|
بعضُ أراءٍ في تموز (بمناسبة مرور نصف قرن على تموز1958 في العراق)
عبدالله الداخل
الحوار المتمدن-العدد: 2343 - 2008 / 7 / 15 - 03:57
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مقدمة: كل ما قيل عن 14 تموز 58 في العراق يمكن أن يُقارَنَ بما يقابله مما قيل عن 8 شباط 63؛ مثلاً: قصر الرحاب حيثُ قـُتِلت العائلة المالكة دون عمد، في تموز، ونتيجة دفاع الثوار عن أنفسهم إزاء حماقة قائد الحرس الملكي، حيث تحوّل هذا القصر، في شباط، بإصرارٍ من "ملك" الأردن، إبن عم "ملك" العراق القتيل، اليافع، فيصل الثاني، الى مقر للتعذيب، وذاع له صيتٌ سئ جداً، إذ عُذِّب وقـُتِل، في غرفه ، مئات أضعاف العدد الذي مات، صدفةً، خارجه في 58.
1 حركة 14 تموز 1958 في العراق كانت انقلاباً عسكريا قامت به ثلة من العسكر الأميين سياسياً، حوّلته الطبقات الشعبية الفقيرة فيما بعد، بسرعة فائقة، وبقيادة الحركة اليسارية الثورية العراقية عامة، الى ثورة، ليس بتأييدها للحركة فقط وإنما بدفعها الى إجراء تغييرات سياسية واقتصادية جذرية وخطيرة. (أنظر كتابات الأستاذ حامد الحمداني بصدد هذه التغييرات. وكذلك مقال الأستاذ محمد علي محيي الدين في العاشر من هذا الشهر)
2 بعد أقل من سنة من عمر الحركة إنتهى، عملياً، وإلى الأبد، دور البورجوازية "الوطنية" في قيادة الثورة.
-"هل قلتَ ’الى الأبد‘؟" -"ذلكم هو الحقّ ُ، ولكنهم جاهلون!"
3 أهم سبب في سقوط الجمهورية العراقية هو أنها لم تكن وليدة الثورة الشعبية، أي أن مكاسبها لم ينتزعْها العمال والفلاحون والطبقاتُ الفقيرة بأيديهم لأنها عندما تكون من صنعهم، وبسلاحهم الذي في أيديهم وبالسلاح الذي في رؤوسهم، سيكون من المستحيل على فرد أو قائد، مهما كان عنادُه ومكرُه وتقلـّبُه وغرورُه وحمقـُه وسخافاتـُه، أن يضطهدهم ثم يسلـّم مقاليد السلطة الى أعدائهم.
مستحيل.
4 هل كان عبدالكريم قاسم وطنياً وهل قام باصلاحات جذرية وهل مات شهيداً؟ طبعاً! ولكن أهمّ ضابطٍ رجعي في السلطة (في مواقفه من اليسار العراقي) وخبيث لعب دوراً فعالاً في التحضير غير المباشر لانقلاب شباط الفاشي الذي قضى على الجمهورية (وحتى في إنجاحه أثناء تنفيذه) وأدى سلوكـُهُ المجرم الى المذابح والويلات كان رئيسَ الوزراء عبدَ الكريم قاسم نفسَه.
5 من المحتمل أن يكون عبدالكريم قاسم وراء أحداث كركوك 1959، نفـّذها له أمنه، أمن نوري السعيد، إذ ليس من المعقول إطلاقاً أن يبدأ تبديد الثورة هكذا، بتبرير الحملة الشرسة الجذرية المتواصلة بكل الأساليب الممكنة آنذاك ضد اليسار العراقي عموما وفي كل مكان من العراق.
