أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم شريف - أكياس الخيش - قصة قصيرة















المزيد.....


أكياس الخيش - قصة قصيرة


نعيم شريف

الحوار المتمدن-العدد: 2336 - 2008 / 7 / 8 - 10:34
المحور: الادب والفن
    


قالت : خمسَ عشرةَ شمعةً ، كما لو أنّها تُكَلّمُ نفسها ، وتمنّنتْ لو أنّها أخطأت العدَّ ، وسَمعَها تسألْ : كامل ، هلْ كانوا خمسةَ عشر ؟

وعَنَتْ اولئكَ الذينَ أُعدموا من أبناء الديوانية ، في حزيران من العام 1988 ، واحسّت أن ماءَ النهر باردٌ في أول المساء ، لأنّ أصابعَ يدها كانت مفرودَةً على صفحة الماء ، تطفو على

أمواجه ، حتى بعدَ أن رأت اللوحَ الخشبي المُستَطيل آخذاً الشموع المضاءة بعيداً ، ساحباً وراءهُ ظلالها المُتراقصة على صفحة المياه ،

وقالت له : كُلُّ عامٍ ، في مثل هذه الأيام من حُزيران ، ، آتي الى ضفة النهر هذه ، واشعلُ خمسَ عشرةَ شمعةً ، وأرسلها ، أمانةً ، مع النهر ، واودعُها مُرادي ، ثُمّ ارقُبُها وهي تمضي

وفي ظنّي إنني أخطاتُ في العَدْ ، وكان يجب أن أشعلَ أربع عشرةَ شمعةً ، مؤملةً ، إنّ قدراً ما ، رحيماً ، قدْ اوقفهم عند هذا الرقم .............

نبرةُ صوته عميقةٌ ، ثقيلةُ الوقع ، في أُذُنَيها ، وهو يقولُ ، بهدوء ، هيهات ، لمْ يكن ليوقفهم شيء .



كانت تنظرُ إليه ، وحينَ جلست بقربه على المصطبةَ الاسمنتية ، رأت أن عينيه ، كانتا ، نصفَ مفتوحتين ، أو لعلهما ، نصف مغمضتين ، و إنّ النهرَ ، لاريبَ ، يجري ، وئيداً ،

فيهما الآن ، والشمسُ تنزلُ ، بأناةٍ ، وتختفي وراء الجسر المُعلّق ، وشعرا ، بأنّ النهرَ ، في هدأة الغروب تلك ، يصغي إليهما ، وحركةُ السابلة قد خفّت كثيرأً ، وبدت أصواتُ السيارات

، التي تعبر الشارع ، خلفهما ، مُتباعدةً .

وقالَ لها : متى يبدأُ منع التجوال ؟

- في التاسعة مساءً ، لقد أخبرتك ونحن في المكتب ، قالت .


ونظرَ إليها ، ورأى إنّها قد خلعت حذاءها الجلدي ، سيورهُ السود ، أنيقةُ التصميم ، إنطبعت بوضوحٍ ، على جلد قدميها ، وهي تريحهما على الحذاء ، وفَكّرَ ؛ إنها قد مشت ، طويلاً ، اليوم ،

وإنهما قد مرّا بشارع العلاوي ، عندما غادرا مكتبها في بناية محمد الخضري ، مكتبها الواسع الأثيث ، وتذكّرَ إنّهُ حين جلسَ على المقعد الفخم ، قد إنتبه الى الوردة المرشوقة على الفستان

، فوق ثديها الأيمن تماماً ، كما لو أنها نبتت من قماشة الفستان الجرجيت الأسود ذاته ، وإنّ السواد العاجي لنسيج الفستان يوحي بألفة مطمئنة مع بياض أسفل الرقبة وسمعها تقول :

- شاي أبو أياد ، صوتها فيه دلالٌ عريق ، وإنّها نظرت إليه وإبتسمت

وقالت : خمسُ دقائق فقط ، إتّفقنا .

