مما لا ريب فيه أن مشاركة المرأة الفلسطينية في صنع القرار وعدد المقاعد التي ستحرزها في الأنتخابات القادمة تعكس مدى تقدم وتطور المجتمع, ونجاح المرأة في الأنتخابات سواء أكانت تشريعية أم محلية, تعتبر أحد أدوات القياس ومرآة عاكسة لما يلي:
أولا: أداة قياس الديمقراطية الفلسطينية.
ثانيا: أداة قياس لمدى أحترام المجتمع لمبدأ المشاركة, و تحديدا للفئات المهمشة و الضعيفة ومن هم في حكم الأقلية.
ثالثا: أداة قياس للشوط الذي قطعته قضية المرأة نحو التحرر في المجتمع.
ومنذ أن أعلن عن التوجه لأجراء الأنتخابات و تشكيل لجنة مركزية للأعداد و التحضير لهذه الغاية, نشطت المنظمات النسوية و مؤسسات المجتمع المدني في العمل من أجل وضع خطط وتوجهات لمشاركة أوسع للمرأة في الأنتخابات القادمة, ولهذه الغاية شكلت لجان محلية في بعض المحافظات كرام الله ونابلس و غزة, تهدف الى تحقيق مشاركة أعلىللمرأة في العملية الأنتخابية على جميع الأصعدة,بدءا بتفعيل مشاركتها كناخبة وحقها وحريتها في أختيار وتحديد القيادات القادمة بشكل مستقل دون وصاية من أحد,مرورا بمشاركة فاعلة في لجان الأنتخابات المركزية و الفرعيةذات المهام الأجرائية كلجان التسجيل و الرقابةوالفرز و التدقيق و الطعون, وأنتهاءا بكونها مرشحة تملك ذات الحقوق و الواجبات التي كفلها لها القانون الأساسي , ومن أجل ذلك أيضا رفعت المذكرات و المطالب المعبّرة عن أرادة مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني من أحزاب و جمعيات و مؤسسات أهلية تطالب بوضع قانون أنتخاب ديمقراطي يتضمن كوتا أنتخابية للمرأة كاجراء مؤقت يعوض عن ما لحقها من تمييز جعلها في وضع لا يمكنها من المنافسة.
هدف الحركة الوطنية والمجتمعية كبير, وتحقيقه تقف دونه عقبات لا يمكن التقليل من شأنها في ضوء أسئلة المصير الفلسطيني و في ضوء الوضع الأجتماعي و الثقافة الأجتماعية السائدة التي تلعب دور المعيق الرئيسي في هذا المجال, وما له علاقة بالقانون الذي ستجري على أساسه الأنتخابات , ومدى أستجابته لمطالب مراكز القوى في المجتمع الناشئة من واقع تجربة الأنتخابات السابقةو الواقع الذي خلقته لاحقا, بالأضافة الى ضعف مبنى المنظمات النسائية على أختلاف مسمياتها ومرجعياتها, هذه العقبات و غيرها تقف في وجه تحقيق الطموح و الهدف, والتي يمكن أبراز الأكثر جوهرية منها فيما يلي:
المفاهيم الذكورية في المجتمع:
ليس بجديد القول بأن المجتمع الفلسطيني ما زال مجتمعا ذكوريا, فالأطار المفاهيمي التقليدي الذي يعتقد بأفضلية الرجل في القيادة و العمل السياسي والأقتصادي, يقف بوجه المرأة مقيدا حصولها على كامل حقوقها السياسية دون وجود نصوص قانونية تقيد هذا الحق, فبحكم تركيبة المجتمع الذكورية و العشائرية نجد أن الذكور يتحكمون بقرار المرأة وهم أصحاب الكلمة النهائية في تقرير مشاركتها في العمل العام و حتى في توجيه الأصوات الأنتخابية للعائلة و لنسائهاعلى وجه التحديد.
قانون الأنتخابات:
قانون الأنتخابات الذي ستجري على أساسه العملية الأنتخابية سيكون له الأثر الواضح في مستوى و فاعلية مشاركة المرأة, سواء أعتمد قانون الدائرة الواحدة كما تطالب القوى السياسية , أو قانون الدوائر المتعددة الذي جرت على أساسه الأنتخابات التشريعية السابقة, أو أذا تم الأخذ بقانون النظام المختلط كحل وسط ما بين النظامين, كما أن أخذ المشرع بنظام الكوتا النسائية سيكون له الأثر الأكبر في أعطاء زخم و فاعلية لمشاركة المرأة في الأنتخابات وعدم الاخذ به سيقود حتما الى اقصائها أو الى هروبها من حلبة المنافسة.
