختفي،أبحث عن صديقٍ جديد،أبحث عن محررٍ لسر هذا الضحك العدمي المتأصل،المتواصل،في مدينتنا(جلبلاء)..في بلادنا(العراق)..في وطننا(العجيب) في العالم بأسره..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من سيربح العراق
- لا تلعنوا آب رجاء..
- هل حقاً كاد أن يكون رسولا..
- ما الشعر
- لغة الثقافة ولغة السلطة..تاريخ شائك بالتحديات
- أصل الكورد والبحث عن الهوية


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - سر هذا الضحك