|
يستثمرون الفرية الإسرائيلية
برهوم جرايسي
الحوار المتمدن-العدد: 2361 - 2008 / 8 / 2 - 10:54
المحور:
القضية الفلسطينية
عادت في الأيام الأخيرة لتظهر إحدى حالات البؤس الفلسطينية الداخلية الخطيرة، مع نشر صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، قبل أيام، فرية استخباراتية إسرائيلية جديدة، تزعم أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن) "هدد إسرائيل" بحل السلطة الفلسطينية في حال أطلقت سراح نواب ووزراء حركة حماس من المعتقلات الإسرائيلية. ولا يحتاج المرء لكثير من التفكير ليعرف مدى زيف مزاعم كهذه، خاصة إذا وضع أمامه عدة معطيات واضحة، أولها أن هذه الفرية، كغيرها من الفريات الإسرائيلية، تظهر من مرحلة دقيقة جدا، تتكثف فيها المساعي للعودة إلى طاولة الحوار الفلسطيني الداخلي، ولوقف حالة الاحتراب والاستنزاف الذاتي، الذي يرهق الشعب الفلسطيني برمته، ويشله في مسيرة التحرير، بإغراقه في نزاعات دموية داخلية. والأمر الثاني، هو سخافة الرواية التي وردت في صحيفة "هآرتس"، فلو افترضنا، وفقط من باب الافتراض، أنه كان لدى الرئيس أبو مازن، أو قادة في محيطه توجه غريب كهذا، فهل يُعقل أن يتم نقله إلى موظف صغير في الجانب الإسرائيلي، لينسج تقريرا "عن انطباعاته" في هذا المجال، وهل من الممكن أن يفكر أي قائد فلسطيني أن يحل السلطة برمتها، فقط من أجل إطلاق سراح قادة من فصيل خصم؟. إن الأسئلة كثيرة، ولكن لا بد من النظر إلى الأهداف الإسرائيلية من خلال النشر، فالهدف الأول والمباشر، وذكرناه هنا، هو الاستمرار في ترويج أكاذيب من شأنها أن تزيد من البلبلة والاحتراب الداخلي الفلسطيني، ففي الماضي ذكرنا هنا، أنه مع وصول أبو مازن إلى رئاسة السلطة الفلسطينية، وضعت المؤسسة الإسرائيلية هدفا لها بالقضاء سياسيا على أبو مازن في الشارع الفلسطيني من خلال نهج "عناق الدببة"، وإظهاره كـ "صديق حميم لإسرائيل وسياستها يقدم لها تنازلات". وهذا مع معرفة مسبقة بأن هذا يضعفه أمام شعبه، ولتعلن إسرائيل لاحقا أنه "ضعيف وغير قادر على تطبيق أي اتفاق يتم التوصل له"، وهي الاسطوانة الإسرائيلية التي يتم بثها من حين لآخر على لسان أبرز قادة إسرائيل، وآخرهم في الأيام الأخيرة كان الرئيس شمعون بيرس، الذي كذب حين نفى تصريحا كهذا له. ويندرج هذا في إطار مزاعم إسرائيل الدائمة، منذ العام 2000، بـ "عدم وجود شريك فلسطيني"، فقد تم تشويه صورة الرئيس الراحل ياسر عرفات في الأسرة الدولية، وإظهاره كمن "يقود إرهابا"، وعلى المستوى الفلسطيني الداخلي بأنه يسيطر لنفسه على ثروة "لا تقل من 7 مليارات دولار"، وغيرها من البدع، وكان الهدف من ذلك تقليل وزن عرفات على الصعيدين العالمي والمحلي. وشهدنا في الماضي أن جهات فلسطينية وعربية استثمرت البدع الإسرائيلية وراحت تروج أرقامها من خلال وسائل الإعلام، في أحلك ظروف الحصار الذي واجهه عرفات شخصية في مقره في رام الله في السنوات الأخيرة لحياته، وحين رحل راحت نفس الجهات تزفه لنا شهيدا. واليوم تواصل نفس الجهات ترويج بدعة إسرائيل بأن أبو مازن "قدم لها تنازلات"، ولم تسأل تلك الجهات نفسها، ما طبيعة هذه التنازلات التي ظهرت منذ أكثر من عام، ولم نسمع عن تفاصيلها حتى الآن؟"، أو أن تسأل ما هي قدرة أبو مازن، أو أي رئيس فلسطيني من قبله أو بعده على تقديم تنازلات يرفضها شعب بأكمله؟ وما قيمة تنازلات يقدمها شخص ويرفضها شعب؟. ولكن تلك الجهات لا تتردد في ترويج هذه البدع طالما أنها تخدم مصالحها الضيقة، وفقط مصالحها الضيقة، حتى وإن ضربت المصلحة العامة للشعب الفلسطيني المتمثلة بوحدته الضرورية. وبهذا فإن بضرب عرفات ومن بعده أبو مازن، مع تحييد تلقائي لحركة حماس، تظهر إسرائيل، أمام الأسرة الدولية كمن "لا شريك فلسطينيا قوي أمامها"، للتوصل معه إلى حل دائم، وهي لا تنتظر ظهور شريك كهذا، ولا تريده، وفي المقابل فإنها تواصل فرض حقائق خطيرة وقاتلة على الأرض، من خلال تكثيف الاستيطان وتسريع بناء جدار الفصل العنصري. لا يمكن وصف الفرية الإسرائيلية ضد محمود عباس، سوى أنها دعوة صريحة لتصفيته جسديا قبل تصفيته سياسيا، لأن المنطق يقول إن دعوة كهذه، "بحل السلطة بسبب..."، هي دعوة خيانية من الدرجة الأولى، من الصعب أن يستوعبها العقل. وعلى الرغم من خطورة الفرية، فإن حالة البؤس الفلسطيني تظهر من خلال ترويج بعض الأوساط لهذه الفرية، وعمليا تطبق الهدف الإسرائيلي المرجو منها، فنرى وسائل إعلام تبرز خبر "هآرتس" لساعات طويلة، مع إشارة خجولة للنفي الفلسطيني، وهذا بحد ذاته اللعب في الملعب الإسرائيلي، طالما أن فرية كهذه تدغدغ المصالح الحزبية والشخصية الضيقة لتلك الجهة أو غيرها، ولكن حين تكون حراب الفرية الإسرائيلية موجهة لنفس الجهات، فحينها يحلو لها التحدث عن الشائعات الاستخباراتية الإسرائيلية. لست مدافعا عن الرئيس عباس، ولن أتطوع لمهمة كهذه، فهو كأي شخصية قيادية أخرى ترتكب أخطاء، ولي من التحفظات على بعض توجهاته ونهجه ما يمكن استعراضها في معالجة أخرى، مثل اللقاء غير المبرر في الآونة الأخيرة مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس، وغيرها. ولكن لا يمكن السماح لتحفظات واعتراضات كهذه أنه تسقطنا في مكائد ومصائد إسرائيل، التي تضعها لخدمة سياستها وأهدافها الاستراتيجية، وعلينا ان نعي حقيقة أن كل الساحة الفلسطينية معرضة لضربات إسرائيل، فإن كانت إسرائيل اليوم تبرز في توجيه ضربات مؤسسات حركة حماس، فهذا يأتي بعد سنوات من القضاء الفعلي على مؤسسات السلطة الفلسطينية الأمنية والمدنية على حد سواء، ويجب أن نذكر كيف بدأ العدوان على الشعب الفلسطيني في أواخر العام 2000، وكيف أنه لم تسلم أية مؤسسة فلسطينية تابعة للسلطة من الفلسطينية من ضربات الاحتلال. إن واجب الساعة يتطلب حكمة ونزاهة وطنية، وتغليب المصلحة العامة، في مواجهة الحرب النفسية المنظمة التي يشنها الاحتلال على سائر أبناء الشعب الفلسطيني، وعدم استثمارها لمصالح ضيقة، تتسبب بالدمار أكثر من الدمار الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني على المستوى الداخلي وفي مواجهة الاحتلال ومشاريعه.
#برهوم_جرايسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاذ والعام في جيش الاحتلال
-
الانتخابات البرلمانية ليست بالضرورة في العام القادم
-
-جرافة القدس-: عملية أم حادث وتصفية؟
-
إسرائيل وإيران والنفط
-
إسرائيل ومسامير جحا
-
العنصرية والقضاء الإسرائيلي
-
الشارع الإسرائيلي -يتخلى- عن الجولان
-
التبعثر السياسي الإسرائيلي يستفحل
-
إسرائيل و-ديمقراطية الفساد-
-
الحراك التفاوضي وشلل أولمرت
-
حكومة أولمرت -بسبع أرواح-!
-
مصير أولمرت ومصير المفاوضات
-
باراك وسياسة الأرض المحروقة
-
أولمرت وسورية
-
الجائع يناضل من أجل الخبز فقط
-
بيرس من النووي إلى النانوية
-
القدس ويافا وأخواتهما
-
الإرهاب وإسرائيل
-
معضلة باراك و-العمل- المزدوجة
-
أولمرت واستيطان القدس
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|