|
الحضارة الإسلامية دفعت الحضارة العربية ضريبة لها
خالد العلوي
الحوار المتمدن-العدد: 2362 - 2008 / 8 / 3 - 01:14
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ليست هناك حضارة واحدة على وجه الأرض نسبت كل ما جاء فيها من إنجازات واكتشافات واختراعات وعلوم للدين الذي تدين به إلا الحضارة الإسلامية . وهنا قد يسأل سائل : لماذا تنسب الحضارة إلى الدين ولا تنسب لمن صنعها وأوجدها ؟ والسؤال هنا .. منطقي جدا .. خصوصا أننا في بحثنا وقراءتنا للتاريخ لن نجد حضارة واحدة تلصق انجازاتها واكتشافاتها وآثارها بالدين أو بالمذهب أو بالطائفة أو بالقبيلة إلا الحضارة الإسلامية فالباحث في التاريخ لن يجد على الإطلاق في الديانات السماوية ما يسمى مثلا بـ الحضارة المسيحية أو الحضارة اليهودية فالحضارات عموما ترتبط بمن صنعها وقام بها وأوجدها كالحضارة الفرعونية نسبة إلى الفراعنة أو الحضارة البابلية نسبة إلى أهل بابل أو الحضارة السومرية نسبة إلى السومريين والحضارة الرومانية نسبة إلى الرومانيين وقس على هذا المنوال .
لماذا سمّيت الحضارة الإسلامية بهذا الإسم إذا ً ؟ ولماذا لم تسمى بالحضارة العربية نسبة إلى العرب الذي جاء الدين بلسانهم أو نسبة إلى نبيها العربي على أقل تقدير الذي أنزلت عليه الشريعة الإسلامية والقرآن الكريم بلسانه الـ عربي أيضا ؟
قد يقول قائل : لأن الدين الإسلامي لا يختص بالمسلمين العرب وحدهم ولأن نبي الإسلام لم يأت ِ للعرب وحدهم فقد جاء نبيا للعالمين من عرب وعجم .
ونقول نعم هي إجابة قد تختصر كل هذا العناء إلا أنها تحتاج إلى شرح عميق ومفصل خصوصا أن هذه الإجابة ترتبت عليها آثار خطيرة وفهم خاطئ من قبل بعض المسلمين أدى إلى طمس تاريخ العرب ( قبل الإسلام ) بأيدي المسلمين أنفسهم .
فالباحث في التاريخ يجد أن العرب بعد الإسلام نبذوا كل ما قبل الإسلام باعتباره تراثا وثنيا وتمسكوا فقط بكل ما جاء بعد الإسلام باعتباره تراثا إسلاميا ناهيك عن أن المسلمين يؤمنون بأن عقيدة الإسلام هي عقيدة عامة وليست خاصة فهي لا ترتبط بشعب أو جغرافيا وعليه كان مسمى ” الحضارة العربية ” مسمى لا يتناسب مع نسق الدين الإسلامي وجوهره و سيكون محرجا لمفهوم الأمة الإسلامية كما ينادي به الإسلام خصوصا أن مفهوم الأمة أيضا يتعارض بشكل قاطع مع مفهوم الدولة أو القبيلة أو الطائفة أو التقسيمات الاجتماعية ولتبيان ذلك نجد أن لفظة ” أمة ” جاءت أكثر من مرة في القرآن وبتفاسير مختلفة فهي كل مرة تأتي بتفسير يختلف عن التفسير الذي تحمله الآية الأخرى على سبيل المثال تعني كلمة ” أمة “ الوقت والحين في الآية {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} و تعني كلمة “أمة” الإمام الذي يعلم الخير ويهدي إلى الطريق الصحيح، كما في الآية التالية {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. و تعني كلمة أمة الطريقة المتبعة، كما في الآية التالية {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}. وتعني كلمة أمة جماعة جزئية من أهل دين معين، كما في الآية التالية {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، أو في الآية {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا}. ففي الآية الأولى، تعني (من) في كلمة (منكم) التبعيض؛ إذ إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية لما يقتضيه من شروط غير متوفرة في جميع المؤمنين. لقد شعر المفسرون بشيء من الحرج أمام آيات كهذه {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ}، {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ}، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ}. ومصدر الحرج هو في صعوبة إيضاح من هم الرسل في جميع الأمم . لأنه من الطبيعي أن يسأل أحدهم ويقول : إذا كان محمد مرسلا إلى أمة واحدة بعينها ، فكيف تتحدد هذه الأمم؟ وكيف التوفيق عند ذاك بين خصوصية الرسالة وشموليتها الإنسانية؟ يقول أحد أساتذة الفلسفة وهو الأستاذ ناصيف : لم يدرس المفسرون بصورة منهجية نظامية هذه الجوانب من معنى الأمة، ولم يتعمقوا في درس مفهوم الأمة مجردا عن مفهوم الطريقة أو الملة. لقد غلب على أذهانهم الارتباط القائم بين الجماعة والشريعة، فأهملوا الاهتمام النظري بماهية الأمة قبل ورود الشرع، إلا أنهم ميزوا في هذا السياق بين ما أسموه أمة الدعوة، وهي الأمة التي بعث فيها رسول، وما أسموه أمة الإجابة، وهي مجموع المؤمنين بذلك الرسول. وإنه لمن الواضح أن لا تطابق بين أمة الدعوة وأمة الإجابة، فأمة الدعوة تتحدد بشيء آخر غير الإيمان، ويمكن أن يظل بينهم من لا يستجيب لدعوة الرسول نتيجة لمبدأ عدم الإكراه في الدين. هنا من المهم جدا ً التمييز بين الدولة والأمة والحكومة، فالدولة، باختصار شديد، كيان سياسي وإطار تنظيمي يوحد المجتمع، وموضع السيادة فيه، وتملك سلطة إصدار القوانين والسيطرة على وسائل الإكراه وتأمين السلم الداخلي والأمن من العدوان الخارجي. وتتفاوت تعريفات الدولة في الفكر السياسي الغربي، وأهم التحديات لهذا المفهوم هو الطرح الماركسي لـ ” كارل ماركس ” الذي يرى أن الدولة والمجتمع شيء واحد، حيث الدولة تعبير سياسي لسيطرة طبقة اجتماعية معينة، وأن الدولة الرأسمالية الحديثة هي امتداد للطبقة البرجوازية الغنية تمثل مصالحها وتضع لها قوانين وتشريعات. والدولة لدى الماركسيين هي أعلى تعبير سياسي عن الرأسمالية كنمط إنتاج. ومهما يكن من أمر فيمكن تلخيص مفهوم الدولة الليبرالية الحديثة بأنها العقد الاجتماعي (دولة القانون والمؤسسات) وحقوق المواطن.. فهي سلطة عامة منفصلة عن الحاكم والمحكوم، تمثل أعلى السلطات السياسية. وبتلخيص مفهوم الدولة الحديث نجد أنها تتميز كمفهوم مجرد (غير شخصي) مستقل عن المجتمع بتقسيماته الطبقية والطائفية، وباستثناء الانتخابات التي تمثل صلة بين الدولة والمجتمع، فإن الأولى ترتفع فوق المجتمع على قاعدة قانونية موضوعية مسبغة عليه الشرعية والعقلانية مستندة على مبدأ الوحدة والمركزية وتوزيع الاختصاصات.
من هذه التعاريف نرى الاختلاف الكبير بين مفهوم الأمة ومفهوم الدولة لذلك نجد أنه قد تغلب في التصور القرآني للأمة معنى الوحدة في الاتجاه، أي الوحدة في العقيدة والطريقة، دون أن يغيب معنى الوحدة في المصدر، لسببين رئيسيين مترابطين أولهما طبيعة الرسالة التي قام بها النبي محمد، وطبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة في عصره. فالرسالة الجديدة تقتضي تكوين جماعة جديدة تكون الوحدة فيها قائمة على الإيمان بالعقيدة الجديدة وعلى ممارسة أحكامها ونظام قيمها وثانيهما أن هذه الجماعة الجديدة لا تكون جديدة إلا بمقدار ما تتجاوز طبيعة العلاقة القبلية السائدة بين العرب. أليس مثيرا للتساؤل أن تكون كلمة قبيلة غير واردة سوى مرة واحدة وبصيغة الجمع في آيات القرآن لا ريب في أن هذا الغياب دليل -من جملة أدلة- على إرادة حامل الرسالة الجديدة نقض نظام العلاقات الاجتماعية المبنية على وحدة النسب؛ أي نقض تصور الأمة المشترك مع تصور القبيلة المنكبة على ذاتها والمحصورة في ذاتها .
