|
حمو يحكي بأصله .. إنه مجرد عبد
ربحان رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 2349 - 2008 / 7 / 21 - 08:48
المحور:
الادب والفن
حدثني والدي محمد أديب عن والده ابراهيم آغا رمضان ، عن جده الحاج رمضان كلش ، عن جد أبيه محمد كلش ، عن جد جدّه أحمد كلش ، عن والد جد جدّه كلش شيخاني القادم من قرية ( قروك) الواقعة بالقرب من ديار بكر المعربة عن اسمها الأصلي (آمد) والتي ولد فيها العلامة (الآمدي) أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم، سيف الدين الآمدي، والذي تعرض لاتهام الفقهاء له بسبب ميله إلى العلم العقلي وأهدرسيف الدين علي بن أبي علي دمه لإنه أورد على نفسه سؤالا في تسلسل العلل، وزعم أنه لا يعرف عنه جوابا، وبنى إثبات الصانع على ذلك، فلا يقرر في كتبه إثبات الصانع، ولا حدوث العالم، ولا وحدانية الله، ولا النبوات، ولا شيئا من الأصول الكبار. فقيل : إن هذا يدل على كمال ذهنه، إذ تقرير ذلك بالنظر لا ينهض، وإنما ينهض بالكتاب والسنة . والخطاط حامد الآمدي الذي يعد أحد عباقرة فن الخط وشيخ أقطاب أهل هذه الصناعة ، حتى أن بعض الباحثين والمفكرين وصفوه امتداداً للعظماء الثلاثة الذين كتبوا في تاريخ الكتابة سِفراً لا يمحى على مر العصور والأزمان ، " ابن مقلة ، وياقوت المستعصمي ، وابن البوّاب * 1
كما ولد فيها زين الدين علي بن أحمد الآمدي العابر والذي يرجع إليه - دون سواه - الفضل كله في ابتداع الكتابة البارزة للعميان (بريل) ، حيث أنه استنبط في سنة 1829م الأسلوب المنسوب إليه لتعليم العميان القراءة والكتابة، وقد خُلِّد اسمه وشرفه الفرنسيون بهذا الاستنباط الخطير، الذي أخذت به أمم العالم في تعليم العميان. حدثني والدي رحمه الله فقال أنه كان في تلك القرية آغا اسمه سعيد آغا شيخاني ، وكان قد ربى عنده عبد اسمه (سرور) بقي يخدمه ، يعتني به ويقضي له حوائجه طيلة الستون عام التي عاشها في كنف الآغا . ومن حب الآغا له وتقديرا ً لخدمته له فقد غير له اسمه من سرور (اسمه الأصلي) إلى حمو ،واعتبره أخ له وليس عبد . كان للآغا صاحب يشابهه في المكانة والاحترام يعيش في جزيرة بوتان موطن عائلة البدرخانيين الأكراد اسمه حسو آغا . ذات مرة قال حسو آغا لسعيد آغا أنه ينوي السفر إلى مكة لأداء فريضة الحج فترجاه سعيد آغا أن يصطحب معه (حمو) لأداء الفريضة ، وذلك رد جميل للسنوات الطويلة التي قضاها حمو في خدمته . فوعده حسو آغا بتلبية طلبه على الرحب والسعة ، خدمة من صاحب لصاحبه ، ومن أخ لأخيه ..
فأعدّ سعيد آغا حوائج السفر لحمو ، وجهز له مبلغا ً من المال ليساعده في الطريق .
ولما كان يوم السفر ودعهما سعيد آغا قائلا لحسو : تركت لديك أمانة فحافظ عليها بعهد الأخوة التي تربطنا .
ركب الآغا (حسو) ناقته ، جرّها حمو وانطلقا نحو الجنوب متوجهين إلى الحج . مرّا بنصيبين التي روي بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنها : " ُرفعت يوم ُأسري بي فرأيت مدينة أعجبتني فقلت : ياجبرائيل ماهذه المدينة ؟ قال : " نصيبين " فقلت : " اللهم عجـّـل في فتحها واجعل فيها بركة للمسلمين ** ." ثم مرّا بقرية تل شعير غرب مدينة القامشلي (اليوم )التي أقام فيها الكاتب و الأديب الكردي المرحوم ملا أحمد نامي و ملا يوسف قرطميني) ملا على – وملا حسين اومركي ) . كان الآغا يتبادل مع حمو في ركـوب الناقة ، مرة يجرّها حمو ، ومرة يجــرّها الآغا ، يتقاسما الحراسة مناصفة ، ويناما بالتناوب خشية وحش ضاري أو مجرم يقصد المال .. اجتازا البادية السورية حتى وصلا مشارف دمشق فأقاما فيها عشرة أيام في محلة تسمى بالصالحية ، والتي انقســمت قسمان ، أحدهما حي الأكراد ، والثاني الصالحية . أخذه معه ليزورا قبور الأكراد الأيوبية ، ومدارس العلم المبنية خلال العصر الأيوبي في سوق يسمى بسوق الجمعة ، فيأكلا اللحم المشوي ، ومالذ وطاب من فواكهه دمشق ، ويشربا العرقسوس و(المتة) التي كانت رائجة في تلك الأيام . تجولا في سوق الحميدية ، وسوق الذن ، وسوق الصاغة / وسوق مدحت باشا .. اشترى الآغا إزار حج لنفسه وإزار حج لحمو ، وحقيبة ربطها بخصره لحفظ الدراهم ومثلها لحمو ، وحذاء ، ومثله لحمو وموس حلاقة ، ومثله لحمو .. وأشياء كثيرة أخرى اشتراها له ولحمو .. تابعا طريقهما جنوبا ً إلى بصرى الشام ( درعا ) فأخذه إلى المدرج الروماني الشهير ، وتناولا الطعام في المسجد الصغير غرب المدينة . ومرا بالكرك و الشـــوبك التي سقطت في يد صلاح الدين ســنة 584 هـ / 1188 م . ثم تابعا حتى وصلا صفد التي تنازل عنها الصالح إسماعيل صاحب دمشق كعربون صداقة وتحالف ضد الصالح أيوب في مصر ، ودخلاها من " حارة الأكراد " . ثم تابعا طريقهما حتى وصلا إلى تبوك مرورا ً بالرحبة ، وذي المروة ، ثم بذي مر ، ثم السويداء ، ثم بذي خشب ثم بقلعة زمرد ، ثم بالبئر الجديدة ، ثم هدية ، ثم إسطبل عنتر ، ثم الفحلتين ، ثم آبار نصيف ، ثم الحفيرة .. إلى أن وصلا مكة المكرمة ، فأقاما شعائر الحج ، وذبح الآغا ضحيتي العيد من حسابه الخاص ، ثم عادا في نفس الطريق الذي أتيا منه ..
