|
شهداء البنزين في امريكا وشهداء الخبز في مصر
نجاح بدران
الحوار المتمدن-العدد: 2353 - 2008 / 7 / 25 - 06:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على اثر ارتفاع اسعار المواد الغذائية ومن بينها اسعار الخبز في مصر قتل عدد من المواطنين المصريين وسط الزحام الذي اكتظت به ابواب المخابز فاعتبرت احدى الهيئات الدينية المصرية من قتلوا في سبيل الحصول على رغيف الخبر الشهداء. واطلق عليهم "شهداء الخبز" لكن هنا في الولايات المتحدة القتلى (او الشهداء مجازا) هم من نوع اخر فهم ليسوا من الفقراء ذوي الحاجة لرغيف الخبز فقط بل ومن اصحاب الملايين وايضا من اصحاب البلايين من الشركات وفي مقدمتهم البنوك التجارية ، وشركات الرهن العقاري. وربما يتصور البعض خطأ ان البلاد الفقيرة هي فقط التي تطحنها الازمات الاقتصادية، فالولايات المتحدة تعاني من ازمة اقتصادية خانقة ومعها كافة البلدان الراسمالية. وما الازمة في بلدان العالم الثالث ومنها بلادنا العربية الا نتاجا لازمة الراسمالية العالمية، كون حكومات بلادنا رضيت ان تكون سوقها تابعا للولايات المتحدة والغرب الراسمالي ، واعتمدت في توفير احتياجاتها الاساسية على الاسواق الغربية فيما جلس المواطنون العرب كسالى حيارى اقصى ما يطمحون اليه هو وظيفة في احدى المؤسسات الحكومية. ومن يحالفه الحظ يحصل على اجازة من وظيفته الحكومية ليهاجر الى الخليج او الدول الاوروبية بحثا عن فرصة عمل.
واهم ملامح الازمة الاقتصادية في امريكا هي: اولا : الارتفاع الحاد باسعار المواد الغذائية والاستهلاكية على السواء فمنذ بداية العام ارتفعت اسعار السلع الغذائية الرئيسية بنسبة تراوح ما بين 15 و 25 بالمائة وعن نفس الفترة من العام الماضي بنسبة تتراوح من بين 35 و70 بالمائة، وشملت هذه الارتفاعات جميع السلع الرئيسة ومن اهمها (الذرة، القمح، السكر، زيت الطبخ، الارز، اللحوم، الاسماك، الفواكه والخضاروالحبوب) . فاصبح سعر حبة التفاح في اماكن بيع التجزئة دولار تقريبا ، وسعر جالون الحليب حوالي دولارين وربع ، وسعر جالون العصير 3 دولارات ، وسعر كيلو الخبز حوالي دولارين ونصف وسعر جالون زيت الطبخ ستة دولارات ، مما القى على ميزانية الاسرة الامريكية اعباء كبيرة دفعت نسبة لا باس بها من المواطنين الى الانحدار الى صفوف الطبقات الفقيرة (طبعا بمقاييس امريكية) حيث تجدر الاشارة الى ان متوسط دخل الفرد في الولايات المتحدة يبلغ 30 الف دولار سنويا أي مع يعادل 150 الف جنيه، فيما دخل الفرد في مصر سنويا يبلغ 200ر3 دولار أي ما يعادل 7000 الاف جنيه مصري.
