أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - جسد مجنون














المزيد.....

جسد مجنون


عدنان الدراجي

الحوار المتمدن-العدد: 2336 - 2008 / 7 / 8 - 11:10
المحور: الادب والفن
    


تعرق كدلو ناضح وجحظت عيناه ثم تخبط ببعضه ووقف تائها وسط شجار أعضاء جسده المُنهك,انتابني الذهول حين رأيت قدمي الرجل يتبادلان ركلات متزامنة مع اشتباك يديه في قتال وحشي, ظهرت جليا تفاصيل العراك على شكل موجات الم متلاحقة اجتاحت صفحة وجه المسكين الشاحب.
لاحق بدموع منسكبة الصراع الصاخب الذي عصف بأعضائه مستسلما إلى عجزه حتى همد المتصارعون بعد ان أضناهم العراك,طلب من يمناه ان تضمد جراح جسده الدامي لكنها أبت وحين توسلها وافقت بشروط, لكنه عجز عن تلبيتها, التفت إلى يسراه مستنجدا فأشارت القبضة المرتجفة إلى فمه ان اصمت, التقط بعض الراحة ثم نهض يجر بدنه عائدا إلى بيته.
قضمت توا نصف قرن من عمري ولم يسبق لي ان رأيت رجلا اتقدت أعضائه حقدا على بعضها بل لم أتخيل ما رأيته أبدا,كنت أتحرق شوقا لمعرفة قصته, لذا ألقيت همومي ومشاغلي خلف ظهري وقصدت بيته.
حفاوته ولطفه أماطا اللثام عن نبل متأصل فيه, خاطبته دون مقدمات قائلا يا شيخ جئت لمرافقتك إلى المستشفى.
شكرني الشيخ كثيرا وقال: لقد غلبت مصيبتي حكمة الأطباء! لذا لن أتعبك دون طائل.
قلت :يجب ان نفعل شيئا.
ضحك وقال: فعلت وفُعل بي الكثير ولمّا أزل كما أنا!
أزعجني يأسه وكدت أصارحه بذلك لكنه أشار إليَّ وقال لا تتعجل أحكامك يا ولدي, سأفشي لك سرا يغنيك عن الظن ثم نفث حسرة طويلة وروى بكلمات تتلظى حسرة وألم انه قبل عقود احتل رأسه عفريت فاجر وقيد إرادته وتحكم بأعضائه وكاد ان يغتصب قلبه الكبير لولا تشبعه ببخور الوالدة الحنون.
فسألته مقاطعا: أكنت تعي ما يدور حولك؟
قال: نعم كنت أرى واسمع, ثم أردف: حاول العفريت اسر عيوني وآذاني ودق أوتاد رجسه فيهما إلا أني نجحت في اتقاء كيده.
فقلت متعجبا: وعقلك؟
قال: حبسه الشرير.
فسألته: كيف عاملك اهلك وناسك؟
قال:قيدوني وحملوني إلى أطباء الأعصاب و أطباء النفس أولا ثم أخذوني بعد يأسهم قسرا إلى الدراويش والسحرة والروحانيين.
قلت :وهل نفعك هؤلاء؟
ضحك وقال: لو كنتُ قد انتفعت بهم لما رأيتَ فضيحتي اليوم.
كان حديثه يمزق الشغاف لكن لهفتي عليه دفعتني لسؤاله: ماذا جرى بعد ذلك؟
قال:ظنوا أني مجنون فأودعوني دار المجانين إلا ان العفريت هرب بي وأعادني إلى دياري.
قلت: وماذا بعد؟
فقال: امسك بي أهلي وقيدوني لكنه احتال عليهم وأطلقني ثم هام بي في الأزقة والأسواق.
قلت : أتركك اهلك هائما؟
قال: ليتهم تركوني.
قلت : ماذا فعلوا لك؟
قال: من عادة العفريت استخدام أعضاء بدني كأسلحة يؤذي بها الناس, فهو يضرب الجيران والأقرباء بقبضتي أو يركلهم بقدمي وأحيانا يرمي عليهم بيدي حجارة أو قاذورات أو يسلط عليهم لساني بأسوأ القول وفاحش السباب فيشتكي الضحايا عند أهلي, حينئذ يلجأ أخوتي إلى هراواتهم فلا ينفعني حينها إنكار ولا استغاثة.
قلت : الم يشفع لك العفريت؟
قال: آه لو تدري كم كان يسعده وقع الهراوات على جسدي العاري.
فسألته : أين العفريت ألان؟
قال : ذهب إلى الجحيم.
فسألته : كيف مات الملعون ؟
فقال: قبل سنين كنت ماشيا في احد الأزقة وعلى هامتي يرقد العفريت فخرج شقيا من بيته, كان هذا الشقي يمقتني بجنون, إذ سبق للعفريت ان قذف أمه بالزنا (بلساني), ومن حيث لا أراه ضرب راسي بعمود من حديد فقتل العفريت حالا وشج رأسي, فرحت رغم جروحي النازفة لكن فرحتي لم تتم!!
قلت : لماذا لم تتم فرحتك.
فقال: انتبهت حال خلاصي من العفريت ان أعضاء بدني قد تمردت علىّ ومضى كل عضو يقاتل الآخر ثم تأوه وقال لا ادري هل تعلم أعضائي المتحاربة ان لا احد غيري يحمل أوزار آلام جراحهم !! ليتهم يعلمون أنني إذا مت سيرافقونني جميعا إلى قبري.
أستاذنته متسائلا : ما الذي دعاها إلى التمرد والتقاتل؟
قال: علمت بعد ان قُضيَّ على العفريت انه كان قد أستأثر ببعض أعضائي وسلب ولائها وجعلها تبايعه على السمع والطاعة ثم سلطها على الأعضاء الأخرى فاستعلت الأولى وترفهت أما الأخرى فقد شقت وأضمرت لهذا قاتلت أحداهما خوفا على ما اكتسبت والثانية طلبا لما فقدت.
قلت: لدي سؤال أخير.
قال : اسأل قبل ان يلهيني عنك عراك جديد.
قلت: لماذا لا تطيعك أعضائك رغم حججك الدامغة؟
قال مستنكرا سؤالي: الم اقل لك ان في عنق بعض أعضائي بيعة لغيري.
قلت: والأخرى؟
قال : تعودت على معارضة الرأس.
فقمت مودعا خوفا من لطمة أو رفسة طائشة تطيح بي خلال عراك أعضاء جسد مجنون.

د.عدنان الدراجي
[email protected]
24/6/2008



#عدنان_الدراجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة صولة العواء
- قصة اغتصاب ظل
- صعلكة
- سياحة
- الوطن البكر
- نزوة شجرة
- قصة أنفاس الفجر
- قصة رائحة بلدي
- نبتة الخلود


المزيد.....




- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - جسد مجنون