زهير كاظم عبود
الحوار المتمدن-العدد: 724 - 2004 / 1 / 25 - 03:53
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
جاء في القاموس المحيط للفيروز آبادي في الصفحة 1129 أن الحق من أسماء الله تعالى ، أو من صفاته ، ضد الباطل ويعني العدل وواحد الحقوق والحقة أخص منه .
وأكد سيحانة وتعالى على قضية الحق وكررها مرات عديدة في سور القرآن الكريم ، ويكفي أن يرد في سورة البقرة لوحدها من القرآن الكريم كلمة الحق 22 مرة .
والأسلام من الأديان التي تدعو لأحقاق الحق وتحث عليه ، ومن يطالع كلمات القرآن المجيد يدرك أهمية الحق والحقوق لدى الأسلام ، وأذا كان الأعلان العالمي لحقوق الأنسان قد صدر في نهاية عام 1948 فأن الأسلام أقر المباديء العامة للحقوق قبل الف واربعمائة سنة .
وجاء الأعلان العالمي لحقوق الأنسان رداً على التجاهل المتعمد لحقوق الأنسان وأحتقارها مما أدى الى اعمال أثارت بربريتها الضمير الأنساني ، وكان البشر قد تنادوا ببزوغ عالم يتمتعون به بحرية القول والعقيدة وبالتحرر من الخوف والفاقة والأستعباد كأسمى ماترنو اليه نفوسهم .
أن الأساس الذي أستندت اليه اللائحة الدولية في وجوب أن يتمتع الأنسان بحماية نظام قانوني وأن جميع الناس يولدون أحراراً ومتساويين في الكرامة والحقوق ولكل انسان الحق في الحياة والحرية والآمان على شخصه وأن لكل أنسان الحق في التعبير عن رأيه وأفكاره وأختيار شكل الحياة التي يريد وتضمنت النصوص الخاصة بالأعلان العديد من الحقوق غير أن مايهمنا في هذا البحث الموجز هو ما اوردته المادة الأولى من الجزء الأول من العهد الدولي الخاص بالحقوق والذي ينص :
( لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها ، وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي في السعي لتحقيق نمائها الأقتصادي والأجتماعي والثقافي ) ، ويورد في الفقرة الثالثة ( أن على الدول الأطراف في العهد الدولي والتي تقع على عاتقها مسؤولية الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية أن تعمل على تحقيق المصير وأن تحترم هذا الحق ) .
أشرنا اعلاه الى النظرة الأنسانية التي حث عليها الأسلام في الحق والحقوق وترجم هذه التطبيقات من خلال الولايات الأسلامية التي كانت أشبه بالمستقلة عن الحكم المركزي ولعل الأمارة الأسلامية تشكل نوعاً من أنواع التقسيمات الأدارية ، والأمارات كانت تقسم الى أقاليم وتطور مفهوم الأمارة في الأسلام حتى صارت تمثل الحكم الذاتي المركزي الذي لايرتبط بالخلافة الا بالشكل ، ولعل الأمارة الخاصة والأمارة العامة تمثل نوعاً من تحديد الصلاحيات والمسؤوليات في الوقت الحاضر .
ومن يستقرأ التاريخ الأسلامي يجد أن الحرص على أعطاء الشعوب حق تقرير مصيرها مبدأ حرصت الدولة الأسلامية العمل به والمحافظة عليه منذ وجود الرسول ( ص ) ومروراً بالخلافة الراشدية ومن ثم الدولتين الأموية والعباسية ومؤشراً يدل على وضوح رؤية الأسلام لحقوق الأ،سان قبل أن يصدرها الأعلان العالمي .
ومن ثم يأتي الأعلان العالمي الذي صدر في العاشر من كانون الأول 1948 ليؤكد الأجماع الدولي والحرص الأنساني على حق تقرير المصير وأحترام أرادة الأنسان ومنح الشعوب حريتها في بناء أسس حياتها وشكل دستورها وحكمها .
وتأتي القضية الكردية من بين أهم القضايا التي تتصدر وجوب وضرورة أن نحقق مايوصل الى الحق ونتمعن في الشكل الدستوري الذي يحقق العدالة والحقوق للعراقيين بشكل عام وللأكراد بشكل خاص ، هذا أذا كنا نعترف أن الأكراد شعب أولاً ولم يأتوا من المجهول ثانياً وأنهم شركاء في هذا الوطن ثالثاً .
فأذا أعتقدنا بماورد نكون قد خطونا الخطوة الأولى في أحقاق الحق الذي دعا اليه الأسلام قبل أعلان حقوق الأنسان الصادر من المجتمع الدولي .
ونعرف كلنا حقيقة كون الأكراد شعب لهم لغتهم وتاريخهم وخصوصيتهم وسكنوا هذا الجزء من أرض العراق منذ أن وجد الأنسان على هذه الأرض وحين نشر الفتح الأسلامي جيوشة كانت كردستان من المناطق التي ألتزمت بالدين الجديد بالنظر لتفهمها أسس الدين ومايحققه من أسس ومفاهيم أنسانية للشعوب .
