ناجي نهر
الحوار المتمدن-العدد: 2343 - 2008 / 7 / 15 - 03:32
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
عرفتها قبل أن تلد وحينما ولدت وترعرعت لم أتلذذ بخيراتها ومكاسبها التي أثمرتها للشعب, وهي خيرات ومكاسب كثيرة دونها التاريخ بأعتزاز واثنى على تنفيذها بأحترام , فلم ابتئس حينما غيبتني الثورة فى غياهب السجون وحالت دون مواصلة عطائي وكلانا انا وهي لما نزل بعد فى عنفوان فتوتنا ,أما أنا فتصورت الأمر لأول وهلة نوعآ من زعل الحبائب لكنني عرفت حينما دققت بالأمر بحجم ما احاطها من أعداء ألداء قادرين على تزوير الحقائق وحبك المؤآمرات ومع هذا وذاك لم تتزعزع ثقتي العالية بقادتها وبالشعب الي فجرها وكانت تلك مفخرتي وستضل , لقد تتوج نضالي فى المشاركة المخلصة بصناعتها وتغذيتها ونموها وحينما تفجر شبابها غضبآ على الطغاة , حمتها الجماهير بدمها وحرستها بحدقات عيونها وكنت واحدآ منهم . لقد عشت معها وهي جنين ساعة بساعة فقد استقزت نطفتها فى أعماق أحاسيسي ووجداني , وكنت مع الجماهير الهادرة التي غطت الشوارع فى جميع مدن العراق الكبيرة والصغيرة حال سماعها بيان الثورة الأول فى الساعة السادسة والنصف من صبيحة 14 // تموز 58// الأغر ذلك اليوم البهيج الذي لم يعرف الشعب ومناضليه أبهى وأسعد وأسمى منه ,فتزاحمت الجماهير وتدافعت المناكب على المشاركة فيه من أجل حراسة الثورة وحمايتها من شرور الأعداء فى الداخل والخارج فكانت بحق أيام المهمات الصعبة حيث تم للتو توزيع الواجبات حسب أهميتها وأوعزالى كوكبة مجربة برصد تحركات الأعداء من خارج الحدود فكان لي الشرف أن أكون واحدآ منهم وقد صنت الأمانة بكل مسؤولية حيث كنت شابآ يافعآ بالغ الأقتدار وصحيح البنيان ,فلم أكن حينذاك أسمح لعيوني بإمتلاك حقها لتغفو أوتنام و لن أسمح لقلبي أن يتذكر زوجة حبيبة وطفلآ مغرمآ بحب أبيه ليكون بقربه كباقي الأنام ,ومضت شهور الفداء جذلى سعيدة على محبي تموز وحماتها ,حتى تمكن الأعداء أن يقيدوا ذلك الحب بسلاسل قوية وفتاوى تكفيرية حاقدة مبرقعة بالشعوذة والأوهام وتسنى لهم ضرب الثورة بخنجر الحقد مستغلين طيبة قائدها وقلبه الكبير فإقتنع منهم وبمكرهم بتطبيق شعار عفا الله عما سلف وشعار - توازن القوى - سئ الصيت هذا الشعار الذي كان مبطنآ بشعارخفي هو شعار - فرق تسد – وكان هذا السلاح من امضى أسلحة الرجعية تلجأ له هي وأسيادها حينما يكونوا منكسرين ويكون تناسب القوى ليس بصالحهم , وقد مررت تلك الشعارات المعادية للشعب ببركة غفلة وتراجع وأنصياع حماة الثورة وقادتها وتصديقهم لأراجيف الأعداء وأكاذيبهم وإنحرف خط النضال الجماهيري عن مساره الثوري وتلكأ فى انجاز برنامج مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية وتراجع متقهقرآ مهزومآ أمام ضغوط الرجعية وتنفيذ مخططاتها وشعاراتها ,وتأكيدآ لهذا الرضوخ وتحقيقآ لما يرضي الأعداء فقد زج بأحرار العراق ومناضليه فى سجون الظلام وتم إبعادهم وحرمانهم عن شعبهم وكل ما أحبوه لوطنهم من سعادة وتقدم وسلام ,وكان حظ الشيوعيون كالمعتاد فى كل الأنتكاسات وفيرآ فى المزيد من العذابات والمعتقلات لهم ولأصدقائهم فهم المستهدفين من أعداء الشعب أولآ وأخيرآ وكما وصفهم شاعر الشعب الجواهري العظيم : ,, يزرع الخير فى النفوس فيجنى
ويجازى بالشر عنه فيجني وكنت أنا وزميل دعوتي كما يقول المساجين المقدم البا سل مطيع عبد الحسين الشطري - أبو عالية - ومجموعة كبيرة من الجنود البواسل وضباط الصف الشجعان أول دفعة دشنها المجلس العرفي المتخصص بالأنتقام من الشيوعيين ومحبي ثورة تموز حيث تم توقيفنا فى أذار/ نيسان / 959/ م ومن يرجع الى الأوليات سيجد أن الأحكام التي صدرت ضدنا لا تستند الى تهمة محددة أو شهود إثبات ولا لجرائم أو جنح إقترفناها فى النور أو فى الظلام ,وانما كانت مجرد إنتقام منا لأخلاصنا لثورة تموزالرائدة الحبيبة التى لايمكن أن تغيب عن ذاكرتنا مهما أصابنا من جراءها ومهما طال فراقها علينا .
