أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أحمد الناجي - التدوين التاريخي بين المؤرخ والإعلامي















المزيد.....

التدوين التاريخي بين المؤرخ والإعلامي


أحمد الناجي

الحوار المتمدن-العدد: 2347 - 2008 / 7 / 19 - 06:51
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


بدأ التاريخ يظهر الى حيز الوجود في صورة بدائية أولية، وبدأ الإحساس به يتكون في ذهن البشرية منذ أقدم العصور، وتدرج التعبير عنه مختلطاً أولاً بعناصر من الفن، كالرسم والنقش على الحجر، فيما زاد الاهتمام التاريخ بعدما أصبحت دراسته جزءاً من هموم الإنسان وانشغالاته، وباتت معرفته في نظر البعض تحدياً لجهل الإنسان بنفسه، وسيبقى الإنسان معنياً بالاشتغال في التاريخ مادامت الحقائق في نظره نسبية غير مطلقة، ومادام عقله يهوى الشك والاستزادة.
من الطبيعي اختلاف الآراء حول مفهوم التاريخ وأسلوب كتابته وتفسيره، لأنه موضوع حي، ومتصل بصورة وثيقة بالاتجاهات الفكرية وبالتطورات العامة، فيتأثر بها وقد يؤثر في بعضها. واتسع نطاق تعريف التاريخ الى جملة تعريفات ومفاهيم ، حتى أصبح لدينا الكثير مما يدعو الى الرفض أو التساؤل كما علق الدكتور عبد الواحد ذنون طه، متداخلاً مع الكثير مما يتوفر فيه الوضوح والإقناع. وسنكتفي بالإشارة الى ما ذهب اليه ابن خلدون (ت 808 هـ/1406م) في حديثه عن التاريخ لكونه قدم نظرة متمايزة حين قال: "أما بعد فأن التاريخ فن من الفنون التي تتداوله الأمم والأجيال وتشد اليه الركائب والرحال وتسمو الى معرفته السوقة والاغفال وتتنافس فيه الملوك والاقيال، وتتساوى في فهمه العلماء والجهال. إذ هو في ظاهرة لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الاول... وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق...". ومن ذلك، يمكننا القول بأن نظرة ابن خلدون ومفهومه لـ"علم التاريخ"، تقوم أساساً على النظر العقلي والتحقيق في الأسباب والتعليل النظري والعلم بالكيفيات وغيرها، ويبدو أن التاريخ بالمعنى المستتر في رؤية ابن خلدون، هي المعرفة التي يتوصل اليها عن طريق البحث والاستقصاء، وهكذا نستشف وجود عدة مستويات من النظر في كتابة التاريخ.
تلك هي جملة من الاعتبارات، وضحت دور المؤرخ في كتابة التاريخ، فهو في نظر الدكتور زكي صالح محاولة الإجابة عن خمسة أسئلة، يتعلق أربعة منها بتحري الحقائق ويرمي الخامس الى التفسير والتعليل. والأسئلة هي: من وماذا ومتى وأين ولماذا أو بتعبير آخر من الفاعل وما هو الفعل ومتى وأين حدث ولماذا؟ ويرى البعض بأن الإجابة عن الأخير من هذه الأسئلة كانت وما تزال مصدر اختلاف دائم بين المؤرخين، وبالإضافة الى تلك الأسئلة التي تتجه جميعها نحو شؤون الماضي، فهناك من المؤرخين من يوجه سؤال سادس الى أين ؟ يتناول شؤون المستقبل أيضاً، فالمؤرخ الموفق يضم المستقبل بين جوانحه سواء فكر أم لم يفكر.
تستوقفنا هنا مقولة الفيلسوف الإيطالي كروتشه: "إن التاريخ كله تاريخ معاصر"، ويعني بذلك أن التاريخ يتكون في الأساس من رؤية الماضي بمنظار الحاضر وفي ضوء مشاكله، ذلك مما يجعل عمل المؤرخ الرئيس لن يكون التسجيل بل التقدير أيضاً، لذا ففهم أي تاريخ يتطلب فهم نظرة المؤرخ واتجاهاته الفكرية.
أما مناهج كتابة التاريخ، فإنها تنحصر في نظر الفيلسوف الألماني هيغل بثلاثة أقسام علاوة على المنهج الفلسفي الذي يعنى بدراسة التاريخ من خلال الفكر، وهي على النحو التالي: الأول هو التاريخ الأصل، يكتبه المؤرخ الذي يعيش تفاصيل الأحداث، والثاني التاريخ النظري أو التأملي، يكتبه المؤرخ وهو لا يعيش الأحداث، بمعنى انه يؤرخ لعصر آخر، وبدوره ينقسم الى التاريخ الشمولي وفيه يقتصر غرض المؤرخ على سرد الأخبار التاريخية، والتاريخ العملي أو البراغماتي الذي يهتم باستخلاص العبر والعظة والمبادئ والقيم والدروس الأخلاقية من أحداث الماضي، والتاريخ النقدي الذي لا يعرض المؤرخ وقائع التاريخ نفسه دائماً، وإنما يقوم بعرض الروايات التاريخية المختلفة لغرض فحصها ودراستها ونقدها، وبيان مدى حقيقتها ومعقوليتها. أما المنهج الثالث فهو الذي يحمل خاصتين متعارضتين هما الجزئية والعمومية، كأن يتعقب المؤرخ كتابة تاريخ الفن عبر العصور.
هناك مزايا يتوجب أن يتحلى بها المؤرخ، مثل حب المعرفة والحيادية ومزية الشك والنقد والتحلي بالأمانة العلمية والشعور بالمسؤولية، الخ، فضلاً عن المؤهلات الشخصية، فالباحث في التاريخ بحاجة الى معرفة أنواع مختلفة من العلوم الإنسانية، لأن التاريخ علم يتناول دراسة التجربة الإنسانية على الأرض دراسة شاملة بحسب تعبير الدكتور حسين مؤنس.
حاولت الإفاضة في ما تقدم بغية فك الاشتباك بين ما يكتبه الباحث في التاريخ وبين ما يكتبه الكاتب أو الصحفي في وسائل الإعلام، وقد لا يدرك كل منهما أن ما يكتبه عن اليومي المعاش هو إسهام في كتابة تفاصيل تاريخية تمس هذا الجانب أو ذاك، ستكون في يوم ما مصدراً مهماً من مصادر التاريخ، ولكنها تبقى في كل الأحوال مادة صحفية ليس أكثر.
ذكر العلامة جواد علي بأن المفسرين ذهبوا الى أن الكاتب له طبع في التاريخ، بينما المؤرخ ينقل ذلك الطبع فيؤرخه، ليصبح وثيقة، موضحاً بأن كل إنسان هو مؤرخ بطبعه، وما يقوم به ويفعله هو تاريخ، بالنسبة له وبالنسبة لغيره، في حين أن الصحفي هو كاتب ممتهن، يستخدم مشاعره كوثائق، توحي اليه بالكتابة، وشعوره هو "وثيقة" للتاريخ، والفرق بينه وبين المؤرخ، يتمثل في أن الكاتب يعبر عن نفسه، أما المؤرخ فيعبر عن غيره، ويحكي ما صنعه غيره من تاريخ، بالاستناد الى الوثيقة التي قد تكون كتابة أو أداة أو صورة، وقد تكون حديثاً مسجلاً، الى غير ذلك مما يستعين به المؤرخ، ويستنطقه ليصنع منه تاريخه، بينما الكاتب يوحي اليه (شيطانه) بتدوين وثيقة، ويمكن أن تكون وثيقة من وثائق التاريخ.
من غير السليم في اعتقادنا إغفال اثر وسائل الإعلام (المكتوبة والمرئية والمسموعة) في رفد كتابة التاريخ، فعلى سبيل المثال، لابد للباحث من الرجوع الى صحف ومجلات المرحلة التاريخية التي يريد الكتابة عنها، وسيجد فيها تفاصيل حافلة في مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو حتى على مستوى الشخصيات، ومهما بلغ قدرها فانها ستغني دراسته، ولكنها ليست بالضرورة معلومات متكاملة أو تحمل صدقية، ناهيك عن اثر هامش الحرية المتاحة في أيام نشرها، ومن هذه النقطة تبرز موضوعية الباحث في التاريخ وقدرته في مهمة التعامل مع تلك المعلومات وتنقيتها من الالتباسات والتشوهات.
أما تناول الإحداث التأريخية في وسائل الإعلام من قبل كاتب أو صحفي، فهو أمر غرضه لا يتعلق بكتابة التاريخ بقدر ما هو معني بمهمة صحفية، فكل منهم يقوم بتقديم إيماءة الى حوادث تاريخية معينة بصورة مختصرة أو استعادة بعض من تفاصيلها بغية تنشيط ذاكرة المتلقي، الى جانب ما يرمي الى نشره من العبر والتجارب والقيم والمبادئ، وعلينا أن نتذكر دائماً بأن كل ما ينتج تحت خيمة الوسيلة الإعلامية سيكون حتماً متساوقاً مع أفكارها أو إيديولوجيتها، ومعبراً عن توجهاتها في مختلف الجوانب، وهو لا يخلو في أحايين كثيرة من مرامي نفعية كترويج الدعايات، وقد يستغل المنبر الصحفي في تلك الحالة لغرض تشويه حقائق التاريخ.



