زهير دعيم
الحوار المتمدن-العدد: 2353 - 2008 / 7 / 25 - 08:55
المحور:
الادب والفن
كعادتي ، أسوق سيارتي على مَهل في داخل البلدة، وكلّ بلدة، خاصةً في أشهر العطلة الصيفيّة، حيث تمتلئ الشوارع بالأطفال الذاهبين أو العائدين من المخيّمات الصيفيّة ، أو اللاعبين في ساحات البيوت وحتى في الشوارع.
وبالأمس فقط، وفي ساعات العصر ، وبينما كنت اركب سيارتي وأسير بتأنٍّ في منحدرٍ صعب في احد شوارع البلدة ، لم ادرِ وإذا أمامي تتدحرج طابة ملوّنة ، فعرفت بفطرتي أنّ هناك طفلا ً يركض خلفها، فخفّفتُ من السُّرعة ، وعملت جاهدا على أن أتحاشاها، لئلا تقع تحت الإطارات فتتمزق . وحدَثَ ما خِفتُ منه، فرغم حذري ، أبت هذه الطابة الملوّنة إلا أن تُهرس تحت العجلات.
وانتحيت بسيارتي جانبًا ، في مكان بعيد لا يُعطّل حركة السّير، ثم نزلت منها واتجهت نحو الطابة المُصابة.
وإذا بطفل صغير ، أشقر الشّعر ، ليليّ العينين يُمسك بها ويتأملها بحزن والدموع تنهمر على وجنتيه.
تضايقت كثيراً لهذا المشهد المؤثّر ، ثم سألته
- أهي لَك؟!
- نعم ، لقد اشتريتها في صباح هذا اليوم ..لقد كسرت مُحصّلتي من أجلها.
وعادَ الطفل ينظر إليها طويلا ً ويبكي ثم همَّ بالعودة وهو يحتضنها.
وداعبته بحنان ، وعرضت عليه أن أشتري له طابة مُلوّنة بدلها ، فأنا الذي هرسها تحت العجلات . وحرّك الطفل رأسه بشمم.. وقال لا.... أنا السبب، لا دخل لك في هذا .ومع كلّ الأساليب التربوية التي أعرفها عجزتُ عن اقناع هذا الصغير بقبول طابة جديدة ملوّنة اشتريها له.
وحَمَلَ الطفل الطابة المصابة وقفل عائدا ً إلى بيته.
اما أنا فقد صفّقت له ، صفّقت لهذا الإباء التي يسكن في عروقهِ، ولعزة النفس التي تعيش فيه.
لقد كبر في عينيَّ ..كَبَرَ كثيرًا .
واليوم ، إن حَصَلَ وشاهدتم سيارتي، سترون بداخلها طابة جديدة مُلوّنة، اقتنيتها خصّيصًا لئلا أقع في مثل ذاك الظرف ، الذي ما زال ماثلا أمام عينيّ ، أو لربما صادفت من جديد ذاك الطفل الأشقر الشَّعر الليليّ العينين ، وأقنعته بقبول الطابة ...أتراني أحلمُ ؟!
#زهير_دعيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