لما وصلا جزيرة بوتان ، ودع الآغا حمو قائلا له حج مبروك ياحمو ، أبلغ سلامي لسعيد آغا ، و ( احكي ) بأصلك . وراحت أيام وشهور س .. دون أن يتصل سعيد آغا بحسو آغا ليبارك له الحج ، أو يشكره على الجميل الذي قدمه حسو آغا لعبده (حمو) .. تعجب حسو آغا ولم يعرف أن حمو لما وصل لعند سيده سأله الأخير عن رحلته إلى مكة الشريفة لأداء فريضة الحج ، وعن معاملة حسو آغا له ، أبلغه حمو الخبر بشكل مغاير تماما ً . قال لســيده : كان حســو آغا يركب الناقة وأنا أجرّها طول الطريق ، من هنا إلى مكــة .. كان حسو آغا ينام على فراش وثير ، و أنام على الحصير .. كان حسو آغا يشرب اللبن ويترك لي المصل وبقايا الحليب .. كان حسو آغا يأكل اللحم ، ويرمي لي خبز يابس وبقايا عظم ... حزن سعيد باشا ، ولم يذهب إلى حسو آغا يشكره ، أو يهنئه ..ومضت شهور وأعوام .. التقيا صدفة ، فبادره حسو آغا بالعتاب ، وقال : أهكذا ياأخي وياصديقي يرد الجميل ؟!! ألم يكن لديك وقت لتهنئتي بالحج ؟ هل من حطأ ارتكبته ياأخي ؟ رد عليه سعيد آغا قائلا : تركت لديك أمانة لم تحافظ عليها ، أرسلت معك حمو لأداء فريضة الحج وقد أعطيته المال اللازم كي لا يحتاجك ، فأهنته ، وعذبته ..!! لقد أخبرني حمو عن معاملتك الســــيئة معه ، ألا تخجل ؟ أين صداقتنا وإخوتنا . وأين هو ؟ ناده .
لما سألاه أجاب موجها كلامه إلى حسو آغا : - أنت الذي قلت لي أن (أحكي) بأصلي .. وأنا بأصلي قد حكيت ، وكل إناء بما فيه ينضح .
= = = = = = = = = = = = = = * 1 – كاتب وناشط سياسي – عضو قيادي في حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا . ** 2 - سير أعلام النبلاء، للذهبي . *** 3 – اقرأ معجم البلدان للواقدي .
#ربحان_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
روزا ياسين حسن كاتبة ابداعية رائدة
-
فليعقد عقد شراكة .. الوطن سيبقى لنا- عربا ً وأكراد -
-
أدعوا أحزاب جبهة النظام إلى فرط العقد أو إدانة جرائمه
-
عنما تضيق مساحة البحر
-
بقية حكاية
-
ردا ً على مانشر مؤخرا ً باسم قيادة حزب الاتحاد الشعبي الكردي
...
-
في عشية يوم الطفل العالمي سأحدثكم عن جنكو ..
-
فلتذهب أنظمة المساومة إلى الجحيم، أما نحن فسنبقى أوفياء لمبا
...
-
الأول من أيار - عيد وسيل من القوانين والمراسيم - تختص بمصادر
...
-
سلطة ، حزب عشيرة ، ثلاثة أقانيم في اقنيم واحد
-
نظام قمع وشعب أعزل، تعديه يصل حد الجريمة .. يقتل أبناء الوطن
-
في آذار تضحك الدنيا .. إلا في بلدي ..!!
-
كردي في بلد - قليل -
-
نصيحتي إلى السيد الوزير
-
تصريح أحمق ، سياسة خرقاء
-
أصوليون يغتالوا امرأة ، علمانيون يعتقلوا نسوة ....!!
-
تضامنا ً مع السيد سليمان يوسف يوسف
-
مرايا السجن (7)
-
في الذكرى التاسعة لرحيل المناضل أبو جنكيز ، أعترف بأني لم أف
...
-
تدخل فظ في شؤون الجوار ، تضامنوا مع شعبنا من أجل وقف الحرب
المزيد.....
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|