أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي البزاز - صمت لورنا لداردين في مهرجان كارلوفي فاري... الوجه والقفا















المزيد.....

صمت لورنا لداردين في مهرجان كارلوفي فاري... الوجه والقفا


علي البزاز

الحوار المتمدن-العدد: 2342 - 2008 / 7 / 14 - 08:50
المحور: الادب والفن
    


الخير بذرة تنبت في كل مكان، والشرّ شجرة دائمة الغواية تحتاج إلى تربة وموسم محدّدين. تكتشف لورنا (أرتا دوبروشي) المهاجرة الألبانية، التي تعيش في بلجيكا، في فيلم »صمت لورنا« للأخوين داردين (فاز بجائزة أفضل سيناريو في الدورة الأخيرة لمهرجان »كان« السينمائي، وعُرض ثانية في مهرجان »كارلوفي فاري«، الذي تنتهي دورته الأخيرة اليوم السبت)، الشرّ الوارف الحضور في أعماقها، الذي يقودها الى التواطؤ مع سماسرة ورجل مافيا روسي، فتشارك ضمنياً في قتل زوجها البلجيكي كلودي، المدمن على المخدرات، والذي ارتبطت به بزواج مصلحة للحصول على الجنسية البلجيكية. علاقة استكانة ومنفعة مالية من دون حب ولا تفاهم، وهي غير مقبولة في المجتمع: ترفض عائلة كلودي استلام النقود التي تركها بعد مقتله عندما تجلبها زوجته.
تتفق لورنا مع مهاجرين يعيشون في بلجيكا على الزواج من رجل مافيا روسي، ليحصل هو الآخر على الجنسية البلجيكية، لقاء أموال طائلة تحلم بها وتسمح لها بشراء محل »سناك«. لإتمام صفقة الزواج، تسلك وسائل شتّى لتثبت عدم أهلية كلودي للحياة الأسرية، وتستعمل ادمان زوجها على المخدرات مبرراً، حيث تقدّم بلاغاً كاذباً للشرطة، مدّعية تعرضها للعنف. يستمر التلفيق: تُرغم زوجها على مساعدتها في الموضوع، ويحبِك السماسرة صفقة الزواج، فيُقتل كلودي، تم تبدأ الاجراءات لجعل ارتباط لورنا برجل المافيا مقبولاً من قبل الشرطة، التي تدقِّق تفصيلياً بزيجات مشبوهة كهذه: لا بدّ من ظهورهما في الحياة الاجتماعية كمخطوبين، وفي حفلة رقص، تخبر لورنا خطيبها بأنها حامل من كلودي، فيبدأ مسار جديد للأحداث، إذ لا يقبل السماسرة وجود طفل ربما يفسد القصة، لذا يجبرونها على الإجهاض الذي ترفضه بشدّة.
عندما تتم الصفقة، ويتعين على لورنا السفر لمقابلة رجل المافيا، تقول مخاطبة جنينها: »هم يريدون قتلنا«. تهرب بعد أن تضرب الوسيط بحجارة، وتلجأ إلى كوخ في غابة حيث تنام على كنبة، منقذة الجنين ونفسها (في مشهد النهاية فقط يستعمل المخرجان الموسيقى التصويرية). هذا من أروع المشاهد التعبيرية في الفيلم، لغة ومضموناً، يستعيد ما هدمه الشر في كيان الإنسان: منذ محاولة لورنا الهرب من سمسار رجل المافيا الروسي، تتحدث مع نفسها بصيغة الجمع. وحينما تجد الكوخ في الغابة، يستمر الحوار مخاطباً اثنين: ذاتها والجنين. وعندما تعثر على جرائد قديمة تريد أن تشعل الموقد بها، تقول: »يجب أن نجد الكبريت. سنرحل غداً صباحاً«. إذاً، اختارت أن تحافظ على جنينها لتعوّض عن ذنبها المتمثّل بمشاركتها السماسرة في قتل زوجها: تعويض حياة مهدورة بحياة أخرى قادمة، متمثلة بالجنين. في الغابة، تنصت إلى صوت الطيور، كأنها تشعر من جديد بانسانيتها، وتشارك المخلوقات الأخرى في الجمال.
للغابة مفهوم جمالي وفكري يتجسد بروعة الطبيعة، الحافلة برموز الحياة التي تقابل ولادة الجنين في بطن الأم، مانحة شعوراً باستمرارية العيش بعد مقتل والده، في حين أن الحرارة المنبعثة من الموقد تشيع الشعور بالإلفة ودفء الانتصار على الشر.
يومياً تحدث قصة زواج مصلحة للحصول على الأوراق الرسمية في مجتمع المهاجرين. رصد الفيلم بحيادية هذه القصة، من دون إدانة قصدية للأجانب، عارضاً التشويه في شخصيات الدراما كلّها من دون استثناء: كلودي المدمن على المخدرات والعاجز عن تحقيق متطلبات الحياة الاجتماعية السوّية، ولورنا الساعية بشدّة إلى الحصول على الجنسية البلجيكية، بهدف تأمين حياتها قانونياً واقتصادياً بشراء محل »سناك«، فتلجأ مرّتين إلى زواج المنفعة.
