|
تعقيب علي رسالة بروفيسور ساندرا هيل
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 2364 - 2008 / 8 / 5 - 10:39
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عزيرتي ساندرا: لك الشكر الجزيل علي رسالتك وتوضيحك، والذي اطلعت عليه في موقع(سودانايل) المحترم علي الانترنت، كانت رسالتك عميقة ومفيدة بالنسبة لي، والتي تعكس دقة وتواضع العلماء. اتفق معك حول (أن كتابات ماركس ليست هي نهائية ولاصاحبة الكلمة الاخيرة)، فانا لم اقل بذلك، وحتي ماركس نفسه، كما تعلمين، لم يدع ذلك، فماركس بعد خمس وعشرين سنة من صدور (البيان الشيوعي) كتب في مقدمة له مع انجلس: أن البيان شاخ في بعض جوانبه، رغم صحة المبادي العامة فيه، فقد حدثت متغيرات في تطور الرأسمالية، يجب اخذها في الحسبان واعادة التحليل من جديد. أشرت ايضا في رسالتك الي أن ماركس اهمل أو اخطأ في تناول بعض عناصر البنية الفوقية للمجتمع، علي (سبيل المثال: العرق، ومسألة القومية، وقضايا النوع..الخ). وأن ماركس (كان سريعا في رفضه للمتغيرات غير المادية وشكوكه عن مغزي عناصر البنية الفوقية وأهميتها مثل: الخرافات، الأساطير، والدين،..الخ). لااعتقد أن الأمر كذلك، كما ذكرت ، ولكن كما تعلمين، كما أشار انجلز، في رسالة لشميدت في: 5/8/1890م يقول( ان مفهومنا عن التاريخ هو في المقام الاول مرشد للدراسة وليس رافع للبناء، فكل التاريخ ينبغي أن يدرس من جديد، وظروف وجود مختلف تكوينات المجتمع ينبغي ان تبحث بالتفصيل قبل أن نحاول أن نستخلص منها الافكار السياسية وافكار القانون المدني والافكار الجمالية والفلسفية الدينية..الخ التي تتوافق معها). واكد انجلز مرارا الي ضرورة الدراسة المحددة في كل حالة للطريقة التي تنشأ بها الافكار ومؤسسات بعينها وتتشكل علي أساس تطور اقتصادي معين، والتأثير الذي تمارسه بدورها علي المزيد من تطور المجتمع، وحذر انجلز صراحة من سوء الفهم الناشئ عن الطريقة التي عرض بها هو وماركس النظرية احيانا. وفي رسالة الي ج. بلوخ في : 21/9/1897م، يقول انجلز( انني وماركس نتحمل جزءا من اللوم علي حقيقة أن الشبان احيانا مايركزون علي الجانب الاقتصادي اكثر مما يستحق فقد كان علينا أن نؤكد هذا الجانب الرئيسي في معارضة خصومنا الذين كانوا ينكرونه، ولم يتح لنا دائما الوقت أو المكان أو الفرصة لكي نولي العناصر الاخري المشتركة في التفاعل ما تستحق). ويستطرد انجلز في الرسالة نفسها ويقول: (وفقا للمفهوم المادي للتاريخ، فان العنصر النهائي المحدد للتاريخ هو انتاج الحياة الواقعية وتجدد انتاجها ، ولم يؤكد ماركس ولا أنا اكثر من ذلك ابدا، ومن هنا فاذا استخدم احد هذا القول ليعني به أن العنصر الاقتصادي هو العنصر المحدد الوحيد ، فانه يحول هذه القضية الي عبارة حمقاء مجرد فارغة لامعني لها). ويلقي انجلز المزيد من الاضواء حول هذه النقطة في رسالة الي ستارليون في: 25/1/1894م قائلا( ان التطورات السياسية والقانونية والفلسفية والدينية والادبية والفنية..الخ تقوم علي اساس التطور الاقتصادي ، لكن هذه جميعا تؤثر علي الاقتصادي ، فليست المسألة هي أن الظرف الاقتصادي هو السبب ، وأنه هو النشط وحده، في حين ليس لأى شئ آخر سوى تأثير سلبي، بل أن هناك بالاحرى تفاعلا علي اساس الضرورة الاقتصادية التي تؤكد ذاتها دائما في النهاية). فبالاضافة للظروف الاقتصادية أشار انجلز الي عوامل اخري في حياة البلاد تشمل( طبيعة الشعب وتقاليده وشخصيات قادته ، وفي المقام الاول تاريخه الماضي). ويلاحظ القارئ مما ورد ذكره، ان القول بان المفهوم المادي للتاريخ يستند علي الحتمية أو الجبرية الاقتصادية ليس صحيحا، وهو حجة كثيرا ما يثيرها اعداء الماركسية في الهجوم علي الماركسية. في اعتقادي، ان لم اكن مخطئا، أن ماركس كان مهموما بتأسيس نظرة جديدة للتاريخ، باكتشاف المفهوم