|
تصوراتنا للإتحاد المتوسطي ، دراسة مدرسية متبادلة لتاريخ بعضنا
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2336 - 2008 / 7 / 8 - 10:08
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
الإتحاد الأفريقي من الواضح إنه لا يختلف عن جامعة الدول العربية ، فالنتائج التي تمخضت عنها القمة الأخيرة لا تدعم هذا الرأي فقط ، بل إنها تدعو للخجل ، فقد فشل الإتحاد الأفريقي في التعامل مع أهم أربع قضايا .
في ميدان حقوق الإنسان و الديمقراطية ، لم نسمع حتى لوم رسمي لموجابي ، و تم نسيان ما حدث في كينيا ، و لم يلم الإتحاد الأفريقي يوما سجل آل مبارك في هذا الميدان . لقد تعامل الإتحاد الأفريقي مع الأنظمة الحاكمة بنفس نهج جامعة الدول العربية ، أي بمبدأ أن أي نزاع على السلطة ، و أن أي إنتهاك لحقوق الإنسان ، إنما هي مسألة داخلية تخص الدولة ، و لا شأن للإتحاد ، كما الجامعة ، بها .
في ميدان التنقل و الحدود المفتوحة ، لم تُتخذ أي خطوة عملية في سبيل التوكيد على مبدأ حرية السفر و التنقل و الإقامة في بلدان الإتحاد الأفريقي ، رغم أن هذه الحريات هي أبسط الحريات ، و أكثرها بديهية ، فهي التي تؤكد على الوحدة ، و لا تكلف الأنظمة الحاكمة شيء تقريبا ، فلا هي تتعرض لسلوكياتها ، و لا هي تهدد كراسيها .
في الميدان الإقتصادي ، لم تتخذ أي خطوة في سبيل تحرير التجارة ، و الحرية المطلقة لإنتقال البضائع و الأموال ، و حرية الإستثمارات ، و حق العمل ، و هي أهم خطوات لأي إتحاد ، يريد أن يكون على نمط الإتحاد الأوروبي .
في ميدان التنمية الإقتصادية و البشرية - و هما ميدانان تحتاجهما أفريقيا ، بأكثر مما تحتاج أي قارة أخرى ، بفضل همة معظم حكامها في ميادين السلب و النهب منذ الإستقلال - صُدمت بأن كان ما إنتهى إليه البيان الختامي هو الطلب من الغرب زيادة معوناته و إسهاماته المادية ، و كأن قارتنا بإمكاناتها الهائلة - البشرية و الطبيعية - تحتاج أن تقف موقف الشحاذة ، الذي أدمنت القمم ، و معظم الأنظمة الأفريقية ، الوقوف فيه ، و إيقافنا معهم .
لقد كان الأجدر بالإتحاد أن يطلب أو حتى يناشد معظم الحكام الأفارقة التوقف - و لو لهدنة قصيرة - عن النهب .
قليل من الكرامة و الحياء ، يا من كنتم وراء إدراج هذا الطلب .
لندع الإتحاد الأفريقي ، و لننسى آمالنا التي أحبطها ، و لندر أنظارنا من الجنوب للشمال ، إلى باريس ، حيث ساركوزي لا ينفك يعمل من أجل إتحاد متوسطي .
لساركوزي بالتأكيد مخططة – الذي لم يفصح عنه بصورة مستفيضة تجعلنا نستطيع الحكم عليه - و كذلك لكافة الأنظمة البحر متوسطية تصوراتها ، و لكن أيضاً لنا كشعوب المتوسط الجنوبية و الشرقية تصوراتنا ، و قد عالجت في مقالين سابقين تصورتنا الشعبية بشأن السفر و الإقامة و العمل و التجارة و الضرائب ، ثم حقوق الإنسان ، بالمطالبة بمحكمة متوسطية عليا لحقوق الإنسان .
أضيف اليوم تصور أخر ، أو بالأحرى مطلب أخر ، و أعني التبادل الثقافي ، و التعارف الشعبي ، فبمعرفتنا بطبيعة فرنسا ، ندرك الإعتزاز الفرنسي الشديد – الرسمي و الشعبي - بالهوية الفرنسية ، و سعي فرنسا الدائب - منذ قرون - لنشر ثقافتها خارج حدودها .
إنني شخصيا من المقدرين بعمق للثقافة الفرنسية ، و هو تقدير مبني على الإطلاع ، و لكن بالتأكيد من المتسمكين بالهوية المصرية ، و هو تمسك يفوق بكثير ما لي من تقدير للثقافة الفرنسية ، فمصريتي تأتي أولاً في كل ميدان .
لهذا فإنني لا أريد أن يصبح الإتحاد المتوسطي هو حصان طروادة ، أو البوابة التي نفتحها بأيدينا لتتم به فرنستنا ، و محو هويتنا المصرية .
إنني أتطلع لأن يكون هذا الإتحاد قناة تعمل في إتجاهين - بنفس القدر و الهمة - لدعم التعارف و الإحترام و التبادل الثقافي ، بين الشعب المصري و الشعب الفرنسي .
أعتقد إنه ليس خافيا على أحد النظرة الدونية التي ينظر بها المواطن الأوروبي الأن للشعوب الناطقة بالعربية ، و هي نظرة راجعة في جزء منها لما يرونه و يسمعونه في شاشات الإذاعات المرئية ، عن الفقر و القهر الذي يرزح تحتهما مواطن جنوب و شرق المتوسط ، و لكن ذلك جزء ، فالنظرة تلك تعود أيضا للجهل بتراثنا الحضاري فيما بعد الفترة الفرعونية ، و حضارات المتوسط القديمة .
