أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - ديوان - وطنيتي - قصة الروح الثائرة















المزيد.....

ديوان - وطنيتي - قصة الروح الثائرة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 731 - 2004 / 2 / 1 - 09:09
المحور: الادب والفن
    


ضاعت أو كادت أن تضيع قصة على الغاياتي وديوانه الصغير " وطنيتي " الذي أدي ظهوره عام 1910 إلي الحكم بالسجن على الزعيم الوطني محمد فريد ، والشيخ عبد العزيز جاويش ، ومؤلفه على الغاياتي ، هذا الديوان الذي أدى فيما بعد إلي هجرة اثنين عن الوطن هما محمد فريد وعلى الغاياتي هجرة طالت حتى توفي الزعيم الوطني في الخارج ، وعاد الغاياتي بعد سبعة وعشرين عاما قضاها في سويسرا ، ليعيش مغمورا ، ويموت مغمورا .  وكان محمد فريد قد كتب مقدمة للديوان، وأضاف الشيخ عبد العزيز كلمة إليها ، فأصبحا متهمين مع المؤلف بذات التهمة  : العداء للاحتلال والتحريض على الثورة . وقد ولد علي الغاياتي في دمياط عام 1885 ، وتلقى تعليمه في الأزهر ، ثم عمل في مجلة يصدرها الشاعر خليل مطران ، وخاض على صفحاتها  أولى معاركه عام 1907 ضد علماء الدين الذين وصفهم بأنهم " من ذوى الأفكار العتيقة البالية  الجهلة " . وعاقبت السلطات الغاياتي على جرأته بالتحقيق معه وسجنه اثني عشر يوما. وانضم الغاياتي إلي الحزب الوطني لأنه كان الأعلى صوتا في تلك الفترة  ضد الاحتلال والقصر . وأخذ ينشر  قصائده النارية هجوما على المحتلين وأبواقهم ، وهاجم أمير الشعراء أحمد شوقي ، وشيوخ الأزهر  وغيرهم من رجال الإعلام الموالين للاحتلال . وأيد الغاياتي في مقالاته وشعره كل عمل ثائر في مصر وخارجها ، من أجل إجلاء الإنجليز ، والأخذ بالدستور ، وإصلاح الحكم، والضرب علي يد الفساد ، ونشر التعليم ، وامتدح بقصائده قادة الحركة الوطنية مثل مصطفى كامل ، ومحمد فريد ، والشيخ عبد العزيز جاويش الذي منحته  الحركة الوطنية وسام الشعب بعد أن اكتتب المصريون بثمنه وقلدوه إياه عند خروجه من السجن . وشن الغاياتي حملة على أحمد شوقي أمير الشعراء لأنه صرح بلسان الخديوي أن إعلان الدستور غير ممكن إلا بإذن من الإنجليز ، وكتب قصيدة نارية وقف فيها مع إضراب طلبة الأزهر وتحقيق مطالبهم ،  وحين صدر قانون المطبوعات المقيد للحريات كتب قصيدة يقول فيها  : " لئن قيدوا مني اليراع وأوثقوا لساني .. فقلبي كيفما شئت ينطق " ، ولم يفلت الخديوي عباس من لسان الغاياتي حين ظهر ميله إلي الاحتلال ، وحينما قام الثوار الأتراك بعزل السلطان عبد الحميد توجه إليهم الغاياتي بأحر التحية ، ثم رحب في قصيدة أخرى بموقف الشاب الهندي الذي أطلق رصاصه على السير " ويللي " في أحد شوارع لندن فأرداه قتيلا وكتب إن الهند بذلك قد نالت المجد كله في نضالها من أجل الحرية . وكانت تلك كلها مواقف جريئة شجاعة لروح ثائرة ، ضاق بها صدر الحكومة ، بل وضاق بها صدر عباس العقاد الذي تساءل : " أيمكن أن تلام الحكومة إذا ضيقت من حرية الصحافة بعد أن استفاضت الدعوة لارتكاب الجرائم ؟ " وعام 1910 قام الرئيس الأمريكي السابق تيودور روزفلت بزيارة لمصر أشاد خلالها بالاحتلال البريطاني ، فهاجمه على الغاياتي بعنف . وقرر الغاياتي عام 1910 أن يجمع قصائده كلها في ديوان واحد سماه " وطنيتي " لم تزد صفحاته عن 135 صفحة من القطع الصغير ولم تزد قصائده عن مائة بعضها لا تتجاوز  أبياته الأربعة . لكن صحيفة المؤيد وصاحبها الشيخ على يوسف شنت حملة على الديوان ، فلفتت إليه أنظار القصر والإنجليز . وأدركت الحكومة أنها أمام قذيفة مركزة من التحريض على الاحتلال والدعوة للثورة والاستقلال ، فراحت تبحث عن الديوان في كل مكان ، وأصدرت أمرا باعتقال محمد فريد ، والشيخ عبد العزيز جاويش ، وعلى الغاياتي الذي استمع إلي نصيحة بعض الأصدقاء بالفرار إلي تركيا . وبسبب ذلك الديوان الصغير قامت الحكومة لأول مرة بتعديل القانون ليصبح النظر في قضايا الصحافة والنشر من اختصاص محاكم الجنايات ، بعد أن كان ينظر إليه بصفته " جنحة " . وفي استانبول التقى علي الغاياتي بمحمد فريد الذي كان عائدا من رحلة في أوروبا ،  وناقشا معا أمر المحاكمة التي ستعقد لهما في 20 يونيه عام 1911 .  وظل الغاياتي في تركيا فترة يعمل في إحدى الصحف العربية ، ثم شد رحاله إلي سويسرا وهناك عاش على تدريس اللغة العربية  بمعهد لتعليم اللغات ، وقام في الوقت ذاته بمراسلة صحيفة الحزب الوطني في القاهرة والعمل مترجما في الصحف سويسرية ، ثم كاتبا في أكبر الصحف هناك بمرتب شهري قدره ثلاثمائة فرنك . وبعد انقضاء عدة سنوات على الحكم عليه بالسجن حاول الغاياتي العودة إلي مصر ، فاعتقلوه ثانية بتهمة أنه وصل إلي البلاد لتدبير الدسائس ضد الخديوي ، وقاموا بترحيله إلي الخارج . وعندما قامت ثورة 1919 راح الغاياتي يدافع عنها في الخارج دفاعا حارا ، فقطعت الصحف السويسرية العمل عنه ، فأصدر جريدة على حسابه هي منبر الشرق كان يطبع  ثلاث صفحات منها بالفرنسية وصفحة واحدة بالعربية . واستمرت الصحيفة منتظمة في الصدور منذ عام 1922 حتى عام 1937 في  ظروف بالغة الصعوبة إلي أن رجع الغاياتي بعد ذلك إلي مصر عام 37 ، حين انضمت مصر لعصبة الأمم المتحدة وواصل من القاهرة إصدار صحيفته بالعربية .

