جميل محسن
الحوار المتمدن-العدد: 2347 - 2008 / 7 / 19 - 10:53
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
بشكل عام لاتعني الرموز المتداولة في الموروث الشعبي والوطني وحتى العالمي شيئا كبيرا بالنسبة للشيوعي أو اليساري العلمي مادي النزعة , فهي تدخل ضمن إطار الثقافات مثالية التوجه أو غالبا أحجار ملونة في بنى فوقية , تستوجب الإزاحة متى حل أوان البناء الجديد , وذلك لا يعني عدم احترام أو تقدير و حتى التعامل مع اوتداول رموز معينة كوسيلة لفهم نبض الجماهير وعدم الاصطدام غير المدروس وفي غير أوانه مع مفاهيم جماهيرية تعود أولا أخيرا إلى تفسير الصدام الأزلي بين الخير والشر .
هي إذن قضية أو (مشكلة) يستوجب للعمل اليساري المنظم التعاطي معها وفي تاريخنا السياسي المحلي وكذلك العالمي أمثلة كثيرة , ربما يكون تواجدها في عالم الشرق العاطفي وشعوبه المسحورة تاريخيا بالبطولات والقيادات الفردية أكثر من الغرب مادي التفكير فلسفي الحلول , شكلت له روما (رمز) للصراع بين القيصر الفرد الحاكم , ومجلس الشيوخ المراقب المتحفز خوف الانزلاق نحو التوريث أو الحكم المطلق , لمصلحة الجماعة , وبقية القصة معروفة , فما ذا عن شرق نحن جزء منه ؟ , وأمم كبرى تغمض أعينها وتؤشر على عائلة أو اسم فرد تضعه على رأس السلطة أجيال متعاقبة , كما في هند انديرا غاندي , ابنه نهرو مع تمازج غريب للرموز بين اسم المهاتما غاندي المرفوع لدرجة التقديس , وسلالة نهرو خليفته , وأعاجيب سحرهم للجماهير الزاحفة لانتخابهم !, والسحر والرمز ينتقل إلى غرب القارة حيث باكستان وعائلة بوتو , ذو الفقار ثم ابنته القتيلة وهي في طريقها ثانية إلى قلوب الجماهير واستلام السلطة المفقودة منها , و المستعادة من زوجها وابنها , ينقلب عليهم العسكر , ويسترجعونها برغبة الشعب والديمقراطية والانتخاب , والأدهى من هذا وذاك إن العائلتين بوتو ونهرو محسوبتان على التيار العلماني المدني البورجوازي , لا الديني أو القومي أو الطائفي , وهي المحاور الأكثر التصاقا واستعمالا للرموز في مخاطبة الفئات الشعبية , كما إن وقائع وأحداث ثورة الصين المحسوبة حكما على الشرق وقيمه ومفاهيمه , تعطينا تجربتها الشيوعية درسا في التعامل الخلاق مع الرموز التاريخية الوطنية , ففي المراحل الأولى للكفاح وحتى بعد الانتصار وسيطرة التيار الماوي الجذري , وفترة حياة وحكم ماو تسي تونغ التي يمكن اعتبارها مرحلة هدم كافة البنى القديمة والتأسيس للتحديث والبنى الجديدة , كثر الحديث حينها عن (كونفوشيوس ) كرمز لفكر السلالات الإمبراطورية الصينية القديمة , سواء كفلسفة حكم أو أخلاقيات مجتمع , صيغته التكامل والتوازن لا التناقض , لذا هاجمت أدبيات الثورة الأفكار الكونفوشيوسية , واضهرت مثاليتها وقدمت البديل على طريق نشوء المجتمع الجديد , ولكن ماذا عن مرحلة مابعد ماو تسي تونغ وتحول صين دنغ كسياو بنغ , صوب البناء والنمو الاقتصادي والتحديث ؟ , بعد أن تغيرت الأولويات وأصبحت فلسفة وأخلاق الكونفوشيوسية لاتشكل عائقا فكريا أو ضلاميا يعتد به في طريق النقلة النوعية الصينية من المجتمع الإقطاعي العبودي والرأسمالي المستغل , إلى اشتراكية التصنيع والإنتاج , ماعاد وقتها (الرمز) كونفوشيوس إلا بضاعة صينية تراثية يمكن عرضها والاستمتاع بدراسة أفكارها , فذلك هو الشرق وسحره القديم , وتجارب أخرى متنوعة يتحول فيها الرمز إلى قاطع طريق محترف أحيانا أمام محاولات التطور والتحديث , وحتى لا نذهب أكثر بعيدا نعود إلى تاريخنا العراقي وفترة مابعد تأسيس الدولة ا الملكية في عشرينات القرن الماضي .