كركوك في الشمال والبصرة في الجنوب، هل تتذكرون ما فعله كلب قاسم الأجرب مزهر الشاوي في بصرة الـ59، على سبيل المثال فقط لا الحصر؟
إثرَ تلك الأحداث مباشرةً تماماً والتي قام قاسم نفسُه بإدارتها ومواصلتها سراً وعلانية وبعناد وبأسوأ وأكثر استهتاراً من أساليب نوري السعيد وغيره من العملاء، حتى بعد أن تمَّ فضح قاسم وأكاذيبه ومبالغاته بشأن عدد قتلى أحداث كركوك.
إن إندفاع قاسم الموتور والمفاجئ والخبيث على نطاق العراق كله إثر تلك الأحداث، واستمراره في سلوكه المشبوه ذاك، وحتى بعد محاولة اغتياله في "راس الكَـْرَيّة" من قبل البعثيين، يعزز هذا الاحتمال بقوة.
لم يزل بعص المغفلين من المؤرخين اليساريين ينظرون الى هذا الأرعن كما لو أن صورته ما تزال على عهدها في 59، والتي خلقها أمثالهم من الجهلة، في القمر!
"يا حوته يا منحوته.. هدّي كَمرنه العالي"!
آه ! صحيح! منحوتة!
6 أ- ما حدثَ داخل قيادات بعض الأحزاب الوطنية قبيل انقلاب شباط الفاشي يجب أن يفهمه كل أبناء الشعب العراقي، وأنْ لا يظل حكراً على تلك القيادات.
ب- لقد وقفت عناصر مشبوهة في بعض القيادات عملياً ضد مناضليها الذين كانوا موقوفين أو سجناء في معتقلات قاسم الموروثة من نوري السعيد، موقوفين منذ 1959 وحتى نجاح انقلاب شباط الفاشي، فكانت معاناة هؤلاء المظلومين مضاعفة ورهيبة انتهت بإعدامهم بعد الانقلاب؛ فأية معاناة غريبة في التأريخ، وأي أبطال!
كان أبطال كركوك الذين تم اغتيالهم في السجن في الثالث والعشرين من حزيران/يونيو 1963 سجناء منذ 59 في سجون قاسم، وكانوا من أخلص الناس لقضية الشعب والوطن، فهم في تموز59 عملوا المستحيل من أجل السيطرة على مدينة كركوك لإيقاف النزيف فقد غيّر قائد المسيرة الضخمة (معروف البرزنجي) خط المسيرة، وكان يسير امامَها، متجنباً منطقة القلعة وسُوقها في اللحظات الأخيرة، حيث كمن رجالٌ مسلحون بالرشاشات لتطويق قطاع طويل من المسيرة في سوق معزول، حيث كان من الممكن أن يُقتل المئات، وبذا حاول البرزنجي العظيم تجنب الاصطدام المتوقع، وذلك بقيادة المسيرة على ضفة نهر "الخاصه صو" اليابس، فلم يشهد المسيرة والأطفال والحمائم ولافتات مؤيد الجميلة والرقعة الحمراء والنسخ، هناك، في ذلك الجزء من المدينة، سوى الحَصى وسلالم القلعة! لقد كان مناضلو كركوك مناضلي جماهير تؤيدهم ولم يكونوا جماهير حَصى! فلماذا غيّر معروف البرزنجي خط مسار المسيرة في لحظةٍ قيلت في أوانها انها كانت أخيرة؟
كان عدد قتلى الأحداث 32.
مسألة تدعو للتفكير: ذكر عبد الكريم قاسم في كنيسة مار يوسف رقما عن عدد القتلى، ربما كان هو ما يتصور أثناء لقاء له مع ممثلي الحركة الطورانية المعادية للثورة، وهؤلاء الناس ذوو الوجهين قابلوا قاسم وقيل أنهم "غشّوه" بمبالغة ارقام فقال انهم مئات، وقيل أنهم عرضوا عليه صور القتلى من جوانب مختلفة (كيف حصلوا عليها؟) وقيل كانت بينها صور من الجزائر التي كانت رازحة تحت بطش الاحتلال الفرنسي، ثم قال انهم ثمانين ثم اعتذر ذاكرا الرقم الحقيقي 32!