ثانيا : لقد ادى الارتفاع الحاد في اسعار الطاقة الى ارتفاع مستوى التضخم باسرع وتيرة في خلال ستة اشهر فالارتفاع الكبير في اسعار البنزين والطاقة ساهم في رفع أسعار المستهلكين خلال شهر مايو/ ايار الماضي باعلى معدل منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. فقد زاد سعر البنزين بنسبة 5.7 بالمائة الشهر الماضي بسبب ارتفاع اسعار النفط العالمي حيث لامس سعر البرميل الواحد من الخام 147 دولارا في بعض جلسات التداول في بورصة لندن . واثر ذلك برفع اسعار المستهلكين بنسبة 0.6 بالمائة الشهر الماضي وحده ، ليبلغ معدل التضخم حوالي 5 في المائة وهو احد مصادر القلق الرئيسية للخزينة العامة الامريكية التي ما انفكت تخفض سعر الفائدة لدعم النمو. وفي ذات الوقت كشفت البيانات الحكومية عن ارفاع معدل البطالة بنسبة 5.5 بالمائة، وهي اعلى نسبة بطالة تشهدها الولايات المتحدة منذ 20 عاما. مما ادى الى المزيد من التراجع في سعر صرف الدولار، لينعكس بالتالي على زيادة الضغوط على ميزانية الاسرة الامريكية ومعدلات الاستهلاك خصوصا وان نسبة كبيرة من السلع الاستهلاكية في السوق الامريكي منشاها صيني وياباني. ومع ان الاسعار كافة السلع والمنتجات شهدت ارتفاعا جنونيا الا ان حديث الناس الدائم والرئيسي هو عن سعر البنزين. فمن المعروف ان الاسؤة الامريكية اشتهرت في القرن الماضي بامتلاكها سيارتين كدليل على الترف والحياة الرغيدة. لكنها الان لا تستطيع في الغالب قيادة سيارة واحدة بسبب ارتفاع سعر البنزين حيث بلغ سعر الجالون (5 ليترات) 25ر4 في بعض الولايات ولا يقل عن 10ر4 دولارات في جميع الولايات.مما زاد الضغط على وسائل النقل العام. وادى ارتفاع سعر البنزين الى شيوع مشهد لم يكن مألوفا حتى وقت قريب ، حيث يمكن خلال رحلة من نيويورك الى واشنطن او كناتكت (تستغرق المسافة ما بين ساعتين الى 3 ساعات) مشاهدة عشرات السيارات المتوقفة على يمين الطريق لخلوها من البنزين قبل محطات تعبئة الوقود بمسافة ميلين او ثلاثة اميال. حيث تخلى الامريكي مجبرا عن ترف تعبئة خزان سيارته كاملا بالوقود واصبح يشتري فقط ما يكفيه المسافة التي يريد قطعها، وكثيرا ما تكون الحسابات غير دقيقة. وهذا ادى الى ازدياد وقوع الحوادث وسقوط قتلى وجرحى بسبب تخفيف السرعة المفاجيء على الطرقات السريعة المزدحمة، فاذا كان القتلى (الشهداء) يسقطون في مصر على ابواب المخابز بسبب رغيف الخبز فانهم بامريكا يسقطون على الطرقات السريعة وغير السريعة في شوارع المدن المزدحمة بسبب البنزين. رابعا : لكن السبب الاكثر اهمية في تردي الوضع الاقتصادي الامريكي يرجع الى ازمة الرهونات العقارية والتي ادت الى حالات افلاس لمئات الالاف من اصحاب الملايين، والى خسائر فادحة للبنوك التجارية تجاوزت حتى شهر يونيو / حزيران الماضي ترليون دولار (1000 مليار دولار). مما ادى الى تسريح عشرات الالاف من العمال والموظفين ، وتوقف عن العمل مئات الالاف من العمال والفنيين في قطاع المقاولات ، التي افلس الكثير منها. فخلال الاسبوع الحالي اعلنت شركة التمويل العقاري العملاقة واشوفيا Wachovia Corporation عن تسجيل خسارة بلغت 9ر8 مليار دولار خلال الربع الاول من العام الحالي، كما اعلنت عن الغاء 750ر10 الاف وظيفة (أي ان 750ر10 شخص سيتم انهاء اعمالهم) . وفي نفس اليوم الثلاثاء الماضي اعلن بنك واشنطن ماتشيوال Washington Mutual عن خسائر في الربع الثاني من العام الحالي بلغت 33ر3 مليار دولار، واضاف انه رفع احتياطياته لمواجهة الخسائر الناتجة عن ازمة الرهونات من 74ر3 مليار دولار الى 46ر8 مليار دولار. وفي نفس الوقت هبطت قيمة المنازل بمختلف انحاء الولايات المتحدة بشكل كبير تجاوز في فلوريدا على سبيل المثال نسبة 50 بالمائة ، مما عرض الملايين الى ازمة مالية خانقة ليس فقط تتعلق بالعجز عن السداد بل ايضا تراجع معدل البيع والشراء بنسبة كبيرة ، نظرا للسياسة الجديدة المتحفظة التي وضعتها شركات التمويل العقاري والبنوك التجارية على اللقروض العقارية. هذه بعض ملامح صورة