- بعد سنوات من إعلان المملكة العراقية كان لابد من بروز تباين المصالح والتناقضات بين الفئات الدينية والقومية الشعب العراقي , اعتمادا على قربها أو بعدها من مواقع القرار والسلطة , والاختلاف على (كم) التمثيل داخلها , وذلك لظروف ذاتية تتعلق بالطائفة أو القومية , أكثر من اعتباره غبنا يسببه الآخرين , وكما بدا واضحا أصبح للسنة العرب النصيب الأكبر من كعكة الحكم لأسباب من بينها إن الأكراد مثلا كان لهم تطلع وطني قومي ذاتي أكثر منه عراقي , كما لقيادات الشيعة نظرة ناقدة ومنكرة لأصل تكوين الدولة ذاتها , لتبدأ الفتاوى الرافضة للتوظيف والدخول في مفاصل الدولة ومؤسساتها , وما ترتب على كل ماسبق للمكونين من شعور بعدم التساوي وبعدها الإحساس بالظلم , ترجمته بعض القيادات الكردية انتفاضات وتحركات عسكرية , رفعت المرحوم الملا مصطفى البارزاني ك (رمز) في ضمير ووجدان كل كردي , رغم تغير الكثير من الظروف والقناعات .
- مظلومية الشيعة تجاه الدولة والمملكة المستحدثة , متواجدة , (رموزها) وشعائرها متوارثة منذ القدم , أساسها استلاب الحكم , وعنوانها مأساة الطف ومقتل الحسين وال بيته , تستعاد مظلوميتها وتتجدد تفاصيلها , في مجتمع يلفه السكون , ولا تغيير كبير يصدمه كمقدمة لتبديل الكثير من المفاهيم والمعتقدات .
- الحديث هو عن البديل إذن , ومن يحمل رايته غير بورجوازية ناشئة , ويسار مبهور بالثورة البلشفية السوفيتية الداعمة والمحفزة لتأسيس حزب شيوعي عراقي , يحتاجه المجتمع في فترة الانتقالات الطبقية الداخلية والعالمية الكبرى , باتجاه مجتمعات التحديث والتصنيع والتكنولوجيا , بينما لايزال العراق يعيش أزمة المراوحة الإقطاعية العقيمة المتهالكة , وتحول الكثير من الأفراد والعوائل الفلاحية نحو المدن منجذبين صوب العمالة الحرفية والبناء والموانئ والأسواق , ومشاغل البورجوازية الصناعية , لتتوسع القاعدة العمالية وتنتشر , ويبرز يومها اسم (فهد) , يوسف سلمان يوسف , أول (رمز) شيوعي , استطاع ومجموعات عراقية متعددة الانتماءات الطبقية من الشروع في تأسيس الحزب الشيوعي العراقي , ويرتبط اسم فهد بالتنظيم وتتحول سيرته إلى ( إيقونة ) شعبية لم يسعى لاهو ولا قيادة الحزب إلى صنعها , ولكنه المجتمع يفرض مفاهيمه , ويؤكدها الرمز بالعمل الجاد والمستمر الذي يؤديه , ويحوله بعدها إلى أسطورة متجددة شاء أم أبى في نظر الجماهير .
- يبقى الرمز الديني مستمرا , فما دامت هنالك مسيحية , فهنالك مريم العذراء والصليب , وما دام الإسلام على وجه البسيطة فهنالك هلال , ولا اله إلا الله , ولكن اليسار مادام ماديا علميا , فرمزه في الأرض , ومن ضمن الواقع المعاش , لذا فقد وضع الشيوعيون , المطرقة والمنجل , كرمز لأدوات إنتاج العامل والفلاح , باعتبارهم أكثرية شغيلة هذه الأرض , وأبناء الطبقة التي (سترث) وتحقق العدالة للجميع .