لهذا لا نسمع من المسلمين العرب من يقول بالحضارة العربية لأن لهم ما يبرر ذلك فالمسلمون لا يستطيعون أن يلصقوا أو ينسبوا الانجازات والاكتشافات لهم كأفراد أو كقوميات ويقسمونها فيما بينهم على أساس القبيلة والعرق والمساحة الجغرافية التي أتوا منها فالأمة الإسلامية التي نادى بها النبي محمد لا تستطيع أن تحصرها في العرب وحدهم خصوصا أن دين النبي محمد كما أوضحنا لم يأت ِ لجزيرة العرب فقط حتى وإن كان الدين قد نشأ منها وقام عليها لكنه جاء ليشمل العالم بأسره .
الحضارة الإسلامية دفعت الحضارة العربية ضريبة
الإسلام ديانة سماوية شأنه في ذلك شأن المسيحية واليهودية وكلنا نعم أن الديانات حين تأتي تأتي بقوانين آلهية منصوص عليها في الكتب السماوية قد تجيز بعض المحظورات وقد تحرّم بعض المسموحات في ذلك الوقت و بعبارة أخرى تحلل ما حلل الله وتحرم ما حرم الله وقد تنهى بعض الشرائع عن فعل مشين قديم جبلوا على التعامل به في تاريخهم القديم وقد تشكر فعلا آخر قديم موغل القدم وتقربه وتطلب من الناس العمل به .
إلا أن التاريخ يثبت أنه على مستوى تاريخ ما قبل الديانات أن لا ديانة سماوية دفعت ضريبة باهضة الثمن كالديانة الإسلامية فالدين اليهودي أو المسيحي لم يطلب من اليهود أو من المسيحيين أن يتخلوا عن تراثهم الإنساني والثقافي وعن حضارتهم البشرية قبل نزول الدين المسيحي أو اليهودي واعتباره تراثا مجرّما ومحرّما ينبغي التبرؤ منه أو تقسيمه أو أخذ ما بتناسب منه مع الإرث الإنساني والحضاري بعد نزول الديانة ( المسيحية عند المسيحيين أو اليهودية عند اليهوديين ) وأن كل ما قبل هاتين الديانتين هو تراث باطل إن كان لا يتناسب مع نسق الديانة نفسها لكنه أصلح ما أفسده الدهر من أخلاق وقيم أخلاقية وحضارية ودينية دون أن يطمس المنجزات والإرث الإنساني الثقافي والحضاري السابق وذلك يعود لأسباب أيضا منها أن الدينين ( اليهودي والمسيحي ) نزلا على فئة معينة ومحددة فالديانتان كانتا محصورتان ومقيدتان بشريحة معينة من الخلق ولم تكن تلك الديانة أو تلك الأخرى معنية أن تشمل العالم بأسره ولم يكن في الديانتين نبيا أو رسولا كمحمد جاء للعالمين.
نعم نستطيع أن نقول أن المسلمين العرب تحديدا أول من دفعوا الضريبة .نعم نستطيع أن نقول ذلك بكل وضوح أن العرب أول من دفعوا حضارتهم ضريبة للدين الإسلامي الذي آمنوا به فقد تطلب منهم أن يتخلوا وينبذوا ويتبرأو عن تاريخ عريق موغل القدم فالتاريخ الإسلامي يعطينا حقيقة جلية وواضحة تقول أن العرب عمدوا إلى التنكر ” للحضارة العربية ” و لتاريخهم العربي قبل الإسلام بحجة أنه تراث وثني لهذا نجد أن تاريخ العرب ينطلق من ما يعرف بعرب ” الجاهلية ” وترتب على هذا الفرز الخاطئ آثار خاطئة ومفاهيم خاطئة فقد صارت كلمة ” عربي ” مرادفة لكلمة ” بدوي ” الأمر الذي أدى إلى طمس الهوية الحضارية لإنجازات الشعب العربي قبل الإسلام والتي قامت على أرضه على مدى اثني عشر ألف عام قبل الإسلام والمسيحية الأمر الذي أدى بإلصاق هذه الانجازات بأقوام لا ناقة لهم بهذه الانجازات ولا جمل الأمر الذي أدى أيضا لجعل ذلك التاريخ ” تاريخ ما قبل الإسلام ” نهبا لكل طامع أو متقوّل بنسب هذه الانجازات إليه ولحضارته ، هذا الفرز الخاطئ أدى بالمحصلة إلى تحول الوطن العربي والتاريخ العربي إلى أشلاء مبعثرة بعد أن مزقت وحدته ووحدة طابعه الحقيقي الأصيل لوجوده منذ الزمن الموغل في تاريخ القدم كما أن العرب لم يبحثوا في تاريخهم كما هو المفترض