|
علماني في مكة والمدينة : وقفة تأمل بشعاب أبي طالب
جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2342 - 2008 / 7 / 14 - 09:00
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
اليوم مضى على مكوثي في مكة ثلاثة أيام بعد أن مكثت في المدينة خمسة أيام , وفي نفسي شيء أود أن أقوله عن ماء زمزم هذا الماء الذي كان يحضره أجدادنا مسافة 1500كيلو متر على ظهور الجمال وعلى الحمير والبغال ,وكانوا يتحملون مشاق السفر من أجل الحصول على قطرة ماء من ماء زمزم . ولسنا نحن المسلمين وحدنا الذين نقدس الماء فماء الحياة مقدس وفي الأساطير حكايات كثيرة عن ماء الحياة المقدس حتى أن المسيحيين يقدسون مياه غور الأردن والتي عمّد بها يحيا -يوحنا المعمدان - المسيح .
وفي أثناء جولة الجيش البريطاني في الجزيرة العربية كانوا من ذي قبل قد سمعوا عن ماء زمزم ولكنهم ما كانوا ليعرفونه قبل دخول الإستعمار الإنكليزي للخليج الفارسي فحين دخلوا أخذوا منه عينة( سانبل )للفحص فماذا وجدوا .؟؟ أثبتت التجارب العلمية أن ماء زمزم غير صالح للإستهلاك البشري ؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! وأرجو أن يتسع صدر القارىء لما سأقوله : مكة تقع في قاع صحن تعتلي من على يمينها وشمالها وشرقها وغربها الجبال العالية ومن أول مكة حتى المدينة كل الطريق في إرتفاع مستمرمسافة 450 كيلو متر وكذلك وأنت تنطلق من مكة إلى جدة مسافة 80 كيلو متر ...ولهذا السبب تتجمع مياه الأمطار على شكل سيول وتنزل من مواقع مرتفعة إلى مواقع منخفظة وتخرج من أعمق نقطة منخفضة وبهذا ترشح مع مياه الأمطار والسيول الأملاح الثقيلة المعادن خلال مسير الماء جوفيا في باطن الأرض ...وهذا هو السبب الذي يجعل أهل تلك المناطق يدمنون على شرب زمزم ويتضلعون منها لأنهم بسبب الحر الشديد تفقد أجسامهم كثيرا من الأملاح المعدنية وزمزم تعوض تلك الأملاح بينما أجسام الغرباء الذين لا يعتادون عليها نجد أنهم يتضايقون منها في البداية . والقصة الحقيقية أن الإنسان أصلا لا يسكن إلا في مواقع كثيرة المياه أي أن زمزم موجودة منذ زمن ولكن بعض الأحداث السياسية والتي عصفت بمكة فدفعت بسيدها في أن يردم بئر زمزم ويهرب من مكة فردمه وردم معه غزالة الذهب ودرعه وأتراسه . وهناك آبار غير زمزم فيها نفس مواصفات بئر زمزم فلكل قبيلة بئر ماء كانت ترد عليه وتشرب منه .....إلخ
وأخذت جالون من الماء ووضعته على حنفية بئر زمزم وطبعا حتى يمتلأ الجالون إنتظرت في ذلك اليوم 45دقيقة أخذت خلالها نفسي وصرت أتجول بشعاب إبي طالب وأنظر للتاريخ القديم وكيف حوصر بنو هاشم 3 ثلاث سنوات على التوالي ولفت إنتباهي شيء وهو : أن مكة لايوجد بها آثار العرب وأبنيتهم فلا توجد مثلا دار الندوة فأين دار الندوة , لا يوجد أمامي غير الحرم المكي وجبل أبي قبيس وشعب أبي طالب والذي سيندثر أيضا نهائيا في حملة عمران شاسعة لبناء الفنادق والمحلات التجارية .