- ونبقى في العراق والشرق وسنوات أواخر الأربعينات وضيق الحكومات العراقية الضعيفة والفاسدة , بالحزب الشيوعي , وما يمثله فهد ورفاقه من رموز تحرك الشارع , وتسبب المشاكل لسلطات لاتستطيع إدارة مجتمع متوازن يتحمل النقد ويتقبل التجديد , عندها يستوجب التخلص من هذه الرموز ,عسى حزبها يرتدع ويستكين , وتفقد الجماهير (الحلم) والأمل بمستقبل أفضل مما يعيشونه ويعانون الأمرين منه , ويعدم فهد ورفيقيه , ويضطرب العراق وتملأ السجون , ويحزن الناس , ولكن الحصيلة !! , هل انتهى وصمت الحزب وأفكاره ؟ , أم تكاثر وجدد وتجذر أكثر وزاد نفوذه !؟ , ذلك ما أثبتته السنوات اللاحقة ودخول حقبة الخمسينات , التي شهدت تنظيما ومدا شيوعيا يقود الكادحين والنقابات المهنية والعمالية , ويتغلغل في كل صوب , و ينتمي إليه رجال العلم والأدب والفن والثقافة من كل فئات وطبقات المجتمع .
- مات فهد صلبا متحديا , فهل نسته الجماهير التي شاهدت إعدامه , أم كافأت صبره ونضاله بمزيد من التقرب والانتماء لحزبه ؟ الخمسينات هي الحكم , والتتويج هو صبيحة 14 تموز 1958 وثورة عظيمة لم تحقق كامل أهدافها .
- نهاية الخمسينات شهدت دخول الإسلام السياسي على خط الحياة الحزبية العراقية , وبداية تشكيل تنظيمات الطوائف الدينية رافعة شعارات سياسية , ورغم أن بعضها معروف سابقا , كحركة الأخوان المسلمين الموصوفة كواجهة لسنة العراق , ثم حزب الدعوة وأول ظهور للمرحوم آية الله محمد باقر الصدر , وما تلا ذلك من تداول لارائة ومؤلفاته , في قضايا الحكم والدولة والاقتصاد , كوجهة نظر شيعية , وهكذا أصبحت في الساحة العراقية أحزاب دينية لها بعد سياسي , ولكن غير منغمسة في الجدل والتنافس إلى درجة الاحتراب الذي ميز الأحزاب العلمانية لفترة ستينات القرن الماضي .
- واجه الحزب الشيوعي العراقي قدره الحقيقي , أوائل الستينات العصيبة تلك وما تلاها , فهو الأقوى والأكثر جماهيرية وخبرة تفترض به أن يكون الأقدر على المشاركة الفاعلة أو استلام سلطة حرمت عليه , لان التيار الوطني الاستقلالي هو الحاكم وعليه واجب إسناده ! , وبعد الصعود و اكتساح كامل للشارع الشعبي وانتخابات الهيئات النقابية والمهنية قبل وبعد ثورة 14 تموز 58 , إلى النزول و انكماش متواصل في أواخرها , بعد أن فقدت كوادره وتنظيماته الجزء الأكبر من تواصلها مع النبض الشعبي , وبقي الحزب قيادة وأعضاء يعاني الأمرين من التوجيه الخارجي والداخلي المرتبط به ليبقى في ظل عبد الكريم قاسم ومن حوله , والتأجيل المتكرر لقضية بناء دولة مؤسساتية لها سلطات منتخبة يستطيع الحزب الشيوعي من خلالها ترجمة شعبيته إلى كم برلماني , ومشاركة شرعية بالسلطة هو مؤهل لها تماما , لكن الردة السلبية ستأتي لاحقا كنتيجة منطقية للتأخر في شرعنه الثورة وبقائها ضمن خانة الانقلاب العسكري الذي سيفرخ أشباهه , مادامت الباب قد فتحت للمغامرة وكل راغب بالسلطة , وظل الحزب مراوحا تتحكم بقراره طبيعته الرافضة للقوة والعنف المجرد , وغير الراغبة باستعمال السلاح إلا للدفاع عن النفس , ناهيك بتسخيره للاستيلاء على السلطة , مادامت فلسفته هي المحبة والسلام , التي أتت نتيجتها الكارثية , انكشافه وأعضائه وجماهيره اعزلا في مواجهة قوى انقلاب 8 شباط 63 , وإعلانها حرب إبادة ببيان رسمي ضد الشيوعية قادة وكوادر وأنصار , بدء من الأمين العام , سلام عادل وغالبية رفاقه اللذين صمدوا للإعصار , ودفعوا حياتهم ثمنا لمبدأ ثبتوا عليه ولم يجر تنازل أو (براءة) أو هروب من مواجهة المصير .