ولم ينشئوا لذلك المؤسسات المضطلعة بهذا الشأن بل تخلوا عن هذا الدور إلى المؤسسات وبعثات الاستكشاف الأجنبية التي تشكلت معظمها أساسا ً في فترة الاستعمار لكافة الدول العربية لتحقيق أغراض سياسية استعمارية ثم اكتفوا بعد ذلك بنقل ما تجود به تكل المؤسسات والبعثات الأجنبية من معلومات حتى وإن كانت تلك المعلومات مغلوطة أو كانت تهدف أساسا ً إلى إلغاء الهوية القومية للمكتشفات وطمس طابعها العربي لحضارة قامت في المنطقة منذ آلاف السنين . وهنا قد يسأل أحد المسلمين ويقول : هل تعني أن الدين الإسلامي طمس حضارتنا العربية وأن الدين قتل هويتنا العربية وأن الإسلام مزق وحدتنا العربية وطابعنا العربي الأصيل ؟
الحقيقة أني لا أستطيع إلا أن أكون منصفا فمن جهة لا أستطيع أن ألقي باللوم على الدين الإسلامي لأنه دين جاء للعالمين ولم يأت ِ عربيا فقط وكان لزاما على نبي العالمين محمد العربي أن يتخطى الحواجز العربية والمساحات العربية وأن لا يعترف بحدود عربية أو جغرافيا أو تاريخ عربي مقابل تطبيق الرسالة الإلهية التي يحملها والتي يجب أن ينشرها بين العالمين وهو أيضا أول عربي تعرض للأذى بسبب تلك الرسالة التي تحث على مفهوم المواطنة باعتبار أن الوطن كله لله وأن للأرض كلها لله وعلى اعتبار جميع من آمن بدين الله ” دين الإسلام ” أخ للمسلمين في الدين له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية بغض النظر عن التقسيمات القبلية أو الطائفية أو العرقية التي جاء منها لهذا نجد أن الذهنية العربية القرشية في بادئ الأمر رفضت ما ينادى به محمد النبي واضطرت لإخراجه من مكة بعد أن حاصرته وعرضته للإهانة التي جعلته يتنقل من مكان إلى مكان حتى استقر في المدينة ونشر فيها مبادئ الدين الإسلامي ثم استطاع بعدها أن يعود إلى ” مكة ” ويفتحها و يرسخ وينشر فيها الدين الإسلامي متجاوزا بذلك الذهنية العربية أولا ومن ثم العالمين من حوله كما أمر بذلك عن طريق وحي السماء .
لكني من جهة أخرى يجب أن أعترف أيضا وأقول نعم قد يكون الدين الإسلامي فعل ذلك وذلك يعود للأسباب التي عرضتها أعلاه ولجوهر الإسلام نفسه الذي يرفض أن يقف أساسا عند قوم بعينهم أو هوية بعينها حتى لا يضطر أن يقسم المجتمعات الإسلامية على أساس الواقع القديم أو الحديث الذي يعترف بالجغرافيا والحدود والقومية وهو أمر يرفضه الإسلام الذي يرى أن نتاج كل ثقافة أو اكتشاف أو علم سواء كانت لفرد كمكتشفات وانجازات لا تنسب لهم كأفراد ولكن تنسب إلى الديانة ولا تنسب لقوم كـ ( العرب ) أو الفرس باعتبار أن معظمهم من بلاد فارس بل في الإسلام نجدها تنسب إلى أمة المسلمين وبالتالي يجب أن تصبح القومية للإسلام وحده والانتماء للإسلام وحده باعتبار أن مكتشفيها يدينون بهذا الدين ولا يلصقها بقوميتهم الحقيقية أو لحضارتهم الحقيقية مع العلم أن معظم المكتشفين والعلماء المسلمين كانوا من العجم ، ومن جهة أخرى نرى أن جميع المكتشفات أو الانجازات الحضارية التي قام بها علماء لا يدينون بدين الإسلام حتى وإن كانوا يعيشون على أرض الإسلام لا يعترف بإنجازاتهم ولا تندرج إنجازاتهم ضمن انجازات الحضارة الإسلامية كما يراها المسلمين بل نراها تندرج تحت نطاق انجازاته كفرد مستقل أو تندرج تحت القومية التي ينتمي إليها أو المكان الذي جاء منه و لا يتم ذكره مع العلماء الذي درجوا في جدول الحضارة الإسلامية باعتباره لا يؤمن بما يؤمنون به حتى وإن كان يتشارك معهم في هوية أو انتماء قبلي أو عرقي أو قومي .