وديوان " وطنيتي " كما يقول فتحي رضوان في كتابه " عصر ورجال " هو بلا شك : " ديوان الوطنية المصرية في الفترة ما بين سنة 1907 حتى سنة 1911 "  إذا قرأته اكتملت لديك صورة كاملة للعهد الذي ظهر فيه . إذ لم تترك قصيدة منها حدثا سياسيا إلا وتعرضت له بروح ثائرة محبة للوطن .  لكن علي الغاياتي عاش بعد عودته إلي مصر نحو عشرين عاما مغمورا ، ومات مغمورا ،  وكادت ذاكرة التاريخ أن تهمل هذا الرجل العظيم  لولا كتاب فتحي رضوان " رجال وعصر"  الصادر عن قصور الثقافة . ومشكلة أو مأساة على الغاياتي أنه لم يحسب بين الشعراء ، لأنه لم يكن شاعرا عظيما ، ولا بين أعلام الصحافة ، أو النقد ، لكنه يحسب كروح عابرة ثائرة مرت على أحلام مصر وحلقت بها قليلا لأعلى . وفي أيامنا هذه يشتاق المرء كثيرا إلي روح حية من نوع على الغاياتي . أكاد أحيانا أفتش في دفتر التلفونات باحثا عن هاتفه ، أقول لنفسي : ربما تحدث معجزة فأجد الرجل الذي توفي عام 1956 ، وأهمله التاريخ لأن من يكتبون التاريخ بشر غارقون في انتزاع الخبز ، والحرب ، وشئون الحياة ، ولا وقت  للضوء الذي يعبر لحظة ينير الأفق ويختفي . ما قيمة الضوء ؟ إنه ليس كتابا ولا اكتشافا علميا ولا ثورة ولا جسرا مبنيا ولا معبدا مقاما ولا وزارة يدون التاريخ موعد تشكيلها . الضوء مجرد روح عابرة فوق سطح الأرض ، لكن ما أعظم اللحظة التي تحلق فيها . 

ـــــــــــــ
كاتب مصري  



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زراعة الكارثة في مصر
- الزهرة السوداء لحضارة الروائي العالمي - كوتزي
- بطاقة لطفل فلسطيني عام جديد .. يا حبيبي
- زهور قليلة في حقل الهزيمة
- عام ثالث .. على - حوار متمدن
- جائزة الثقافة الأمريكية في مصر
- نجوم كثيرة .. وقمر واحد في وداع حمزاتوف
- صــنــع الله إبــراهــيــم رسالة من على المنصة
- الكتاب والمثقفون المصريون : لا .. للعدوان على سوريا ..
- المثقفون والأستاذ
- لثورة اليمن ، والتطور ، وليلى
- المثقفون المصريون : تحية للشعب الفلسطيني ولرئيسه المنتخب
- اتحاد الكتاب العرب نوما عميقا وشخيرا عاليا
- السياسة أقوى من الحداثة أو الحكايات المختلقة
- نظرية الاحتلال الثوري عند أنصار واشنطـــــن
- إسرائيل من الحرب إلي الثقافة
- ذكرى ناجي العلي
- حكاية صغيرة لطفلة - معتقل سياسي مصري
- وجدان الأقلية الدينية في الرواية المصرية
- الخوف من الكتابة


المزيد.....




- من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم ...
- الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
- ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي ...
- حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - ديوان - وطنيتي - قصة الروح الثائرة