لا يمكن أن يكون هذا سلوك رجل في يديه كل شئ وأمامه كل المعلومات!
مستحيل!
ألا يعلمنا هذا درساً الآن؟
أين هي تلك المنظمة التي ذهبت وزارت قاسم آنذاك؟ من سمح لها اذا كان هناك اضطهاد حقيقي الحُمرة؟
هل يفكر هؤلاء وأمثالهم الآن أن يذهبوا الى جورج بش ليروه صورا حقيقية عن مليونَي قتيل (عراقي، لا جزائري) وستة ملايين مهجّر (عراقيين) بدلا من الـ32، علهم يستطيعون تغيير التاريخ كما فعلوا في 59؟ ولكنهم لم يكونوا هم في الواقع. إنه شئ آخر. أليس كذلك؟
ماذا فعل أؤلئك الذين اشتكوا لقاسم في شباط 63؟ هل كانوا محايدين في موقفهم من الانقلاب؟ أم أنهم "دافعوا" عن قاسم، أم أنهم في الواقع كانوا على اتصال دائم بخونة الشعب من العسكريين المتآمرين ومن البعثيين والقوميين والناصريين وأدعياء الدين وأيتام نوري السعيد والجبهة القومية عميلة الغرب الامبريالي، وأنهم أرسلوا عصاباتٍ من مقاتلي الشوارع المعروفين ممن شوهدوا في الشوارع الرئيسية من بغداد عشية الانقلاب؟
ج- بُدِئَ بانقلاب شباط بانشقاقات داخل قيادات الأحزاب اليسارية الوطنية.
7 اليمين القومي عموما، ممثـَّلا ً بظهيره عبد السلام عارف، هو الذي بدأ بمحاولة تغيير مسار الثورة، ليس فقط بمحاولة عارف قتل قاسم في غرفته في وزارة الدفاع، وإنما بتدبير الحاق العراق بمصر وسوريا (الجمهورية العربية المتحدة). لقد وقفت الاحزاب اليسارية العراقية ضد هذا الالحاق لإدراكها مدى تأثيره السلبي المقبل على مسيرة الاصلاح الاقتصادي في العراق.
8 بدأ عبدالناصر هجومه اللفظي ضد اليسار العراقي عام 1959. لكن من الأسئلة المحيّرة هو كيف سمح جمال عبد الناصر (وهو البطل القومي وقائد الشعب المصري ضد الاستعمار) لنفسه أن ينخرط في عمل خطير وقذر في المساهمة المجرمة في تخطيط وتنفيذ وإسناد انقلاب شباط الفاشي الدموي؟
لذا فان انقلاب شباط 63 في العراق لم يُسقط عبدالكريم قاسم فقط، بل أسقط عبد الناصر أيضاً، قبل أن يُسقِطـَهُ فشلـُه في حرب حزيران بعد ذلك بأربع سنوات، تلك الحرب التي بدأها بحشْد القوات المصرية في شرم الشيخ وعلى الحدود وترْك ضباطه يسهرون في حفلة لأم كلثوم!
9
كان عملاء الصهيونية يرتدون لبوس العروبة والدين بسهولة ويقابلون كل شعار يساري بواحد من شعاراتهم، محاولين منافستها دون جدوى. من أمثلة نوعَيْ الشعارات:
أ- عبدالكريم للأمام، ديمقراطية وسلام - عبدالكريم للأمام، دين وعروبة وإسلام!
ب- فلسطين عربية، فلتسقط الصهيونية - فلسطين عربية فلتسقط الشيوعية! وغيرها.
10
كان دعاة العروبة والدين وحثالات الجبهة القومية ضد الطماطة والرقي والباصات الحكومية البريطانية الصنع وأغنية مائدة نزهت: "يم الفستان الأحمر، فستانج حلو مشجّر"! ورغم هذه الذهنية نجح انقلابُهم بمعونة الإقطاع وشركات النفط وجهاز الدولة الفاسد والسفارتين البريطانية والأميركية وعبد الناصر، وبسبب من غباء قاسم ورعونته ورجعيته.