المواطن الأوروبي العادي ، لا يعلم شيء تقريباً عن إسهامات شعوب جنوب و شرق المتوسط الحضارية فيما بعد حقبة الحضارات القديمة ، مثل الفرعونية و الفينيقية .
أن أفضل تعريف ، أن يتم ذلك ليس ببرامج تلفزيونية ، و إنما ببرنامج تعليمي رسمي ، يسمح بأن تختار وزارة التعليم الفرنسية ، سنة دراسية معينة ، بنظام التعليم الفرنسي - و أفضل أن يكون ذلك مرحلة دراسية قرب نهاية فترة التعليم المدرسي – ليتم تدريس مقرر دراسي يُعرف بالإسهام الحضاري لشعوب جنوب و شرق المتوسط ، فيما بعد الإسكندر الأكبر ، فمقرر كهذا سوف يجعل الطالب الفرنسي ، يعلم بأن جنوب و شرق المتوسط ، لم يدخل عصر الظلمات بمجرد تقوض حضاراته الفرعونية ، و الفينيقية – الكنعانية ، و الآرامية ، و غيرهم .
مقرر دراسي كهذا ، سيجعل الطالب الفرنسي يطلع على الإسهام المصري و الجنوب – شرق متوسطي ، في فترة العصر الهليستيني ، و في حقبة الإمبراطورية الرومانية ، و خلال القرون الأربعة الأولى للمسيحية ، و يعلم بصورة رسمية - بعيدا عن المغالطات - بحقيقة الحضارة العربية ، ومدى رقيها .
على الجانب الأخر ، فمن الضروري أن تحظى عصور النهضة و التنوير و الثورة الصناعية بحقها في الدراسة في دول شرق و جنوب المتوسط ، فمن حق الطلبة المصريين في الصف الأول الثانوي ، و طلاب بقية دول جنوب و شرق المتوسط ، أن يطلعوا – بإسهاب - على العصور التي كانت السبب في أن تصبح أوروبا - و بالتالي بقية الغرب - في وضعها المتفوق الحالي في ميداني التقنية و حقوق الإنسان ، و إنحدارنا إلى وضعنا المزري الحالي بعد أن كنا رواد الحضارة الإنسانية .
على أن يكتب تلك المقررات كل جانب فيما يخصه ، فتقدم فرنسا ، و شعوب شمال المتوسط ، المقرر الدراسي المتعلق بالتاريخ الأوروبي منذ عصر النهضة ، و تقدم لجنة مشتركة جنوب - شرق متوسطية ، المقرر المتعلق بتاريخ جنوب و شرق المتوسط ، منذ مجيء الإسكندر الأكبر و إلى بدايات القرن السادس عشر مع مجيء العثمانيين ، و دخول منطقتنا عصر الظلمات العثماني .
أن علينا – نحن المتوسطيين ، في شمال و شرق و جنوب المتوسط – أن ندرك بأن هناك أناس من نوعية جان ماري لوبن ، و تيارات إنغلاقية مصرية و عربية نعرفها ، ترغب في أن تبقى هوة الكراهية قائمة ، تفصل بين شعوب شمال المتوسط من جهة ، و جنوب وشرق المتوسط من جهة أخرى .
لهذا فإن الدراسة الرسمية لتاريخ بعضنا ، هي أحد الجسور الحقيقية ، التي ستقارب بيننا ، و تدعم الإحترام الشعبي بين ضفاف المتوسط ، فالدراسة التاريخية الرسمية ، المعممة على كافة الطلاب ، ستكون أكثر رسوخا في الأذهان من برامج تلفزيونية ، ينمحي أثرها مع أول نشرة أخبار في قناة خاصة لها أهدافها ، أو بمقال في جريدة لا تبغي إلا إبقاء الكراهية بين شعوب شمال المتوسط من جهة ، و جنوب و شرق المتوسط من جهة أخرى .
نريد تعارف راسخ ، لا ينمحي بسهولة ، و نريد إحترام متبادل لأشخاص بعضنا على المستوى الشعبي ، و نريد تعامل ندي ودي يجعل الهامات متساوية ، فلا هيمنة و لا إحتقار ، و لا كراهية .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبد الوهاب المسيري حي بنا
-
لا تنامي يا محلة ، فمن يتحدى آل مبارك لا ينام
-
هل ينقص مصر الطلاب ؟
-
المحكمة المتوسطية العليا لحقوق الإنسان
-
تصوراتنا لإتحاد المتوسط ، السفر و العمل و التجارة و البيئة و
...
-
إستفتاء شعبي لكل قانون ، هو الطريق للحرية و العدالة
-
إتحاد شمال شرق أفريقيا هو الأقرب للواقع
-
أئمة المساجد بالإنتخاب
-
عودة الروح الفرنسية لساركوزي ، و لكنها ليست كما نرغب
-
شارع الخليفة المأمون سابقاً ، الوجه الحقيقي لطاغية
-
المعارضة المصرية بين الدرس النيبالي و خيانة الرابع من مايو
-
دوحة ترحيل المشاكل للغد
-
الساركوزية هي أقرب للبونابرتية و ليست بأي حال ديجولية
-
حتى تعود مصر لمكانتها ، الحلقة الأولى
-
فوتوغرافية هذه الحقبة
-
فأغرقناه و من معه جميعاً ، لا للعفو عن الرتب الصغرى
-
فأغرقناه و من معه جميعاُ ، لا للعفو عن الرتب الصغرى
-
أمريكا على طريق روما ، طريق إلى حرب باردة ثانية
-
لماذا لا تنضم غزة إلى مصر ؟
-
إنهم الخوالف و الأعراب في ساعة العسرة
المزيد.....
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|