|
كيف أصيبت باريس الساركوزية بجذام الأسدية بعيد الثورة الفرنسية؟!
فلورنس غزلان
الحوار المتمدن-العدد: 2344 - 2008 / 7 / 16 - 11:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لن أحدثكم عن اعتصامنا ، الذي أعدت له لجنة إعلان دمشق في فرنسا، فلا شك أنها ستضعكم في الصورة ، لكني سأنقل لكم بأمانة ما حدث يوم العيد الوطني لفرنسا أي هذا اليوم( الرابع عشر من تموز)، حيث يقف على المنصة ، المؤتمرين من أجل المتوسط، وكل الوفود المدعوة ـــ ذكر لنا أحد عناصر البوليس أنهم خمسة آلاف مدعو ــ !. قرر بعض ناشطي إعلان دمشق في فرنسا والمدافعين عن حقها في الحرية والديمقراطية ومن خلال الصداقة والاحترام الكبير ، الذي نكنه لما تقوم به منظمة " مراسلون بلا حدود" تم التفاهم معهم أن نخرج سوية من أجل سوريا ومن أجل فرنسا أيضاً، فحضور نماذج ديكتاتورية في حفل يرمز للحرية ، يرمز لسقوط معقل القمع والقتل اللاإنساني " الباستيل" ، لا يستطيع أن يفهمه صحفي يؤمن بحرية الكلمة والتعبير وحرية الإنسان وحقه في استخدام كل وسائل التعبير المتاحة. التقينا في التاسعة صباحا في المكان المتفق عليه مع المعدات الضرورية لنعلن رفضنا لوجود من يحمل مفاتيح سجون أكبر وأبشع من الباستيل، كما نطالب بحرية من تعتقلهم سلطات صانع أقفال الفم والحرف وقاصف كل الأقلام التي تصرخ فوق الصفحات معلنة عن حقها في اللغة واستعمالها بطرق حضارية لبناء أوطان الحلم في ديمقراطية يستحقها مثل كل الشعوب " شعبنا السوري". كانت عدسات التلفزيونات تصورنا وتلاحق رئيس مراسلون بلا حدود" روبير مينار" بالأسئلة عن الهدف والسبب لوجودنا ، قال باختصار:ـــ" أنه لا يرى مانعاً من تحاور الدول بغض النظر عن اختلافها السياسي أو تركيبتها، وإلا لما وجدنا في الكون سوى الاختلاف وعدم التحاور، لكني لا أستطيع أن أقبل بوجود بشار الأسد هنا اليوم بالذات في عيد الثورة الفرنسية في الوقت ، الذي يزج فيه بمئات من معتقلي الرأي والضمير ويتهمهم بالعمالة والإرهاب ويصفق له بعض الإعلاميين أو يصدقونه"!. عند وصولنا النقطة المهمة...فتحنا اللافتة الكبيرة ، التي تحمل عبارة " الحرية لسوريا" وراح الجميع يوزعون ويرفعون صور المعتقلين في السجون السورية، ميشيل كيلو ،أكرم البني ، أنور البني ، فايز سارة وعلي العبدالله... الخ مع صور لبشار الأسد وابن علي كتب تحتها " لا للديكتاتورية على الأرض الفرنسية" وبلحظة ارتفاعها فوق الرؤوس... صاح الجميع بصوت واحد " الحرية لسورية ...الحرية لسورية ...كنت أعيد بين الصوت والآخر...الحرية لمعتقلي الرأي في سورية"...ما أن بدأت عدسات التلفزيونات الفرنسية والقادمة من الدول الأوربية" ايطاليا ، سويسرا، بلجيكا ، بما فيها القناة الأوربية آر تي إل " تلتقط بسرعة ما يحدث مما جعل حشود من المتفرجين تتدافع لترى وتسمع...حتى تحلق حولنا عدد هائل من البوليس الفرنسي المدرب ، والذي سارع عناصره لخطف الصور وخلع اللافتة من بين الأيدي ومصادرتها...ثم محاولته إبعادنا عن المكان، لكنه كلما مَزَّق ورقة أو صورة كنا نُخرج أخرى..وكلما ألقى عناصر البوليس بواحدة إلى الأرض كنا نجمعها ونعيد رفعها صارخين ..(.الحرية لسورية ، الحرية لمعتقلي الرأي في سورية )..مع ارتفاع الأصوات كان يتدافع مصورو التلفزيون ومن خلفهم جمهور المتفرجين...فما كان من البوليس إلا أن استخدم القوة...