الوضع الاقتصادي في امريكا في الوقت الراهن وقد يتسائل البعض وما علاقة هذه الوضع الاقتصادي الامريكي بالقضية الفلسطينية او باحلال العراق وقد يظهر شخص من فلتات الزمان ليعلق على المقال كما علق احدهم بالامس قائلا بما معناه "انكشف المستور بعد ذاب الثلج فنجاح تروج لامريكا" . ان العلاقة بين ما جاء اعلاه وبين قضية شعبنا الفلسطيني ، وقضية الشعب العراقي وبالدور الامريكي على مستوى العالم من قاعدة ان السياسة والاقصاد وجهين لعملة واحدة " ومهوم فلسفي وتاريخي وسياسي ادق تنطلق من مقولة ماركسية مفادها "ان الاقتصاد هو المحرك الرئيسي للتاريخ". فالضعف الاقتصادي لامريكا سيضعف دورها وتأثيرها عالميا، وبما ان الطاقة تشكل واحدا من اهم عناصر ضعفها في الوقت الراهن ولما كانت بلاد العرب تمتلك 40 بالمائة من احتياطي النفط العالمي، فان هذا يحسن من الموقع التفاوضي العربي، ويمكنه من انتزاع تنازلات اكبر من الولايات المتحدة. وقد يقول الكثير من السذج ان الانظمة الحاكمة عميلة ومرتبطة بذيل امريكا وانها لا تجروء حتى على التنفس امام امريكا، واقول لهؤلاء انهم مخطئون تماما فالانظمة العربية على ضعفها وتشتتها الا انها تقاوم ببسالة وفق سياسة فن الممكن الضغوطات التي تتعرض لها وتسعى بما تمتلكه من قوة للحفاظ على مصالحها وانتزاع المزيد من حقوقها وحريتها واستقلالها، وتلعب دورا مركزيا في دعم القضية الفلسطينية. لكن حكوماتنا بحاجة الى مزيد من الفعل الشعبي للضغط عليها من ناحية ولتقوية موقفها التفاوضي من ناحية اخرى ولذا فانني اناشد كافة الزملاء الكتاب والمثقفين ان يلعبوا دورا مركزيا في ضبط وتوجيه المفهوم الشعبي المنطلق من (لا دراية او وعي) بمفاهيم الصراع واسسه ووسائله. واؤكد ان حالة الضعف التي تمر بها امريكا وهي الاكبر منذ عشرين عاما ، تسمح لنا لو اجدنا ادارة الصراع ، وركزنا على تعظيم مكامن القوة التي تمتلكها شعوبنا وبلادنا ، وفي مقدمتها الامكانات الاقتصادية الهائلة ، والعمل باقصى طاقة على تنمية الموارد البشرية، بما يؤدي الى زيادة الخبرات والمهارات، فان الكثير من حقوقنا تصبح بمتناول الايدي. واعتقد بقوة ان تحقيق الانتصار والوصول الى اهدافنا الكبرى انما يتحقق عندما تتوجه كل الجهود الى البناء، بناء الانسان اولا (خبرة ومهارة وعمل جاد باخلاص وتفان)، وبناء اقتصادات بلادنا على اسس حديثة ثانيا ، وتعظيم قيمة الامل والتفاؤل والعزيمة والاصرار على النهوض ببلادنا ثالثا، فان ذلك سيحقق الكثير من امانينا وطموحاتنا واهدافنا. فهل يتبارى كتابنا ومثقفينا ومفكرينا في ميدان زيادة الوعي والخبرة لدى شعوبنا، ويتنافسوا في رصد وتحليل وتقييم الظواهر المرتبطة بقضايانا؟. ام سيبقوا غارقين في الخطاب الاعلامي الوجداني العاطفي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع؟. ملاحظة: لا استقبل الملاحظات او التعليقات المصحوبة باسماء وهمية ، فكل من تحدثه نفسه ولا يمتلك الجرأة على التعريف بشخصه على الاقل باسم من مقطعين وبعنوانه الالكتروني، فلا يتعب نفسه بالتعليق او ابداء الملاحظات. نجاح بدران [email protected]
#نجاح_بدران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة الى السيد اوباما : لن نقبل باقل من دولة فلسطينية مستقل
...
-
اقامة دولة فلسطينية احد شروط تحسين صورة امريكا في العالم
-
الحواجز الامنية تحيل واشنطن الى -بغداد- او رام الله
-
الشيخ حسن نصر الله يكذب
المزيد.....
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
-
زاخاروفا ترد على تصريحات بودولياك حول صاروخ -أوريشنيك-
-
خلافات داخل فريق ترامب الانتقالي تصل إلى الشتائم والاعتداء ا
...
-
الخارجية الإماراتية: نتابع عن كثب قضية اختفاء المواطن المولد
...
-
ظهور بحيرة حمم بركانية إثر ثوران بركان جريندافيك في إيسلندا
...
-
وزارة الصحة اللبنانية تكشف حصيلة القتلى والجرحى منذ بدء -ا
...
-
-فايننشال تايمز-: خطط ترامب للتقارب مع روسيا تهدد بريطانيا و
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|