الإغراء
قليلون هم الذين يقاومون إغراء المال الذي يشبه مغريات السلطة، لكن كثيرين يستردّهم الخير بعد أن يقبضهم الشر. في عالم الهجرة، عندما يواجه المرء اختبارات المال والإقامة والمساومة أو الرفض، يتجلّى معدنه الذي يُسيِّر حياته في بلد آخر مختلف عمّا ألفه ثقافة وقانوناً ولغة. يستعرض الفيلم حيثيات القصة وجوانبها كلّها بوضوح، ومنعاً لأي اتهام بالعنصرية أو التحامل على المهاجرين، يصوّر جليّاً حالة البلجيكي كلودي المدمن على المخدرات، التي بسببها ربما وقع اختيار عصابات الاحتيال على زوجته، إذ إن حالته اللامسؤولة مهدت للإيقاع بها. السمسار الوسيط في هذه العملية مهاجر هو أيضاً يعمل ســائق تــاكسي: هذه المهنة تمكّن صاحبها من الاحتكاك بسهولة في المجتمع من دون التعرّض لمراقبة الشرطة. أما الطرف الثالث، فمتمثّل برجل المافيــا الروسي (هنا انتباه ذكي من الفيلم): بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، توّسع نشاط المافيا الروسية إلى أوروبا لبسط نفوذها وإقامتها في بلدانها: جاء رجل المافيا ولورنا الألبانية من مجتمعات أنظمة شمولية، وتحتوي لغتاهما (الروسية والألبانية) على وشائج تفاهم مشتركة.
عندما يخرج كلودي من مصحّ العلاج من الادمان، يحاول التقرّب من لورنا روحياً. أما هي، فلا تبادله الأحاسيس هذه، لأنها مشغولة بالتخلّص منه. في مشهد جميل للغاية ومصيري في الوقت نفسه، يطلب كلودي من لورنا مزيداً من المال لشراء المخدرات، وعندما ترفض إعطاءه إياه، يلكم أحدهما الآخر. ثم يسألها عن المفتاح ليخرج من المنزل. وهي، حرصاً عليه من اللجوء ثانية إلى المخدرات، ترمي المفتاح من النافذة. بعد هذا، تتعرّى وتقترب منه، ويمارسان الجنس واقفين، بلهاث يشي بحياة جديدة لكليــهما. بعدها، تكتشف لورنا أنها حامل. المحيّر في هذا المشــهد المفـصلي هو عفوية وفجائية بنائه، لأن حياة الاثنين مع بعضهما البعض، كما صورّها الفيلم، غير سعيدة وتفتقر إلى الحميمية، على الأقل من جانب لورنا، التي تتعامل مع »زوجها« طوال الفيلم بخشونة لافتة، وأحياناً بوحشية والافتراء عليه بالعنف لدى الشرطة، وهي دوماً منشغلة بترتيب إجراءات زواجها من آخر، الذي يؤدي الى قتل زوجها.
يصاب المدمنون على المخدرات بالعنّة. كلودي هو كذلك. هو وزوجته لم يناما قط على فراش الزوجية، كما أن للورنا عشيقاً من بلدها، فكيف وقعت إذاً الحاجة إلى الجنس على هذا النحو العفوي، من دون تمهيد عاطفي حميمي؟ بل على عكس ذلك، تمّت هذه المضاجعة بعد الضرب. الأمر المحيّر الآخر، الذي يبعد نوعاً ما الإحساس بافتعالية المشهد، هو رمي لورنا المفتاح خوفاً على زوجها من الخروج وتناول المخدرات. في المقابل، لم تتغيّر عاطفياً حياتهما بعد تلك الواقعة (ذهبا معاً ليشتري كلودي دراجة هوائية) وافترقا من دون وداع حميمي. لو كان هذا المشهد عابراً وهامشياً في عناية الدراما، لما أشرتُ إلى هذه التساؤلات، لكنه بالغ التأثير في الفيلم. هذا الفصل قاد الى الجنين، الذي بسبب عدم إجهاضه تفلت خيوط اللعبة. ثم إن لورنا لم تحزن لقتل زوجها، ولم تحتفظ بملابسه للذكرى، بل قامت مباشرة ومن دون ألم أو حسرة بمشروع الزواج.
في الحقيقة، توزّعت لورنا دائماً بين طموحها المالي وعشيقها، واستعملت زوجها مطّية لتحقيق مآربها، لكنها وقفت مع انسانيتها عند ارغامها على الاجهاض. هنا، يُطرح سؤال: لو لم يقتل كلودي، هل كفت عن الاستمرار باللعبة؟ إن لامبالاتها بعد مقتل زوجها والتضحية به من دون اللجوء إلى البوليس لمعرفة الجناة، تدل على أنها سائرة بمشروعها، بغض النظر عن موت زوجها أو بقائه حيّاً. من هنا جاء عنوان الفيلم »صمت لورنا«، أي التستر. استعمل الفيلم الحياة متمثّلة بالجنين، والطبيعة بمكان الغابة، للتغلّب على الشرّ، لعل الولادة والأشجار والدفء لا تفارق مفردات الخير.
(كارلوفي فاري)