وأخذت تتصَفّح أوراقاً رُبطت الى إضبارةٍ صفراء ، مكتوبٌ عليها ، محكمة بداءة الديوانية الأولى ، وظلّ يتأملُ إطراقتها المهمومة ، شعرها الكستنائي ، يلمعُ تحت ضؤ النيون ، ببريقٍ

بني ، أخذَ يُطيلُ النظرَ الى منابت الشعر المشدود والى القرطين الذهبيين المشغولين على هيأة عنقودي عنب ، تُثقلان شحمتي أُذُنيها ، وفكّرَ ؛ إنّها بعد كل هذه السنين ، مازالت بهية الجمال ،

ووجدَ نفسهُ ، ينظرُ الى صورة التخرّج ، المُعلّقة على الحائط ، محاولاً أن يجدها بين أربعة صفوفٍ من طُلابٍ يرتدونَ ثياب التخرج السود ، وإنّهُ تَعَرَّفَ على الملامح الحزينة للمحامية الشابّة

، وعرف إنها من خريجي دورة 1987 - 1988 ، كلية القانون ، جامعة بغداد ....... وتساءل : هل عرفت ، حينها ، بالأمر ؟

هناك صورةٌ أخرى بادية القِدم ، تشدّهُ على نحوٍ ما ، يرى فيها رجلين ، ، أحدهما ، ينظرُ بتحدٍّ وغطرسةٍ الى الكاميرا ، كان يعتمرُ غطاء رأسٍ ، أشبهُ بخوذةٍ حافتها مستديرة الشكل ، وسترةٍ

كابيةٍ و كان بنطالهُ منفوخاً عند الفخذين وجزمتهُ طويلة العنق ، واضعاً ، تحت ، إبطه الأيسر ، عصاً صغيرة ، وكان كلبٌ أسودٌ صغيرٌ يُقعي عند قدميه ، أما الآخر ، فيبدو بيشماغهِ وعقاله

ووالملامح البدينة الجامدة ،مضطراً ليكون في المشهد ، كانت الكلمات المكتوبة عاى الورق المقوّى ناشفةَ الحبر ، قديمةً .


( سعادة ، الميجر ديلي ، قائد القوات البريطانية في لواء الديوانية ، صحبة ، الوجية الحاج ، صلال البو حسن ، آيار ،1920 )


- هذه صورة جدي الحاج صلال مع الميجر ديلي ، أنت تعرفهُ ، اقصد لابد أنك قرأت شياً عنهُ ، جاءهُ صوتها ، مُعلّقاً .

- أيهما جدُّكِ ؟ سألها ، مماحكاً دون أن ينقل بصرهُ عن الصورة ، تفاجأ بضحكتها القصيرة ، عذبةُ الرنين ، شعرَ حين رآها ، في المرة الأخيرة وبعد غيابٍ طويل ، بأنّها لن تضحك أبداً .

_ ليس الذي يرتدي البزة العسكرية على كل حال .


إستدار نحوها ، ورأى ، (( ..... إنّ العينين الزرقاوين مازالتا تحملان بقايا ضحكتها ، العينين الواسعتين ، تشعّان بلونهما الفيروزي الرقراق ، تحت ضوء الشتاء الصباحي ، الضوء

المُتسرّب من قطعة الإسبست المخلوعة من سقف السوق ، حيثُ اوقفها ، في أوج إحتدام السوق ، بالرائحين والغادين ، وسط ذهولها ، هي ، عمّأ إذا كانت ترغب بسماع شيءٍ عن محمود

بعد أن مرّ على غيابه أربعة اعوام ، وقتها ، إحتشدت عيناها الزرقاوان بغضبٍ عارم ، مازال يتذكرُ ذلك ، رأى التشكيك في عينيها ، لكنّها، ظللت تحدق فيه بصمت ، ذكرَ إسمهُ ،


- آه ، إذن ، أنت كامل مزهر ؟


-نعم


- ومتى أخرجوك من السجن ؟


- قبل اشهر ، حوالي ستة اشهر

- هل مازلت تسكن في حي رمضان ؟

- نعم وفي البيت نفسه


- كثيراً ماحدثني محمود ، عنك ، أقصد علاقتكما ، كان يُخبرني عن اشياء كثيرة بينكما

_ ........