لقد أدرك أعداء ثورة 14//ثموز على قوتهم وجبروتهم أنهم لم يتمكنوا من النيل من الثورة حينما تكون متربعة فى أحضان الشعب ومحمية بوحدته ومستقرة بحبه ومتداخلة فى طموحاته وآماله ومرشوشة بكوثر روائحه ورغباته وملبية لحقوقه المشروعة والعكس هو الصحيح . لقد كان المواطن يستشعرمن تموز ومن مكتسباتها الخير والأزدهار و يأمل منها المزيد من المكاسب كلما طال عمرها المديد ووجودها الشامخ وكان أمل المواطن ان الثورةآ ستجعل منه أنسان متحضر فى الزمن الجديد وسيكون بثقافته المتطورة عصيآ ومتحصنآ على كل الثقافات الوهمية والشعوذات الخيالية والأنتهازيات الأثنية والعرقية والطائفية التي راكمها الزمن المنصرم على كاهله وتسببت بفقره وتخلفه لكنه شعر بالخذلان وارتدت أحلامه الوردية الى الوراء والى المزيد من البؤس والفقر والعذاب وتتوج بولادة نظام الظلم والدكتاتورية العفلقية الصدامية التي دامت اربعة عقود بالتمام والكمال ,و بعد سقوط الدكتاتورية الصدامية البعثية صار للأسف أمر الأمرين حيث تفجر طغيان الطائفية بنزيف الدماء البريئة فى عراق اليوم المعمم فى كل ركن منه بعمائم متكالبة على السلطة ومتناقضة فيما بينها لحد الذبح فجفلت النفوس وضاقت ذرعآ و تكتمت الأنفاس وإضطربت بفساد الأشرارالجدد الذين إنتهزوا دست السلطة فى النهب والسلب وسفك الدماء وبات السياسي والمثقف الأمين منشغلآ بتأثيث خطابه السياسي للرد على أكاذيبهم الأنتهازية وتوعية الذين انخدعوا بعمائمهم الملونة وبتحليل وأستقراء واقع االناس والوطن المأساوي المعقد الذي أثقل كاهل الشعب بهموم إضافية لايمكن وصف أهوالها وكوارثها المدمرة التي لا تطاق .
فى هذا اليوم الكريم لا أرغب فى تدنيس ذكرى 14// تموزوأعيادها ومهرجاناتها وكرنفالات أعراسها بسرد ما جرى بعد وأدها وما حل من الويل والثبور وعظائم الأهوال والأمور التى لا زال نزيفها يتصاعد بالأيام والساعات حتى اليوم ولا أمل قريب مرتجى لنهايته المأساوية . ان ما جرى على الشعب العراقي من البؤس والعذاب والدماء والدمار غريب ومحير ولا يحتمل ,وليس له فى شريعة السماء والأرض ما يبرره ومسؤلية العلماء المختصين والساسة البارعين دراسته وتحليله واستنباط الدروس الواقية من تكراره . إن إستغرابي وصدمتي مما جرى وصار كأي مواطن ظل يذكرني بأمرين أساسين بحاجة الى وقفة تقويم وانصاف : الأول ان يتذكر المناضل ولا ينسى قوة الرجعية ويحسب حسابها الدقيق بفطنة المناضل السياسي المتمرس ويتذكر ولا ينسى حجم التآمر والقوى التي تحشدت على قتل ثورة 14/تموز واجناسها وعقائدها وتلونها ومراوغاتها والوقت الذي بذلته من أجل التحضير للضربة القاضية خلال السنوات الأربعة من عمرها – وقد تجمع فيه من أعداء الثورة كما وصفه فى حينه الشهيد سلام عادل من [ أصغر مومس الى أعلى الآيات الشيطانية والقومية الشوفينية !!!] . – ثانيآ ان لا يكف المناضل عن المطالبة بحقوق الناس التي هدرت من الذين وهبوا حياتهم وسنوات عمرهم وضحوا بالغالي والرخيص من أجل سعادة الشعب ورفعة الوطن وان لايسمح بأي حال من الأحوال الى تحيزالسياسيين والمؤرخين لغير الكلمة الصادقة فى كتابة تاريخ العراق ومناضليه وان لا يتوانى عن بلسمة جراح من مات اواستشهد او من بقي حيآ ولا زال يشعر بالخيبة والخذلان . - ثالثآ وهو الأهم ان يعرف المناضل ولا ينسى ان الرأسمالية الأمبريالية المعولمة هي عدو الشعوب الأول وهي التي أنجبت الذرية