وجلست في شعب أبي طالب وأنشدت لاميته المعروفة في مدح الرسول والذود عنه عشائريا ومطلعها : ولما رأيت القوم لا ود فيهم وقد قطعوا كل العرى والوسائل . إلى آخر القصيدة وسألت نفسي سو آلا : لماذا لم ندرس في المدارس هذه القصيدة ؟؟! والظاهر أنها تحكي عن محمد الهاشمي العشائري أكثر مما تحكي عن محمد الرسول . ولكن جماليات القصيدة عظيمة وموضوعاته عظيمة وهي قصيدة نضالية لجماعة كانمت تناضل أولا من أجل حرية الرأي ..والدين ...والمعتقد ..فكل الآيات المكية لا تحث المسلم على قتال المشركين ...أو اليهود ...أو النصارى ...ولا توجد آية تحث المسلم على الجهاد ...كل الآيات المكية تحث المسلم على التسليم والإنصياع لأمر الله وإحترام معتقدات الآخرين (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون و....إلخ ) وهذه ألآية تدل على أن لكل إنسان معتقده وحرية التمسك به وليس لأحد قدرة أو حق فرض وصاية على ألآخر.. ولا أستطيع أن أتحدث كثيرا عن رحلتي إلى مكة والمدينة والتي إستمرت 11أحد عشر يوما ...لأنني بهذا سأذكر السيرة النبوية كلها وتاريخ الكعبة والمدينة , ومع هذا ما زال بنفسي شيء من زمزم وماءها ومن شعاب أبي طالب , هذا الشعاب الذي وقفت به أطول وقفة تأمل في المدينة ومكة فوقفت وأنا أرجع بالتاريخ إلى الوراء وتذكرت 64عاما من تاريخ السيرة النبوية وكيف ناضل رجل مثل محمد كل هذا النضال البطولي وكيف تحمل مشقة الهجرة والسفر من مكة إلى المدينة وهي مسافة كبيرة تقدر ب 450كيلو متر .
وفي شعاب إبي طالب يقع بئر زمزم وهو تحت بيت عبد المطلب شيبة الحمد ,وما زال موقع البيت الذي يعد مسقط رأس الرسول قائما إلى اليوم وبمحله مكتبة يعود بناؤها إلى 50عاما تقريبا . ومن يقف بالشعاب وينظر بعينيه للحصار السياسي والإقتصادي الذي وقع بحق بني هاشم سيعرف تماما أن محمدا نصره أهله نصرة عشائرية لكي لا يقتل فتعدها العرب سبة على بني هاشم . ولم يتبع أبو طالب عم الرسول محمدا ولم يسلم ولم يشهد شهادة الإسلام خشية أن ينال مسبة بين العرب ولو كان أبو طالب مقتنعا بمحمد كنبي لآمن به حقا ولكنه يعرف أنه ليس نبيا بل مصلحا إجتماعيا وهذا ليس رأيي بل هو رأي أبي طالب نفسه مع أن صفاته كلها جيدة عند العرب وكان تاجرا أمينا . لقد كان محمد تاجرا صادقا وكانت مهنة التجارة تتطلب صدقا في المعاملة مثلها اليوم مثل مهنة تاجر البورصة الذي يتاجر للناس بأموالهم فكلما زادت ثقة الناس به كلما زاد رأسماله وأرباحه وكلما شاع بين الناس كذبه كلما قل ماله وتراجعت أرباحه .