والباحث في تاريخ الحضارات وفي مفهوم الحضارات يعرف جيدا أن كل حضارة وأي حضارة يقاس تطورها ومنجزاتها بنتاج وحدة شعبها أرضا ولغة وسكانا وثقافة وفنا وتراثا فبالتالي التاريخ يتناول الإنسان في مجتمعه ذاك و في تطوره ضمن شروط وجوده الطبيعية يتناول فكره وفنه ولغته واقتصاده وسياسيته ودينه وانتاجه وأدواته لهذا كان من الصعب على المسلمين أن يحددوا الحضارة بقومية بعينها أو يوجهونه لوجهة بعينها غير وجهة الإسلام لأنه وكما قلنا الكثير من التعاريف والمفاهيم تتعارض مع رسالة النبي محمد ابتداء بمفهوم الأمة وانتهاء بمفهوم الفرد المسلم نفسه ونظرة الإسلام إليه كمسلم بغض النظر عن انتمائه أو هويته أو قوميته .
لهذا نصل إلى نتيجة حتمية مفادها أن التاريخ العربي قد قُدّم أضحية فعلا ًمقابل مشروع ” الأمة الإسلامية ” حين بدأ إقحام هذا التاريخ في المعارك السياسية والفكرية وكان من أهم نتائج هذه المعارك تزوير التاريخ العربي على أيدي المغرضين والحاقدين على الإسلام وقتها وعلى أيدي المستعمرين فيما بعد وتشويهه وضرب صميم وحدته التي هي جوهر وجوده منذ آلاف السنين وحتى اليوم وبدأت عملية الزج بأقوام لا وجود لهم في المنطقة وإخراج أقوام كانوا من السكان الأساسسين في المنطقة حسب ما شاءت أيادي المزورين والمعتدين .
لهذا نجد أيضا أن بعض العابثين في التاريخ من الذين رأوا أن الدين الإسلامي أوجد لهم ثغرة يدخلون منها إلى تاريخ العرب خصوصا أن العرب بعد الإسلام كما أسلفنا تبرأو من تاريخهم قبله باعتباره تاريخيا وتراثا وثنيا ، الأمر الآخر الذي أوجد الفرصة السانحة للصهاينة والمستعمرين أن يفعلوا بالتاريخ العربي ما يشاؤون جاء في فترة الاستعمار الذي مكنهم من أن ينسبوا ويؤرخوا كما أرادوا دون أن يجدوا من يوقفهم أو يفضح تلاعبهم خصوصا أن العرب أنفسهم قد فرطوا في تراثهم وتاريخهم القديم وهذا ما حدث فعلا ً وهذا هو ما عبر عنه الباحث الفرنسي الشهير بيير روسي في كتابه ” مدينة إيزس التاريخ الحقيقي للعرب ” حيث قال : إنه جنوننا المحب للخصام الذي فرق الشعب العربي إلى شعوب كالمؤابين والعموريين والكنعانيين والآراميين والفلسطينيين والسوريين .. ولماذا ؟ لأننا معنيون بأن نميز فيهم خصوصيات عرقية وطائفية تجبرنا على أن نضع بينها ” العبرانيين ” وذلك لكي نقدم الدليل بكل ثمن على صحة العهد القديم .
ما رأيكم ؟ ألسنا نلمس هنا سجلا يحمل أبشع وأفدح أنواع التشويه والتزوير والتخريب ؟ وليس هناك أصعب ولا أخطر اليوم من تصحيح بعض المسلمات التاريخية التي أخذناها كمسلمات وهي ليست كذلك وأن نرجعها لمسارها الصحيح .