المادي للتاريخ، الذي ارسي دعائمه مع انجلز في مؤلف: الايديولوجية الالمانية(1846)، وفي اكتشاف القانون الاساسي الذي يوضح سر الاستغلال في المجتمع الرأسمالي (قانون فائض القيمة)، وقد انجز ماركس ذلك في مؤلفه(الرأسمال)، والذي نشر المجلد الأول منه عام 1867م، والثاني نشره انجلز عام 1885م، والثالث في عام 1894م. وهو جهد نظري وفكري كما تعلمين عظيم، استغرق كل حياة ماركس، اضافة الي نشاطه العملي والصحفي من اجل تغيير المجتمع الرأسمالي. أى أن ماركس وضع حجر الاساس، الذي بني عليه المفكرون الماركسيون اللاحقون، واستكملوا دراسة عناصر البنية الفوقية الاخري مثل: غرامشي، لوكاش،...الخ، أى لم يكن ممكنا ومطلوبا من ماركس دراسة كل شئ. أى لم يتوفر لماركس دراسة عناصر البنية الفوقية الأخري، رغم اهتمامه، بحكم منهجه الديالكتيكي، الذي ينظر للبنية التحتية(الاساس الاقتصادي) والبنية الفوقية(مجمل آراء الناس الفلسفية والفنية، والمعتقدات والاساطير..الخ)، في ترابط وتكامل وفي علاقة انعكاس متبادل. صحيح أن البنية التحتية تحدد البنية الفوقية، ولكن للبنية الفوقية استقلالها النسبي، وتعمل علي التأثير ايضا في البنية التحتية، وكما كان يقول ماركس( ان الافكار تصبح قوة مادية عندما تؤثر في الجماهير). وبالتالي اتفق معك تماما حول الدور الذي تلعبه عناصر البنية الفوقية مثل( الأساطير، الخرافات، القصص الشعبية، المديح والأغاني، والرواية الشفهية، والروايات التاريخية، جميعها عناصر أساسية في مختلف الثقافات السودانية، وهامة للنظر فيها). أضافة لتأتير واهمية قضايا مثل: العرق، ومسألة القومية، وقضايا النوع..الخ، واقدر عاليا مساهمتك في دراسة قضايا النوع، والتي وسعت زوايا نظرنا لكل مكونات المجتمع واسباب الصراعات، كوحدة مترابطة من البنية التحتية والفوقية، ومن غير السليم تغليب جانب علي الآخر، ومن المهم التوازن في اخذ كل هذه المكونات والمتغيرات في الاعتبار في التحليل والدراسة، وكان ذلك هو جوهر تعقيبي علي محاضرتك. كما اتفق مع ما جاء في رسالتك(أن الذاكرة هي مجردة وبعيدة المنال كمفهوم، ولكنها جديرة بالتفكير). لااريد أن اطيل عليك، واكرر مرة اخري شكري وتقديري لرسالتك، ونتمني لك ولاسرتك الكريمة دوام الصحة والعافية.
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نشأة وتطور الرأسمالية السودانية(2)
-
نشأة وتطور الرأسمالية السودانية(1)
-
خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية: 1900- 1956م( الح
...
-
خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية: 1900- 1956(3)
-
الماركسية وطبيعة الحزب في تصريحات الشفيع خضر
-
خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية: 1900- 1956م (2)
-
حول ظاهرة الاسلام السياسي: اشارة للتجربة السودانية
-
ماهو ديالكتيك العلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي؟
-
ماعلاقة دراسة المفهوم المادي للتاريخ بالواقع السوداني؟
-
الماركسية والديمقراطية وحكم القانون وحرية الضمير والمعتقد
-
نشأة الدولة في السودان القديم(2)
-
تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الصراع ضد الاتجاهات اليمينية
...
-
الأزمة في دارفور: مفتاح الحل بيد السودانيين
-
نشأة الدولة في السودان القديم
-
المفهوم المادي للتاريخ: هل هو بديل لدراسة الواقع والتاريخ ال
...
-
حول قرار المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية الخاص بالرئيس
...
-
ماهي طبيعة قضية دارفور؟
-
الأزمة في دارفور:من مؤتمر صلح 1989 الي ملتقي الفاشر - فبراير
...
-
ماهي اللوحة الخماسية؟ وهل يصح تعميمها علي كل المجتمع البشري؟
-
ماهي دلالات تمرير قانون الانتخابات بالاغلبية الميكانيكية؟
المزيد.....
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|