|
تغيير مفاجئ
ساطع راجي
الحوار المتمدن-العدد: 2343 - 2008 / 7 / 15 - 03:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حتى فترة قريبة كان موضوع الخصومة الابرز بين رئيس الوزراء المالكي وبعض القوى وخاصة الرافضة للعملية السياسية تتمثل في مطالبة القوى المعارضة والرافضة بوجود جدول زمني لإنسحاب القوات الامريكية من العراق، وكان رئيس الوزراء وأعضاء حكومته وبالاخص الوزراء الامنيين يرفضون هذا الطلب بسبب عدم جاهزية القوات العراقية للسيطرة على الوضع في البلاد في حال إنسحاب القوات متعددة الجنسية، وكانت الحكومة ترى إن أي إنسحاب عسكري أمريكي من العراق يجب أن يكون محكوما بالتطورات الامنية على الارض وظل هذا الموقف الحكومي قائما حتى بعد إنطلاق المفاوضات بين العراق والولايات المتحدة للتوصل الى إتفاقية لوضع القوات وكذلك لتنظيم التعاون بين الطرفين في مجالات مختلفة. وبينما كان هناك حديث عن عقبات فنية ونقاط خلاف بين المفاوضين العراقيين والامريكان تصاعدت تصريحات من رئيس الوزراء ومقربين منه تطالب أن يتضمن الاتفاق جدولا زمنيا لسحب القوات الامريكية في العراق بصورة مفاجئة، حتى إن نائبا مقربا من رئيس الوزراء وعضوا بارزا في حزبه صرح بإن الاتفاقية هي إتفاقية جلاء للقوات الامريكية وفق جدول زمني محدد، وهذه التصريحات تشكل تحولا سريعا وخطيرا عن خطط وتصريحات كانت تسيطر على الساحة السياسية حتى قبل أيام قليلة. لقد عبر رئيس الوزراء الخط الذي كان يفصله عن مطالب التيار الصدري وهيئة علماء المسلمين وحتى بعض الجماعات المسلحة التي رفضت التغيير في العراق منذ البداية بخطوة واحدة واسعة وسريعة. لقد كان التكتم حول المسار الذي تسير فيه المفاوضات بين العراق والولايات المتحدة والخطوات التي تنجز على طريق التوصل الى إتفاقية، هو المسيطر ولكن كان هناك إعتقاد دائما بحتمية التوصل الى تلك الاتفاقية في نهاية الامر بغض النظر عن التفاصيل الفنية، فما الذي حدث وما دلالته؟ عندما كانت الحكومات العراقية المتعاقبة وكذلك الحكومة الامريكية ترفض تحديد سقف زمني لسحب القوات كانت تقدم تبريرات أمنية ميدانية وتربط ذلك الانسحاب بالتطورات الامنية وعليه فإن القيادات الرسمية العراقية مطالبة اليوم بتوضيح مدى قدرة الاجهزة الامنية العراقية في السيطرة على الاوضاع وكيف إنقلبت المواقف بهذه السرعة، وما هي عناصر الثقة التي طرأت على الوضع الامني ليحدث هذا الانقلاب الكبير؟!. عقد إتفاقية طويلة الامد بين العراق والولايات المتحدة قضية مهمة ولابد من قيام الحكومة بإطلاع الشعب العراقي على بنودها قبل توقيعها هذا إن وجدت قبولا عند الشعب وممثليه، لكن المطالبة المفاجئة بسحب القوات الامريكية من العراق هو أمر أشد خطورة ويتطلب شرحا وافيا من الحكومة والقادة الميدانيين للأجهزة الامنية ومثلما يتطلب عقد إتفاقية التعاون إجماعا وحوارا وطنيا بين القوى السياسية العراقية فإن سحب القوات الامريكية أو طلب سحبها يحتاج أيضا الى حوار ليس فقط لإستكشاف المواقف ولكن لترتيب إتفاقات وطنية تضمن مواصلة العملية السياسية بعد خروج الامريكان وعدم إيقافها أو تجميدها في المكان الذي وصلت إليه ولا حتى بحجة الهاجس الامني الذي سيتصاعد