فأحكم الحصار حولنا...وخصص لكل شخص من المتظاهرين عنصرا من ضخام الجثة ليأخذه ويشده بعيداً كي يخرجه من الحلقة، كنت ضحية ذراع أحاطت عنقي بعنف من الخلف وراحت تدفعني للسير نحو الأمام باتجاه سيارة الباص البوليسي المعدة خصيصا لمثل هذه الحالات...لكني مع هذا تابعت نشيدي بكل ما أوتيت من طاقة" الحرية لسورية، الحرية لمعتقلي الرأي في سورية". وُضِعت النساء في سيارة والرجال بأخرى...وسحبت منا كل الأوراق والحقائب والهواتف المحمولة...وأغلق باب الباص ...لكنا حبسنا كالمجرمين حين يلقى القبض عليهم ويحملون بمثل هذه الصناديق إلى حيث يلقون مصيرهم..لكن السعادة والضحك كانا الغالبين علينا...ومن خلال النوافذ المغلقة...كنا نشير لعدسات التلفزيون وأصدقاءنا في الخارج من خلال النوافذ...بعدها دعيت كل واحدة منا على حدة خارج السيارة ليتم تفتيشها جسديا وبدقة متناهية.، بالاستدارة ووضع اليدين فوق الرأس وعلى حافة الباص...أغرقت بالضحك قائلة:" يخيل لي أني في دمشق"!!!. التفت أحدهم وابتسم دون أن ينبس بكلمة... عادوا لجمعنا في حافلة واحدة رجالاً ونساء بانتظار القرارات العليا...اعتقدنا، أن الأمر سينتهي عند إبعادنا عن منطقة الشانزيليزيه حيث العرض والاحتفال...ثم يطلق سراحنا، لكن ما حصل معنا جاء مخيباً للآمال والتوقعات... يبدو أن باريس أصيبت بفيروس الجذام البوليسي السوري الذي لا يخطيء طريقه. لكني لا أنكر أن بعض العناصر المكلفة بالحماية والنقل أبدت الكثير من التعاطف وأطلقت بعض النكات والأعذار، وأن ما يقومون به مجرد تنفيذ للأوامر لكنهم يتفهمون موقفنا ويأملون أن تكون الإجراءات سريعة ، ولا يرغبون بالتأخير... نُقلنا بعد نصف ساعة إلى مركز البوليس في المنطقة الثامنة عشر من باريس " شمالا"حيث أُدخلنا من مدخل" الكراج " تحت الأرض، وهناك سُلمنا لعناصر أخرى، حيث مر كل منا بدوره ليسجل اسمه ولقبه وتؤخذ هويته الشخصية وحقيبته المصادرة سابقا..ثم نترك في محتجر مخصص لحالات الحجز المؤقت، مكثنا وقتا لا بأس به يتجاوز الساعتين وفي كل مرة نسأل عن الأمر ويدخل علينا مسئول يؤكد أن الاتصالات تجري لإنهاء الوضع فلا تقلقوا!..ثم استدعينا واحدا تلو الآخر لما يمكننا أن نسميه تحقيقا أو تقريرا يُعَد لكل شخص..كنت أول الداخلين..في غرفة صغيرة، كان الترحيب طبيعياً ومهذباً في كل المراحل المحقق الذي استقبلني في الأربعينات من العمر...بدأها بالاسم والهوية والمنشأ والمنبت...ثم سبب خروجنا اليوم وبالذات بهذا العيد الوطني...هنا قلت له:" إني سورية الولادة نعم، لكني اخترت فرنسا كبلد للمنفى...لإحساسي بأنها بلد الحرية والحق الإنساني بلد الثورة التي علمت العالم مباديء " حرية ، مساواة، إخاء" وكنت احلم للمواطن السوري بشيء مما عندكم...لكني أرى اليوم أن من يسومنا العذاب يحتفل مع شعب فرنسا بعيدها الرمز! ، فهل ترضى أنت لفرنسا هذا الموقف؟ قال:" معك كل الحق وأنا ممتعض لاستقبال بشار الأسد، لكن ماحيلتي؟...إن كنت أستجوبك الآن كوني أقوم بعملي فقط، كما أؤيد حقك، انبرى صديق آخر دخل فجأة للمكان وقال لزميله بعد أن سمع موافقته على ما فعلنا. قال: لست معكَ ولا أوافقكَ!!...قال المحقق ممازحاً زميله:" لو وددت أن أقتل أحدا فسيكون أنت بالتأكيد.".. لكن الزميل الدخيل وجه لي سؤالا : أريد أن أعرف رأيكِ أنتِ بشكل خاص؟ قلت " لا أستطيع ألا أعترض على دعوة من يحمل مفاتيح العديد من سجون تفوق الباستيل بعنفها وسوئها يحتفل بعيد سقوط الباستيل...اكتفى بالابتسام ومغادرة المكان . عاد المحقق ليسأل: " مَن تكون صاحبة الصورة فوق " التي شيرت الذي أرتديه " ..قلت:" هذه زهرة سورية وتدعى كما ترى فداء حوراني وحدثته من تكون ولماذا وضعت في السجن فقط كونها تنتمي لإعلان دمشق، ويعتبره الرئيس السوري ( منظمة تسعى لتغيير كيان الدولة، كما يسمي المنتسبين لهذا الإعلان إرهابيين وخارجين عن القانون! ولا ادري أي قانون يعني وسورية تعيش تحت قانون الطواريء منذ 45 عاما!، ثم يعود ليدعي أنهم تعاملوا مع شخص ينتمي لحزب لبناني وهذا الشخص دعا علناً دولة غريبة للعدوان على سورية!!، لكني أتحدى أن يسمي الرئيس بشار واحدا بين المعتقلين تعامل مع مَن يقصده وهو جنبلاط!!، أتحدى أن يُثبت أو يذكر أن أحدهم قد تعاطى مع جنبلاط من قريب أو بعيد، لكن عندما تعييه الحيلة يلتف عليها بالاختلاق ــ أو حتى لا نسيء الظن ــ هكذا أوحي إليه!! ، هز رأسه بأسف واستغراب ثم سأل: ماذا كنت تنوين أن تفعلي بعد التظاهرة وانتهاء العرض؟ قلت: العودة لبيتي فقط...سألني: هل وُجِهت لك دعوة ما لحضور الحفل؟ ضحكت قائلة : وهل تعتقد أنها توجه لأمثالي من المعارضين لسياسة كهذه؟ ضحك وكان بالفعل يكتب ما أُمليه عليه ويعيد الجملة ليؤكد صحة ما أريد ، ثم أعاد قراءتها علي بهدوء وتأن، وسألني إن كنت أوافق على ما تم تسجيله...وإن كنت أريد أي تعليق أو إضافة..فأجبت بالرفض. سُئل بقية الموقوفين معي نفس الأسئلة كل بدوره...وانتظرنا بعدها فترة لا بأس بها ثم دعيت وصديقة أخرى لنتسلم حقائبنا وأوراقنا ونُرافق حتى الباب الرئيسي... ما وددت أن أؤكد عليه ، أنه على الرغم مما حصل لنا وكان محط استغراب واستهجان منظمة مراسلون بلا حدود، وقد عزوا سبب التغير في التعامل للمناسبة الهامة لهذا اليوم ، لأنه لم يسبق لهم أن تعرضوا لإطالة في الإجراءات ولا لضياع في الوقت! ، لكني أؤكد أن المقابلات التي قام بها الأصدقاء الذين تركناهم خلفنا أحرارا..استجوبوا من خلال الصحافة وأعطوا اعتراضنا حقه، ونقلوا صوت سورية وأبناءها ومعتقليها لكل العالم الغربي.
#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميزان اللقاء السوري الفرنسي
-
مجزرة صيدنايا عربون سورية للعضوية في - الاتحاد من أجل المتوس
...
-
الفرق بين إنغريد بيتانكور وفداء حوراني
-
حجز حرية وزيارة ...أولها غارة وآخرها خسارة!
-
الخصوصية السورية !
-
تعلموا الديمقراطية من دول إسلامية، لكنها مع الأسف غير عربي
...
-
باص السلام الإسرائيلي السوري
-
الإطاحة - برأس المملوك جابر السوري آصف شوكت-
-
إلى الأسير سيطان الولي
-
صرخة قبل فوات الأوان!
-
بعد اتفاق الدوحة، ماذا ينتظر إيران؟
-
بيروت الكبيرة الزاهية بألوانها، عصية على احتمال الأسود
-
بيوت بلا خبز، تعني بيوت بلا كرامة!
-
يوم الصحافة العالمي ، في سورية بدون حرية!
-
إلى المعتقلين المتهمين - بالتطاول على سوريا-!
-
أما آن الأوان لسورية أن تقول - كفاية -؟
-
بين إيران، سوريا، إسرائيل، وأمريكا تدور أوراق اللعب المصيرية
...
-
نيروز منا وفينا، ولن يموت بموت بعضنا
-
ليلنا الدمشقي
-
المواطن السوري متهم ... لايعرف ما يحق له وما لايحق!
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|