#أحمد_الناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعر والتاريخ.. تصالح أم التضاد
- بداية تشكيل الأحزاب السياسية في العراق
- قنديل القديسين الشهيد قاسم عبد الأمير عجام
- أبرز ركائز المثاقفة.. اختراع الكتابة وظهور الكتاب
- بواكير أنساق المعرفة.. اختراع الكتابة وظهور الكتاب
- الأبعاد الاجتماعية في نشأة مدينة الحلة
- تكوين الطبقة العاملة في الحلة
- الشيخ عبد الكريم الماشطة.. ريادة التنوير وأنصار السلام
- 9 نيسان 2003.. فاصلة بين الزمن المُرِ والأَمَرِ تعلن نهاية ا ...
- المصالحة خيار واعد على صدارة المهام الوطنية
- مؤتلقة شجرة الحزب الوارفة
- الفيحاء.. باكورة الصحافة الحلّية
- أضواء على التجربة الدستورية بالعراق الحديث 3-3
- أضواء على التجربة الدستورية بالعراق الحديث 23
- أضواء على التجربة الدستورية بالعراق الحديث 13
- تأملات من الضفاف في ذكرى صدور المدى
- فوكوياما من نهاية التاريخ الى نهاية الإنسان
- من أوراق ثورة العشرين.. مقاربات بين احتلالين 2-2
- من أوراق ثورة العشرين.. في مدار مدينة الحلة 1-2
- المثقفف أمام الاختيار بين أحضان السلطة أم الهامشية الايجابية


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أحمد الناجي - التدوين التاريخي بين المؤرخ والإعلامي