إن الصراع أعني صراع التاريخ والجغرافيا لم يعد قاصرا اليوم على ما فعلته قوى الاستعمار والامبريالية بالتاريخ العربي وبالواقع العربي من تفتيت وإذابة وقهر وبقاء على التخلف بل يتعداه إلى مدى موغل في القدم بعد أن جرت عملية زج ذلك التاريخ القديم في إيدلوجية النظام الإسلامي ومن ثم زجه في معركة الصراع الدائر اليوم حتى أصبح جزءا ً لا يتجزأ من الصراع الفكري والايديولوجي والعقائدي والسياسي هذا الصراع الذي يجب أن تصحح بعض ملامح النظرة السائدة إليه خصوصا أن رسالة النبي محمد حتى وإن كانت للعالمين إلا أن العالم لا يدين لها ككل وإن كانت النظرة الإسلامية لا تعترف بالجغرافيا ولا بالقوميات فإن هذه النظرة لا وجود لها في عالم اليوم خصوصا بعد أن حجّم مفهوم الأمة وقسم العالم إلى دويلات مختلفة وأصبح مفهوم الأمة مقتصرا على ما يعرف بـ الدولة وبالشعب الذي يعيش على جغرافيا معينة وفق نظام ودستور وضعي يحكمها بل أن الصراع عاد كما كان في السابق فلم يعد الصراع صراعا بين المسلمين وغير المسلمين بل عاد الصراع إلى ما كان عليه صراعا بين العرب والعرب من جهة وبين العجم والعجم من جهة وبين العرب و العجم من جهة أخرى صراعا بين ثقافة وفكر ونتاج العرب وبين ثقافة وفكر ونتاج العجم أو الغرب كما نعرفهم في عالم اليوم .
قد يأتي أحدهم ويسأل قائلا : سبب هذا الخلط كله أنك خلطت بين ما جاء في التاريخ وما جاءت به السياسية لهذا بت تهرف بما لا تعرف عن الإسلام والمسلمين ؟
أولا يجب أن يعرف من يريد أن يوجه هذا الإتهام إلى ّ بغض النظر عن انتمائي الديني أني أطرح مقالي هذا متقصيا فيه الحقيقة ما أمكنني وأني لم أخلط على الإطلاق بين ما جاء في التاريخ وما جاء عن طريق السياسية لأني من الذين يؤمنون حقا ً أن لا علم على وجه الكرة الأرضية أشد التصاقا بعلم السياسة من علم التاريخ وعليه أنا لا أخلط بينهما بل أنا أراهما كيانا واحدا ً لا يتجزأ عن بعضه البعض لا سيما أننا لا نستطيع أن نفصل السياسة عن التاريخ في البلدان التي احتلت أراضيها وشرد أهلها وزور تاريخها .
والمنطق يقول كما أن التاريخ يقول أيضا أن تفكك شخصية الأمة وهويتها الحضارية يبدأ حين تفقد الأمة هويتها وكيانها وتاريخها وآثارها وتبدأ في نسيان كل ذلك بالإضافة إلى أن السياسة لعبت دورا هاما كذلك خصوصا السياسة التي جاءت عن طريق الدول الاستعمارية التي فرضت على الدول العربية التي استعمرتها فيما بعد منهجا تعليميا معينا راح يبتر أوصالها وأوصال شعبها وماضيه ثم راح يغرس في أذهان الجيل القادم المعلومات المحرفة والمزورة الجاهزة بما يتناسب مع الوضع الذي تهيأ لهم سلفا .
#خالد_العلوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحقيق صحفي : المرأة السياسية.. من يحاربها ومن يسعى إلى إقصائ
...
-
تحقيق صحفي :سياسيون حددوا خارطة طريق دور الانعقاد الثالث: تع
...
-
أيلول أنا
-
لا تكوني فنجانا من القهوة الحلوة دائما
-
أنا رجل ٌ الحب يحرّكني
-
سفينة نوح
-
الدولة المدنية والدولة الدينية
-
الحوار المتمدن
-
فواصل عقلية
-
مجرد أقاويل
-
ما يحتاجه علم السيطرة
-
سيدتي الكلمات
-
القدس قضية حضارية
-
لا لقائد الضرورة
-
هل الأنظمة العربية مؤهلة للتفاوض ؟
-
كفاءة شرطي العالم
-
هل تتغير المبادئ
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|