|
زمن السّراب ، للشاعر الكردي هندرين
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2347 - 2008 / 7 / 19 - 10:18
المحور:
الادب والفن
I هناكَ ، في جغرافيّة ذلك الحلم ، كانت الحياة صورة من ظلّ الإله . من أساطير أمّي ، تعلمتُ أنّ الأرضَ مستوية على قرنيْ ثور . السماءُ ، كانت بيت الله . الزمنُ ، حيث لا ثوان فيه ولا دقائق ، خاط الأرضَ والسماء في وحدةٍ مُطلقة .
كنتُ ، والحالة هكذا ، على خشيةٍ من أن يأتي يومٌ يثور فيه الثورُ أو يقع مريضاً ، فنهوي بدورنا في الفراغ وتلتهمنا اللانهاية . كان في وهمي أنّ الثورَ من الجسامة ، حتى ليتعذر عليَ إستيعاب صورته . خلال مرحلة مديدة ، لم أع ِ ذلك الثقل المرعب ، الصامت ، المُتحكم بالكون اللامرئيّ ؛ بهذا الوجود المُتجسّد في عينيّ ، كصورة .
مع مرور الزمن ، تصاعدَ أيضاً بحثي عن الأيام المُنتظرة . غالباً ما كنتُ أسأل أمّي : " في حالة ما إذا تداعتِ السماءُ ، كيف للثور أن يُخلّص نفسه ؟ وإذا ما تهاوت الأرضُ ، أيضاً ، ماذا سيحصل لنا ؟ " في كلّ مرة ، غاضبة وساخطة ، كانت أمّي تقطع للفور أسئلتي وتطلب مني الإستغفار من الله . كنتُ معتاداً على المضيّ خارجاً ، لأجل أن أسرح بطرفي نحوَ الخلاء البعيد ؛ أين الجبال الشاهقة . ذلك الضباب ، المجنح ، كان يحلق عالياً بإتجاه السماء ، وأسفل نحوَ الأرض ؛ كأنما هوَ ملائكُ الجبال ، المُتنفسة ثمة على قممها . في تلك الليالي العتمة ، العميقة الزرقة ، إعتادت الملائكة أن تأتي مع الريح ، مرفرفة فوق المدينة . في السرير ، إعتدتُ الهدهدة حتى النعاس ، بفضل قطرات المطر المُتسرّبة عبْرَ مزراب السطح : كنتُ أتصوّر أنها رفيفُ الملائكة ، وهيَ قادمة إليّ . هكذا عبَرَتْ الليالي مع الأحلام ، ومع دغدغة تلك الأحاسيس التي منحتني إياها الأساطيرُ . II هنا ، في مكان الزمن العاري ، البلا حلم ، تبحرُ الطفولة ، كما هوَ حالُ نجم الشمال ( كلاويز ) ؛ هذا المنعوتُ أيضاً بإسم " قافلة الموت " ( كاروان كوجا ) ؛ تبحرُ في ذاكرتي الرمادية ، نحوَ الغربة الشائخة . ذلك النجم المُشاغب ، الذي أفاق خلفَ الجبال ، مُبللاً الصخورَ خلل الليل ، ناشدَ القافلة أن ترتاحَ . النجمُ والقافلة ، كانا من الضخامة في الفنتاسيا ، حدّ أن إدراكي لم يستوعبهما في مداه . في هكذا سراب ، مُتخم بموجوداته ، قضيتُ الأعوام السبعة الأولى من عمري . في ليالي الصيف ، جميعاً ، كنتُ معتاداً على التوجّه خارجاً للتبول ، قبلَ أن أخلدَ للنوم ، قبلَ أن يُخمَدَ بعينيّ وميضُ النجوم ؛ هذه التي تدعوها أمّي " مصابيح الله " مع صوت بولي المتدفق ورائحة فم التربة ، الجاف كنتُ أشعر بأني قادرٌ على إرواء عطش الأرض . وما فتأتُ أشعر بأنّ الأرضَ كينونةٌ عطشى ، وما زالت تتصاعد رائحتها وصوتها في أعماقي .