واقع الحركة النسائية:
رغم أن الحركة النسائية الفلسطينية ليست حديثة التكوين , فتاريخها يعود لتاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية, الا أنها ومنذ عقد من الزمن تعاني من مظاهر الضعف و التشتت, وتسود العلاقات التنافسية بديلا للعلاقات التكاملية, وحال المرأة و وجودها في الأحزاب ليس بأحسن من حالها في المجتمع, هذا الواقع لا يمكن أن يشكل رافعة أنتخابية تعتمد عليها المرأة للوصول و النجاح.
نظرة المرأة لذاتها و وعيها لحقوقها:
أن وعي المرأة لحقوقها و قضيتها ولذاتها ا ولدورها لا زال يشوبه الكثير من النواقص و العيوب, فثقة المرأة بقدرتها وبقدرة غيرها من النساء لأمكانية قيامها بأدوار قيادية في المجتمع محدودة ومهزوزة, وهذا له علاقة بالتأكيد بالمفاهيم السائدة التي تتبناها المرأة حول تقسيم العمل في المجتمع و الأدوار الإجتماعية لكلا الجنسين, وله علاقة أيضا بتبعية المرأة التقليدية للرجل المقرر في الأسرة, وبالتالي فإن إرادتها و صوتها سوف يوجهان في أغلب الأحيان الى المرشحين وليس الى المرشحات(في الأنتخابات الأخيرة أنتخبتت54% من النساء رجالا, بينما أحجمت 29% منهن عن الأنتخاب لعدم ترشح النساء في دوائرهن).
لهذه المعيقات و لغيرها كالاعلام والكيفية التي يعكس من خلالها صورة المرأة ومدى إيلائه الإهتمام الكافي , ومكانة المرأة الإقتصادية وقدرتها المالية كناخبة و مرشحة (قدرت محصلة مصاريف الحملة الإنتخابيةالسابقة للمرشح الواحد بثلاثون ألف دولار) ستجعل المرأة في موقع تنافسي ضعيف, و عليها ودونما تلكؤ ممثلة بأطرها ومؤسساتها أن تعيره الأهتمام الكافي, لتخفيف آثاره الضارة على الإنتخابات ودور المرأة فيها على طريق إزالته, إذا ما تم معالجته ومواجهته بدأب و ضمن خطة منهجية.
وفي هذا المجال فإن تحقيق الفوز لا يتم إلا إذا وضعت خطط تعالج على المدى المباشر الهدف المتمثل بإيصال أوسع عدد من النساء الكفؤات لمراكز صنع القرار عن طريق الإنتخاب كما يلي:
أولا:
التكامل بديل للتنافس:
* توحيد جهود المنظمات النسائية وإستبدال العلاقات التنافسية غير الصحية السائدة بالعلاقات التكاملية التي تفسح المجال أمام الجميع للعمل والجهد بتغليب مصالح قطاع المرأة و وجودها وتقدمها على المصالح التنافسية الصغيرة التي تحجّم المرأة و تعيدها للوراء, وفي هذا المجال أرى أذا ما تم أعتماد نظام الكوتا الانتخابية أن يفسح المجال أمام جميع من تطمح أو ترى في نفسها القدرة و الأهلية و الكفاءة للترشيح ,أما اذا لم تعتمد الكوتا,فمن الممكن أن يتم البحث عن توافق على مرشحات محددات يتم اختيارهن من المنظمات والشخصيات النسوية الفاعلة,ممن يمتلكن القدرة والكفاءة و المهنية والرصيد الكفاحي والحقوقي,ولمن يمتلكن فرص تنافسية أوسع من غيرهن, دون أن يشكل هذا التوافق كابحا أمام من تشاء للتقدم والترشيح, هذا التوجه في حال إقراره سيجنب المرأة تشتيت الأصوات و بعثرتها وهو أمر ليس لاحد مصلحة به.