أن الأكراد الذين أنتشروا في مساحة من الأرض توزعت وفقاً لخرائط الجغرافية والتقسيمات السياسية والمصالح الدولية بين عدة دول وتفرقت جموعهم ومجتمعاتهم حتى أن أقطار عديدة مثل الأردن ولبنان لم تزل فيها أحياء تسمى بحي الأكراد ، هذا بالأضافة الى التواجد الكثيف في تركيا وسورية وآيران هم في الحقيقة مجتمع واحد وشعب مجزأ واحد .
ساهم الأكراد سوية مع العرب في العراق جنباً الى جنب في تحمل الأضطهاد للحكومات الهجينة التي توالت على حكم العراق انتهاء بجور وظلم السلطات العثمانية البائدة .
وحين قامت ثورة العشرين كان الكرد من أوائل من أستجاب لنداء العلماء المسلمين وشيوخ العشائر في الفرات وتلاحمت الأخوة العراقية بحق في هذه المواقف التي سجلها التاريخ العراقي بفخر للعرب وللأكراد والتركمان .
وخلال الحكم الوطني العراقي ساهم الكرد مساهمة فعالة في رفد الجيش العراقي وبناء الحكومة ، وانصهروا ضمن النضال السياسي الوطني ليشكلوا قادة وقواعد تطالب بالحق لكل العراق قبل أن يطالبوا بحقوقهم المشروعة .
والمنصف الذي يستقرأ التاريخ العراقي ينظر بعين الأعجاب للمساهمة الوطنية والتلاحم العراقي والشراكة الحقيقية في سبيل تحقيق طموحات الشعب العراقي التي تتوجت في ثورة 14 تموز 58 19.
كانت مشكلة الأكراد في العراق مع السلطات التي لم تستوعب مطاليبهم الأنسانية ولاأ قرت بحقوقهم المشروعة فأستغلت مواقعها وقدراتها وشنت عليهم حروباً هوجاء طحنت أبناء العراق من كل القوميات وخسر فيها العراق الكثير الكثير أعتقاداً منها أن بأستطاعتها القضاء على حقوق الشعوب وحقها في الحياة ، دون أن يتم أعمال العقل في دراسة الحق والحقوق والتوصل الى محطات يمكن أن تكون قواعد وأسس للحياة العراقية الجديدة ضمن تحقيق الفيدرالية للأكراد في العراق ، ولهذا كانت القضية الكردية احد اسباب سقوط العديد من السلطات الشوفينية التي تعاقبت على حكم العراق . التضحيات التي قدمها الأكراد لم تكن نوع من الترف السياسي أو من أجل مواقف ذاتية أو لمصلحة قائد سياسي أو حزب من الأحزاب ، كان الشعب الكردي في العراق برمته يحارب ويقاتل ويناضل ويضحي من أجل حقوقه المشروعة ، في الوقت الذي كانت القرى الكردية تحرق والبساتين تستباح والمحاصيل تتلف والعوائل من النساء والأطفال يتم دفنها ورميها بالرصاص وتضرب المدن بالكيمياوي والصواريخ وتتوقف الحياة ويتم ترحيل المدنيين العزل الأبرياء الى مناطق صحراوية في وسط وجنوب العراق وتحويل حياتهم الى جحيم لايطاق .
وبقي الكرد شوكة في حلق الطاغية لم يستطع أن يذلهم ولاأستطاع أن يقهرهم وكانت ساحة كردستان الشرارة التي لم تهدأ ولم تنطفي في سبيل أسقاط سلطة الطاغية بالتكاتف والتعاون مع أحزاب الحركة الوطنية العراقية .
وبعد أن تحقق سقوط الطاغية ورحيله دون رجعة ، وبعد أن استعادت الجماهير حقها في الحياة يتحتم على أصحاب الوجدان والضمائر الحية أن يستذكروا أن الاكراد شعب لهم خصوصيتهم وأعرافهم ولغتهم وتاريخهم وانهم لم يأتوا من المجهول وأنهم شركاء في هذا الوطن شراكة أبدية وحقيقية لهم مالنا وعليهم ماعلينا ، وان الأكراد قرروا بواسطة برلمانهم الشرعي وبالأجماع في العام 1992 أن الفيدرالية العراقية تليق بهم ولهم وأنها الشكل المناسب لسياستهم وشكل السلطة التي يريدون والتي سيحققها لهم شعب العراق من خلال الدستور العراقي القادم وشكل السلطة التي نريد للمستقبل .
الخيار الان امام المواطن العراقي في أن يستذكر بوجدان العراقي النزيه وبضمير العراقي المناضل ماقدمه الأكراد من تلك التضحيات العراقية الجسام ، وأن نحقق ما أمرنا الله به من أعطاء كل ذي حق حقه ، وقال الله تعالى في محكم كتابه المبين في سورة البقرة الآية 42
(( ولاتلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون )) .
#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