#علي_البزاز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «محمود صبري بين عالمين» لبهجت صبري: الجدارية الغائبة
- المهرجان الدولي للأفلام الوثائقية في أمستردام - : يدعمون الا ...
- فيلم - ستاب هورست- للهولندي اميل رفروا يحيا التعصّب في الحيا ...
- أين الغابة يا أيتها الزهرة التي حديقتها بين قوسين؟ سعدي يوسف ...
- أدباء ومثقفون عرب في مهرجان -الكلمة الحرّة- في أمستردام / ال ...
- فيلم -العودة الى الينابيع - لجودي الكناني / التعبير مالك الج ...
- خضوع- للهولندي تيو فان غوغ
- جدال حول فيلم -فتنة- للهولندي خيرت فيلدرز هاوي تطرّف لا يتكل ...
- الذاكرة بيت غير جغرافي مفاتيحة الماضي
- شكرا امريكا للعراقي عادل جودة
- السلطان والمدينة : تحولات الحياة والملك في امبراطورية آل عثم ...
- مهرجان الفيلم الوثائقي العالمي في امستردام IDFA ...تفاهم عال ...
- الفيلم الوثائقي-الكتابةالاولى- هذا الذي راى كل شيء فغني بذكر ...
- مهرجان ميلانو للسينما العراقية... مخرجون يخترعون الصور كي لا ...
- الحكمة مزينة بالضوء وبالموسيقي.. وريادة النوع
- الفيلم الوثائقي ( بلاد مابين الحربين ) *العراق منهوب الكرامة
- الفيلم الوثائقي - سندباديون - تيتانك عراقية معاصرة
- الفيلم القصير - المهد -عدالة السلوك
- الفيلم العراقي القصير - الليلة الثانية بعد الالف - الحكاية ا ...
- الفيلم الوثائقي – الدرامي - ذاكرة وجذور - ذاكرة الثلج االحار


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي البزاز - صمت لورنا لداردين في مهرجان كارلوفي فاري... الوجه والقفا