- هي أحداث العام 1963 و (رمز) ضهر , وأضاء كالبدر المنير درب أجيال شيوعية قادمة , استلهمت رجولة سلام عادل , في مواجهة جلاديه , وما تداوله الناس نقلا عن السنة القتلة وهم يتنازعون ويقطعون لحم جسده , وخرج الحزب متجددا بعد حين , سالما معافى من تحت رماد حرب الإبادة , تسنده جماهيره التي تمثلت تضحيات القيادة , وداومت على الخط الشيوعي , ويعود الحزب في منتصف الستينات قائدا ومحركا لجبهة وطنية عريضة , من القوى الوطنية الرافضة للدكتاتورية والحكومات العسكرية , وكان (الرمز) سلام عادل أقوى في موته منه في حياته , ولم يتحدث احد عن هروب أو تهاون , أو استسلام وتقصير من القيادة بحق المبادئ وما ائتمنوا عليه (ثقة الشعب) ووراثة الدرب الطويل .
- ماسطرناه هو فعل الرموز الايجابي , فلابد إذن من سلبي يوازيه , ويعطينا شارات لواحد أو اثنان من أسباب انتكاسة الحركة الشيوعية العراقية , وتراجع قواها الذاتية واليسار عموما لمصلحة قوى قومية ودينية وطائفية , لعب (الرمز) دورا كبيرا في دفعها للأمام , إضافة لعوامل أخرى لسنا في وارد دخول تفاصيلها , بل بحثنا هو عن تأثير الرموز , ومن ستينات القرن الماضي فصاعدا , استمرت الغالبية من أكراد العراق في ربط أقدارها بالملا مصطفى البارزاني حيا كان أو ميتا , في حربه وسلمه مع سلطات بغداد المركزية , وننتقل للقضية الأخرى التي عنوانها اتساع التنظيمات الشيعية وبداية تبلور (رمز) السيد محمد باقر الصدر , ونشر آراءه ضمن كتابي , فلسفتنا , واقتصادنا , بشكل رئيسي , وتجمع أعداد كبيرة من المريدين من حوله , مما اثارانتباه وتحفز السلطات وأجهزتها لما اعتبرته خروجا من الجامع إلى الشارع , تحديا لنفوذها وسطوتها , وتلك قضية لنا عودة إليها .
- ماتبقى من حديث الرموز الشيوعية , يتحول بنا نحو الحزن والإحباط , فبدأ من الانقسام التنظيمي والانشقاق في صيف 1967 وظهور تيار القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي كمنافس وبديل للجنة المركزية للحزب , ومحاولة كل طرف إبراز عيوب الطرف الآخر ثم بزوغ نجم السيد عزيز الحاج ك (رمز) لتنظيم المواجهة والتحدي والكفاح المسلح , ربما غطت سمعته ولا زالت على (الرمز) الموعود للمد الغيفاري العراقي الشهيد خالد احمد زكي , وأسطورته الأقرب إلى الخيال والرومانسية الثورية التي تستحق الخلود والتقديس إن كان للشيوعيين (مقدس) لولا التعمية والإنكار وتغير الظروف , فعودته للعراق من لندن , وتركه مهنة الهندسة , ومجاورته كمستشار للبروفسور البريطاني برتراند رسل , وقناعته التامة بان التغيير يبدأ بالسلاح ومن أفقر وأكثر المناطق تخلفا داخل وطنه العراق , ويدفع حياته مبكرا ثمن معتقد أمن به ومات كشيوعي واقفا و(رمز ) مستحيل لازال وهاجا , ولكن ضمن أجواء المثقفين لا الجماهير الواسعة .