التعيسة من الحركات والتيارات الأنتهازية الدينية والعرقية الشوفينية والمافيات المسلحة والأرهاب المنظم وهي إم البلاء وابوه على كوكبنا وهي التي تنفث السموم الخبيثة والأستغلال ونهب ثروات الشعوب وافقارها فى الخفاء والعلن ,وهي لا زالت قوية وقادرة على استعمار الضعفاء والتحكم بمصير العالم الأمر الذي يضاعف من مسؤولية المناضل فى مواصلة الكفاح الموحد وفق قواسم عمل مشتركة بهدف الوصول الى بناء دولة القانون والمؤسسات المدنية الديمقراطية العادلة . فى اوقات كثيرة أسئل نفسي وأسأل العدو والصديق عما جنته ثورة 14 / تموز وهل حقآ كانت تستحق أن يتطاول عليها التاريخ وتقتل وهي لا زالت فتية ,وقد حققت من المكاسب العظيمة من عمرها القصير ما لا يصدق ,وأجيبها ,, قد يقول قائل تبريرآ لما حدث انذاك من تجني على تموزا,, انهم أعداءها واعداء الشعب وهو جواب صحيح جدآ ,ولكن ما بال ساسة العراق الجديد يصدون عنها ويتحاشون ذكرها وكأنهم لا يعرفونها أويسمعوا بها ,ولماذا تراهم دائمآ يمتشقون سيوف ثقافتهم الشوفينية والطائفية البتارة لقتلها ثانية وهي فى قبرها والجنوح الى نكرانها ونكران تضحيات صانعيها ويصكون أذانهم وابصارهم وعقولهم عن إستذكار العبر والدروس الثمينة منها ,متناسين أن السياسي الجيد من أجل الحصول على مكاسب للشعب ,لا بد أن يكافح ويعالج الظواهر القاسية بهدؤ وبرود وتروي مسؤول,من غير أن يجره الهدوء الحكيم فيما بعد الى الهدوء والبرود بمعنى اللامبالات غير المبررة والتروي الهزيل والأنهزامي الذي قد تصل نتيجته النهائية الخيانة المدمرة لأماني الشعب وحقوقه . فمعذرة لتموز من خنوع البعض وسكوتهم ,وقد جاوز الظالمون المدى فكل الأسباب والدوافع يعرفها الشعب قبل وقوعها ويعرف العملاء بالأسماء !!! .
لقد كتبت عن ثورة 14 تموز 58 م كما يكتب العشاق عن حبهم الواله المستهام وشوقهم المعطر بالحنين والأمل ونشرت على مواقع الأنترنيت المختلفة اربعة عشر حلقة بعنوان : - حقائق مشوهة من تاريخ العراق - تيمنآ بيومها الأغر 14 تموز .
ستظل أشعة تموز ذهبية كخيوط الشمس الهادئة وأقواس قزح متلألئة علامة النصر تلج كل بيت لتحوله الى سمفونية وقصيدة وإنشودة رائعة المعاني والأيقاعات والتقاسيم والألحان تترددعلى لسان كل مناضلة ومناضل ، ففى لمساتها تشعر بالحنان وفى همساتها تشعر بالجنان ، وستبقى ذكرى تموز وشمآ جذابآ فى ذاكرة شغيلة الفكر وسواعد المستضعفين , وسأبقى ألوذ بطعم ذكرياتها الزاهرة لتخفيف إختناقي من واقعنا المرعب وبما أسمع وأرى فى كل يوم ولكن ستبقى تموز بالنسبة لي هي المواساة وجبر الخواطر والأمل بالسعادة والعدل والسلام.
ألف ألف تحية إكبار وإجلال لشهداء تموز الأبرار = سلام عادل وجلال الأوقاتي وعبدالجبار وهبي وجمال الحيدري وماجد محمد أمين وعبد الكريم قاسم وحسن سريع وسلمان داود الجنابي وخزعل الساعدي وكاظم عبد الكريم وجلال أحمد والمهداوي والبامرني ووصفي طاهر وحسين الدوري وإلوف الشهداء الأبطال غيرهم من الجنود والكادحين والعمال والفلاحين والكسبة والضباط وشغيلة الفكر والفن فكلهم أبطال ميامين بحق ولا فرق بين مناضل وآخر ,وكنت أتمنى أن يسع المجال جميع أسمائهم الخالدة - فمعذرة ياأبطال الشعب الميامين .
والمجد والخلود لثورة 14 // تموز //58 التى ستبقى فى الذاكرة ,,فى كل مكان وزمان ،، والى أمام - - -
#ناجي_نهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