تأثيره إذا ما تحقق ذلك الانسحاب. هناك سيناريوهات عديدة لتفسير التحول السريع في موقف رئيس الوزراء لكنها جميعا سيناريوهات تخمينية تنطلق من أقصى التشكيك الى أقصى الشكوك والمخاوف، وأولها يقول بإن المطالبة بجدول زمني أو (إتفاقية جلاء) هو مجرد مناورة لتسهيل تمرير الاتفاقية أو المذكرة أو أيا كان إسمها عبر نزع السلاح الاعلامي التحريضي من أيدي خصوم الحكومة ورافضي الاتفاقية. هناك سيناريو تخميني آخر يرى إن رئيس الوزراء نوري المالكي قد حصل على تعهدات إقليمية من دول الجوار تضمن الحفاظ على إستقرار النظام السياسي الحالي في حال إنسحاب الامريكان على خلفية توجس بلدان المنطقة من أية إتفاقية عسكرية بين العراق والولايات المتحدة، وهذا التعهدات تحفظ النخبة السياسية من عدة مخاطر أولها الخروج عن توصيات بعض المرجعيات الدينية الرافضة لعقد الاتفاقية وكذلك إستفادة الخصوم السياسيين من عقد هذه الاتفاقية في الدعاية الحزبية المضادة وخاصة مع إقتراب انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات النيابية، وكذلك يحفظ النخبة السياسية ومواقع حزب رئيس الوزراء تحديدا من أي تغييرات تنجم عن مواصلة دمقرطة المجتمع العراقي كما إن الانسحاب الامريكي يعني حرية وسلطة أكبر لرئيس الوزراء العراقي الذي قد يحظى بلقب (محرر العراق) لتزداد قوته بعد الاستقرار الامني المتحسن على هشاشته ويزداد تأثيره على الشارع بعد رفع الرواتب على جزئية تأثيرها على المجتمع الذي يشكو من بطالة مستفحلة. هذه السيناريوهات هي ظنون قد لا تكون حقيقية ولكنها ناجمة عن مشاعر ومخاوف مشروعة سببها التغير المفاجئ في المطالب والخطاب الحكومي، وإذا كان الاستقلال الكامل للعراق أمرا منشودا فإنه يجب ألا يكون شعارا للمغامرات غير المحسوبة وفي كل الاحوال هناك حاجة للوضوح والتوضيح من رئيس الوزراء.
#ساطع_راجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفاتيح كركوك
-
صراع الرموز
-
دفاع ضعيف
-
لغم مكشوف
-
موسم الحصاد
-
تقييم سلطة المحافظات
-
تعطيل الديمقراطية
-
تجميد العملية السياسية
-
الاتفاقية ...شذرات وأوهام
-
الآخرون في العراق
-
تكاليف الترميم
-
فشل المعارضة
-
موت بسبب الكتمان
-
دولة..دولتان...دولة
-
محاصصة مبتكرة
-
إمكانية ترميم الحكومة
-
المقامة اللبنانية عراقيا
-
هل إقتربت الحرب؟
-
وقود رخيص جدا
-
الانشقاقات والابواب المغلقة
المزيد.....
-
بعد زيارة وزير خارجية أمريكا.. بنما لن تجدد اتفاق -الحزام وا
...
-
اتهامات بالتحريض وترهيب الشهود.. النيابة الإسرائيلية تفتح تح
...
-
سوريا تحت قيادة الشرع تفتح صفحة جديدة مع الخليج، فهل تنجح بإ
...
-
إسرائيل تصعد عملياتها العسكرية في جنين: نسف 21 منزلا وسقوط خ
...
-
لقطات جوية تكشف حجم الكارثة.. أحياء بأكملها تغرق في كوينزلان
...
-
كيف تتلاعب روسيا بالرأي العام في أفريقيا؟
-
هل نجح نتنياهو بتغيير ملامح الشرق الأوسط؟
-
الأطفال الفلسطينيون المرضى والجرحى يصلون إلى مصر بعد فتح معب
...
-
المتمردون من حركة -إم 23- يدعون حكومة الكونغو الديمقراطية لل
...
-
مصر.. خطاب للسفارة الأمريكية اعتراضا على تصريحات ترامب
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|