- النكسة أو النكبة الحقيقية جاءت بعد سنة تقريبا , اثر استلام حزب البعث السلطة مجددا في 17 تموز 1968 ليجد التحدي الاكبرعلى مستوى الشارع من كوادر القيادة المركزية , وتبدأ الاعتقالات والتصفيات وتطال (الرمز) المتبقي أي عزيز الحاج , فما الذي حصل وسبب أول انتكاسة أو هزيمة حقيقية للحركة الشيوعية في العراق , هل هو منهج القتل والاعتقالات التي تعود على التعامل معها الشيوعيون , أم الفضيحة التلفزيونية التي بطلها السيد عزيز الحاج , وظهوره مبديا الندم وإدلائه باعترافات وأحاديث , مثلما أرادها ومكيجها محمد سعيد الصحاف مدير تلفزيون بغداد آنذاك , مع انهيار كامل للحاج , ثم تعاون مخزي مع السيناريو الذي نصبه حزب البعث لشيوعي متساقط ذليل , يمكن أن يبرجز حياته ويدخل دنيا السعادة والامتيازات , وهكذا شاهدنا (رمز ) جديد , لندم الشيوعي الذي لم يتفهم تقدمية البعث , ومشروعه الثوري لبناء العراق الجديد !!, وهو دور لعبه السيد الحاج سنوات (كعبرة لمن اعتبر) , من باريس كممثل العراق لدى اليونسكو , رغم مايبدو علية اليوم من تخلص من الكابوس واسترداده لوعيه , ولكن (رمزه) السيئ ظل يتفاعل سلبا في نفوس الجماهير المتعاطفة بالفطرة مع الشيوعيين وتضحياتهم , فرمزهم اليوم تغير و ودمر الجزء الاكبرمن فاعلية تنظيم القيادة المركزية , بأضعاف مافعله القتل والاعتقال والتعذيب , رغم استمرار التنظيم لكن إلى ضعف وانكماش جماهيري , ربما لأول مرة في تاريخ حزب شيوعي عراقي , استقوت بما حصل الضفة الأخرى , ومن دون تخطيط أو قصد مسبق , والمعني هنا اللجنة المركزية للحزب , حيث عاد أليها الكثير ممن غادروا , كما ركزت أدبياتها على نجاح سياستها المهادنة تجاه العهد الجديد للبعث , فالمسألة علمية طبقية لا انتقامات متبادلة , وأكدت فشل تجربة العنف الثوري والكفاح المسلح , وفعلا فقد تحقق لسياستها الجديدة الكثير , واستعاد التنظيم , وكلمة شيوعي , جزئا كبيرا من الثقة المفقودة , ويتواصل مع جماهيره , ويسترجع التوازن المفقود ولكن إلى حين! , وندخل المتاهة الكبرى للانكماش ,كيف و لماذا ؟,ضياع شعبية اليسار والحركة الشيوعية بين أوساط الأجيال الفتية والشباب ! , خصوصا فترة نهاية العقد السبعيني وما تلاه , هل هو حزب البعث ونجاح ماخطط ونفذ ؟ أم قدرة الحركات والتنظيمات الدينية السنية والشيعية في الظهور كبديل ؟, الإجابات متعددة .
- ربما تكمن الفائدة في بعض الشرح لما حصل للتنظيم الشيوعي قيادة وقواعد , خلال سنوات أواخر سبعينات القرن الماضي بعد تهدم واضمحلال الجبهة الوطنية العتيدة المكونة أساسا من حزبا البعث والشيوعي , وقيام الأجهزة الأمنية بمحاصرة واستهداف (الشيوعي ) من الأطراف نحو المركز , ثم الصمت المطبق للقيادة في بغداد لما يدور في المحافظات , بعدها انتقال حملة الاعتقالات والقمع صوب بغداد , صاحبها (هجرة )متلاحقة للقيادات نحو الشمال , -تاركة الكوادر المتوسطة والأنصار تواجه مصيرها ! دون أدنى صرخات نجدة و استغاثة أو اعتراض ؟!, سلم الرأس , واستوطن كردستان العراق والمنافي الأوربية , وشاهدت الجماهير الجسم الشيوعي تقطع أوصاله , ويتقافز الأعضاء والكوادر , كل بطريقته للخلاص من سيف لايرحم , وتوقيف وتحقيقات متتالية , وتوالى القمع والاختفاء والهرب , وصولا إلى الإعدامات بالجملة , وتفرغ الساحة العراقية , لأول مرة من تواجد فعلي لحزب فهد وسلام عادل , بعد (اعترافات ) عزيز الحاج , وهروب الجملة لقيادات اللجنة المركزية .