- أكادُ اعرفك من الصور التي اراني إياها محمود ، لكن ، يبدو شكلك مُختلفاً عن الصور

- نعم كنا بالكاد نرى الشمس

- الله يساعدكم ، كيف يمكن ان نلتقي ؟ أريدُ معرفة كل شيء عنه

شعر أنه وضع نفسهُ في مأزق ، تتكلم عنه كما لو كان حيّاً ، ومن منعطف شارع المكتبات ، رأى ضابط الأمن السياسي الذي حققَ معهُ ، قادماً بإتجاههما ، وشعر بأنّ قدميه


لاتقويان على حمله ، وتذكّرَ إنّهُ قال لها بإرتباك : إذهبي الآ ن ، ساراك فيما بعد ....... ولعلهُ ، الى الآن ، يتذكر ملامحها المباغته ... ))



حين دخل أبو اياد فاتحاً باب المكتب ، إمتلأت الغرفةُ بضجيج المولِّدة الكهربائية ، وضع قدح الشاي على الطاولة الصغيرة ، وسالها :


- هل تأمرين بشي آخر ، استاذة ؟

- شُكراً أبو اياد ، تستطيع الذهاب الآن .

- في أمان الله

- في أمان الله


عندما أغلق ابو أياد الباب الخشبيةَ وراءهُ ، إنقطع ضجيجُ المولّدة الكهربائية ، تماماً ، وساد الغرفة هدوءٌ لذيذٌ ، وكانت قد قالت لهُ ؛ إ نّها تريدُ شراء عددٍ من الشموع

وإشعالها وإطلاقها مع مياه النهر ، جزءٌ من تقليدٍ تفعلهُ كل عام ، أودُّ لو ترافقني ، قالت .


- هل نخرج الآن ؟ قال


- نعم ، قالت

فتحت احد الادراج ، أخرجت شالاً اسود اً ،لفته، حول رأسها ، بإهمال ، أطفأت مصباح النيون ، ثم جهازالتكييف، عندها إنقطع الازيز المتواصل في راسه وشعر بشيءٍ

من السكون ، اغلقت الباب ونزلا من مكتبها في الطابق الثاني الى الشارع العام ، واحسّ بسطوة شمس السادسة عصراً ، وإنّ هذا السطوع البهي لاشعّتها يُغشي عينيه ، فلا

يستطيع تمييز الأشياء بدقةٍ ، وكان يسمع الطرق الموقِع ، لحذائها ،على البلاط الشتايكر ، تسير الى يمينه ، كانا يمرّان بالباعة المنتشرين ، على طول شارع العلاوي ،

يفترشون الأرض ،باشيائهم القديمة والمستعملة ، ثمّ يمران ببائعات الدجاج والبط والخضيري ، يحتضنّ زنابيل الخوص المفروشة بالتبن تراكم عليها البيض بأنواعه

اولئك النسوة بعباآتهن الناصلة ووجوههن التي غزاها الذبول ، يتطلّعنَ الى مشترين محتملين ،


( ........ يراهم الآن قبل عامٍ واحدٍ من إعتقالهم ، يركنون سيارتهم ، سيارة محمود ، الفولكس فاغن ، البرازيلي الحمراء ، على الجانب الأيمن

من شارع العلاوي ، غيرُ بعيدعن بائعات الدجاج والبط ، ، ينزل هو أولاً ، ثم من الباب الآخر ينزل حيدر حنون ، يطفيءُمحمود محرك السيارة،