هكذا عاش محمد صادقا بتجارته وكان يكسب كثيرا من صدقه حتى أن أصحابه الكبار الأوائل كلهم تجار والظاهر أن إيمانهم به نابع من إيمانهم التجاري والإقتصادي به فأبو بكر تاجر وعثمان تاجر وعبد ارحمان بن عوف تاجر أيضا وكل رجل منهم تحمل عبء من ضمن أعباء الحملة الدعائية للدعوة . وتذكرت وأنا أنظر في الشعاب قصيدة أبي طالب بمحمد مرة أخرى فجلست وأنشدتها وخلت الرسول وخديجة وأبي طالب محاصرون في مشهد درامي من الإنفعال والتوتر وكيف كان من يحب أبا طالب يرسل في الليل البهيم ناقته محملة بالتمر لكي يأكلها بنو هاشم .. وهم محاصرون وهذه أبيات من القصيدة :
ولما رأيت القوم لا ود فيهم وقد قطعوا كل العرى والوسائل
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتاما عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم
فهم عنده في نعمة وفواضل
كذبتم وبيت الله يبزى محمد
ولما نطاعن دونه ونقاتل
وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي وأمسكت من أثوابه بالوصائل
جزى الله عنا عبد شمس ونوفل عقوبة شر عاجلا غير آجل وقد صارحونا بالعداوة والأذى وقد طاوعوا ا أمر العدو المزايل وقد حالفوا قوما علينا أظنة يعضون غيظا خلفنا بالأنامل صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة وأبيض عضب من تراث المقاول قياما معا مستقبلين رتاجه لدي حيث يقضى حلفه كل نافل وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم بمفضى السيول من إساف ونائل موسمة الأعضاد أو قصراتها مخيسة بين السديس وبازل ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب
لدينا ولا يعني بقول الاباطل
ونسلمه حتى نصرع دونه
ونذهل عن أبنائنا والحلائل
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد
وأحببته حب الحبيب المواصل
وجدت بنفسي دونه وحميته
ودارأت عنه بالذرى والكواهل
فلا زال في الدنيا جمالا لاهلها
وشيئا لمن عادى وزين المحافل
حليما رشيدا حازما غير طائش
يوالي إله الحق ليس بما حل
فأيده رب العباد بنصره
وأظهر دينا حقه غير باطل
وإن من يقرأ الأبيات يعرف أن أبا طالب غير مقتنع بموضوع النبوة وإنه يتوعد أقرباؤه من عبد شمس ونوفل حين ينتصرالهاشميون على قريش , وهذا ما حدث فعلا فحين كان محمد يقسم الأعطيات بعد فتح مكة كان لا يعطي بني عبد شمس وبني نوفل كما كان يعطي بني عبد الدار , أي أنه لا يعاملهم كغيرهم من أقرباءه وخصوصا الذين آزروه ودافعوا عنه في شعب أبي طالب .
جزى الله عنا عبد شمس ونوفل
عقوبة شر عاجلا غير آجل
ووقفت بالشعب مشدوها منه ومن ثم رحت بذهني إلى المدينة المنورة حين أقحطت وأمحلت ودعا محمد وصلى صلاة الإستسقاء فجاءته القبائل من الحضر تشكو من السيل فقال محمد : حوالينا ولا علينا , ومن ثم تمنى لو كان أبو طالب حيا فقال له صحابته وكأنك تشير لقوله :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتاما عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم
فهم عنده في نعمة وفواضل
إنه تاريخ طويل من النضال البطولي
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علماني في مكة والمدينة8
-
علماني في مكة والمدينة7
-
القضية الفلسطينية في الأراض السعودية
-
علماني في مكة والمدينة 6
-
علماني في مكة والمدينة 5
-
علماني في مكة والمدينة 4
-
كعبة الحجاج بن يوسف الثقفي
-
علماني في مكة والمدينة3
-
علماني في مكة والمدينة 2
-
علماني في مكة والمدينة
-
هوايتي جمع القبلات
-
من يحيي المعاني إذا ماتت ؟
-
رائحة إبط الرجل تنظم الدورة الشهرية للمرأة
-
الإستعمار للمواطن العربي أفضل
-
العبقرية ليست للعرب
-
الثقافة التي تطعمنا الخبز أو خبز المسيح
-
بابلوف في المخابرات1
-
هل سيبقى بوش حمارا؟
-
هل سيبقى بوش حمارا ؟
-
دعوة لفتح ملفات الأدب الجاهلي والمسكوت عنه
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|