* حسنا فعلت المنظمات النسوية التي عملت على تشكيل لجان تنسيقية على مستوى المحافظات للنهوض بوضع المرأة في اللانتخابات, ولا يزال الوقت يسمح لان تحذو باقي المحافظات حذوها بإجراء خطوات مشابهة فالعمل المبكر يعطي ثمار ونتائج أفضل, وهنا لا بد أن تعمل هذه اللجان على أن تتوجه للمجتمع ككل,و على أن لا تحصر نفسها بالعمل في أوساط النساء على ضرورته وأهميته, بل أن الأنفتاح على المجتمع ككل هو الأساس في توفير المناخ والجو المناسب للحملة الأنتخابية الناجحة على أساس مفهوم المواطنة دون الوقوع في فخ تمثيل القطاع النسائي و القضايا النسائية, بل لتمثيل الشعب و قضاياه برمتها, ومن هنا يجب أن تحرص الراغبات بالترشيح للهيئة التشريعية على وجه الخصوص أن يولوا الأهتمام الكافي للقضايا الوطنية والسياسية وبلورة المواقف اتجاه القضايا المختلفة,اضافة الى الالمام بالقانون والتشريع.
ثانيا
دور الأعلام:
بات الإعلام يلعب دورا رئيسيا ومفصليا في عملية الترويج السياسي, وفي تشكيل الرأي العام, لذلك من البداهة أن يبذل الجهد الكافي بإتجاه الإعلام للعمل على تعديل الصورة النمطية للمرأة فيه , ومن أجل تجسير الفجوة القائمة الهاضمة لحق المرأة في الظهور في المنابر المختلفة لتتحدث في قضايا الساعة السياسية وفي القضايا القانونية والإقتصادية, ومواجهة كل المحاولات و التوجهات التي تتم بقصد أو بدون قصد لحصرها بقضيتها وبأدوارها المعتادة المستمدة من تقسيم العمل المنزلي بإعتبارها ضلع قاصر.
ثالثا
العلاقة مع القوى السياسية و النقابات المهنية و العمالية:
من الواضح أن مشاركة النساء في الحياة السياسية و العامة متدنية, و هذا في جزء منه له علاقة بعزوفها عن العمل الحزبي و السياسي والعام منذ وقت من الزمن, وفي جزئه الآخر ناجم عن سياسات تمييزية تجاه المرأة من قبل المؤسسات و النقابات المهنية و العمالية, وهو ما يعني أن عليها بذل جهود مضاعفة مع الأحزاب و النقابات من أجل التعاون فيما بينهم للضغط بإتجاه قانون الإنتخابات المنشود كشركاء تجمعهم رؤيا واحدة في هذا المضمار,وأن تفاوضهم كحركة اجتماعية موحدة ذات نفوذ سياسي ومطالبتهم بتخصيص مقاعد للنساء في الإنتخابات الداخلية للتنظيمات السياسية و إعطاء مقاعد أولوية في الإنتخابات العامة,وعلى ذات القاعدة وفي العلاقة مع النقابات المهنية و العمالية يجب العمل و التقدم بمبادرات منتظمة لضمان إنتخاب النساء في المستويات القيادية في المدى المباشر.
وأخيرا في هذه العجالة وفي الظرف الفلسطيني الراهن, وفي المساحة الخاصة بالقضايا الاجتماعية نحن بحاجة دائما لخطط وبرامج تحقق الاهداف المباشرة,لكنها لن تكون كافية اذا ما أردنا تحقيق التغيير الاجتماعي وارساء الديمقراطية,فالى جانب العمل على الاهداف الموضوعة للتحقيق على المدى المباشر,نحن بحاجة بالتأكيد الى عمل متراكم و خطط إستراتيجية و برامج تصنع التغيير الإجتماعي وفي الرأي العام, ولكسر الصورة النمطية للمرأة بعيدا عن المكاسب السريعة المعرضة للتبديد, و بعيدا عن العمل على طريقة الهبّات و المواسم على أبواب الآنتخابات و المناسبات و الأحداث, خطط و برامج تهزّ جذور التمييز و عدم المساواة,خطط تفتح على نقاش المناهج الدراسية و أثرها على تأسيس أجيال تؤمن بالديمقراطية و المواطنة و تخلق القناعة بينهم بأن لا مكان لثقافة التمييز في المجتمع الفلسطيني, خطط و برامج تتصدى وتناقش المفاهيم البالية التي تغذي واقع التمييز والتهميش الذي تعاني منه المرأة على طريق نبذها واستبدالها بقيم المساواة و العدالة.