فينقطعُ ، فجاةً ، صوت حسين نعمة ، كلمات (( غريبة الروح )) موجعةً في خواطرهم ، سُلطانها طاغٍ ، جعلهم صامتين ، طوال الطريق من حي الجزائر

الى هنا ، اقفل محمود باب السائق ، عبروا طارمة محلات بيع الفواكه ، كانوا متجهين الى محل جوني الآثوري للمشروبات الكحولية ، قرب كراج الدغارة،

حين وصلوا الى نهاية سوق التجار ، رأوا صبيةً يُمسكونَ أكياساً من الخيش ويُحكمون إغلاقها من الأعلى ن وكانت الأكياس مُثَقَبَةً ثقوباً صغيرةً من جوانبها ،

وتصدرُعنها ، أصواتُ سقسقةٍ خافتةٍ وحركتها دائبةٍ ولكنها محبوسة ٌ ، داخل الأكياس ، والصبيةُ يصيحون ؛ زرازير الواحد بخمسةٍ وعشرين ، زرازير الواحد

بخمسةٍ وعشرين ، وكان تسمّرَ لحظتها ، لايستطيع المشي خطوةً واحدةً ،عندها سألهم عن عددها ، قالوا ؛ إثنان واربعون زرزوراً ، اخرج الدينار الوحيد من جيبه

عَرَضَ شراء الأكياس الثلاثة ، بدينار ، فوافقوا ، في تلك اللحظة ، طلب منهم فتح الأكياس على وسعِها، نظرالصبية الى بعضهم ضاحكين ، ثم فتحوا الأكياس الثلاثة ،

، إنطلقت الزرازير في غيمةٍ خضراء صاخبةَ الرفيف ، تصعدُ نحو السماء بفرحةِ الحرية ، وفؤجي ء ، هو ، بتصفيقٍ لا إراديٍ حادّ ،من جمع الناس المُتَحلّقين ،تصفيقاً

شبيهاً بخفقِ أجنحة الزرازير الصاعدة نحو السماء ، وإنّهُ رأى الشاب العشريني ، يخطو نحوهُ ، من بين الجمع ، كَمُّ قميصهِ الايمن ، تتدلى ، فارغةً بلا ذراعٍ ، في


عينيه خجل ريفي ، قالَ؛ إنّها إعاقةُ حربٍ ، خوية ، يدي اليمنى بقيت في المحمرة وأنا هنا لا أستطيع التصفيق مثلهم ، ورأى ، في عينيه ، إبتسامةٍ مقهورة ، وشعرَ بنفسه وهو

يضمّهُ ، بقوةٍ ، إليه ، وعلّقَ أحد الاشخاص الواقفين - هل هذا اليوم هو يوم تبييض السجون ؟ فإرتفعت الضحكات من بين الناس الذين تجمّعوا ، كانوا حشداً من عمالٍ وأفنديّة

ونسوةٍ متبضعات ،وجنودٍ قادمين من الحرب في إجازاتهم ، يقضون أيام الإجازة السبعة ، واقفين عند نهاية سوق التجار ، بثيابهم المدنيّة ورؤوسهم الحليقة ، ينظرون الى الناس

والأشياء بعيون نهمة الى الحياة ، ربما هي آخر النظرات التي يرمقونَ بها هذا العالم ، قبلَ ان تاكلهم الحرب ،.....وأحسّ ، أنّ الأرض َ ، تحت ، قدميه ، رَ خِصَةً ، وإنّهُ يطير

، في هذه اللحظة ، نحو السماء ، يشعرُ ببرودة الهواء النقي ، في الأعالي ، وهو فوق المدينة الآن ، اعلى ، كثيراً ، من خزانِ مائها الحديدي ، وأعلى من سكلة السمك وعلوة الخضراوات

، يرى بيوتها الصغيرة , ينظرُ، بعطفٍ ، الى ساكنيها من البشر ، اهلها الأرضيين ، مُكبذلين الى إسفلت شوارعها ، بحبالٍ لامرئية .......))