في ليالي العمر ، تحوم ذكريات الطفولة مثل عمود الريح في نهارات الصيف ، الحارّة . تنتقل من هنا ترقص وتتمايل حافية عائدة من مسافات الغابات . تتلقف الطفولة ، في طريقها ، سحابة َ كلّ الأفياء المتناعسة وتوقظ الأرض من خدَر العطش .
ثمة فوق السطح ، تحدّثت أمّي عن النجوم ؛ كاروان كوجا وهفتوانه ( الدبّ الأكبر والأصغر ) ، بحيث أني توهمتُ رؤية عالم في السماء ، مثل عالمنا ، إلا أنه أكثر فتنة . في ليال معيّنة ، حينما تتهاوى النجوم مثل المطر ، كنتُ أسبل جفنيّ خشية سقوطها في عينيّ . أمّي تؤكد ، أنّ هذه النجوم تتهاوى علامة على موت وليّ . ودَعتني أن ألزمَ الصمتَ وأكونُ يقظاً . " طريق التبّان " ، كان رحلة بلا زمن ، أشارت أمّي إليه : " أنظر إلى كلّ ذلك التبن ، المُتناثر من العربات السائرة " . بالنسبة لي ، كان " طريق التبّان " جسراً بين سماوات العالم . وتلك النجوم المعلقة هناك ، في الأسفل ، إن هيَ إلا بشرٌ في سفر الطريق .
أحياناً ، في ليالي الصيف ، كان يحدث أنّ القمرَ وهوَ في خسوفه ، يتدحرجُ مثلَ كرةٍ في الفضاء . أمّي تضحي عندئذٍ قلقة فتقول ، أنّ وجه السماء صارَ عتماً ؛ أشياء شريرة لا بدّ وحصلت في الأرض . إنها تنشد أغنية شاكيَة ، الكلمات والنغم تبعثرت مثلَ أمواج الحزن في صمت الليلة ، ثمّ حملتني معها .
* مقطع من قصيدة طويلة ، بعنوان " زمن السراب على قرن ثور " / من كتاب الشاعر هندرين " إسكندينافية : جزيرة اخرى من البخور " ـ ستوكهولم 2003 ، وهو منتخبات شعرية باللغة السويدية
* هندرين ( أوميد مهدي ) من مواليد اربيل ، عام 1963 من أهم الأصوات الشعرية ، المعاصرة ، في كردستان العراق له أربع مجموعات شعرية منشورة ، علاوة على عدد من كتب الترجمة والدراسات النقدية والنظرية ماجستير فلسفة من جامعة ستوكهولم ، ويحضّر للدكتوراه وهوَ مقيم في العاصمة السويدية منذ عام 1991
[email protected]
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطلسَم السابع 3
-
الطلسَم السابع 2
-
دمشق ، عاصمة للمقتلة الجماعية
-
الطلسَم السابع *
-
أسمهان : أيقونة وأسطورة 2 2
-
أسمهان : أيقونة وأسطورة
-
حَواريّو الحارَة 6
-
النصّ والسينما : بداية ونهاية لصلاح أبو سيف
-
حَواريّو الحارَة 5
-
حَواريّو الحارَة 4
-
حَواريّو الحارَة 3
-
حَواريّو الحارَة 2
-
النصّ والسينما : السمّان والخريف لحسام الدين مصطفى
-
حَواريّو الحارَة *
-
مَسْرىً آخر لمَغاورها
-
أقاليمٌ مُنجّمة 10
-
أقاليمٌ مُنجّمة 9
-
غربُ المَوت ، للشاعر الكردي دانا صوفي
-
أقاليمٌ مُنجّمة 8
-
عزلة المبدع ، قدَر أم إختيار ؟
المزيد.....
-
عائشة القذافي تخص روسيا بفعالية فنية -تجعل القلوب تنبض بشكل
...
-
بوتين يتحدث عن أهمية السينما الهندية
-
افتتاح مهرجان الموسيقى الروسية السادس في هنغاريا
-
صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا
...
-
-القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب
...
-
ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور)
...
-
إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر
...
-
روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال
...
المزيد.....
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
المزيد.....
|