- خلت الساحة للآخرين , ليملؤا الفراغ , ويجري بعدها احتواء الأجيال الجديدة , الرافضة لعنف وسياسات حزب البعث السلطوية , ويبزغ نجم أبطال الحركات الدينية , ليصبحوا (الرموز) الجديدة , للجماهير الفقيرة والكادحة , وخاصة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي , فمن لحظة إعدام السيد محمد باقر الصدر في العام 1980 وهو النجم و(الرمز) في سماء المستضعفين , لأنه كان معهم ومات بينهم ,ولم يغادر, ثم تتحول الراية للمرحوم آية الله محمد صادق الصدر واغتياله المأساوي مع ولديه في العام 1999 , وما تلا ذلك من حوادث شغب وتقتيل , بزغ بعدها النجم و(الرمز) الجديد , الذي لم يغادر أيضا ولم ( يعترف ) أو يصمت أو يهادن , ومات بين مريديه وأنصاره , .
- شكلت هذه الحوادث مجتمعة , مع عناصر عديدة أخرى لا مجال لذكرها هنا , ضعفا تاريخيا وانتكاسة لقواعد الشيوعية واليسار بين الجماهير لمصلحة التيارات الدينية والقومية والطائفية , وتختفي رموز وتتوهج رموز أخرى , ولكن اليسار حاجة , اجتماعية متجددة , وليست موضة وتنتهي في حينها , فهل سيتدارس الأقطاب , أسباب التراجع ؟ , التي من بينها حتما ضمور أي رمز حالي يثير حماسة الجماهير , ويستعيد الثقة الشعبية التاريخية الضائعة ؟ , وقد يتساءل البعض عن سبب انقطاع الصلة إلا فيما ندر بالرموز القديمة , ومحاولة إعادة هيبتها للساحة ! , وشرح أمجادها للأجيال الجديدة , كما يفعل الآخرون , بواسطة الملصق والصورة والسي دي , وإحياء ذكرى الولادة أو الوفاة , هل من الصعوبة أن تطبع وتوزع وتلصق الآلاف من صور فهد وسلام عادل , لتذكير من نسى أو لايعلم بمآثر شهداء الحرية والعدالة الاجتماعية , مادامت هذه الوصفة تنجح وتؤتي ثمارها , كما نشاهد تكرار الطبع لملايين الصور ل(رموز) التيار الديني , من قبل جميع تنظيمات الإسلام السياسي , حتى تداخلت الخنادق بينهم في درجة القرب من هذا الرمز أو ذاك , ولكنهم يدركون ولا شك مقدار تأثيرها الشعبي , كبديل ناجح على مايبدو , لطرح البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي برع فيها اليسار , وحتى اليمين في الدول التي ينتظر فيها الناخب البرنامج لا الشخص , وتعتمد الاختلافات في طرح المشاكل ومعالجاتها , لا تسطير النعرات الطائفية والمذهبية والقومية كوسائل لاجتذاب الناخبين .
- أخيرا , هل يحتاج اليسار لاستعمال لغة الرموز ؟ تقربا من سيكولوجية الجماهير , أم ستخلق رموز في حينها تضاف للقديمة متى ما اقترب اليسار نفسه من النبض الشعبي واحتوى تطلعاته , ليخرج من التهميش الحالي , ويسترجع دوره ومكانته كقوة لم تغادر , وقادرة على الفعل الطبقي لاسترجاع وعي الكادحين والفئات الدنيا المشتت حاليا والمنقسم إلى درجة الاحتراب , انطلاقا من مقولة تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع المستوى المعيشي للكثرة الغالبة من أبناء المجتمع .
جميل محسن
#جميل_محسن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