إ لتفتا سويّّة الى مصدر الصوت ، صوت صرير الدبابات الأمريكية ، على إسفلت الشارع ، يسري ، تحت جلد ه ، بقشعريرة مزعجة ، وجنود الدبابات ، في ابراج المراقبة ، يرتدون

خوذاتهم المُرقّطة ونظاراتهم السود ، فوّهات بنادقهم تدورُ ، بحركةٍ نصف دائرية ، مصوّبةً فوّهاتها الى حشود الناس ، وحاول أن يقف ، وتذكر إنّها امسكته من يده وسحبته الى فرعٍ صغيرٍ

يؤدي الى شارع المصورين ،....



- كامل أين رحت ؟

- لا أبداً ، تذكرتُ ، فقط ، مارأيناه اليوم ، هل رأيت كيف يوجّهون اسلحتهم الى الناس ؟

- رأيت . بالمناسبة ، كان ممكن جداً أن يطلقوا النار عليك

- شكراً لإنقاذك حياتي

- لك مطلق الحق في أن تسخر أولاتصدق ولكن ثق تماماً بأنهم قادرون


- ثقي إنني لااسخر ، اردتُ أن أقول إنه إحساس شخصي بالمهانةفقط ، ليس بطولة بل إحساسٌ بل العجز التام


كانت تنظرُ إليه بإندهاش ، تحاول أن تستوعب صمته ، وإنّهُ يبدو كالغائب ،وفكّرت إنّهُ ، لاريب ، صريعٌ آخر للحنين ، مثلها تماما ، ورأتهُ يتامل النهر ، نظرتهُ وديعة، لكنّها حزينة،

وسألته - هل تفتقدهُ ؟

وعرف أنّها تقصد محمود ،

- أنا لم أنسه أبداً . قال


- أما أنا ، قالت : فمنذُ اليوم الذي إعتقلوهُ فيه ، صارت تذهب الى محطّة السكك الحديد في حي السكك ، تظلّ واقفةً في بهو المحطّة ، في إنتظار قطار الرابعة ظهراً

، وكانت تعرف أنّ تلك العربات الطويلة الخضر ، لم تكن لتحمل ايّ وعدٍ ، ولكنها أرادت أن تمسك بتلك اللحظة المشتركة (( بين روحينا )) تلك اللحظة

المُعلّقة ، أراها ، بكل تفاصيلها ، في ذلك المكان ، هل تعرف ما أعني ؟ أقصد عندما تفتقد إنسانا بشكلٍ موجع .. و قالت ؛ إنّهُ ركض إليها ، نازلاً بسرعةٍ ،

من العربة ، متقدماً (( بابا )) وإحتضنها وأحاطت هي بجسده الصغير ، جسده ذي السنوات العشر وكانت ، هي ، تكبره ، بأربعة اعوام ، وقال لها إنّهُ

إفتقدها ، وأن بغداد جميلة لكن مدينة الطب كئيبة ومملّة ، كان ذلك بعد اسبوعين من مرافقة بابا ...مرات اجد نفسي وحيدةً في المحطّة لايوجد ناس

دا تفهم وايضاً ليس هناك قطار ياتي في الرابعة .. ماكو قطار...

وسكتت فجأةً ، ورأت أن القمرَ امسى صغيراً وبعيداً في السماء ولكنّه سائلٌ وفضيّ ٌ في مياه النهر ، وعندما نظرت أليه وجدته يُمعن النظر إليها

ورأت في عينيه دموع وقالت له بحنان - ياه ، انت ايضا تعيش في الأمل ؟

- كلنا نعيش في الأمل

- اعني إنني طالما فكّرتُ إنّهُ حي ٌ ,في مكانٍ ما ، وسيأتي يوماً ما ، ربما أكون واهمة ً، ولكن إثبت لي إنني واهمة ، أنت تعرف إنهم كذابون ، أقصد