11
أسوأ من كتب عن العراق هو حنا بطاطو. (أفضّـل حامد الحمداني عليه) وإن أسوأ من ترجم له هو عفيف الرزاز.
لماذا؟
هذا موضوع طويل لذا يجدر بنا جميعا أن نجلس سوية في مقهى قرب "حقل السباعي" لنتحدث عن أمور كثيرة بينها اختفاء الصفحات من 772 الى 805، بقدرة قادر، حول ثورة تموز طبعا، في الطبعة الانجليزية الاولى (1978) جامعة برنستن (اقتنيتـُها من دار الساقي في 83) وكذلك عن "عراك الزغم" رئيس فلاحي قاسم! فالمترجم الذي لا يعرف ساحة السباع ولا عراك الزكَم، كأمثلة، كان بالطبع سيترجم ما نقله بطاطو بالانجليزية عن الصحف العراقية العربية في كل الأحداث بدلا من قراءة الصحف ذاتها، تلك التي قرأناها عند صدورها، والمتوفرة في المكتبات والمتاحف، فتكون ترجمته مثل ترجمة طالب في المتوسطة لأشعار شكسبير! لأنه كان بإمكان بطاطو أن يتخيل أحدا سيقوم بترجمة كتابه وعلى هذا الأساس كان سيختاره بدقة متناهية، مهيئا له صوراً لتلك للمقالات أو الأخبار في تلك الصحف العربية كي لا تـُشوّه الحقائق (فوق تشوّهها) كما تتغير الأسماء. إن كتابه كان أهم شئ في حياته وكان حصيلة العمر كله، فلمَ هذا الاهدار؟
ولِمَ كل تلك الأسرار؟
#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- محاولة ٌٌبدائيّة ٌٌفي البحث عن كُلِّيِّ الحكمة -
-
نسيج
-
روما 3
-
8 - روما - 2 (من مرثاة - كريم -)
-
8 - روما 1
-
7 - فسيلة
-
الكهف 2
-
أنت معنى (مقاطعٌ من مرثاة بعنوان - كريم -)
-
مقاطع من مطولة بعنوان -كريم- (
-
مقاطع من مطوّلة بعنوان - كريم -
-
مداعبات مهموم - 4 - حيوان كاتب
-
ملاحظات في الكتابة عن الدين. 1 - المقالات المعادية وحرية الر
...
-
مداعبات مهموم - عوائل تمزقها الجنسية - الجزء الثالث
-
مداعبات مهموم - عوائل تمزقها الجنسية - الجزء الثاني
-
مداعبات مهموم - عوائل تمزقها الجنسية
-
أمتعة
-
الجِزَم
-
شاهد عيان:- ساهمتْ زوارق السفارة البريطانية في دجلة بانقلاب
...
-
-ما يستترُ به الصائدُ-: السبب والذريعة في اللغة والتأريخ
-
إنهيارُ القارّات
المزيد.....
-
المافيا الإيطالية تثير رعبا برسالة رأس حصان مقطوع وبقرة حامل
...
-
مفاوضات -كوب 29- للمناخ في باكو تتواصل وسط احتجاجات لزيادة ت
...
-
إيران ـ -عيادة تجميل اجتماعية- لترهيب الرافضات لقواعد اللباس
...
-
-فص ملح وذاب-.. ازدياد ضحايا الاختفاء المفاجئ في العلاقات
-
موسكو تستنكر تجاهل -اليونيسكو- مقتل الصحفيين الروس والتضييق
...
-
وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في كييف ومقاطعة سومي
-
مباشر: قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في
...
-
كوب 29: اتفاق على تقديم 300 مليار دولار سنويا لتمويل العمل ا
...
-
مئات آلاف الإسرائيليين بالملاجئ والاحتلال ينذر بلدات لبنانية
...
-
انفجارات في كييف وفرنسا تتخذ قرارا يستفز روسيا
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|