حين أتى رجل الأمن ، سلمنا ورقة ، ورقةً فقط ، تقول الورقة إنّهم اعدموه ، قبل ذلك ، كانوا يأتون لأمي ويقولون لها إشتري حياة إبنك ، ماقيمة عشرين

الف أمام حياته ، كانوا يعرفون أنها سيده ثرية ، قالوا لها إنهم سيُزيلون إسمه من قائمة المحكومين بالإعدام ، سيجعلون الرقم أربعة عشر من مجموع الثلاثة

وعشرين وليس خمسة عشر ، وقد ماتت من الحسرة بعد شهرٍ من تسلّمنا تلك الورقة ، كانت تظن أن رشوتهم ستوقفهم عن ..


- كانت ساعة متأخرة من الليل ، فتحوا مزاليج أبواب السجن بحركةٍ صاخبة ، صاحوا على أسمه بصوتٍ مـهدّد ، قال ؛نعم ، فتحوا باب الزنزانة ، وضع

العريف عباس العصابة على عينيه ، بينما قيّده المفوّض مكي بالقيد الحديدي ، سحبوه خارج الزنزانة ، كان ، هو ، في تلك اللحظة يسترقُ النظر من شباك

زنزانته المُقابلة لزنزانة محمود ، وتذكّرَ نظرة عينيه ، عينيه الزرقاوين ، كانّما توقفتا ، في لحظةٍ ، على شيءٍ ما ، يراه وحده ، لم ينسَ ابداً تلك النظرة ،

بعدها مرّ الوقت ثقيلاً ، وشعر إنّه نام لبرهة ، حين اوقضته المزاليج وهي تُفتح بقوة ، وشعر بهم يدخلون ، وكان ذلك ساعة الفجر ، كانوا اربعة هذه المرة ،

فتحوا باب الزنزانة والقوه فيها ، تذكّر الصوت المكتوم ، لجسده ،على البلاط الإسمنتي لأرضية الزنزانة ، أنتظر ليذهبوا ، بعدها ، ناداه هامساً ، محمود ،

محمود ، لم يتلقَ إجابةً ، في الصباح ، أتى الشرطي عبد الزهرة ليخرج السجناء الى الحمام ، حين فتح باب الزنزانة وجده ملقى عليها ، عيناه مفتوحتان

بتلك النظرة ، نفسها ، النظرة المتفاجاة بشيءٍ تراه وحدها ، ركله عبد الزهرة بقدمه ، فإرتدَّ عليه الجسد ، اسرع عبد الزهرة لُيبلغ عن موت السجين في الزنزانة

رقم 4

عندما كانت تستمع إليه ، إنتبه ، الى أنها كانت تشهق بقوةٍ ، كما لو أن العالم فرغ ، فجأة ً من الهواء ، ورأها تطلب النَفَس ، وإحتظنها وصعدا الدرجات

الى الشارع ، وكانا يسيران في الظلمة المتصلة ، ورأى هو عشرات من أكياس الخيش تخرج منها الزرازير أجنحتها تخفق بقوة طائرة نحو السماء، غيمة خضراء

مجنونة




بنسلفانيا
10 - حزيران - 2008






#نعيم_شريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفاشيّة الأبدية : أربع عشرة طريقةً في النظر الى القمصان الس ...
- قصة قصيرة ........ تلك البلاد
- السجن والرواية خيمياء الألم ولوعتهُ
- سرير الرمل- لسلام إبراهيم تنويعات سردية على موضوع واحد
- سرير الرمل- لسلام إبراهيم تنويعات سردية على موضوع واحد
- العنف في الأدب الإنساني أو لعنتنا الدائمة
- نساء الظّل: قراءةٌ في كتاب ميادة ابنةُ العراق
- قراءة في كتاب حميد العقابي أصغي إلى رمادي


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم شريف - أكياس الخيش - قصة قصيرة